في 15 أكتوبر الماضي، استقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في القاهرة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ولي عهد المملكة العربية السعودية ورئيس مجلس الوزراء، في زيارة هي الثامنة من نوعها لسموه. ووفقاً لما أعلنه الديوان الملكي السعودي، فقد استهدفت الزيارة بحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية الأخوية والقضايا ذات الاهتمام المشترك، وأنها ستشمل مباحثات متعلقة بملفات إقليمية، على رأسها الوضع في غزة ولبنان والبحر الأحمر والسودان. كما تتضمن أجندة الزيارة توقيع عدد من الاتفاقيات الاقتصادية، ومباحثات موسعة بشأن الاستثمارات السعودية الحالية والمرتقبة في مصر.
وتكتسب زيارة ولي العهد السعودي لمصر أهمية بالغة، سواء بالنظر إلى توقيتها أو دلالاتها، وأيضاً ما خلصت إليه من نتائج، وذلك على التفصيل التالي:
أولاً: أهمية الزيارة من حيث التوقيت:
جاءت زيارة سمو ولي العهد في خضم سلسلة من التطورات الإقليمية بالغة الخطورة والتعقيد، أبرزها:
- مجازر إسرائيل وجرائمها المتواصلة ضد المدنيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتصميمها على توسيع رقعة جرائهما لتشمل المواطنين الأبرياء في لبنان وسوريا واليمن. وبجانب سلسلة الاغتيالات الموجهة التي استهدفت قادة حماس وحزب الله، أعلنت إسرائيل الحرب على الأمم المتحدة، وعلى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين وحظرها، وسط تقارير دولية موثقة تشير إلى أعمال حصار وتجويع متعمد للسكان في الجزء الشمالي من قطاع غزة. وتعرضهم لقصف شديد ومتواصل ومطالبات بالإخلاء.
- جاءت القمة أيضاً وسط جدل واسع النطاق حول الأهداف التي ستهاجمها إسرائيل، في ردها المحتمل على الهجمات الصاروخية الباليستية الإيرانية ضد إسرائيل في الأول من أكتوبر الماضي، والتي وصفت بأنها الأكبر في تاريخ الصراع ضد إسرائيل، وما إذا كانت هذه الهجمات ستشمل البنية التحتية النفطية الإيرانية والمنشآت النووية، أم ستكتفي إسرائيل بضرب أهداف عسكرية فقط. وارتباطاً بذلك، اسفرت العلميات الإسرائيلية على لبنان عن نزوح أكثر من 1.2 مليون لبناني حتي الآن، كما باتت قوات اليونيفيل في جنوب لبنان هدفاً للضربات الإسرائيلية.
- تجئ القمة في وقت يكشف فيه التصعيد الإسرائيلي المتواصل واتساع رقعة الصراع الى التراجع الشديد، إلى حد الانعدام، للنفوذ الأمريكي في عملية صنع القرار الإسرائيلية منذ هجوم 7 أكتوبر 2023م. ورغم ذلك يتواصل الدعم العسكري والسياسي الأمريكي المطلق لإسرائيل، وأخره ارسال واشنطن منظومة الدفاع المتطورة المضادة للصواريخ (ثاد) لتعزيز الدفاعات الجوية لإسرائيل.
أما الموقف الأوروبي، فقد اتسم بقدر كبير من السلبية، وانخراط دول من الاتحاد الأوروبي في الدعم العسكري والسياسي لإسرائيل منذ البداية، وذلك على خلاف عدد محدود من الدول أبرزها اسبانيا، التي دعا رئيس وزرائها المفوضية الأوروبية مؤخراً إلى اتخاذ موقف بشأن تعليق اتفاقية الشراكة مع إسرائيل، كما دعا دول الاتحاد الى وقف صادرات الأسلحة الى إسرائيل.
- جاءت الزيارة في وقت يشهد تصاعدا في هجمات الحوثيين على السفن التجارية، التي تعبر جنوب البحر الأحمر ومضيق باب المندب، مستخدمين مجموعة متنوعة من الأسلحة، والتي زادت درجة تطورها خلال الازمة لتشمل الصواريخ المضادة للسفن. وقد قام الحوثيون بتوسيع منطقة الحظر الجغرافي لتشمل خليج عدن، وبات تهديدهم للأمن البحري متعدد المجالات، بما في ذلك الصواريخ والطائرات بدون طيار والعبوات الناسفة المحمولة على الماء، وحتى عمليات الاختطاف. وتبدو أثار النشاط الحوثي متعدد الابعاد، ليس فقط في عرقلة طرق التجارة، حيث فقدت قناة السويس، كممر رئيسي للتجارة الدولية، نسبة 60% من عائداتها، ولكن أيضاً تغيير مسار المساعدات الإنسانية والمخاطر البيئية.
