في ظل التغيرات السريعة التي تعصف بالنظام العالمي الراهن، تواجه منظمة التعاون الإسلامي فرصة فريدة لإعادة وضع تصور بشأن أهدافها ومهمتها، إلى جانب تعزيز أهميتها على الساحة الدولية. ومن خلال استلهام نموذج الاتحاد الأوروبي-الذي يقدم مثالًا للتعاون والتكامل الإقليمي-يتسنى للمنظمة أن تثبت أقدامها كمنصة ديناميكية حيوية لتعزيز السلام، والتنمية، والتفاهم بين الثقافات.
في هذا الصدد، يستكشف هذا المقال أهمية منظمة التعاون الإسلامي والدور الذي تقوم به وقدرتها على التعاون مع الاتحاد الأوروبي في تطوير الأهداف المشتركة. كما يحدد الاستراتيجيات التي يمكن أن تتبناها المنظمة لتعزيز فعاليتها التنظيمية، مسترشدًا بمسيرة تطور الاتحاد الأوروبي. حتى تتمكن من تنفيذ مهمتها كمنصة تهدف إلى إعلاء الوجه الحقيقي للإسلام المعتدل، وأن تصبح مركزًا للتبادل الثقافي، والعلمي، والحضاري.
أهمية منظمة التعاون الإسلامي وتأثيرها
جاء قرار إنشاء منظمة التعاون الإسلامي في عام 1969م، استجابة للتحديات التي تواجه العالم الإسلامي، بما في ذلك الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية ومدينة القدس. ومنذ أن أبصرت النور، شكلت المنظمة رمزًا للتكاتف والتضامن ضد التهديدات الخارجية والالتزام بالحفاظ على التراث الثقافي الإسلامي. وعلى مر العقود، تطورت المنظمة وأصبحت مؤسسة متعددة الأوجه، تخاطب طيفًا واسعًا من القضايا المعاصرة، والتي تمتد من الصراعات السياسية، والأزمات الإنسانية، إلى مجالات البحث العلمي، والتنمية الثقافية. ويسلط هذا الطابع متعدد الأوجه للمنظمة الضوء، على إمكاناتها الواسعة في معالجة التحديات العالمية الحديثة.
كذلك يتضح تأثير المنظمة جليًا من خلال قدرتها على عقد حوارات ونقاشات عالمية حول القضايا المُلحة مثل: ظاهرة الإسلاموفوبيا، والإرهاب، والتنمية المستدامة، والتعليم. في حين أن بنك التنمية الإسلامي، الذي يعد أحد المؤسسات التابعة للمنظمة، لعب دورًا رئيسيًا في إعلاء التنمية الاقتصادية داخل الدول الأعضاء من خلال تمويل مشروعات البنية التحتية، وبرامج المساعدات الإنسانية. في الوقت ذاته، يؤكد الدعم الذي تقدمه المنظمة لأهداف التنمية المستدامة التي تتبناها الأمم المتحدة مدى التزامها تجاه التقدم العالمي. وفي هذا الصدد، ثمة اعتراف أوروبي بأهمية دور منظمة التعاون الإسلامي باعتبارها صوت العالم الإسلامي، وشريكًا مهمًا في رعاية الحوار بين الدول الإسلامية وأوروبا. وفي ظل التفاعلات المتزايدة بين الشعوب الإسلامية ونظيراتها الأوروبية، ثمة مسؤولية مشتركة تقع على كاهل الجانبين من أجل تعزيز التفاهم المتبادل، ومكافحة الصور النمطية، ومعالجة الأسباب الجذرية للتطرف.
رغم ذلك، لا تقف المنظمة بمعزل عن الانتقادات. فإن أوجه القصور الملحوظة، والافتقار إلى تطبيق سياسات متسقة ومتناغمة، إلى جانب محدودية آليات الإنفاذ عوامل تسببت مجتمعة في تقويض فعالية أداء المنظمة. فضلًا عن، أن تنوع الخلفيات والمعطيات الاقتصادية والسياسية للدول الأعضاء بالمنظمة، قد يؤدي في أغلب الأحيان إلى تشرذم وانقسامات داخل عملية صنع القرار. ومن أجل مُعالجة الثغرات المُشار إليها، يقتضي الأمر استحداث رؤية جديدة مُستوحاة من تجربة الاتحاد الأوروبي في تحقيق الوحدة والتكامل من وسط التنوع والاختلاف.
