على وقع القنابل وأصوات المدافع والطيران يجوب سماء لبنان معربدًا، ويلقي عليه حممًا ملتهبة تهدّم المباني، وتقتل مدنيين، وتزعزع الاستقرار وتروع الشعب وتغتال الأطفال والنساء والشيوخ وسائر أبناء المجتمع فيه، وتهجر السكان بالملايين من منطقة إلى أخرى، مهدمة منازلهم، قاطعة أرزاقهم، محرقة أرضهم وسماءهم، نكتب هذا البحث لنشره في مجلة محترمة هي (مجلة آراء حول الخليج )
لبنان بلد العلم والثقافة والإبداع والشعر والفن والأدب. والتاريخ العريق وصانع الحرف ومؤسس الحضارة ومعلم البشرية يتعرض اليوم لمحاولات الإبادة وتقويض الوجود، على يد عدو مفرط في عداوته للإنسانية وحقوق الإنسان... لبنان التجارة وصناعة السفن وافتتاح الأسواق العالمية، ومؤسس القواعد الذي جاب العالم مستحدثًا المستعمرات الواسعة الأرجاء. وبيروت أم الشرائع ومرضعتها يهتز اليوم في كيانه ووجوده.
لماذا؟ ما هي الأسباب وما هي النتائج المتوقعة؟ وهل ثمة آمال ببناء مستقبل زاهر، هذا ما نحاول إلقاء الضوء عليه في هذا البحث.
أولًا – أسباب الانهيار في لبنان
بدأت مرحلة الانهيار في لبنان منذ أواخر ستينات القرن الماضي، على أثر اتفاقية القاهرة التي سمحت للكفاح الفلسطيني المسلح بالقيام بعملياته العسكرية ضد الكيان الإسرائيلي الغاصب، من لبنان، وفي سنة 1975م، حدثت فتنة في لبنان بين أبنائه وطوائفه وتحديدًا بين المسيحيين وأحزابهم من جهة، والمسلمين وأحزابهم ومعهم الكفاح المسلح الفلسطيني من جهة أخرى، استمرت ما يزيد على خمس عشرة سنة، كانت سنوات مريرة وفتن وحوادث دامية بين أبناء الوطن الواحد، قضت على مئات الألوف من أبنائه، فضلًا على الخراب والدمار في حجره وبشره إلى أن انتهت بعد مساعٍ عربية ودولية حميدة في أواخر الثمانينات من القرن الماضي، حيث التقى الزعماء اللبنانيون في مدينة الطائف – السعودية، واتفقوا على إنهاء الحوادث والاقتتال، ووضعوا الشروط التي أدت فيما بعد إلى تعديل الدستور اللبناني، وقد سمي اتفاقهم هذا بـ (اتفاق الطائف).
وقد تضمن هذا الاتفاق من جملة ما تضمنه، القرار الذي قضى بحلّ الميليشيات وتسليم أسلحتها إلى الجيش اللبناني، وهذا ما حصل بالفعل حيث سلمت معظم الميليشيات سلاحها إلى الجيش اللبناني وانسحبت من الشوارع باستثناء حزب الله الذي امتنع عن تسليم سلاحه بحجة أنه مقاومة وليس ميليشيا.
وقد تزايد نفوذ هذا الحزب وتسلحه وهيمنته، حتى أخذت البيانات الوزارية تقوم على ثلاثية " الجيش والشعب والمقاومة". وتفاقم الوضع مع الزمن وازداد تسلح حزب الله بانتظام واضطراد واستمرار، حتى تمكن من تكوين ترسانة مسلحة تعجز دول كثيرة عن امتلاكها.
ولكن مصادر السلاح والنفقات العسكرية المرتفعة ليست لبنانية بل هي إيرانية. ومن المعلوم أن دولة إيران تكاد تكون من الدول العظمى في العالم ولاسيما لجهة إمكان امتلاكها سلاحًا نوويًّا، ولها مصالح مختلفة ومتعددة في دول العالم، وليس بمستغربة محاولاتها تأمين مصالحها، وربما عن طريق أحزاب وميليشيات مسلحة كونتها في دول عربية، ومنها لبنان.
