شهد العالم العربي خلال العقدين المنصرمين جملة من الحروب والنزاعات التي كانت لديها تداعيات هائلة لم تقتصر على الجانب الإنساني إنسانية فحسب بل كانت لها تداعيات اقتصادية، فموجة الربيع العربي قادت إلى كوارث اقتصادية في الدول العربية التي واجهت وتواجه موجات من الصراعات والنزعات لم تقف حدودها عند تلك الدول بل امتد أثرها على الدول التي تشهد أي صراعات، بل وحتى اقتصادات الدول المجاورة للعالم العربي كالاقتصاد التركي والاقتصاد الإيراني والاقتصاد الأثيوبي.
وتتعدد وتتنوع الانعكاسات السلبية للحروب والنزاعات المسلحة على الاقتصادات العربية ما بين انكماش اقتصادي وارتفاع معدلات البطالة ونسب الفقر وتقلص حجم السكان النشيطين اقتصادياً ومهاراتهم نتيجة الوفاة والعوق والتهجير القسري، وتدبير البنى التحتية، وتدمير القواعد الإنتاجية، وارتفاع فاتورة الواردات، وانهيار منظومة التجارة الداخلية والخارجية التي كانت معروفة قبل الحرب ، علاوة على خسائر كبيرة جداً في سداد فواتير تنفيذ العمليات المرتبطة بالنزاعات، ومن ثم ارتفاع حجم الإنفاق العسكري، حيث تُعد منطقة الشرق الأوسط إحدى أكثر المناطق على الصعيد العالمي في الإنفاق العسكري الذي وصل إلى (252) مليار دولار أمريكي عام 2023م، بارتفاع قدره (12%) مقارنة مع الإنفاق عام 2022م.
سنتناول في هذا المقال الآثار الاقتصادية للحروب والنزاعات المسلحة في المنطقة العربية وبيان تكلفتها والتحديات التي تواجه إعادة إعمار ما دمرته الحروب لاسيما في الدول التي لا تمتلك الموارد المالية كسوريا واليمن ولبنان وفلسطين.
أولا-آثار الحروب والنزاعات المسلحة على الاقتصادات العربية بعد الربيع العربي
يشهد الاقتصاد الكلي في الدول التي تمر بنزاعات مسلحة انكماشاً اقتصادياً غير مسبوق، علاوة على ارتفاع معدلات التضخم، أي أنه يدخل فيما يعرف بظاهرة الركود التضخمي التي بدأت تظهر في منتصف سبعينات القرن المنصرم، كما تنخفض معدلات الاستثمار بشكل حاد، واتساع رقعة الفقر والبطالة لاسيما بين الشباب، علاوة على انهيار إمكانيات الدول في تمويل النفقات العامة. وأشارت دراسة عملية شملت بلدان شهدت حروب مختلفة، إلى أن التباطؤ بالنمو في إجمالي الناتج المحلي الحقيقي السنوي في هذه البلدان قد وصل إلى نقطتين مئويتين أو أكثر. كما تشير دراسة أجرها البنك الدولي إلى وجود تباطؤ في نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في سوريا بنسبة (10%) سنوياً في المتوسط، خلال الفترة (2011-2014م)، وفقد الاقتصاد اليمني ما يعادل نسبة (38%) قبل بداية الحرب عام 2015م، وشهد الاقتصاد العراقي انخفاضاً في نمو الناتج المحلي الإجمالي بحوالي (3%) منذ عام 2013م.
أعلنت الأمم المتحدة أنها تقدّر كلفة إعادة إعمار قطاع غزة بما بين 30 إلى 40 مليار دولار نتيجة حجم الدمار الهائل وغير المسبوق فيه بعد سبعة أشهر من الحرب، كما توقعت استمرار إعادة بناء المنازل في القطاع إلى القرن المقبل.
وأوضح التقييم، الذي أصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أن غزة بحاجة إلى "قرابة 80 عاماً لاستعادة جميع الوحدات السكنية المدمرة بالكامل". ولكن التقرير ذكر أنه في أفضل سيناريو ممكن، بحيث يتم تسليم مواد البناء بشكل أسرع خمس مرات مما كان عليه الأمر في الأزمة السابقة عام 2021م، فإن ذلك سيتيح إعادة الإعمار بحلول عام 2040م.