آفاق التعاون بين منظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الأوروبي
تأسست العلاقات بين منظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الأوروبي على ركائز متينة من المصالح المشتركة، بما في ذلك السلام والاستقرار والتنمية الاقتصادية. إن تعزيز هذا التعاون سيعود بنتائج ملموسة عبر قطاعات متعددة:
التعاون السياسي
تَسْطُر مسيرة تحول الاتحاد الأوروبي من قارة متشرذمة إلى كيان سياسي موحد قصة ملهمة لمنظمة التعاون الإسلامي. وفي هذا الصدد، فإن إقامة منتدى سياسي منظم بين المنظمة والاتحاد الأوروبي يمكن أن يتيح منصة لإجراء مشاورات منتظمة بين الجانبين حول القضايا المُلحة مثل الأزمات الجيوسياسية، واللاجئين، وأزمة تغير المناخ. كما أن الأمثلة التاريخية مثل الوساطة الأوروبية في مُعالجة الصراعات السياسية داخل دول غرب البلقان، تُسلط الضوء على أهمية الأطر المؤسسية في جهود حل الصراعات-وبالتالي فإنها تعطي دروسًا يمكن لمنظمة التعاون الإسلامي الاستفادة منها. وهكذا، فإن إقامة مثل هذا النوع من المنتديات قد يساعد في تمكين الكيانين من لعب دور الوسيط في الصراعات المُشتعلة منذ أمد طويلة، بما في ذلك الصراع الفلسطيني -الإسرائيلي، أو انعدام الاستقرار داخل منطقة الساحل الإفريقي. بالأخص في ظل المصداقية التي تنعم بها المنظمة كممثل لدول العالم الإسلامي، مُقترنة بالموارد الدبلوماسية التي تزخر بها جعبة الاتحاد الأوروبي، بما يساعد على خلق مسارات أمام التوصل إلى سلام مستدام.
الشراكات الاقتصادية
تضم المنظمة اقتصادات غنية بالموارد والعديد من الأسواق الناشئة، في حين أن الاتحاد الأوروبي، ينعم بقدرات تقنية متطورة وأنظمة مالية عتيدة. من ثم، فإن التعاون المشترك بين الجانبين من شأنه أن يعزز القدرة الاقتصادية على الصمود في مواجهة التحديات العالمية مثل الاضطرابات في سلاسل الإمداد والتحولات في مجال الطاقة. وفي إمكان المنظمة تتبنى نموذجًا للتكامل الاقتصادي الإقليمي مُستوحى من تجربة السوق الأوروبية الموحد، بهدف تقليص الحواجز التجارية وتحقيق التوافق بين اللوائح التنظيمية. كما توضح أمثلة مثل المبادرات الاقتصادية التي يرعاها مجلس التعاون الخليجي إمكانات تحقيق تكامل إقليمي. علاوة على ذلك، يمكن لصناديق الاستثمار المشتركة بين المنظمة والاتحاد الأوروبي، والتي تستهدف دعم مشاريع الطاقة المتجددة ومراكز التكنولوجيا، أن تُسهم في معالجة الأولويات المشتركة، مثل الحد من البصمات الكربونية وخلق فرص العمل للشباب.
التبادل الثقافي
في ظل تصاعد ظاهرة الإسلاموفوبيا والاستقطاب العالمي، يكتسب التبادل الثقافي أهمية بالغة كأداة فعالة لمواجهة هذه التحديات. إن تنوع خلفيات وثقافات الدول الأعضاء بالمنظمة يُوفر نسيجًا غنيًا من التقاليد، والفنون، والأدب الذي يسهم في تقريب الفجوات الثقافية مع أوروبا. ذلك إلى جانب الدور الذي يمكن أن تلعبه المبادرات المشتركة مثل الحوار بين الأديان، والمهرجانات الفنية، والمبادلات الأكاديمية في مكافحة الصور النمطية مع الاحتفاء بالقيم الإنسانية المشتركة. على سبيل المثال، فإن إقامة معرض تعاوني يعرض الفن الإسلامي داخل المتاحف الأوروبية، بالتوازي مع عقد جولات فنية أوروبية داخل بلدان منظمة التعاون الإسلامي، قد يساعد على تسليط الضوء على التناغم والتآزر الثقافي. علاوة على ذلك، يمثل صعود المنصات الرقمية فرصة أمام منظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الأوروبي من أجل تعظيم السرديات والخطابات المعتدلة. ومن خلال التواصل والانخراط مع الشباب عبر حملات مخصصة على مواقع التواصل الاجتماعي، يتسنى لكلا الجانبين مجابهة الأيديولوجيات المتطرفة والتأكيد على قيم العدل والتعايش المشترك.
