كان يوم الخميس ٢١ أغسطس عام ١٩٦٩م، يوماً عصيباً على القدس والمسجد الأقصى والأمة العربية والإسلامية، حيث قام الأسترالي "مايكل روهان" بحرق المسجد الأقصى، وقد أتى الحريق على الجناح الشرقي في المصلى القبلي في المسجد الأقصى، وتسبب في خسائر جسيمة أهمها أنه أتى بالكامل على المنبر التاريخي المعروف بمنبر صلاح الدين الأيوبي والذي جهزه أستاذه نور الدين محمود قبل وفاته استعدادًا لفتح القدس، ولكنها فتحت على يد صلاح الدين الذي وضعه في المسجد بعد الفتح، كما أتى الحريق على القبة التي فوق المنبر وكذلك محراب المصلي والسقف وهدد قبة الجامع الأثرية.
قطعت إسرائيل المياه عن المنطقة المحيطة بالمسجد منذ صباح يوم الحريق ما يشي بتواطؤ إسرائيلي، كما تعمدت سيارات إطفاء القدس التأخر في الوصول ووصلت قبلها سيارات الإطفاء من الخليل ورام الله.
تم ترحيل الأسترالي إلى أستراليا بحجه أنه مريض نفسياً.
فجر الحريق ثورة غضب في أرجاء العالم الإسلامي وأدى الآلاف صلاة الجمعة في الساحة الخارجية للمسجد الأقصى.
رب ضاره نافعة فقد ألهم الحريق عاشق القدس العظيم الملك فيصل بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ فكرة رائعة تعد واحدة من بين حسناته وهي تأسيس منظمة التعاون الإسلامي التي بدأت بثلاثين دولة ثم وصلت الآن إلى ٥٧ دولة، وهي أكبر منظمة دولية بعد الأمم المتحدة، وفي العام التالي دشن لجنة القدس المنبثقة عن المنظمة برئاسة ملك المغرب الراحل الملك الحسن الثاني للحفاظ على القدس والمسجد الأقصى من عمليات التهويد، وبدأت عمليات الترميم واستمرت لمدة سبع سنوات كاملة.
حقيقية أن الملك فيصل بن عبد العزيز من أهم الملوك العرب قاطبة في عشق القدس وتمنى الصلاة في المسجد الأقصى وقدم روحه فداءً لموقفه العظيم أيام نصر أكتوبر المجيد حينما منع ضخ البترول السعودي لأمريكا والغرب في موقف لا أظنه سيتكرر في التاريخ المعاصر، لقد طلب الملك فيصل الشهادة في سبيل الله فنالها، ولم يقدم أحد للقدس مثلما قدم هذا الملك العظيم، فسلام على روحه الخالدة.
منظمة التعاون الإسلامي
الوليد الجديد الذي تبناه ورعاه هذا الملك العظيم هو منظمة التعاون الإسلامي فقد ظلت تكبر وتنمو وتتلافى الأخطاء التي وقعت فيها جامعة الدول العربية حتى أضحت واقعاً جميلاً مضيئاً في دنيا العرب والمسلمين.
بدأت بثلاثين دولة ثم توسعت حتى ضمت ٥٧ دولة في أربع قارات، وهي الآن تمثل الصوت الجماعي الوحيد والمنظم للعالم الإسلامي لرعاية مصالحه والتعبير عنه وتعزيز العلاقات البينية بين دوله تارة وبين دوله والعالم تارة أخرى.
سارت المنظمة مسيرة عملية في تحقيق أهدافها ولم تهتم بالخطابات والبيانات الجوفاء فقد أنشأت ٣٤ منظمة متخصصة تخدم التخصصات السياسية، الاقتصادية، الثقافية، الإعلامية، العلمية، الاجتماعية، والإنسانية.
