array(1) { [0]=> object(stdClass)#13549 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 204

الظروف تحتم على حماس تقديم تنازلات وطنية وتبني رؤية تشاركية للتفاوض

الخميس، 28 تشرين2/نوفمبر 2024

مثلت عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر ٢٠٢٣م، حدثاً استثنائياً على طول الصراع الفلسطيني / الإسرائيلي، فلأول مرة تحرر مجموعات فلسطينية مسلحة جزء من الأراضي المحتلة وتسيطر عليها لساعات، فقد ألهبت هذه العملية مشاعر الجماهير وأحيت فكرة التحرير، وضربت النظرية الأمنية الإسرائيلية في مقتل، وأسقطت مقولة الجيش الذي لا يقهر.

في المقابل، سارعت الولايات المتحدة ودول غربية لتأكيد حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وقد صور الإعلام الإسرائيلي والأمريكي وكأن إسرائيل تتعرض لخطر وجودي عبر بث أخبار وصور مفبركة ومضللة، بهدف الربط بين حماس والإرهاب، وقامت إسرائيل بإعلان الحرب على حماس وقطاع غزة عمومًا، وعليه تبنت دولا غربية الرواية الإسرائيلية وسارعت لتقديم الدعم العسكري والاستراتيجي لإسرائيل.

وحتى نتمكن من تحليل الأحداث والمتغيرات الداخلية والخارجية، لا بد من قراءة موضوعية للواقع السياسي على الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني قبيل اندلاع الحرب خصوصًا وأن أحداث السابع من أكتوبر لا تزال يكتنفها الغموض، فبعد مضي أكثر من عام على الحرب يبرز التساؤل حول دوافع حركة حماس من عملية طوفان الأقصى، وكذلك أهداف إسرائيل المعلنة والخفية من حرب الإبادة التي تشنها ضد غزة، وما هي حسابات الربح والخسارة بعد عام من الحرب على الجانب الفلسطيني، وما هو التصور المحتمل والواقعي لإنهاء الحرب بقطاع غزة والمنطقة؟

أولاً: السياق التاريخي والموضوعي لعملية طوفان الأقصى

لم تفض جميع الحوارات بين حركتي فتح وحماس إلى اتفاق مصالحة ينهي الانقسام الفلسطيني الذي ترسخ عام 2006م، بعد نجاح حماس في انتخابات المجلس التشريعي؛ المنبثق عن اتفاق "أوسلو 1993"، وهي غير ممثلة في منظمة التحرير التي وقعت الاتفاق مع إسرائيل. وزادت الأزمة تعقيداً بعد انقلاب حركة حماس على اتفاق مكّة عام 2007م، حين سيطرت على قطاع غزة بالقوة المسلحة، وفرضت سلطة أمر واقع، وظلت ارتباطات حماس الخارجية وإصرارها على السيطرة على قطاع غزة تعيقان التوصل لاتفاق ينهي الانقسام، وظلت إسرائيل تحاصر كل طرف على حدة، خصوصاً قطاع غزة الذي ازدادت فيه الأوضاع سوءاً على جميع الصعد مع استمرار حصاره تحت حكم حماس منذ 2007م. وقبيل الحرب (يونيو 2023) زارت وفود من الحركتين المملكة العربية السعودية ولم تتوصلا لاتفاق، ما زاد من عزلة حماس السياسية وتراجع شعبيتها.

على الجانب الإسرائيلي وفي ديسمبر 2022م، تشكل الائتلاف الإسرائيلي اليميني الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل بقيادة نتنياهو بعد إعادة انتخابات الكنيست ثلاث مرات في عام واحد، وبدأت مفاعيل هذا الائتلاف تظهر في عملية ابتزاز واضحة خضع لها نتنياهو من قبل الأحزاب الدينية المتطرفة بزعامة الوزيرين "ايتمار بن غفير" و"بتسلئيل سموتريتش"، والذين حصلا على صلاحيات موسعة وغير مسبوقة في تاريخ إسرائيل. في المقابل، خضع الوزيران وأحزابهم لعملية توظيف سياسي من قبل نتنياهو الذي أصبحت أولويته البقاء في السلطة والتهرب من القضاء الإسرائيلي. وقد شهدت إسرائيل قبل الحرب بأيام أكبر أزمة سياسية ودستورية عرفتها إسرائيل حين تصاعدت موجة الاحتجاجات الشعبية ضد "الإصلاح القضائي" وحكومة نتنياهو؛ كادت أن تصل للعصيان المدني وحالة تمرد داخل الجيش.