ومن المهم التأكيد هنا على أن الحوثيون بدأوا هجماتهم البحرية أواخر عام 2023م، في وقت كانوا منخرطين فيه في محادثات دبلوماسية مع المملكة العربية السعودية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في اليمن. ويبدو الحوثيون اليوم أقل اهتماماً بالتوصل إلى وقف لإطلاق النار مما كانوا عليه قبل عام واحد.
- ارتباطاً بما تقدم، تجئ القمة المصرية / السعودية في وقت تمزق الحروب دولتين في البحر الأحمر وخليج عدن هما اليمن والسودان. وتكشف العديد من الديناميات عن مساحات جيوسياسية جديدة للتنافس والصراع وإعادة الاصطفاف والتدخلات السياسية من قبل لاعبين من داخل وخارج المنطقة في هاتين الدولتين.
ومما لا شك فيه أن العودة التدريجية للنفوذ الإيراني في منطقة البحر الأحمر - سواء مباشرة أو من خلال التحالف مع دول أخرى – هو تطور ينطوي على انعكاسات سلبية على أمن منطقة البحر الأحمر وتعريض مصالح الدول المطلة عليه للخطر.
ثانياً: دلالات الزيارة:
بالنظر إلى ثقل الدولتين في العالمين العربي والإسلامي، تشير التجربة التاريخية الى أنه في أوقات الازمات، كثيراً ما تسعى القوتين الإقليميتين إلى بذل الجهود السياسية والمساعي الدبلوماسية للتعامل مع تلك الازمات، ووقف التردي الحاصل في عدد من الملفات، وذلك من خلال تحرك مشترك من منطلق المصالح الوطنية والإقليمية، والرغبة في التوصل إلى حلول وسط لتلك الازمات، حتى وأن اختلفت الأولويات بين الحين والأخر.
وتستمد علاقات البلدين قوتها وزخمها من ثوابت كانت دائماً شكل ركناً اساسياً في تعزيز الترابط بينهما، لترتقي الى مستوى العلاقة الاستراتيجية. وفي هذا السياق، يتبنى البلدان مواقف متقاربة إزاء العديد من القضايا السياسية والأمنية التي تهم الدولتين وتشغل الإقليم في الوقت الراهن. وتزداد أهمية هذا التنسيق والتشاور بسبب الأوضاع المتفاقمة التي تشهدها المنطقة والتحديات الأمنية التي تفرض المزيد من المسئولية على الدولتين من اجل العمل المشترك، ولا يخفى حقيقة أن ارث مواقف بعض الدول العربية وتناقضاتها، بما فيها ليبيا والسودان وسوريا واليمن، هي كلها تحديات تستوجب التشاور والتنسيق الوثيق بين مصر والسعودية، وعلى أعلى مستوى، خاصة في هذا التوقيت البالغ الخطورة والصعوبة.
في السياق عاليه، من المهم الإشارة الى ما خلصت آليه القمة حول القضايا عاليه، من واقع ما تضمنه البيان المشترك الصادر في ختامها، وبصفة خاصة ما يلي:
- حول تطورات الأوضاع في فلسطين، شدد البيان المشترك على ضرورة السعي لهدنة مستدامة ووقف دائم لإطلاق النار ورفع الحصار عن قطاع غزة، وحماية المدنيين وفقاً للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني. ورفض الجانبان، بالقطع، أي محاولات لتغيير الوضع التاريخي والديني والقانوني القائم في القدس، وإدانة الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على المقدسات الإسلامية فيها.
وقد أكد الزعيمان ضرورة تكثيف الجهود للوصول إلى تسوية شاملة وعادلة للقضية الفلسطينية، وفقاً لمبدأ حل الدولتين، ومبادرة السلام العربية، وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، بما يكفل للشعب الفلسطيني حقه في إقامة دولته المستقلة على حدود عام 1967م، وعاصمتها القدس الشرقية.