أما العناصر البشرية المستعملة والمستفيدة من السلاح الإيراني فهي محض لبنانية من عناصر حزب الله الذين تدربوا على القتال وهيأوا أرض لبنان وزرعوها بالأنفاق، وتمتعوا بقدرات وإمكانات قتالية عالية، وبشجاعة لا تهاب الموت. واكتسبوا مع الوقت تدريبات عالية، وظنوا أنهم أصبح بإمكانهم هزيمة إسرائيل، فأصبح يحسب لهم حساب في مجالات القتال والحروب. وبالفعل فقد كان لهم فضل في انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان عام 2000م، واشتبكوا مع العدو الإسرائيلي في سنة 2006م، في معركة استمرت ما يزيد على الشهر حققوا فيها بعض النجاحات، وانتهت باتفاق دولي قضى بموجب القرار رقم 1701 بانسحاب عناصر حزب لله إلى ما بعد نهر الليطاني وبانسحاب الجيش الإسرائيلي لما بعد الحدود اللبنانية، ووضع الأراضي اللبنانية بين الحدود اللبنانية مع إسرائيل ونهر الليطاني تحت رقابة القوات الدولية التي تقوم بمؤازرة الجيش اللبناني، وكان قبل ذلك قد صدر القرار رقم 1959 الذي قضى بتجريد حزب الله من سلاحه.
يدّعي حزب الله بأنه مقاومة وليس ميليشيا، من دون أن يعطيه أي مرجع قانوني، بما فيه اتفاق الطائف، صفة المقاومة كحزب مسلح. والمقاومة بمفهومها القانوني هي عبارة عن جماعة من المواطنين كرست نفسها لمساعدة المجتمع والجيش في حروبه بتأمين حاجات أساسية للمواطنين، على أن تكون بمؤازرة الجيش، وليس حزبًا مسلحًا ومستقلًا بترسانة من الأسلحة تفوق سلاح الدولة، ولاسيما إذا كانت مصادر تسلحه تعود لدولة أجنبية، ومن ثم يسيطر هذا الحزب بسلاحه على الدولة والمجتمع ويتحكم بانتخاب رئيس الجمهورية، وبتشكيل الحكومات.
إن حزبًا يمكنه أن يصل إلى هذه النتيجة ويقرر ما يشاء في الدولة ويفرض الحرب والسلم فيها، وينفرد باتخاذ القرارات مع دول أخرى وحتى بمساعدتها ومشاركتها في عملياتها القتالية، لا يعتبر مقاومة، بل هو دولة فعلية وإن لم تكن دستورية. وهذا ما يجعل الدولة اللبنانية بوجود حزب الله فيها، ليست دولة بالمعنى القانوني والدستوري، لأن مقومات الدولة، في الأصل، هي: الأرض والشعب والسلطة. فإذا انتفى أي ركن من الأركان الثلاثة انتفى وجود الدولة. وهذه هي الحال في لبنان بانتفاء سلطة الدولة على كل أراضيها، وتمتع حزب الله بهذه السلطة.
والواقع في لبنان هو أن حزب الله الذي تسلحه إيران، وتدفع نفقاته العسكرية، لا بد له من أن يأتمر بأمرها ويفعل ما تريد. هذه هي العلاقة بين حزب الله وإيران، وهذا هو السبب الأساسي في اتخاذ حزب الله قراره بمساندة حماس، دون أن تتخذ الدولة اللبنانية أي قرار بهذا الشأن، وبصرف النظر عن إجماع سائر اللبنانيين مهما اختلفت طوائفهم وأحزابهم على رفضهم حاليًا للحرب مع إسرائيل، ولاسيما لجهة عدم قدرة الدولة اللبنانية في الوقت الحاضر على دخول الحرب بسبب أوضاعها الاقتصادية والمالية ومشاكلها الداخلية المتعددة.
والنتيجة هي أن أسباب انهيار لبنان يعود إلى عوامل عدّة، من أهمها:
- هيمنة حزب الله على الدولة اللبنانية وتسخيرها لمآربه الداخلية والخارجية.
- الأزمة الاقتصادية وانهيار القطاع المصرفي، وتلاعب بعض المسؤولين، وعدم صموده بوجه الفساد المستشري في مفاصل الدولة، وبالتالي ضياع الحقوق المالية والاقتصادية للشعب اللبناني، والقضاء على تعب الناس وكفاحهم من أجل عيشهم الكريم.
- اتخاذ حزب الله قراره منفردًا بمساندة حماس في حربها مع العدو الإسرائيلي بالرغم من معارضة سائر الفئات اللبنانية هذه المساندة وعدم قدرتها على دخول الحرب.
- الانقسام الداخلي بين الفئات والأحزاب اللبنانية وعجزها حتى عن انتخاب رئيس للجمهورية، في هذه الأوضاع المتردية، وبالتالي عن تشكيل حكومة، تقوم بواجباتها الدستورية وتعيد بناء المؤسسات، وتقوم بالأدوار التي تقوم بها الحكومات في سائر دول العالم.