ثانياً: رؤية حماس لعملية طوفان الأقصى وأهدافها

عبرت حماس في يناير 2024م، عن رؤيتها لعملية "طوفان الأقصى" بأنها جاءت رداً على ممارسات اليمين الصهيوني المتطرف ومحاولات تهويد المقدسات وإنكاره للحقوق الفلسطينية، وحصار غزة منذ 17 عاماً، في ظل فشل مسار التسوية السياسية (اتفاق أوسلو 1993) ووصوله لطريق مسدود.

تقول حماس أن "عملية طوفان الأقصى خطوة ضرورية واستجابة طبيعية لكل مخططات تصفية القضية الفلسطينية والسيطرة على الأرض والمقدسات وتهويدها... وتهدف العملية للتخلص من الاحتلال...، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس." وهناك من اعتبر أن هدف العملية الأساسي كان تحرير الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية.

ونرى هنا أن حماس عرضت في وثيقتها لجزء من الحقيقة معتبرة أن عمليتها جاءت رداً طبيعياً على تنكر إسرائيل للحقوق الفلسطينية وممارساتها الإجرامية بحق شعبنا، وتناست أنها رفضت مسار التسوية منذ البداية ووفرت لإسرائيل مبرر إفشال (اتفاق أوسلو) عبر العمليات التفجيرية التي كانت تنفذها قبيل وأثناء جولات التفاوض بين إسرائيل ومنظمة التحرير، وهذا ساعد في تصاعد اليمين المتطرف ووصوله للحكم في إسرائيل.

وقد استندت حماس في موقفها لما اعتبرته عناصر قوة ومنها الرهائن الإسرائيليين الذين اختطفتهم من جنود ومدنيين، وأن إسرائيل ستتردد في مهاجمة غزة حفاظًا على أرواحهم، كذلك ستتردد في اجتياح قطاع غزة برياً، وأنها ستنصاع للضغوط الدولية. وهناك من بالغ في قدرة حماس على الصمود والضغط عسكرياً على إسرائيل بما يجبرها على وقف إطلاق النار، والشروع في صفقة سياسية تشمل تبادل أسرى، وذلك استناداً لفرضية أن إسرائيل لن تحتمل حربًا طويلة. وهذا ما دفع حماس للإعلان عن استعدادها لخوض حرب استنزاف طويلة ضد إسرائيل، وسط تخبط في تصريحات قادة حماس العسكرية والسياسية من حيث رؤية العملية وأهدافها وحيثياتها.

ونحن هنا لا ننتقد فكرة المقاومة في ذاتها، بل هي حق للشعب الفلسطيني بكل أشكالها، ولا ترتبط بفصيل أو حزب بعينه، ولكن من باب المراجعة الذاتية نطرح التساؤلات التالية: كيف حمت عملية طوفان الأقصى القضية الفلسطينية من التصفية؟! وكيف ستكون مخرجات الحرب خطوة على طريق التحرير وإقامة الدولة الفلسطينية؟ وقد احتلت إسرائيل جزءاً كبيراً من أراضي غزة ويمكن أن تقدم على ضمها! في ظل إصرار حماس على التفرد بالقرار واستبعاد منظمة التحرير وحركة فتح من عملية التفاوض لوقف الحرب وترتيبات إدارة غزة ما بعد الحرب!

ثالثاً: الحرب الإسرائيلية الأمريكية على قطاع غزة: أهداف معلنة وأخرى خفية

منذ اليوم الأول للحرب أعلنت إسرائيل أهدافها؛ وهي القضاء على حركة حماس عسكرياً وسلطوياً، واستعادة الأسرى والمخطوفين من غزة، وإزالة أي تهديد من غزة، وقد تسارعت التصريحات الأمريكية الداعمة لإسرائيل. في الوقت نفسه صرح نتنياهو أن الرد الإسرائيلي سيحدث تغييراً جيوستراتيجياً سيتغير معه وجه المنطقة، وطلب من سكان غزة الرحيل فوراً، لكن مصر رفضت فتح الحدود، وبعدها أجبرت إسرائيل أكثر من مليون فلسطيني على ترك منازلهم في غزة والنزوح لجنوب وادي غزة، وبدأت تتعامل مع شمال وادي غزة كمنطقة عسكرية مغلقة.

