array(1) { [0]=> object(stdClass)#13494 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 204

تقدمت السعودية بحلول تعتمد على دبلوماسية أكثر حكمة وأقل تكلفة لتجنب المنطقة اختلال الموازين

الخميس، 28 تشرين2/نوفمبر 2024

لم يعد النظر إلى 7 أكتوبر 2023م، على أنه حدث في إطار السياق الطبيعي لقواعد الاشتباك بين إسرائيل وحماس، سيما وأن هذه اللحظة أصبحت لها تداعيات على منطقة الشرق الأوسط بشكل مباشر بعد دخول أكثر من طرف في هذا الصراع الذي تحول إلى اشتباك عسكري مباشر في جغرافيات متعددة شملت إيران ولبنان واليمن والعراق وسوريا، مما يضع المنطقة أمام عدة احتمالات تشمل تطور هذا الاشتباك إلى حرب شاملة وما ينتج عنها من خارطة قوة جديدة في منطقة الشرق الأوسط بناءً على نتائجها أو أن يكون هناك مسار سلام يمكن أن يجنب المنطقة والعالم آثار حرب الجبهات السبع .

 

خيار الحرب الشاملة وفرص السلام:

 

 كانت الحملة العسكرية على حركة حماس في قطاع غزة والتي استمرّت لمدة عام مع وجود تصريحات من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي ورئيس أركان جيشه بأن المعركة طويلة وصعبة، مؤشر على أن نطاق العمليات لن يتوقف على حدود القضاء على مسلحي حماس، فبعد عام تصاعدت المواجهات العسكرية بين إسرائيل وحزب الله اللبناني وقيام تل أبيب بنقل معركتها شمالًا ، معلنة التوغل البري في الجنوب اللبناني، ومن ثم الإعلان عن اغتيال حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله على إثر ضربة إسرائيلية ضخمة استهدفت قلب الضاحية الجنوبية لبيروت، يعد  نقطة تحول استراتيجية في الحرب، فضلًا عن ذلك فإن انخراط الحوثيين في اليمن مُبكراً  كطرف بالمواجهة منذ 7 أكتوبر 2023م، في محاولة الضغط على الجانب الإسرائيلي في إطار الصراع الدائر في غزة واشتراك الفصائل المسلحة العراقية بهجمات منسقة ، أظهر أن الجانب الإيراني كان مُصراً على توظيف ساحات النفوذ بشكل مُبكر للاشتباك الإقليمي، لخلق توازن الرد والردع تجاه إسرائيل وكذلك إدارة الصراع المباشر مع الجانب الأمريكي، وبذلك فإن إيران بدخولها وحلفائها بمواجهة مفتوحة قد أنهت الحرب الباردة التي كانت تخوضها في السابق ، بل كان لإطلاق  إيران لصواريخ باليستية على إسرائيل مستخدمة مجموعة من الأسلحة لطالما أثارت قلق الغرب، ردًا على مقتل رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية على أراضيها، بداية التحول الفعلي للحرب المباشرة وليست الشاملة بين الطرفين .

 

 وعلى الرغم من أن الرئيس الأمريكي جو بايدن أعلن في أيلول 2024م، إن بلاده عازمة على منع نشوب حرب أوسع نطاقًا في الشرق الأوسط "تبتلع المنطقة بأكملها" ، الآن المعطيات تشير عكس ذلك، فعلى ما يبدو أن قرار الحرب الشاملة أصبح تمتلكه إسرائيل بمعزل عن الإدارة الأمريكية، سيما وأن نتنياهو أدرك المرونة التي تبديها واشنطن إزاء فتح الجبهات والهجمات التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي في غزة ولبنان ، كذلك يستشعر نتنياهو أن

الأميركيون يراهنون على الضغط العسكري ويعطونه المزيد من الوقت لغرض كبح جماح إيران وأذرعها في المنطقة، لذلك تفسح واشنطن المجال أمام الإسرائيليين لتنفيذ المزيد من العمليات بغية تغيير موازين القوى، لذلك ظهروا أنهم غير راغبين بوقف إطلاق النار بين تل أبيب وطهران.