أبرز منجزات المنظمة كان إنشاء البنك الإسلامي للتنمية الذي عزز التنمية في ٥٧ دولة إسلامية ويقدم خدماته في مجالات جودة المياه والطاقة وصحة المرأة والتعليم وغيرها.
من أهم منجزاتها أيضاً مؤسسة" الإيسيسكو" وهي تضاهي منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة ولها بصمات خير في كثير من بلدان المسلمين في التعليم والثقافة.
دافعت هذه المنظمة الرائدة عن الإسلام ودوله بالحق والصدق، حتى وقعت أحداث ١١ سبتمبر التي سقط فيها برجي التجارة الأمريكيين وسقط بعدهما برجين عظيمين من أبراج الإسلام أهم من برجي التجارة وهما العراق وأفغانستان، فأضحت خسارة المسلمين أقدح وأصعب، وهذا درس لقصيري النظر الذين هللوا لسقوط البرجين الأمريكيين ويهللون دوماً عند حدوث الأحداث المماثلة ويتسارعون في السجود شكراً في مثل هذه الأحداث التي تخفي عادة وراءها أكبر المصائب للإسلام وأوطانه ودوله.
عندما وقعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر بدأت ظاهرة الإسلاموفوبيا تغزو بلاد الغرب وكلما ظهر على السطح غباء الدببة الذين يقتلون أصحابهم وهم يذبون الذباب عن وجوههم، وكلما ظهرت فجائع أتباع داعش وغيرها من الجماعات التي كانت كالمحامي الفاشل الذي ضيع أعظم وأنصع قضية وهي قضية الإسلام بتلويث ثوبه بالدماء الحرام والجهاد والقتال في المكان الخطأ والزمان الخطأ وبالطريقة الخطأ كلما زادت نوبات وصيحات وجنون الإسلاموفوبيا، وكلما زاد الحصار حول المسلم الحقيقي وزاد الحصار على أوطان الإسلام.
مع بداية نوبات الإسلاموفوبيا المجنونة، بدأ التفكير في حل عملي وكانت البداية من منظمة التعاون الإسلامي التي تفتق عقلها الجمعي الراشد عن إنشاء مرصد يسمى "مرصد الإسلاموفوبيا".
أهمية مرصد الإسلاموفوبيا
يختص المرصد برصد ظاهرة الخوف من الإسلام ومعالجتها ومواجهة ظاهرة العنصرية ضد المسلمين أو الاعتداء على مساجد المسلمين أو شعائرهم أو السخرية من أحكام الإسلام أو التعدي على المسلمين في الغرب أو الشرق غير المسلم، كما يحاول الحد من التأثيرات السلبية للإسلاموفوبيا على الجاليات الإسلامية في الخارج ويسعى عبر خلق "ذاكرة رصدية "إصدار "تقرير سنوي عن ظاهرة الإسلاموفوبيا "لمؤتمر وزراء الخارجية التابع لمنظمة التعاون الإسلامي.
أصدر المرصد حتى الآن ١٢ تقريراً عن هذه الظاهرة، ويعد المرصد أول مؤسسة بهذا الاسم والمعنى في العالم كله ثم نشأت مراصد أخرى تحذو حذوه.
تقرير مرصد "الإسلاموفوبيا" المقدم لوزراء خارجية دول المنظمة يختلف عن نظائره في الأماكن الأخرى إذ أنه لا يقدم دراسات لمجرد الدراسة، لكنه يقدم لصناع قرار على أعلى مستوى ليقوموا بتحويل توصيات وتقارير المرصد إلى خطوات عملية وتنفيذية تتولاها الوزارات المعنية في حكومات الدول الإسلامية وخاصة وزارات الخارجية المختصة عبر سفاراتها وقنصلياتها للتفاعل الصحيح والفعال مع كل المواقف أو الكلمات أو التصرفات العنصرية ضد الإسلام والمسلمين وجالياتهم في بلاد الغرب والشرق وكذلك وزارات الإعلام.