مكافحة الإرهاب والتطرف
يُشكل التطرف تهديداً وجودياً يتطلب تعاوناً دولياً شاملاً. وفي هذا الإطار، تلتزم المنظمة والاتحاد الأوروبي ببناء شراكة استراتيجية لمكافحة التطرف من جذوره. ومن خلال تعزيز التعاون في مجالات مكافحة التمويل الإرهابي، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، ومكافحة خطاب الكراهية، وتعزيز الحوار بين الأديان والحضارات، يمكن للجانبين أن يساهما في بناء عالم أكثر أماناً واستقراراً. كما أن الاستثمار في التنمية البشرية، وتوفير فرص العمل للشباب، ودعم التعليم، يساهم بشكل كبير في بناء مجتمعات صامدة أمام الأفكار المتطرفة. ويمكن تحقيق ذلك من خلال تصميم برامج إعادة تأهيل شاملة تستند إلى أفضل الممارسات الدولية، مثل نموذج مدينة "آرهوس" الدنماركية."
المنظمة كمركز للتبادل الحضاري
من أجل غرس أقدامها على الساحة الدولية، ينبغي لمنظمة التعاون الإسلامي استغلال نفوذها الجماعي من أجل إعلاء تبادل المعرفة والابتكارات. وبإمكانها في هذا الصدد اتخاذ عدة خطوات عملية تساعد على تعزيز نفوذها:
1.إنشاء مراكز للتميز
إن إنشاء مراكز إقليمية للتميز في مجالات الطاقة المتجددة، والذكاء الاصطناعي، والصحة قد يساعد في دفع عجلة الابتكار. وفي ضوء ذلك، يقدم برنامج " أفق أوروبا" البحثي التابع للاتحاد الأوروبي، نموذجا مُلهما، مما يسهم في تعزيز أوجه التعاون البحثي بما يعود بالنفع على الدول الأعضاء والشركاء الدوليين على حد سواء.
-2 زيادة الفرص التعليمية
يشكل التعليم عاملًا أساسيًا لتعزيز التفاهم بين الثقافات، وفي ضوء هذا، في إمكان المنظمة أن تنشئ برامج للمنح الدراسية تمكن الطلاب في الدول الأعضاء من الدراسة بالمؤسسات الأوروبية، وتشجيع الطلاب الأوروبيين في الوقت ذاته على استكشاف البلدان الإسلامية. كذلك من الممكن أن تشمل هذه التبادلات عقد شراكات مع الجامعات الرائدة وتعزيز التعلم المتبادل.
- 3. التنمية المستدامة
من خلال مواءمة المنظمة مبادراتها مع أهداف التنمية المستدامة، أصبح لديها إمكانية لاجتذاب الدعم العالمي مع معالجة التحديات المشتركة مثل الفقر، والتغير المناخي. كما أن إقامة مبادرات تعاونية مع الاتحاد الأوروبي في مجال الطاقة المتجددة والتنمية المستدامة، يمكن أن يثمر عن منافع متبادلة، ويساهم في جعل منظمة التعاون الإسلامي شريكًا رئيسيًا في التنمية العالمية.
الاستفادة من المسيرة الأوروبية
إن النهج التدريجي الذي اتبعه الاتحاد الأوروبي نحو التكامل، يتيح دروسًا قيمة مُلهمة للمنظمة. كذلك تُمثل الإصلاحات المؤسسية مثل تبسيط آليات صنع القرار، وتحسين الشفافية أهمية بالغة. علاوة على ذلك، فإن التشجيع على اعتماد نهج يركز على المواطن من شأنه أن يُنبت شعورًا بالوحدة بين شعوب المنظمة.