وفي هذا الصدد، ثمن الجانب المصري استضافة المملكة العربية السعودية للقمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية في الرياض، مشيداً بقيادة المملكة للجهود المبذولة في تنفيذ قرارات القمة. وترأسها للجنة الوزارية المكلفة من القمة لبلورة تحرك دولي لوقف العدوان على غزة، والضغط من أجل إطلاق عملية سياسية جادة وحقيقية لتحقيق السلام الدائم والشامل، وفق المرجعيات الدولية المعتمدة. وثمن الجانب السعودي الجهود المصرية الدؤوبة منذ بداية العدوان على قطاع غزة، والدور المحوري الذي تقوم به مصر في السعي للتوصل لوقف إطلاق النار، وكذا قيادتها المقّدرة لعملية تنسيق وايصال المساعدات الاغاثية لقطاع غزة. ورحبّ الجانبين في هذا الصدد، بإطلاق" التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين"، بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي ومملكة النرويج، وجددا دعوتهما لبقية الدول للانضمام الى هذا التحالف.
- في الشأن اللبناني، أعرب الجانبان عن بالغ قلقهما من التصعيد الإسرائيلي في لبنان، واكدا حرصهما على أمن واستقرار ووحدة الأراضي اللبنانية، والمحافظة على سيادة لبنان وسلامته الإقليمية، وعبرا عن تضامنهما الكامل مع الشعب اللبناني الشقيق في الازمة الراهنة. كما جدد الجانبان التأكيد على أهمية اضطلاع المجتمع الدولي، وخاصة مجلس الامن الدولي، بمسئوليته والعمل على وقف فوري ودائم لإطلاق النار في لبنان، وعدم اتساع نطاق الصراع القائم في المنطقة.
- في الشأن اليمني، أكد الجانبان دعمهما الكامل لمجلس القيادة الرئاسي في الجمهورية اليمنية، وأهمية الدعم الكامل للجهود الاممية والإقليمية للوصول الى حل سياسي شامل للازمة اليمينة، بما يضمن للشعب اليمني الشقيق وحدة بلاده واستقرارها وأكد الجانبان أهمية انخراط الحوثيين بإيجابية مع الجهود الرامية الى انهاء الازمة اليمنية، والتعاطي بجدية مع مبادرات وجهود السلام.
- أخيراً أشار البيان إلى تأكيد الجانبين أهمية المحافظة على أمن واستقرار منطقة البحر الأحمر، التي تعد حرية الملاحة فيها مطلباً دولياً لارتباطها بمصالح العالم أجمع، وضرورة تجنيبها أي مخاطر أو تهديدات تؤثر على الأمن والسلم الإقليميين والدوليين وحركة التجارة العالمية والاقتصاد الدولي.
ثالثاً: ما خلصت إليه الزيارة من نتائج على الصعيد الثنائي:
يشير البيان المشترك الصادر عن القمة الى أن العلاقات الثنائية بين البلدين في مختلف المجالات، والرغبة المشتركة في المزيد من تعميقها وتوسيعها، حظيت بمساحة معتبرة خلال زيارة سمو الأمير ولي العهد.
في السياق عاليه، يمكن الإشارة الى النتائج التالية للزيارة:
- توقيع محضر تشكيل "مجلس التنسيق الأعلى المصري السعودي"، برئاسة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء "ليكون منصة فاعلة في سبيل تعزيز العلاقات بين البلدين الشقيقين ودفعها نحو آفاق أرحب، بما يعزز ويحقق المصالح المشتركة".
- توافق الجانبان على أهمية تعزيز الجهود المبذولة لتطوير وتنويع قاعدة التعاون الاقتصادي والاستثماري بما يحقق تطلعات قيادتي البلدين في ظل الشراكة الاستراتيجية المتميزة بينهما البلدين. كذلك توافقاً على أهمية استمرار العمل المشترك لتنمية حجم التبادل التجاري، وتذليل أي تحديات قد تواجه تنمية العلاقات التجارية، واستمرار عقد مجلس الاعمال المشترك، وتكثيف تبادل الزيارات الرسمية والوفود التجارية والاستثمارية وتشجيع إقامة المشاريع المشتركة، وعقد الفعاليات التجارية والاستثمارية، لبحث الفرص المتاحة والواعدة في ضوء "رؤية مصر 2030" و "رؤية المملكة 2030"، وتحويلها الى شراكات ملموسة.
وقد نوه البيان المشترك، في هذا السياق، إلى أن المملكة هي الشريك التجاري الثاني لمصر على مستوى العالم، وان حجم التبادل التجاري بلغ حتى النصف الأول من عام 2024م، ما يقارب 8.4 مليار دولار، بمعدل نمو 41% مقارنة بنفس الفترة من العام 2023م.
- توافق الجانبان على أهمية رفع وتيرة التكامل الاستثماري، واستمرار الجهود الحثيثة من أجل تعزيز البيئة الاستثمارية للقطاع الخاص وتذليل التحديات التي تواجه المستثمرين.