أن إعادة بناء المنازل في قطاع غزة يمكن أن تستمر إلى القرن المقبل إذا سارت الوتيرة بنفس توجه إعادة الإعمار في الصراعات السابقة. وأشار التقرير إلى أن القصف الإسرائيلي المستمر منذ نحو سبعة أشهر سبّب خسائر بمليارات الدولارات وأدى لتحول العديد من المباني الخرسانية المرتفعة في القطاع المكتظ بالسكان إلى أكوام من الركام. وتظهر بيانات فلسطينية أن نحو 80 ألف منزل دُمرت نتيجة الحرب الإسرائيلية على غزة.
وأوضح التقييم، الذي أصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أن غزة بحاجة إلى "قرابة (80) عاماً لاستعادة جميع الوحدات السكنية المدمرة بالكامل". ولكن التقرير ذكر أنه في أفضل سيناريو ممكن، بحيث يتم تسليم مواد البناء بشكل أسرع خمس مرات مما كان عليه الأمر في الأزمة السابقة عام 2021م، فإن ذلك سيتيح إعادة الإعمار بحلول عام 2040م، ويقدم تقييم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سلسلة من التوقعات بشأن الأثر الاجتماعي والاقتصادي للحرب استناداً إلى مدة الصراع الحالي، مع توقع عقود من المعاناة المستمرة. إن "المعدلات غير المسبوقة من الخسائر البشرية، والدمار الجسيم والزيادة الحادة في الفقر في مثل هذه الفترة القصيرة ستؤدي إلى أزمة إنمائية خطيرة تهدد مستقبل الأجيال القادمة". وأشار التقرير إلى أنه في حال استمرار الحرب تسعة أشهر، فمن المتوقع أن يزداد الفقر بين سكان غزة من (38.8%) نهاية عام 2023م، إلى (60.7 %)، مما يُدخل جزءاً كبيراً من أبناء الطبقة الوسطى إلى ما دون خط الفقر.
ليبيا:
يشير تقرير صادر عن منظمة الإسكوا إلى أن هناك عوامل أدت إلى تفاقم الخسائر الاقتصادية، مثل تدمير الأصول الرأسمالية في قطاعات كالقطاع النفطي والبناء والزراعة والتصنيع، وتراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية، وتحويل الموارد عن الرعاية الصحية والتعليم والبنية التحتية إلى الإنفاق العسكري. ويوضح التقرير أيضًا أن آثار الصراع في ليبيا تعدت اقتصاد البلاد لتطال اقتصادات البلدان المجاورة مثل الجزائر وتونس ومصر والسودان، التي تربطها بليبيا علاقات اقتصادية واسعة على مستويات التجارة والاستثمار والعمالة.
وينذر التقرير بأن كلفة الصراع سترتفع بشكلٍ حاد إذا لم يُوَقَّع اتفاق سلام في السنوات المقبلة. فوفقاً لتقديرات الإسكوا، إذا استمرّ الصراع حتى عام 2025م، قد يضيف ما يساوي (462) مليار دولار أمريكي على الكلفة الاقتصادية، أي 80% من الكلفة في السنوات العشر الماضية.
لبنان:
وفقاً لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أضاف تصاعد الأعمال العدائية في العام 2024 مزيداً من الضغط على الاقتصاد اللبناني الهش، الذي يعاني أساساً من تبعات أزمات متتالية منذ العام 2019. إذ من المتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة (9.2%) مقارنة بسيناريو عدم حدوث الحرب، ما يشير إلى خسائر فادحة في النشاط الاقتصادي نتيجة الصراع، بلغت قيمتها نحو 2 مليار دولار.
كبّد الصراع بين ميليشيا حزب الله وإسرائيل الاقتصاد اللبناني خسائر وأضرارًا بلغت قيمتها (8.5) مليار دولار على مدى الأشهر الــــ ثلاث عشر المنصرمة، وفقًا لتقييم أولي أجراه البنك الدولي. وقال البنك الدولي في تقرير صدر، منتصف نوفمبر 2024، إن لبنان، الذي مزقته سنوات من الأزمة الاقتصادية عانى من أضرار في الهياكل المادية وحدها بلغت (3.4) مليار دولار وخسائر اقتصادية وصلت إلى (5.1) مليار دولار منذ اندلاع الأعمال العدائية في أكتوبر 2024.