الأسس التاريخية للتعاون الإقليمي
قبل الغوص وراء آفاق التعاون المحتمل بين منظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الأوروبي، من الضروري أن نستلهم الدروس من تجارب التعاون الإقليمي السابقة. ومن نماذج لهذا التعاون، الحوار المتواصل بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي، ساعد في إرساء أساس لشراكات أوسع نطاقًا بين أوروبا والعالم الإسلامي.
الاجتماع الأول بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون: دراسة حالة
يمثل الاجتماع الأول الذي انعقد بين مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي عام 1989م، علامة فارقة في مسيرة تعزيز الحوار بين الأقاليم الجغرافية. وقد ساهم هذا الاجتماع في وضع إطار عمل رسمي للتعاون السياسي والاقتصادي بين الكيانين، نابعًا من الرغبة في تحقيق المصالح المتبادلة: وذلك في ظل حرص الاتحاد الأوروبي على تأمين موارد موثوقة للطاقة والنفاذ إلى الأسواق الخليجية، مقابل سعى مجلس التعاون إلى تنويع شراكاته والاستفادة من الخبرات الأوروبية في مجالات مثل تطوير البنية التحتية والتعليم.
النتائج والدروس المُستخلصة لمنظمة التعاون الإسلامي
سلط الاجتماع المُنعقد بين الاتحاد الأوروبي-ومجلس التعاون الخليجي الضوء على العديد من المبادئ الخاصة بآليات التعاون الناجح، والتي تتيح دروسًا قيمة لدعم العلاقات بين الاتحاد الأوروبي-ومنظمة التعاون الإسلامي:
- المصالح المتبادلة أساس للعلاقات: قام الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون بتعريف الطاقة والتجارة كأولويات مشتركة، مما يفسح المجال أمام إجراء حوار مركز وفعال. بالمثل، في إمكان منظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الأوروبي منح الأولوية لمجالات مثل مكافحة الإرهاب، والتنمية المستدامة، والتبادل الثقافي.
- الحوار المؤسسي: ساعد إنشاء المجالس واللجان المشتركة على التواصل المستمر بين الجانبين. ويتسنى للمنظمة مُحاكاة هذه التجربة بتشكيل منتديات دائمة بين المنظمات مع الجانب الأوروبي من أجل ضمان استمرارية الحوار.
- المرونة والقدرة على التكيف: رغم الاختلافات الثقافية والسياسية، استطاع الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي مواءمة المناهج الخاصة بهما لكي تتواكب مع الأهداف المشتركة. بالنسبة للمنظمة، فإن تبني إطار عمل يتسم بالمرونة يساعد في التعامل وإدارة الأولويات المتباينة للدول الأعضاء مع العمل على تحقيق توافق وتناغم مع السياسات الأوروبية.
دور الطاقة والاستدامة
ركزت الشراكة الأوروبية-الخليجية على التعاون في مجال الطاقة، بما يعكس أهمية البلدان الخليجية كمورد عالمي للطاقة. وعلى صعيد منظمة التعاون الإسلامي، فإن قضية استدامة الطاقة تمثل فرصة جيدة لتحقيق انتقال عالمي نحو ممارسات طاقة مستدامة. من خلال الاستفادة من الموارد الطبيعية لدول المنظمة والخبرات التقنية لأوروبا، يمكن للجانبين بناء شراكات استراتيجية طويلة الأمد في مجالات الطاقة المتجددة، وتعزيز أمن الطاقة العالمي، والمساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
مقترحات تعاون في مجال الطاقة
مبادرات الطاقة المتجددة: إن الاستثمار في المشاريع المشتركة في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح يمثل فرصة فريدة لجعل بلدان منظمة التعاون الإسلامي رائدة في مجال الطاقة النظيفة من خلال الاستفادة من التكنولوجيا والخبرات الأوروبية.
النفاذ إلى الطاقة في البلدان النامية: إن الجهود التعاونية التي تهدف إلى تحسين آليات الحصول على الطاقة داخل الدول الأعضاء الأقل نموًا قد تجد توافقًا وانسجامًا مع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، بما يدعم مكانة الاتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون الإسلامي على الساحة الدولية.