 

  إن اعتماد تل أبيب وطهران استراتيجية الرد المتقابل سيدفع لاحقًا إلى اقتراب أكبر نحو الحرب الشاملة، ويتصاعد هذا الخيار بعد نشر واشنطن بطاريات (ثاد) المقاومة للصواريخ والمتطورة في(إسرائيل)، فهذا النشر لا يؤشر فقط إلى مزيد من الانغماس العسكري الأمريكي بالنزاع، بل إلى الاقتراب من حرب متعددة الأطراف خصوصًا بعد العثور على أسلحة روسية "حديثة" خلال تفتيش أنفاق وقواعد لحزب الله في جنوب لبنان من قبل الجيش الإسرائيلي، فضلًا عن ذلك فإن الضربة الإسرائيلية لإيران والتي نجحت الضغوط والإغراءات الأمريكية على نتنياهو بشن ضربة محدودة لإيران لأهداف أمريكية جيوسياسية واقتصادية وانتخابية ، فضلاً عن أن هدف الضربة هو إبقاء إيران الآن ضمن حدودها، وتبقى إسرائيل حرة التصرف في الساحات الأخرى بالذات اللبنانية ، مما يتطلب ردًا إيرانيا وهذا يؤكد بأن المنطقة سائرة باتجاه مواجهة أكبر قد تصل للحرب الشاملة وأن الجيش الأمريكي سيشارك بدور أكبر على الأرض وليس فقط بالاستخبارات أو الدفاع الجوي، مما يعني بأن إسرائيل نجحت بتفعيل الالتزام الأمريكي الصلب بأمن تل أبيب، ذلك الالتزام الذي أصبح محط شك خلال مدة الصراع، بسبب محاولة الديمقراطيين التخفيف من آثار هذا التورط على الانتخابات الرئاسية الأمريكية والابتعاد قدر المستطاع من الصراعات في منطقة الشرق الأوسط .

 

 إن القدرة الإسرائيلية التي تحاول حسم المعارك في غزة بعد مقتل يحيى السنوار زعيم حركة حماس، مع تطورات القتال مع حزب الله بعد مقتل حسن نصر الله والذي كثف رهانه على الوضع البرّي من خلال فرقة الرضوان، لإلحاق خسائر كبيرة في صفوف الإسرائيليين، لعلّه يحسّن من شروط التفاوض بالنسبة إليه، يعني أن جبهة الجنوب ستحدد أيضًا من احتمالية اندلاع الحرب الشاملة، مع الأخذ بأن جماعة الحوثي الموالية لإيران ما تزال تمثل خطرًا على الملاحة في البحر الأحمر (ممر المصالح الدولية) باعتمادها الاستهدافات للسفن مما يضاعف الاحتمال بـأن الحرب الشاملة هي الخيار لأطراف الصراع سيما وتحالف حراس الازدهار والقوات الأمريكية مصممة على إنهاء هذا التهديد من خلال تحالف دولي يشمل بريطانيا وفرنسا، كذلك فإن مبدأ ما أطلق عليه (وحدة الساحات ) حفز تل أبيب للإعلان في كثير من أيام الاشتباك على أن المعركة طويلة وصعبة، مما يدفعنا إلى أن نستنتج بأن إسرائيل تبحث عن شرق أوسط جديد من خلال الحرب وليست المفاوضات وأنها لن تنهي الحرب إلا من خلال فرض سلاحها كقوة ردع أحادية بالمنطقة ، ولما توفره هذه الحرب من اعتقاد جديد لها يتمثل بالمنطقة الآمنة من البحر غربًا إلى حدود إيران شرقًا .

 