- وقوع الحرب الحقيقية، حاليًا، بين حزب الله وإسرائيل وما نتج وينتج عنها من خراب ودمار، واغتيالات شملت معظم قيادات حزب الله، وتهدم المباني بعنف لم يسبق له مثيل، وقتل الأطفال والنساء والشيوخ وسائر أبناء البشر وتهجير اللبنانيين بالملايين من مناطق لبنانية الى مناطق لبنانية أخرى أو الى بلدان أخرى.
وسواها من النكبات التي تحل بلبنان في الوقت الحاضر.
ثانيًا – النتائج المتوقعة
يمكن تقسيم النتائج المتوقعة إلى قسمين سلبي وإيجابي، فالنتائج السلبية تعني تصعيد القتال واستمرار الخراب والدمار والانهيار، أما النتائج الإيجابية فتعني وقف إطلاق النار ووقف الحرب وعقد الاتفاقات التي تنهي الحرب وتوقف القتال.
- النتائج السلبية: التصعيد
استمرار القتال بين حزب الله وإسرائيل، يؤدي إلى كوارث متعددة أقلها: تهجير سكان جنوب، وتدمير منازلهم وأرزاقهم وتحويل أراضيهم الى أراضٍ محروقة، كما تؤدي الى عدم تمكن سكان شمال إسرائيل من العودة إلى منازلهم. وأكثر من ذك بكثير، فإن تصعيد القتال يؤدي إلى إبادة الشعب اللبناني ووضع هذا البلد في خطر وجودي، وربما تغيير خريطة الشرق الأوسط كلها إذا توسعت الحرب، ونشبت بين إسرائيل وإيران بعنف متزايد، فضلًا عن قتل العديد من العناصر الحزبية وأفراد من الجيش الإسرائيلي وما يلحق بعائلاتهم من شدائد.
- النتائج الإيجابية أي إيجاد الحلول والتوافق
مما لا شك فيه أن إيجاد الحلول والتوافق هي الغايات القصوى الملحة التي تسعى إليها الدول والمجتمعات فالحروب تدمير وخراب وتشرد وقتل، وانتشار الأوبئة والجهل، والاتفاقات سلام واستقرار وتقدم ونجاح وصحة وعلم وثقافة.
غير أن إيجاد الحلول وتحقيق التوافق لا يتم بسرعة وسهولة، بل يقتضي الإقدام عليه وإنجاحه التحلي بالشجاعة والاعتراف بالحقيقة، وتوخي العدالة وتحقيق المصالح بين المتحاربين. ومن أجل التوصل الى وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب بين حزب الله وإسرائيل يقتضي اقتراح الحلول الآتية:
الحل الأول: تطبيق الاتفاقات الدولية:
في البداية لا بد من توجيه الشكر الى الدول العربية والأجنبية التي تبذل المساعي الحميدة، وتعمل أيضًا على تقريب وجهات النظر لانتخاب رئيس جمهورية في لبنان. إن الرجوع الى الشرعية الداخلية والدولية هو السبيل الوحيد لوقف الحرب وتحقيق السلام في لبنان.
القرارات الدولية التي صدرت بشأن لبنان، وهي القرارات: 1680 و1959 و1701وتطبيقها يؤدي أولًا إلى سحب سلاح حزب الله من المعركة، من جهة، وتوفير السند اللازم لمنع إسرائيل من الاعتداء على الدولة اللبنانية برًا وبحرًا وجوًا من جهة ثانية. وثانيًا يتيح للمساعي الدولية والمنظمات الدولية إيجاد الحلول وتحقيق السلام الدائم والشامل.
- في تسليم سلاح حزب الله
الخطوة الأولى نحو السلام تكون في تطبيق القرارات الدولية التي تقضي بسحب سلاح حزب الله. وهذه المسألة من أصعب الحلول الواقعية والعملية. إذ بعد عشرات السنين من التدريب على القتال والتسلح وتكوين العقيدة، يجبر حزب الله على تسليم سلاحه، فأمر كهذا لن يتم بسهولة ولاسيما ما يزال بعد كل النكبات، يعتبر نفسه قادرًا على المقاومة حتى النهاية.
فالأصح والأنسب أن يتحلى حزب الله بالشجاعة في تحقيق السلام كما تحلى بالشجاعة في القتال، ويقتنع بأن سلاحه، لن يجدي نفعًا بعد الآن وإن التضحية من أجل لبنان تستحق أن يسلم سلاحه طوعًا إلى الجيش اللبناني والعودة لممارسة الحياة السياسية، أسوة من الأحزاب اللبنانية، والحقيقة ليس الحزب وحده هو الذي يتعرض للتدمير، بل لبنان بأسره.