تسببت الحرب بالفعل في أضرار اقتصادية كبيرة: فمن المقدر أنها خفضت نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للبنان بنسبة (6.6%) على الأقل في عام 2024، ما يفاقم الانكماش الاقتصادي الحاد المستمر على مدى خمس سنوات والذي تخطى (34%) من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي. وذكر البنك الدولي أن ما يقدر بحوالي (166) ألف عامل فقدوا وظائفهم، وأن ما يناهز (100) ألف منزل تضرر جزئياً أو كلياً، بقيمة تصل إلى (3.2) مليار دولار من الخسائر والأضرار، إلى جانب خسائر تعطل التجارة والزراعة والتي تقدر بأكثر من 3 مليارات دولار.
وتتطلب عملية إعادة الإعمار ما بين 20 و30 مليار دولار، بينما تتكبد قطاعات حيوية خسائر جسيمة، منها مؤسسات صحية وتعليمية دُمرت بالكامل. ومن المتوقع أن ترتفع فاتورة إعادة إعمار لبنان مع استمرار العمليات العسكرية والتدمير المُمنهج للبنية التحتية لكافة المناطق التي تتواجد فيها ميليشيات حزب الله التي اختطفت الدولة اللبنانية.
سوريا:
تُقدّر قيمة الدمار المادي لرأس المال بنحو 117.7 مليار دولار، والخسارة في الناتج المحلي الإجمالي بمبلغ 324.5 مليار دولار، مما يضع تكلفة الاقتصاد الكلي للصراع عند نحو 442 مليار دولار. بالرغم من ضخامة هذا الرقم، إلا أنه لا يلخص حجم معاناة السكان الذين تم تسجيل (5.6) مليون شخص منهم كلاجئين، و(6.4) مليون كنازحين داخلياً، و(6.5) مليون يعانون من انعدام الأمن الغذائي، و(11.7) مليون لا يزالون بحاجة إلى شكل واحد على الأقل من أشكال المساعدة الإنسانية".
تشير الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة الغربية إلى أن هناك حاليًا أكثر من (13) مليون سوري بحاجة للمساعدة الإنسانية والحماية وإن (80%) تقريبًا من السكان يعيشون في فقر. إن (82%) من الأضرار الناجمة عن الصراع تراكمت في سبعة من أكثر القطاعات كثافة في رأس المال وهي: الإسكان والتعدين والنقل والأمن والتصنيع والكهرباء والصحة.
وفيما يتعلق بالتبادل التجاري، يشير التقرير إلى أن الصادرات السورية شهدت انهياراً، من (8.7) مليار دولار عام 2010م، إلى (0.7) مليار دولار في عام 2018م، مما تسبب باضطرابات في الإنتاج وسلاسل التجارة. ومن العوامل التي ساهمت في هذا الانهيار: الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية والعقوبات الاقتصادية التقييدية الأحادية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى هروب رأس المال المادي والبشري. ويشير التقرير إلى أن الواردات لم تشهد انهياراً مماثلاً، مما أدّى إلى اتساع العجز التجاري وخلق ضغوط متزايدة على قيمة الليرة السورية.
السودان:
شهد الاقتصاد السوداني انكماشاً بنسبة (40%) عام 2023م، مع توقعات بارتفاع هذه النسبة خلال العام 2024، فضلاً عن تدهور كبير في قيمة العملة الوطنية مقابل الدولار الأمريكي من (570) جنيهاً سودانياً قبل اندلاع الحرب إلى نحو (740) جنيهاً في نوفمبر 2024م، وتشير تقديرات المعهد الدولي لبحوث سياسات الأغذية إلى أن خسائر تبلغ نحو (15) مليار دولار فاقد من الناتج المحلي للسودان، أي ما يعادل نحو (%15) منه، في عام 2023م، وكان النصيب الأكبر من الدمار في القطاع الصناعي الذي فقد (70%) منه مدخلات الإنتاج والقوى العاملة، بينما تأثر القطاع الزراعي بنسبة نحو (20%)، أما القطاع الخدمي فقد بلغت نسبة الخسائر فيه نحو (50%) تقريبًا، وخسر أكثر من (5) ملايين سوداني عملهم في القطاع الخاص لاسيما في ولاية الخرطوم.