  إن تصاعد احتمال الحرب الشاملة لا يعني عدم وجود مبادرات للسلام من دول راغبة بالاستقرار للمنطقة وإنهاء خيار الحرب والصراع، وتمثل ذلك بمسارات عدة وأهمها المبادرة التي أعلنتها المملكة العربية السعودية بإطلاق تحالف دولي لإقامة دولة فلسطينية وتنفيذ "حل الدولتين"، إذ عدت الرياض أن الوضع في غزة وتنفيذ حل الدولتين كطريق إلى سلام عادل وشامل" ، مؤكدة على التحرك بشكل جماعي مع الشركاء من الدول العربية والإسلامية والأوروبية لأجل اتخاذ خطوات عملية ذات أثر ملموس للدفع باتجاه الوقف الفوري للحرب، وتنفيذ حل الدولتين، وفي مقدمة ذلك تجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة ؛ إن التطورات المتسارعة في المنطقة وفشل الحلول لوقف تداعيات الحرب في غزة ولبنان، لم يجعل السعودية عاجزة عن تقديم مقاربات جديدة، بل تقدمت بفعل دبلوماسي لم يسبق أن تحقق رغم كل التعقيدات الحالية، معتمدة على الدبلوماسية كخيار أكثر حكمة وأقل تكلفة، لكي تجنب المنطقة اختلال موازين القوى، ويعد خياراً أفضل من الدخول في مواجهة عسكرية الذي لا تحبذه الدول التي لا تمتلك القدرة أو الإرادة لتحمل تكاليفها، فإيمان المملكة بأن الدبلوماسية هي الوسيلة الأكثر استدامة في هذه الحالة هو الطريق السليم لإيجاد الحلول بعيداً عن الشعارات التي دفعت الشعوب إلى الدمار؛ فالتحالفات الدولية يمكن أن تلعب دوراً مهماً في تحريك الملفات المستعصية، حتى لو بدا أن نتائجها غير منظورة على المدى القريب، فهذه التحالفات قد لا تقتصر على المؤتمرات والاجتماعات، بل قد تكون أدوات للتأثير على موازين القوى والدفع باتجاه تسويات سياسية منتظرة لإنهاء صراع كلف المنطقة والعالم الكثير، ولم تتوقف المملكة عند حدود التحالف الدولي هذا، بل انطلقت لدعم الفلسطينيين بالوسائل الاقتصادية وتقديم المساعدات المادية والمعنوية.

 

  إن التراجع الكبير لما يعرف بمحور المقاومة بقيادة إيران اضطرها إلى الانتقال للبحث عن مسار سياسي بهدف التفاوض بشكل غير مباشر مع الولايات المتحدة الأمريكية حين استنجدت بالمملكة العربية السعودية، وكذلك قيام وزير خارجيتها عباس عراقجي بجولة عربية - إقليمية ، هذا التحول كان قائمًا بالأساس على إعطاء  فرصة للحل السياسي الذي تبحث عنه طهران ، فضلاً عن كونها فرصة للضغط بأكثر من ورقة، الحرب والسلام، وهو ما دفع حزب الله للإعلان عن قبوله بحل سياسي مع إسرائيل وتفويض نبيه بري رئيس البرلمان اللبناني للتفاوض والقبول بتطبيق القرار 1701 الصادر من مجلس الأمن الدولي، الأمر الذي اعتبرته إسرائيل تراجعًا وهو ما جعلها ترفض كل المبادرات السياسية من حماس وحزب الله، وبدأت تهدد بفتح جبهة بعد الأخرى . مما تقدم يمكن الاستنتاج أن المواجهة الأوسع بين إيران وإسرائيل ستقع بعد الانتخابات الأمريكية، إن لم يتم رسم معالم تسوية شاملة لتدارك الانهيار وإن خيار الحرب الإقليمية هو الثابت لأطراف المواجهة العسكرية، سيما بعد الانتشار العسكري الأمريكي في إسرائيل وإعادة تموضعها في عدد من الجغرافيات التي تتواجد فيها قواعدها، ووجود قناعة تامة لدى طهران بأن تل أبيب تعمل على إنهاء حلفائها في المنطقة وانكفائها على داخلها المنهك، لذا ستعمل على إبطاء هذه الحرب، بانتظار صفقة قد لا تتحقق على المدى المنظور.

  • العراق وخيار الحرب ومبادرات السلام:

 

  أن قرار الفصائل المسلحة العراقية بالاشتراك بالحرب الدائرة بين إسرائيل من جهة وحلفاء إيران في المنطقة من جهة أخرى منذ أكتوبر 2023م ، هو ركن أساس من البناء العقائدي لهذه الجماعات وإسنادا للموقف والفعل الإيراني بعدما قررت تمدد جغرافيات الصراع العسكري وتقديم الدعم اللامحدود لحماس والتهديد بالتدخل الميداني ضد تل أبيب أو استهداف مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، بشكل مباشر ، أو الحرب بالوكالة في عدد من الدول العربية، وهذا ما حدث بالفعل على الحدود اللبنانية والعراق، فضلًا عن أن هذا الاشتباك للجماعات العراقية يمثل ترجمة  فعلية لشعار " وحدة الساحات " بهدف التصعيد العسكري لتحقيق ضغط على إسرائيل بتوازن الردود وأيضًا لتحسين شروط التفاوض لإيران في حال التفاوض للحصول على صفقة .