وبعد أكثر من عام على حرب الإبادة ضد غزة وتدمير أكثر من 80 % من البنى التحتية في غزة ومع كل الدعم الذي تتلقاه من الولايات المتحدة والدول الأوروبية لم تستطع إسرائيل تحقيق أي من أهدافها المعلنة، لكنها دمرت البنى التحتية والمؤسسات الحيوية والتعليمية على اختلافها بهدف تحويل قطاع غزة لبيئة طاردة بما يتناسب مع خطة "الهجرة الطوعية" لسكان غزة والتي يتبناها اليمين الصهيوني المتطرف كهدف غير معلن.

أهداف اقتصادية واستراتيجية وليست عسكرية أمنية فقط

رغم تلقي المقاومة وحماس ضربات قاسية ظهرت مقاربة تقول بأنه لا يمكن القضاء على حماس ولا يمكن استعادة الرهائن إلا من خلال صفقة، لكن الواقع يؤكد أن دولة إسرائيل ومؤسساتها رضخت لإملاءات نتنياهو وهو المستفيد الأول والوحيد من استمرار الحرب بل تصعيدها، حيث ظل يضع عراقيل أمام إتمام تلك الصفقة، ويرفض الانسحاب من محور "نتساريم" وهو طريق عريض شقته إسرائيل ومعروف بطريق رقم (749) والذي يفصل شمال غزة عن جنوبها، ويربط بين الطريق الساحلي غرباً إلى داخل الأراضي المحتلة شرقاً، باعتباره طريق إمداد للقوات المرابطة في غزة، كما تم بناء الرصيف الأمريكي العائم قبالة هذا الطريق، وبدأ الحديث عن ارتباط هذا الطريق بتواجد عسكري أمريكي دائم في المنطقة، وقاعدة أمريكية منوي توسيعها في صحراء النقب.

وهناك من اعتبر هذا الطريق جزءًا من مشروع "الممر الاقتصادي" الذي أعلن عنه في قمة العشرين بنيودلهي سبتمبر 2023م، والذي سيربط بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، في مواجهة مبادرة الحزام والطريق الصيني، ويشمل هذا الممر إنشاء شبكة طرق وموانئ تجارية، وخط سكة حديد؛ وهذا يتقاطع مع ما جاء في خطة نتنياهو "غزة 2035"، وترتبط هذه الخطة بالخطط الإسرائيلية والأمريكية الرامية لدمج إسرائيل في المنطقة من خلال التنمية التكنولوجية والاقتصادية في إطار مشروع "السلام الاقتصادي".

يعزز هذا الطرح مساعي إسرائيل والولايات المتحدة في إزالة أي عقبات أمام مشروعها والتمركز الدائم في قطاع غزة باعتباره ممراً رئيسياً بين إسرائيل ودول المنطقة، كما يمكن أن تستخدم إسرائيل هذا الممر الاقتصادي لتهميش الدور المصري وإضعافه والتأثير مستقبلاً على أهمية قناة السويس كممر تجاري عالمي.

بالمحصلة؛ قاد الانقسام الفلسطيني وعلاقات حماس الخارجية إلى التباس في الموقف العربي بين تأييد الحقوق الفلسطينية وبين رغبة بعض الأنظمة لخروج حماس من الحكم، وقد اتسم الموقف العربي الرسمي بالهدوء. في المقابل، اتخذت إسرائيل من عملية طوفان الأقصى ذريعة لاحتلال أراضي فلسطينية جديدة، ومحاربة أي كيانية سياسية فلسطينية، كذلك سعى نتنياهو لتوسيع الحرب مع حزب الله وإيران لتحقيق أهداف خفية تخدم مخططات استراتيجية أكبر للمنطقة؛ سوف تتكشف معالمها في قادم الأيام.

رابعاً: تداعيات عملية طوفان الأقصى وتفاعلاتها: حسابات الربح والخسارة

لا خلاف على شرعية المقاومة الفلسطينية للاحتلال قانونياً وأخلاقياً، لكن حكومة نتنياهو أظهرت ردة فعل غير متوقعة على عملية طوفان الأقصى، وبأساليب إجرامية وإبادة غير مسبوقة؛ كقصف المستشفيات وارتكاب المجازر وقتل المئات تحت مبرر اغتيال أحد المقاومين، وذلك كي تستعيد هيبة الجيش والمؤسسة الأمنية التي ضربتها عملية طوفان الأقصى. فيما يرى البعض أن العملية أعادت الاعتبار للقضية الفلسطينية، وأصبح كثيرون حول العالم مقتنعين بضرورة حل الصراع، وحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم. والواقع أن التعاطف الدولي لم يظهر بفعل عملية طوفان الأقصى، لكنه جاء تعبيراً عن رفض الإبادة الجماعية الإسرائيلية ضد غزة وشعبها. كما تجسد التعاطف الدولي مع الفلسطينيين من خلال الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل في ديسمبر 2023 م، لارتكابها جرائم إبادة جماعية ضد الفلسطينيين، وانضمام دولا كنيكاراجوا وغيرها للدعوى، ناهيك عن اعتراف 143 دولة بعضوية كاملة لفلسطين في الأمم المتحدة في مايو الماضي.