- قبول إسرائيل بوقف إطلاق النار
إن قبول حزب الله بتسليم سلاحه للجيش اللبناني طوعًا وبالإرادة الواعية، لا يعني أن إسرائيل تقبل حتمًا بوقف إطلاق النار مع ضمان عدم تكرار اعتداءاتها على السيادة اللبنانية والخروق للقرارات الدولية حتى بعد تعهد الدولة اللبنانية ومناداتها بتطبيق القرار 1701. وذلك لأن إسرائيل، بعد تمكنها من قتل المسؤولين في حزب الله، وتدمير قسم كبير من مخازن أسلحته، وعربدتها في لبنان من دون أن يتمكن أحد من صدها، قد ترى أن تطبيق القرار 1701 يفرض عليها أيضًا موجبات مهمة، لن تكون في مصلحتها، التي تقضي بتدمير ما تبقّى من قدرات حزب الله بالقوة، ولذلك، فلن تكون مستعدة في الوقت الحاضر لتطبيق القرار 1701 ووقف إطلاق النار.
- المساعي الحميدة والتدخل العربي والدولي والمنظمات الدولية
هنا يأتي دور المنظمات الدولية والمساعي الحميدة التي تقدم من الدول الشقيقة والصديقة، ويلاحظ أن الاهتمام الدولي بشأن وقف إطلاق النار في لبنان يبلغ شأنًا متقدّمًا، وعملًا دؤوبًا، ومساعٍ صادقة، وإن لم تكن كافية. وهذا الاهتمام قد يكون كفيلًا بالتوصّل إلى حلول مقبولة، تؤدي لعقد اتفاقات تنهي الحرب، وتضمن عدم تجددها على الأقل لوقت طويل. ولكن هذا الامر صعب أيضًا وإن لم يكن مستحيلًا.
الحل الثاني: انتخاب رئيس الجمهورية في لبنان
في الأصل، لا يعتبر انتخاب رئيس جمهورية أمرًا مستعصيًا في دولة من الدول، بل هو أمر عادي طبيعي. أما في لبنان فانتخابه صعب وقد طالت فعلًا مدة شغور سدة الرئاسة، وما ذلك إلا بسبب الانقسام بين أبناء الوطن الواحد في هذه المسالة، ولاسيما مع حزب الله الذي يسعى الى انتخاب رئيس "يحمي ظهر المقاومة". ومع ذلك فالمساعي الحميدة والدولية جاهدة في هذه المسألة، ولاسيما مع اللجنة الخماسية التي تسعى إلى إيجاد حل ملائم، ومن المسائل الخلافية المطروحة: انتخاب رئيس الجمهورية قبل وقف النار بين حزب الله وإسرائيل، أم بعده.
والاختلاف حول هذه المسألة لا معنى له، لأنه لا علاقة قانونية أو أصلية بين انتخاب رئيس الجمهورية قبل وقف إطلاق النار أم بعده. لان الأهم هو الإسراع في انتخابه، لأنه بغياب رئيس الجمهورية تتكبل الدولة، فلا مجال للمفاوضات وتوقيع الاتفاقات التي هي من سلطات رئيس الجمهورية وحده، ولا مجال لتشكيل حكومة أصلية، وتسليم حقائبها الى الوزراء المختصين، وتنظيم الإدارة في الوزارات، وإعادة تكوين المؤسسات وملء المراكز الشاغرة في القضاء والإدارة وحفظ الأمن والسلام في المجتمع، وإعادة إحياء دور المصارف وسواها من السلطات التي تمارسها الحكومات في الدول، وهذا الأمر ليس من الأمور المستحيلة مهما اعترضته من صعوبات، بل مسألة وطنية، مهما كان تأثير ومصالح الدول في هذه المسألة. واللبنانيون مدعوون إلى اجتياز هذه المسألة وانتخاب الرئيس، ولا يحق لهم أن يطلبوا مساعدة الدول الشقيقة والصديقة في ذلك. فكيف تساعدهم إذ لم يساعدوا أنفسهم؟
أما طريقة الحل فواضحة وهي تتمثل في الرجوع إلى نصوص الدستور والعمل على تطبيقها بكل تجرد وحسن نية من قبل النواب أفراد السلطة التشريعية مع توافر الإرادات الصحيحة، تحقيقًا للمصلحة الوطنية.