  يشكل أكتوبر من عام 2023م، نقطة تحول في سياسات العراق الداخلية والخارجية، فانخراط الفصائل المسلحة الحليفة لإيران بحرب غزة وجنوب لبنان استناداً لشعار وحدة الساحات، قد دفع حكومة السوداني إلى إعادة تموضع بناء على هذا التطور، وبالرغم من التأكيد الرسمي على أن بغداد ليست طرفاً بما يدور إلا في جانبه الإنساني، إلا أن البيئة السياسية لرئيس الوزراء محمد السوداني التي تمثل الموقف شبه الرسمي، دخلت فعلياً بهذه الحرب من خلال استهداف القواعد الأمريكية في العراق وسوريا والاشتباك الفعلي من خلال هجمات منسقة للداخل الإسرائيلي، وبذلك أصبح العراق رسمياً ضمن نطاق الحرب وبنك الأهداف القادمة في خطط الجيش الإسرائيلي.

 

  لم يعد النقاش في بغداد عمن يمتلك قرار الحرب المنصوص عليه في الدستور العراقي، فالسؤال الأهم الآن كيف يمكن تفادي هذه الحرب وآثارها المدمرة على بلد منهك سياسياً واقتصادياً وأمنياً؛ مما يتطلب خارطة طريق تشمل عدة مستويات وأهمها المسار الدبلوماسي لإخراج العراق من دوامة الحرب التي يمر بها الشرق الأوسط ويكون ذلك بالالتزام بمبدأ التوازن الذي سارت عليه الحكومات العراقية، المبدأ الذي كُسر بسبب الفصائل المسلحة التي شكلت الحكومة الحالية واعتماد خطاب خارجي يتسم بالحياد الشديد، وعدم استفزاز الأطراف العربية والدولية، وكذلك عدم إظهار العراق على أنه دولة جسرية لتهديد الدول الأخرى. إن عدم طرح مبادرة دبلوماسية خاصة أثرت من ألا يبرز العراق كـ"طرف محايد"، خصوصاً وأن العراق يمتلك علاقات "نادرة" مع القوى الفاعلة بالحرب، ويتطلب ممارسة ضغط دبلوماسي بجولة عربية أو عالمية لغرض تنضيج المبادرة أو حتى قيادة حراك ضاغط على الدول الغربية يمكن أن يُنهي حالة الصراع في المنطقة، ومع مرور الوقت يبدو أنه فقد زمام المبادرة نتيجة إرادة الجماعات المسلحة.

 

 إن مبادرة المملكة العربية السعودية التي شكلت على أساسها التحالف الدولي للاعتراف بدولة فلسطين، تعد أفضل ما قدم لهذه القضية؛ التي يتوجب على الحكومة العراقية الالتحاق بها والإعلان عن تأييدها كحل عربي متقدم، بحكم أن هذا التحالف الذي تقوده الرياض يمثل مساراً ومنهجاً يضمن الاستقرار للمنطقة ولبقية الدول التي يمكن أن تتأثر بتداعيات الحرب، فضلاً عن ذلك يمكن لبغداد؛ كي تتجنب الحرب، العمل على رفع مستوى الحديث مع الولايات المتحدة الأمريكية للتأثير على حليفتها إسرائيل بضرورة إبعاد الجغرافية العراقية عن دائرة القصف، وبذات الوقت من الضروري لحكومة السوداني، والعراق على شفا الحرب، أن يخوض مفاوضات سريعة مع إيران لوقف تحفيز حلفائها العراقيين بدمج بلدهم بوحدة الجبهات، والانتقال تالياً داخلياً بحصر السلاح بيد الدولة وبشكل فعلي وعاجل.