في المقابل، وظفت إسرائيل والإعلام الغربي أخطاء وسقطات المقاومة مثل خطاب محمد الضيف -الذي يعلن فيه الحرب على إسرائيل-وبعض مشاهد من العملية للربط بين حماس والمقاومة الفلسطينية وبين الإرهاب وداعش، وبالتالي حظيت إسرائيل بدعم واسع في حربها ضد حماس. ولا يزال الإعلام المحلي والقنوات القطرية تروج لصمود المقاومة وتتعمد تضخيم قدراتها العسكرية، وهذا يبرر الجرائم الإسرائيلية وحرب الإبادة بحق شعبنا، كذلك يبرر الدعم الأمريكي والغربي غير المحدود لإسرائيل، خصوصاً مع توسع الحرب مع حزب الله والضربات المتبادلة مع إيران، وآخر ذلك الدعم كان نصب النظام الدفاعي "ثاد" في إسرائيل والذي سيشغله جنود أمريكان.

على جانب آخر، أقر الكنيست الإسرائيلي بعد السابع من أكتوبر عدة قرارات وقوانين عنصرية، وأخطرها في يوليو الماضي قراراً يحظر إقامة دولة فلسطينية ويعتبرها خطراً وجودياً على إسرائيل، بالإضافة لقانون حظر عمل وكالة الأونروا في مناطق السيادة الإسرائيلية ومنها القدس، وإلغاء الاتفاقية التي وقعتها إسرائيل مع الأونروا بعد حرب ٦٧. وهنا يجب التأكيد أن خطأ حماس أو معاقبتها على عملية طوفان الأقصى، لا يبرر الإبادة الجماعية والتهجير القسري والمحرقة التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين عموماً.

والواقع أن إسرائيل استطاعت ضرب البنى التحية لقدرات حماس والفصائل العسكرية في غزة، واجتياح معظم مناطق قطاع غزة برياً وتدميرها. صحيح أن إسرائيل تكبدت خسائر مادية خلال عملياتها لكنها أقل بكثير مما خيل للبعض، وهذا ما دفع حماس للإعلان أنها تخوض حرب استنزاف طويلة ضد الاحتلال الإسرائيلي. كما ويعتبر قادة من حماس أن الخسائر الفلسطينية تكتيكية، وخسائر إسرائيل استراتيجية، استناداً لاستمرار حكمهم لغزة واحتفاظهم ببقية الرهائن الإسرائيليين، ويبدو هذا الخطاب منفصل عن الواقع، فثمن الصمود الفلسطيني كارثي وستطال تداعياته أجيال قادمة، بعد مقتل أكثر من 43 ألف شخص، وآلاف المفقودين، وأكثر من مئة ألف جريح غالبيتهم حالات بتر وإعاقات، بالإضافة لهدم 80% من غزة ومقدراتها وبناها التحتية، بحيث تشير تقارير دولية أن رفع الأنقاض يحتاج 14 عام، فكم ستستغرق عملية إعادة الإعمار في حال بدأت.

 كذلك فإن حسابات الربح والخسارة في الحروب لا تقاس بالمشاعر والشعارات التي تلهب الجماهير، لكن للحرب حساباتها السياسية والاستراتيجية والاجتماعية، ولا تقتصر على بقاء مجموعة أو حزب في السلطة، فنحن أمام نكبة أصعب من نكبة 48، حيث احتلت إسرائيل أجزاءً كبيرة من قطاع غزة، بالتزامن مع تكثيف استيطانها في القدس والضفة الغربية، فيما غابت أهداف طوفان الأقصى، وأصبحت الحياة في غزة مأساوية تفتقر للمقومات الأساسية، بما أدى إلى اضطراب النزعة الوطنية والانتماء لدى الكثيرين بعد مضي أكثر من عام على الحرب دون أي أفق لنهايتها.