الحوار بشأن أمن الطاقة: قد يشكل إقامة منتديات منتظمة حول أمن الطاقة عامل دعم لجهود المنطقتين الرامية إلى معالجة الثغرات ونقاط الضعف داخل أسواق الطاقة العالمية.
النتائج الرئيسية لقمة 2024
تمثل القمة الأولى المنعقدة بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي في 16 من أكتوبر، 2024م، في بروكسل "لحظة تاريخية" في مسار تعزيز التعاون الاستراتيجي بين الجانبين. تحت شعار " شراكة استراتيجية من أجل السلام والازدهار"، ركزت القمة على توطيد العلاقات عبر مختلف القطاعات الرئيسية بما في ذلك؛ التجارة، والطاقة، والمناخ، والربط، والجهود الإنسانية
النتائج الرئيسية
1.التعاون في مجال الاقتصاد والطاقة
- ساهمت القمة في تدعيم النقاشات حول إبرام اتفاقية للتجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي، مع التأكيد على الالتزام حيال تعزيز الاستثمارات المشتركة في التحولات الخضراء والرقمية.
- تم تكليف مجموعة خبراء الطاقة التابعة للاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون بتكثيف التعاون المشترك حول الطاقة المتجددة، ونقل طاقة الهيدروجين، وأمن الطاقة، والتأكيد على أهمية الاستدامة والقدرة على تحمل التكاليف.
- التعاون السياسي والأمني
- تجديد دعم الكيانين المتبادل للتسوية السلمية للنزاعات في المناطق محل الاهتمام المشترك، بما في ذلك الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي والأمن الملاحي بالبحر الأحمر.
- اعتماد آلية منظمة للاستجابة للكوارث، تربط ما بين مركز تنسيق الاستجابة للطوارئ التابع للاتحاد الأوروبي، ومركز إدارة الطوارئ بمجلس التعاون الخليجي من أجل معالجة الأزمات بشكل أكثر فعالية.
- المبادرات الثقافية
لقد ساهمت القمة في تعزيز التبادل الثقافي بين الشعوب، بما في ذلك إنشاء برامج تحت مظلة "إيراسموس بلس" للمنح الدراسية وبرنامج "هورايزن" البحثي، من أجل تعزيز التعاون الأكاديمي والتفاهم الثقافي بين المنطقتين.
الدروس المستفادة والانعكاسات على منظمة التعاون الإسلامي
إن النجاح الذي حققته القمة الخليجية-الأوروبية يمثل نموذجاً يحتذى به لمنظمة التعاون الإسلامي في تعزيز علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي. فمن خلال تبني أطر عمل مشابهة، والتركيز على مجالات التعاون ذات الأولوية، مثل الطاقة المتجددة والاستجابة للكوارث، يمكن للمنظمة أن تحقق نتائج ملموسة على أرض الواقع. وبدعم من المجتمع المدني والقطاع الخاص، يمكن للجانبين بناء شراكات استراتيجية طويلة الأمد تساهم في تحقيق التنمية المستدامة، وتعزيز السلام والاستقرار في العالم
إن إضافة رؤى وأفكار مستمدة من قمة الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون يساعد على تقديم رؤية شاملة بشأن كيفية صياغة منظمة التعاون الإسلامي استراتيجية للتعاون الفعال مع الاتحاد الأوروبي والشركاء الآخرين على الساحة الدولية.
الانعكاسات الدبلوماسية والثقافية على التعاون بين المنظمة والاتحاد الأوروبي
بناء على السابقة التي أرساها الحوار بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون، فإن التعاون بين المنظمة والاتحاد الأوروبي يتيح فرصة لسد الفجوة بين المجتمعات الإسلامية والأوروبية. ومن الممكن أن تعالج المبادرات الدبلوماسية التحديات العالمية، في حين تعمل التبادلات الثقافية على تعزيز الاحترام المتبادل.