 

لا شك أن معطيات الإحراج السياسي والدبلوماسي والترقب الصعب للحكومة العراقية يتطلب مقاربات مختلفة، وهي أمام مسؤولية وطنية، رغم أنها في الربع الأخير من عمرها الدستوري، لإنقاذ العراق وعدم الاكتفاء بردات الفعل تجاه بعض المواقف الداخلية وأخذ زمام المبادرة وعدم انتظار التسويات الإيرانية، فكل المؤشرات تؤكد بأن الدولة العراقية قد لا تصمد أمام الضربات، بالتالي سيجعلها غير قادرة على احتوائها ومن ثم سيواجه العراق منعطفات جذرية كبيرة كنتيجة حتمية لهذه الحرب.  ان استخدام الجغرافية العراقية من الفصائل المسلحة العراقية، أدخل حكومة محمد السوداني (2022-2025م)، في حرج كبير سيما وأن الجدل يتمحور حول من يمتلك سلطة إعلان الحرب ومن هي الجهة المختصة بذلك، ورغم ان دستور  جمهورية العراق لعام 2005م ، قد اناط في المادة 61  (تاسعًا ـ أ ) ذلك لاختصاص مجلس النواب بالموافقة على إعلان حالة الحرب بناءً على طلب مشترك من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، إلا أن ذلك لم يحدث خصوصًا وان الجناح المسلح في الإطار التنسيقي الحاكم في العراق بدأ بعمليات عسكرية، رغم ان السوداني أعلن انه أجرى حوارات واتصالات بضرورة وقف التصعيد لتجنب رد إسرائيلي . ومع توسع الاستهدافات لهذه الجماعات يتضح أن القرار بالحرب خاضع لإرادة سياسية على حساب السياق الدستوري مما يضعف الدولة ككيان ومؤسسات، كذلك فإن الاشتراك بالحرب اللا متناظرة التي تدور حاليًا من قبل جهات شبه رسمية، أشر بأن بغداد أمام لحظات فارقة تفاقم من الأزمة الداخلية، وتمنع العراق خارجيًا على أن يجعله فاعلًا مع المبادرة العربية التي أطلقتها المملكة العربية السعودية والمتعلقة بتشكيل تحالف دولي لتأسيس دولة فلسطين.

 

 إن اعتماد إسرائيل مبدأ حرب الجغرافيات المتتالية سيضع العراق في قلب الصراع خصوصًا وإن الجماعات المسلحة العراقية كانت مسؤولة عن قتل عدد من الإسرائيليين وهجمات صاروخية أو بطائرات مسيرة تجاه تل أبيب أو إيلات أو الجولان، الأمر الذي وضع العراق ضمن بنك الاستهداف للجيش الإسرائيلي وهذا سيكون له تداعيات أمنية وسياسية واقتصادية ليس على الجماعات المسلحة بل على النظام السياسي والحكومة التي شكلتها هذه الجماعات، بعد ان أدرج رئيس الوزراء الإسرائيلي العراق ضمن محور دول الشر الذي ضم إيران والعراق وسوريا؛ بمقابل ذلك فإن من مصلحة العراق أن تذهب إيران إلى صفقة أو تسوية مع إسرائيل بشكل مباشر أو غير مباشر ، لما لذلك من انعكاس على الاستقرار في العراق وكذلك يبعد عنه خطر الحرب وتهديد النظام أو الانقسام الداخلي .

 

مستقبل الشرق الأوسط:

 