ثالثًا: الأمل في بناء المستقبل
ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل.
ومن المؤكد أن الأمل لا يموت طالما أن الإنسان حي وقد مر لبنان بأزمات وجودية سابقة خطيرة وتمكن من تجاوزها بعون الله ومساعدة الدول الشقيقة المخلصة والأمل كبير في تجاوز الحرب التي يمر بها حاليًا.
وإذا كان يقتضي الخيار بين الحلول والتوافق أو التصعيد فمن التعقل والحكمة اختيار الحلول والتوافق وليس التصعيد، وذلك لأسباب عدّة من أهمها: أن الحرب بين حزب الله وإسرائيل ستجر ويلات متصاعدة على لبنان والشعب اللبناني، حتى ولو كان حزب الله ما يزال في موقع يخوله لاستمرار في المقاومة ضد العدو الإسرائيلي، فالمقاومة لن تقضي على إسرائيل، والقضاء عليها ليس مسألة موكوله إلى حزب الله وحده ولا حتى الى لبنان، بل هي مسألة عربية شاملة، وانفراد حزب الله بالحرب وحتى لبنان الذي يمر بمرحلة إنهيار حاليًا، هو نوع من الانتحار. واستمرار المقاومة هو تهديم لبنان وتشرد أهله، ولذلك فإن التعقل والحكمة تستوجبان اختيار الحلول والتوافق.
ولكن هذا الاختيار ليس سهلًا ويقتضي لتحقيقه تضحيات جسيمة وشجاعة في اتخاذ المواقف والاعتراف بحقيقة ما وصلت إليه الحال، ومواجهة الأزمات الوجودية والإنسانية الناشئة في حالة الحرب وفقًا للاقتراحات الآتية:
- العمل على وقف إطلاق النار وإنهاء حالة الحرب
يقتضي لوقف إطلاق النار وبالتالي إنهاء حالة الحرب القيام بما يأتي:
- تطبيق القرارات الدولية المتخذة حاليًا والتي قد تتخذ مستقبلًا تطبيقًا كاملًا لأنه لا مصلحة للبنان في عدم التقيد بالشرعية الدولية.
- العمل بجهد صادق على انتخاب رئيس للجمهورية فورًا ومن ثم تشكيل الحكومة، وتفعيل المؤسسات ليتمكن لبنان من إعادة بناء دولته.
- القيام بكل المساعي اللازمة الوطنية والدولية وبالتعاون مع الدول العربية الشقيقة والدول الصديقة على وقف إطلاق النار، وتفعيل المفاوضات لإنهاء الحرب، واجتماع المكونات اللبنانية على الطلب صراحةً من حزب الله بتسليم سلاحه طوعًا إلى الجيش اللبناني والإقلاع عن المقاومة المسلحة، وتحويلها إلى مقاومة موقف وفكر ورأي سديد في ضوء مصلحة لبنان والشعب اللبناني وأن يحظى بضمانات دولية تمنع إسرائيل من الاعتداء عليه وعلى لبنان.
- طلب المساعدة في إعادة الإعمار وإعادة السكان المهجرين إلى منازلهم
لقد خلفت الحرب بين حزب الله وإسرائيل دمارًا وخرابًا هائلين يفوقان قدرة لبنان وحده حتى لو كان في عزه الاقتصادي فكيف به إذا كان في حالة إنهيار اقتصادي. فحزب الله يقاوم ولكنه لم يكن في وضع يحمي فيه أبناء الجنوب وأبناء الضاحية وسواهم ممن هدمت منازلهم وسويت بالأرض، وتشردوا.... وفي هذا المجال لا بد من توجيه الشكر الخاص إلى الدول العربية الصديقة وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات وقطر والأردن وسواها من الدول العربية لتقديم ما يحتاجون إليه من مساعدات.
حزب الله يحارب ولكن الدولة اللبنانية والشعب اللبناني يسدّد فاتورة باهظة تفوق الطاقة على تحملّها. إن الدول العربية والخليجية منها بصورة عامة لم تتأخر يومًا عن مساعدة لبنان في محنه وأزماته، هكذا فعلت في حرب 2006م، وهكذا تفعل حاليًا، في حين أن حزب الله يناصبها التخوين وهذا ظلم بحقها.
إن الدول العربية لن تتوانى عن مساعدة لبنان، شرط أن تتمكن الحكومة اللبنانية من اتخاذ زمام المبادرة في حكم لبنان وأن تتحلى بالشجاعة وبقوة الحق وبحماية شعبها وترقب مستقبله وإتمام حاجاته ليعود لبنان وينهض.