وقد رحب الجانبان بتوقيع اتفاقية "التشجيع والحماية المتبادلة للاستثمارات"، لتمكين وتعزيز الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة في جميع المجالات بين البلدين، وتوفير بيئة استثمار محفزة وجاذبة للقطاعات الواعدة والاستفادة من الفرص الاستثمارية في البلدين.
- حول التعاون في مجال الطاقة، أشاد الجانبان بتقدم العمل في تنفيذ مشروع الربط الكهربائي بين الشبكة السعودية والشبكة المصرية، الذي يعد أكبر مشروع ربط كهربائي في المنطقة. وأكدا أهمية تعزيز التعاون القائم في مجالات الكهرباء والطاقة المتجددة وتقنياتها وتطوير مشروعاتها وفرص الشراكة في هذه المجالات.
واتفق الجانبان على أهمية تعزيز التعاون في مجال كفاءة الطاقة، وترشيد استهلاكها في قطاعات المباني والنقل والصناعة، ورحبا ببحث سبل التعاون بينهما في مجال الهيدروجين النظيف، وتطوير التقنيات المتعلقة بنقل الهيدروجين وتخزينه، وتبادل الخبرات والتجارب لتطبيق أفضل الممارسات في مجال مشروعات الهيدروجين النظيف. كذلك أكد الجانبان على أهمية تعزيز التعاون في عدد من المجالات، بما فيها الابتكار، والتقنيات الناشئة ومنها الذكاء الاصطناعي في قطاع الطاقة.
- أكد الجانبان أهمية تعزيز التعاون والشراكة في مجالات: الاتصالات، التقنية، الاقتصاد الرقمي، الابتكار، الفضاء، النقل والخدمات اللوجيستية، القضاء والعدل، مكافحة الفساد، الثقافة، السياحة، البرامج والأنشطة الرياضية بين البلدين، التعليم العالي والبحث العلمي، الاعلام، الصناعة والتعدين وحماية البيئة.
- فيما يتعلق بالتعاون الدفاعي والأمني، عبر الجانبان عن عزمهما على تعزيز التعاون والتنسيق في المجال الدفاعي، بما يخدم ويحقق المصالح المشتركة للبلدين، وأشادا بمستوى التعاون والتنسيق الأمني القائم بينهما، وعبرا عن رغبتهما في تعزيزه، خاصة في مجالات مكافحة الجرائم بجميع اشكالها، ومكافحة المخدرات، وجرائم الإرهاب والتطرف وتمويلهما، وأمن الحدود، والأمن السيبراني، وذلك من خلال تبادل المعلومات في هذه المجالات، بما يسهم في دعم وتعزيز أمن واستقرار البلدين وتحقيق الامن والسلم الدوليين.
واتفق الجانبان على أهمية تعزيز التعاون بينهما لنشر ثقافة الاعتدال والتسامح، ومحاربة الغلو والتطرف، وخطاب الكراهية والإرهاب، والتصدي للمفاهيم والممارسات التي تتعارض مع القيم الإسلامية والعربية.
- عبر الجانبان عن تطلعهما الى تعزيز التعاون في مجالات الغذاء والدواء والأجهزة الطبية وتطوير اللقاحات والأدوية، وأدوات التشخيص، والبحث العلمي، والتطوير التقني، والعمل من خلال المنظمات الدولية على مواجهة تحديات الصحة العالمية.
هذا وتجدر الإشارة الى أن الزيارة جاءت بالتوازي مع استضافة القاهرة لاجتماعات فريق العمل الأول المعني بمتابعة التوصيات الصادرة عن اجتماعات الدورة الثامنة عشر للجنة السعودية / المصرية المشتركة، التي عقدت في الرياض يومي 3و4 مارس 2024م، وتنفيذاً لحوكمة عمل اللجنة.
وختاماً، جاءت القمة المصرية السعودية في خضم تحديات ضخمة وملحة، تتطلب التنسيق الوثيق وتعزيز التعاون لمواجهتها. ويدرك الجانبان الأهمية الحيوية لتطوير وتعميق العلاقات الثنائية بينهما في مختلف المجالات، والمردود الإيجابي الكبير لذلك الاستقرار والتنمية الشاملة للمنطقة العربية ككل.
وفي هذا السياق يقف البلدان بثبات ضد كافة المشاريع والأفكار الرامية الى تقويض الدول الوطنية ومحاولات زعزعة استقرارها تحت دعاوى مختلفة.