 إن حرب الجغرافيات المتتالية التي تبنتها إسرائيل لا يمكن اعتبارها اشتباكًا عسكريًا محدودًا، فتوسع الصراع ودخول إيران بشكل مباشر يؤشر إلى أن هذه الحرب ستغير في حدود النفوذ والقوة في منطقة الشرق الأوسط ، فإطلاق تسمية " النظام الجديد " على عملية قتل حسن نصر الله  الأمين العام لحزب الله اللبناني يؤشر بأن هناك تصور إسرائيلي لما بعد حسم هذه الجبهات السبع بشرق أوسط جديد يرتكز على إنهاء النفوذ الإيراني في المنطقة وأذرعها من الجماعات المسلحة ، فعبارة  "رسم شرق أوسط جديد" ذكرها العديد من  المسؤولين الإسرائيليين أبرزهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، فإعادة ترتيب موازين القوى ورسم خريطة سياسية مختلفة للمنطقة ليس هدفًا إسرائيليًا جديدًا، ولكن تل أبيب تعتقد أنها باتت أقرب لتطبيق هذا الشرق الأوسط من أي وقت مضى، في ظل التطورات المتسارعة والمواجهات المستمرة مع ما يُعرف بـ"محور المقاومة" ، ومما يعزز هذا السيناريو هو وجود توافق أمريكي-إسرائيلي- أوروبي حول تصفية هذا النفوذ وإعادة ترسيم العلاقات وفق القوانين الدولية .إن إعادة إنتاج الشرق الأوسط لن يكون على المستوى الجغرافي لدول المنطقة ولكنه مؤكد على مستوى إنهاء الأيدلوجيا الإيرانية خصوصًا وأن الجميع متفق على ضرورة انكفاء طهران لداخلها والاكتفاء بحدودها الجغرافية وعدم تهديد دول المنطقة، أي أن المنظور الإسرائيلي للشرق الأوسط الجديد، هو منطقة خالية من التهديدات الإيرانية .

 

 إن شرق أوسط جديد كمنطقة سلام لا صراع يعتمد على مسار المفاوضات حول عدد من الملفات الرئيسية وما تنتجه من تسويات سياسية ومنها التسوية الفلسطينية الإسرائيلية والتسوية الإسرائيلية اللبنانية والتسوية الأمريكية / الإيرانية ، فحسم القضية الفلسطينية وفق مبادرة المملكة العربية السعودية بإعلان دولة فلسطين وضمان حقوق شعبها، ينهي عقود من التوتر والاشتباكات المسلحة بين الطرفين وانعكاسات تلك الاشتباكات على المنطقة بشكل مباشر ، كذلك فإن سيطرة الدولة في لبنان على سيادتها وسلاحها وإنهاء التحكم الخارجي والالتزام التام بالقرارات الأممية الصادرة لحل النزاع بين بيروت وتل أبيب سيتيح مزيدًا من الاستقرار في المنطقة ، كذلك فإن حسم الصراع الأمريكي الإيراني بخصوص الملف النووي للأخيرة الذي تسبب بتحول المنطقة إلى ساحة حرب مفتوحة، ستعطي هذه التسوية مزيدًا من الاستقرار للمنطقة.

 

 مما لا شك فيه فإن نهاية المواجهة بين إسرائيل وإيران وحلفائها في المنطقة سترسم أولاً حدود القوة وتغير في قواعد الصراع بين الطرفين في ظل التفوق العسكري والأمني والمعلوماتي وتدفع ثانيًا باتجاه حرب إقليمية لرسم موازين هذه القوة لمنطقة الشرق الأوسط ، فلم تعد إسرائيل تقبل ان يفرض عليها مجددًا مبدأ الحرب المفتوحة فضلاً عن اعتقادها أنها أمام فرصة تاريخية لحسم هذا الصراع والحصول على مكاسب أكبر ليس لأمنها القومي فقط كمكاسب داخلية بل تعتقد بإمكانية أن تحقق لها هذه الحرب السلام الدائم وفق تسويات تنتجها أدوات عدة، كذلك فإن تقويض إيران وأذرعها المسلحة بعد حروب الجغرافيات المتتالية التي اعتمدتها إسرائيل سيصب في صالح الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة بشكل كامل ويعزز من حضورها السياسي والاقتصادي والأمني أمام روسيا والصين حلفاء إيران في حدود الخليج العربي والبحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط ، وكذلك فإن واشنطن أدركت أكثر من أي وقت مضى الأهمية الجيواستراتيجية للعراق مما يضع خيار انسحاب قواتها منه قرارًا مستبعدًا ؛ فضلًا عن ذلك فإن تغيير قواعد اللعبة جيوسياسيًا في الشرق الأوسط برمته سيرتكز على المواجهة الشاملة إيرانية/ ً إسرائيلية، وهو أكبر امتحان للإدارة الأمريكية القادمة، ولما تقدم فإن الشرق الأوسط الجديد سيكون العنوان الأبرز لطاولات حوار ومسارات دبلوماسية ترسمه عدة دول في المنطقة ولن يكون حكرًا لإسرائيل.

مقالات لنفس الكاتب