الآفاق الدبلوماسية
إن التعاون بين المنظمة والاتحاد الأوروبي في مجال تسوية النزاعات، لاسيما في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يمثل فرصة فريدة لتوظيف الخبرات المتكاملة للطرفين. فالاتحاد الأوروبي يتمتع بخبرة واسعة في بناء المؤسسات الديمقراطية، بينما تتمتع المنظمة بفهم عميق للديناميات الثقافية والاجتماعية في المنطقة، مما يجعلهما شريكين استراتيجيين في تحقيق السلام والاستقرار
الدبلوماسية الثقافية
يمكن أن تشمل برامج التبادل الثقافي المستوحاة من التعاون بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون ما يلي:
مناهج تعليمية مشتركة: تطوير برامج تعليمية مشتركة تسلط الضوء على إسهامات الحضارتين الإسلامية والأوروبية.
مشروعات التراث الثقافي: التعاون في المبادرات الهادفة للحفاظ على المواقع الأثرية في بلدان المنظمة والاتحاد الأوروبي والتأكيد على القيم والتاريخ المشترك للجانبين.
التنويع الاقتصادي
أحد أبرز الدروس المستخلصة من الشراكة الخليجية-الأوروبية تكمن في التنويع الاقتصادي. في الوقت الذي كان الاعتماد الخليجي على النفط فقط سببًا في جعل التنويع الاقتصادي ضرورة ملحة، يعد المشهد الاقتصادي داخل دول المنظمة بالفعل أكثر تنوعًا في ظل التفاوت بين المستويات الاقتصادية للدول الأعضاء ما بين دول غنية بالموارد، والأسواق الناشئة، والدول ذات الدخل المنخفض.
فرص التكامل الاقتصادي
في إمكان المنظمة الاستفادة من نموذج التكامل الاقتصادي الأوروبي في معالجة المستويات المتفاوتة للتنمية بين الدول الأعضاء ويمكن أن تتضمن المبادرات ما يلي:
تنمية سلاسل الإمداد الإقليمية: تشجيع التجارة البينية فيما بين بلدان المنظمة بتقليص الحواجز وإنشاء شبكات إنتاج إقليمية.
إعلاء مراكز الابتكار: عقد شراكة مع الاتحاد الأوروبي من أجل إنشاء مراكز تقنية تعزز الابتكار وريادة الأعمال داخل بلدان المنظمة.
تعزيز التعددية
يؤكد نجاح الشراكة بين مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي أهمية المنهج التعددي في معالجة التحديات العالمية. وبالنسبة للمنظمة والاتحاد الأوروبي، فإن الدعوة المشتركة لتطبيق حلول متعددة الأطراف لقضايا التغير المناخي، والصحة العالمية، والهجرة، قد يساعد على تدعيم مكانة المؤسسات الدولية.
تعزيز الحوكمة العالمية
من خلال تعاونهما سويًا، يتسنى للمنظمة والاتحاد الأوروبي إجراء إصلاحات داخل المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة من أجل تمثيل أفضل لمصالح بلدان العالم المختلفة.
توسيع نطاق الشبكات متعددة الأطراف
من خلال الانخراط والتواصل مع المنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الإفريقي، أو رابطة دول جنوب شرق آسيا "آسيان"، في إمكان المنظمة والاتحاد الأوروبي إنشاء تحالفات أوسع نطاقًا لمعالجة القضايا العالمية.
الختام
إن النجاح الذي حققته الشراكة بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي يمثل نموذجاً يحتذى به لمنظمة التعاون الإسلامي. ومن خلال الاستفادة من دروس هذه التجربة، وتكييفها مع الاحتياجات والسمات الخاصة بالمنظمة، يمكن للتعاون بينها وبين بروكسل من أن يساهم في حل التحديات العالمية المشتركة، وتعزيز التعاون في المجالات الاقتصادية والثقافية وبناء شراكات استراتيجية طويلة الأمد تساهم في تحقيق التنمية المستدامة، وتعزيز السلام والاستقرار في العالم.
إن تعزيز التعاون بين منظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الأوروبي يمثل استجابة حاسمة للتحديات العالمية المشتركة التي تواجهنا اليوم، وسيجعلها قادرة على ريادة نموذج الإسلام المعتدل وتعزيز الازدهار الاقتصادي، وبناء الجسور بين الحضارات. إن الطريق نحو المستقبل يقتضي توافر الرؤية، والالتزام، والهدف المشترك-فهو بمثابة رحلة تبشر بتعزيز السلام، والتفاهم، والتقدم، من أجل الأجيال القادمة.