الخاتمة: الخروج من الأزمة عبر التوافق الوطني والتحرك الدولي

لم ينضج بعد سيناريو أو تصور واضح بخصوص حكم غزة ما بعد الحرب، خصوصاً مع إصرار إسرائيل على القضاء على حكم حماس في غزة ورفضها تسليم السلطة الفلسطينية، فيما ظل الانقسام بين حركتي فتح وحماس يزيد المشهد تعقيداً، مع تمسك حماس بحكم غزة. فهل يعقل بعد كل هذه التضحية ألا يتم التفاهم على إطار وطني جامع يخرجنا من الأزمة ويجنب شعبنا ويلات الحرب ويحفظ قضيته الوطنية!!

فاحتلال إسرائيل لأجزاء كبيرة من شمال قطاع غزة وإصرارها على تهجير ما تبقى من السكان فيما عرف "بخطة الجنرالات"، يضفي ضبابية حول نوايا إسرائيل السياسية والأمنية، وإمكانية إقامة مستوطنات لليهود المتطرفين، ما يمثل هدفاً استراتيجياً لإسرائيل، وخسارة كبيرة للفلسطينيين.

وقد أصر نتنياهو -المستفيد الأول من الحرب-على استمرارها وتوسيعها، ولم يرضخ للضغوط الداخلية والخارجية، كذلك مثلت حرب غزة أهم معززات نجاح ترامب في الانتخابات الأمريكية، فقد عاقب أنصار القضية الفلسطينية في الولايات المتحدة الديمقراطيين على سلوكهم تجاه حرب الإبادة في غزة.

من ناحية أخرى، يرتبط وصول ترامب للبيت الأبيض بعودة رؤيته لحل الصراع في المنطقة في شقين مهمين، الأول وهو دعم إسرائيل في مواجهة إيران خصوصاً بعد الضربات المتبادلة بين الطرفين، والملف الآخر والأهم هو إعادة طرح ملف التطبيع العربي وخصوصاً مع المملكة العربية السعودية، وهنا يبرز الموقف السعودي الثابت والذي أكده سمو ولي عهد المملكة الأمير محمد بن سلمان ـ حفظه الله ـ في أكثر من مناسبة، وهو :لا حديث حول التطبيع قبل الاعتراف بالحقوق الفلسطينية وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وهذا قد يدفع ترامب للضغط على إسرائيل لوقف الحرب والانسحاب من غزة وقبول صفقة تبادل أسرى، سواء في إطار صفقة عربية أو صفقة مع إيران توقف الحرب في الإقليم وتشمل غزة.

وعليه، ستعود المبادرة للمملكة العربية السعودية في إمكانية التدخل لإنجاز مصالحة فلسطينية توحد الموقف الفلسطيني تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، ومن ثم حشد موقف عربي وإسلامي موحد تمهيداً للتعامل مع ملف غزة بعد الحرب، والتعاطي مع الأطروحات السياسية لحل الصراع مع إسرائيل في إطار مبادرة السلام العربية، وبالتالي يمكن تحويل حجم الخسائر الكبيرة التي تكبدها الشعب الفلسطيني إلى فرصة يمكن من خلالها العمل للتخلص من الاحتلال الاستعماري عبر توظيف التحول الإيجابي في الرأي العالمي لصالح القضية الفلسطينية، ومن ثم التوجه للمجتمع الدولي للاضطلاع بمسؤولياته وتطبيق قرارات الأمم المتحدة بشأن إنهاء الاحتلال وفرض رؤية المجتمع الدولي لحل الصراع عبر إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة؛ المدخل الوحيد لاستقرار المنطقة. وهذا التوجه يتجسد في اجتماع التحالف الدولي الذي استضافته الرياض الشهر الماضي لتنفيذ حل الدولتين.

ويبدو أن الظروف السياسية والموضوعية، تحتم على حماس تقديم تنازلات وطنية وتبني رؤية تشاركية للتفاوض مع الاحتلال. فالجهاز العسكري لحماس أدى دوره وآن الأوان لأن يترجم هذا الدور لمخرج سياسي، وعلى حماس أن توكل هذه المهمة لمنظمة التحرير التي تعترف بها معظم دول العالم، وتفهم لغة التفاوض مع إسرائيل، وهذا الطرح يؤيده شريحة عريضة من شعبنا، وعلى حماس أن تدرك أنها لا تفاوض على حكم غزة، أو على مصيرها كتنظيم سياسي أو عسكري فحسب، وإنما على مصير شعب وقضية، فالوقت من دم والتاريخ لن يرحم.

مقالات لنفس الكاتب