اليمن
تشير بعض التقديرات الاقتصادية إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي اليمني بصورة كبيرة خلال السنوات 2015–2018م، جرَّاء الحرب والصراع؛ حيث قُدِّرت الخسارة في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بحوالي 47.1%، بمعنى أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي خلال سنوات الحرب الأربع قد خسر ما يقارب 50 مليار دولار، وترجع الزيادة في خسائر الناتج المحلي الإجمالي باليمن مقارنة بالدول الأخرى إلى ترافق الحرب مع حالة من الحصار البري والبحري والجوي المفروض على اليمن.
في جانب الموازنة العامة للدولة، تشير تقارير وزارة المالية إلى تراجع الإيرادات العامة للدولة بحوالي 50% خلال العام 2015م، و60% خلال عام 2016م؛ حيث تراجعت الإيرادات العامة من حوالي 2.2 تريليون ريال يمني في عام 2014م، إلى حوالي 1.1 تريليون في عام 2015م، ثم إلى 900 مليار ريال فقط في عام 2016م، (وصل سعر الصرف للريال اليمني في بداية أغسطس 2018 إلى حوالي 550 ريالًا/دولار). ويعود ذلك بصفة أساسية إلى توقف إنتاج وتصدير النفط والذي تُمثل عوائده قرابة الـ (50%) من إجمالي الإيرادات، فضلًا عن تعليق المساعدات الخارجية للموازنة العامة. ونتيجة لتراجع الإيرادات فقد انكمشت النفقات العامة هي الأخرى وبنسبة تصل إلى 36% عام 2016م، مقارنة بعام 2014م، مع العلم بأن انقسام البنك المركزي اليمني بين صنعاء وعدن قد عمل على تعطيل الموازنة العامة للدولة خلال العامين 2017 و2018م، لتواجه بذلك الموازنة العامة أزمة سيولة أسهمت في توقف دفع رواتب نسبة كبيرة من الموظفين والمتقاعدين وبالذات في المحافظات الخاضعة لسيطرة ميليشيا الحوثي ولقرابة العامين.
ومع توقف تدفق إيرادات الصادرات النفطية والغازية إلى خزينة الدولة جرَّاء توقف الإنتاج والتصدير، عمل البنك المركزي على سحب الاحتياطيات الخارجية لتغطية واردات السلع الأساسية؛ حيث تراجع الاحتياطي النقدي الخارجي من 4.2 مليارات دولار نهاية العام 2014م، إلى (485) مليون دولار فقط نهاية العام 2016م؛ الأمر الذي أسهم في تدهور قيمة العملة المحلية بصورة كبيرة، فضلًا عن ارتفاع معدل التضخم وبصورة كبيرة.
أشار مسح تأثير الأزمة اليمنية على القطاع الخاص الذي أعدته وكالة تنمية المنشآت الصغيرة والأصغر بالتعاون مع البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة إلى أن الشركات الصغيرة والمتوسطة كانت الأكثر تضررًا من النزاع وبنسبة تصل إلى 34% من إجمالي الشركات مقارنة بحوالي 17% من الشركات الكبيرة. كما أن الشركات العاملة في مجال الخدمات كانت الأكثر تضررًا حيث توقف حوالي 35% منها عن العمل مقارنة ببقية الشركات العاملة في القطاعات الأخرى.
غالبًا ما تشير تقارير برنامج الغذائي العالمي إلى وجود حوالي (22.2) مليون شخص يحتاجون إلى مساعدات إنسانية يشكِّلون (75%) من إجمالي عدد السكان، منهم (11.3) مليون شخص في حاجة ماسَّة وشديدة للمساعدات الإنسانية منهم (8.4) ملايين شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي ويواجهون خطر المجاعة بمن فيهم (3) ملايين نازح في الداخل.
فلسطين:
قدر المكتب الإعلامي الحكومي بقطاع غزة الخسائر المالية الأولية المباشرة بنحو (33) مليار دولار. ومنذ طوفان الأقصى دمرت إسرائيل بشكل ممنهج القطاع الاقتصادي بما فيه المنشآت والمصانع والمزارع وأسواق الأسماك، مما تسبب في خسائر مالية واقتصادية كبيرة جدًا لا يمكن تعويضها بسهولة، ناهيك عن الخسائر البشرية التي لا يمكن تعويضها. وفيما يلي أبرز معالم هذه الخسارة:
- تسببت الحرب بحلول يناير2024م، في فقدان نحو ثلثي الوظائف التي كانت موجودة قبل اندلاعها، وفق تقرير الأونكتاد.
- ارتفعت نسبة البطالةفي القطاع من (45%) قبل الحرب إلى 80% بعدها، وفق تقرير لمنظمة العمل الدولية في يونيو 2024م.
- ارتفعت نسبة الفقر في القطاع -بحسب تقرير أونكتاد-إلى 100%، وقد كانت 50% قبل الحرب، وفق أرقام المرصد الأور متوسطي لحقوق الإنسان.
- تضرر ما نسبته 80%-96% من الأصول الزراعية في القطاع، بما في ذلك أنظمة الري ومزارع الماشية والبساتين والآلات ومرافق التخزين، مما أدى إلى شل القدرة على إنتاج الغذاء وتفاقم مستويات انعدام الأمن الغذائي المرتفعة بالفعل، وفق أونكتاد.
- توقفت نحو (82%) من الشركات في قطاع غزة، التي تشكل محركاً رئيسياً للاقتصاد.
- حولت آلة الحرب الإسرائيلية مناطق وأحياء سكنية كاملة إلى كومة من الركام مستهدفة بذلك المباني والأبراج السكنية والمؤسسات الحكومية والخاصة والمصانع والمعامل والمتاجر، مما أثر بشكل كبير على اقتصاد القطاع.
- تسبب القصف في تدمير أكثر من (75%) من القطاع الإسكاني والمستشفيات والمدارس والكنائس.
- دمر الجيش الإسرائيلي من أصل (400) ألف وحدة سكنية في القطاع نحو (150) ألف وحدة بشكل كلي و(200) ألف وحدة جزئياً، وقد تسبب في تحول (80) ألف وحدة لأماكن غير صالحة للسكن، علماً بأن نسبة العجز الإسكاني 120 قدر بنحو ألف وحدة سكنية حتى مطلع عام 2023م.
وتضمن تقرير منظمة العمل تصوراً لما قد تعنيه تلك الخسائر للاقتصاد الفلسطيني في عام 2024م، على ضوء التطورات الراهنة. وفقا لسيناريوهين تضمنهما التقرير وفق ما مبين في الجدول أدناه:
جدول (1) الخسائر التي سيتكبدها الاقتصاد الفلسطيني نتيجة الحرب على غزة
المؤشر |
سيناريو وقف الحرب مارس 2024 |
سيناريو وقف الحرب يونيو2024 |
درجة الانكماش الاقتصادي |
10% |
15% |
درجة الانخفاض في دخل الفرد |
12% |
17% |
معدل البطالة السنوي المتوقع |
42.7% |
45.5% |
ويلاحظ من الجدول أعلاه بأن الاقتصاد الفلسطيني سيتكبد خسائر هائلة وسيحتاج ربما إلى أعوام أو عقود حتى تتم معالجتها
من أجل التخفيف من آثار تلك الخسائر البالغة، فإن هناك حاجة لحلين، أولهما سياسي "وهو وقف الحرب بشكل كامل ووقف الصراع لكي نستطيع القيام بالعمل الإنساني والتنموي بشكل جيد". والحل الثاني هو حل اقتصادي الذي من خلاله يجب على الجهات كافة أن تعمل معًا من أجل وضع استراتيجيات اقتصادية تهدف ليس إلى دعم النمو الاقتصادي في فلسطين فحسب، بل أيضاً إلى خلق وظائف لائقة توفر أجوراً لائقة للعمال في بيئة عمل لائقة. وأكدت أن تلك الجهود يجب أن تركز على تقديم الدعم للعمال، والنظر كذلك إلى حاجات الشركات، والأشخاص الذين يعملون لحسابهم الخاص، والمؤسسات الصغيرة ومتوسطة الحجم التي تضررت بشكل كبير.
ثانياً-تكاليف إعادة الإعمار:
يتطلب إحلال السلام وتحقيق الاستقرار في الدول العربية التي شهدت نزاعات مسلحة وحروب إلى تخصيص مبالغ كبيرة لإعادة بناء ما دمرته الحروب وقد قدرت المنظمات الدولية هذه المبالغ بنحو (434) مليار دولار وفق تقديرات أولية والجدول التالي يُبين ذلك.
شكل (2) تقديرات إعادة الإعمار في الدول العربية التي شهدت صراعات ونزاعات مسلحة
يتطلب السلام في ليبيا وضع خطة لإعادة البناء والإنعاش تقوم على حوكمة اقتصادية فعالة وشفافة وإعادة تأهيل للقطاعات المتضررة من الصراع. ودعا إلى تعزيز النمو والاستثمار من خلال برامج إعادة إعمار طارئة قصيرة المدى وإصلاح للمؤسسات على المدى الأبعد.
إن قيمة التمويل المطلوب لإعادة إعمار ليبيا نحو 111 مليار دولار خلال السنوات العشر المقبلة، إن مصادر التمويل الأساسية لعملية إعادة إعمار البلاد تتمثل بالحكومة الليبية، بالإضافة لمن سماهم شركاء التنمية من المؤسسات الدولية إلى جانب القطاع الخاص وتأمل الحكومة الليبية الاستفادة من الخبرات العالمية في مجال إعادة الإعمار وإدخال الدول المهمة صاحبة التجارب الرائدة من حيث الخبرة ورأسمال والموارد البشرية واليد العاملة المؤهلة.
وتشير تقديرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الأولية لإعادة بناء كلّ ما دمّر في غزة بنحو (40) مليار دولار وأكدت أن التعافي من الدمار الهائل وغير المسبوق الذي لحق بالقطاع بسبب العدوان الإسرائيلي الممتد قد يستغرق 80 عاماً. وسيكون قطاع الإسكان هو الأكثر كلفة في عملية إعادة البناء بنسبة (72%) من التكاليف الإجمالية، تليه البنية التحتية للخدمات العامة مثل المياه والصحة والتعليم بنسبة (19%). إلى تعرض 350 ألف وحدة سكنية لدمار كلي أو جزئي في غزة، وأنه بافتراض أن 150 ألفاً منها ستحتاج إلى إعادة البناء بمتوسط تكلفة يبلغ 100 ألف دولار للوحدة، فهذا يعني (15) مليار دولار للوحدات السكنية.
وصفوة القول، فإن إعادة الإعمار تعتبر عملية سياسية واقتصادية تنطوي على إعادة بناء الدولة وإعادة تشكيل العلاقة بين الدولة والمجتمع بعد انتهاء الصراع. عليه، يُعد التفاعل بين العوامل السياسية والاقتصادية أساسيًا لتحديد آفاق الاستقرار في مرحلة ما بعد الحرب، خصوصاً في بيئة العالم العربي التي تعجّ بالتنافس الإقليمي.
ومن المثير للدهشة أنه حتى الدول الغنية بالنفط، كليبيا والعراق، لن تتمكن على الأرجح من استغلال ثرواتها من أجل تحقيق عملية إعادة إعمار ناجحة من دون معالجة مشاكل مؤسساتية رئيسة تشمل ضمان وحدة وسلامة الهيئات الوطنية المسؤولة عن إنتاج النفط وإدارة الإيرادات النفطية. وقد يكون الفساد المستشري في المؤسسات العامة، والديناميكيات المستمرة لاقتصاد الحرب يعيق إيجاد الحل الذي يؤمن السلام المستدام. ففي ليبيا مثلًا، أدى الصراع بين شرق البلاد وغربها إلى شلّ القطاع النفطي لأشهر عدة. ونفس الحال في العراق، تعيق الخلافات بين بغداد وحكومة إقليم كردستان التي تتمتع بحكم ذاتي إمكانية استغلال ثروات البلاد النفطية لتمويل إعادة الإعمار.
وينطبق ذلك بشكل أكبر على البلدان الفقيرة بالنفط كسورية واليمن والسودان ولبنان، حيث الموارد غير متوفرة بسهولة. وستحتاج هذه الدول أيضًا إلى إحراز المزيد من التقدّم على الصعيد المؤسساتي، أي عليها إنشاء هيئات ذات مصداقية لإنفاذ القانون وتعزيز أمن الأفراد وحماية الأملاك. ومن شأن هذه التدابير أن تزيد احتمال تحقيق تعافٍ اقتصادي مستدام بعد الحرب، لكن هذا الأمر مستبعد في ظل غياب أي عملية سياسية بعيدة عن سطوة الميليشيات التي لا زالت تمتلك نفوذاً يفوق نفوذ الحكومات في تلك البلدان.