بعد إنشاء مرصد الإسلاموفوبيا التابع لمنظمة التعاون الإسلامي بسنوات تم تدشين مرصد مماثل له يتبع دار الإفتاء المصرية، ثم أعقبهما كذلك إنشاء مراصد مشابهة في أمريكا وأوروبا.
لكن أقوى المراصد حتى الآن هما مرصد الإسلاموفوبيا التابع لمنظمة التعاون الإسلامي، والآخر التابع لدار الإفتاء والباقون يدورون في فلك المرصدين.
مرصد الإسلاموفوبيا التابع لدار الإفتاء المصرية
هو ثاني أكبر مرصد للإسلاموفوبيا بعد مرصد الإسلاموفوبيا التابع لمنظمة التعاون الإسلامي من حيث القدم والحجم والتأثير، ويعد إنشاء هذا المرصد من قبل دار الإفتاء المصرية علامة على مدى التقدم العلمي والفقهي والتقني لدار الإفتاء المصرية بالمقارنة بنظيراتها في بعض الدول العربية والإسلامية.
أنشأ مرصد دار الإفتاء عام ٢٠١٥م.
سارعت دار الإفتاء لإنشاء المرصد بعد متابعتها تزايد أعمال العنف والكراهية الموجهة ضد المسلمين في بلاد الغرب وتعالي الأصوات اليمينية المتطرفة التي تناهض وجود المسلمين وتناهض وجودهم في المجتمعات الأوروبية والغربية وتعرض الكثير من المساجد والمراكز الإسلامية في الخارج لاعتداءات عنصرية حتى وصل الأمر إلى إنشاء عدد من الكيانات والتجمعات التي تنتهج العنف بهدف طرد المسلمين من أوروبا وأمريكا "كما ورد في بيان تأسيس المرصد، وكانت وتيرتها الأسرع في عام 2015م، الذي أنشأ فيه المرصد.
يتكون المرصد من ثلاثة أقسام رئيسية هي أولاً: الرصد، ثانياً: الدراسة والتحليل، ثالثاً: التنسيق والتواصل الخارجي.
الأول: يرصد، وقد قام بعملية رصد واسعة لكل الحوادث العنصرية ضد الإسلام والمسلمين، وكل الإساءات لعقيدة الإسلام وشريعته، ولكل ما يندرج تحت شعار "الإسلاموفوبيا".
من أجمل ما نتج عنه الرصد على سبيل رصد مجلة "شارل إيبدو" الفرنسية منذ بداية إساءتها للإسلام وللأنبياء والرسل وخاصة النبي" محمد صلى الله عليه وسلم"، واستنتج الرصد أنه كلما مرت المجلة بضائقة مالية وانخفض توزيعها تعمد إلى تشويه صورة الرسول صلى الله عليه وسلم أو شتم رموز الإسلام فترتفع معدلات توزيعها وتكثر شهرتها.
بين الرصد أن ٩٠% من حالات الإساءة التي قامت بها شارل إيبدو كانت بسبب الضائقة المالية والرغبة في تجاوزها، حتى أنها في إحدى المرات أساءت برسم مسيء للسيد المسيح فلم يؤد لردود الأفعال التي تتوقعها إدارة المجلة فقامت بالإساءة للنبي محمد " صلى الله عليه وسلم " فقامت قيامة مسلمي فرنسا وغيرهم فانتعشت مبيعاتها وميزانيتها، لذا كانت التوصيات دائماً بالتواصي بعمل ردود فعل حضارية تنفع الإسلام والمسلمين ولا تضرهم.
القسم الثاني : يدرس ويحلل : ومن أهم الدراسات التي قام بها مرصد الإسلاموفوبيا التابع لدار الإفتاء دراسته المعمقة على محتوى أكثر من مائتي رواية أجنبية تتحدث بين ثناياها عن قضايا الإسلام والمسلمين، ودراسة أخرى عن التشريعات الغربية التي تعالج قضايا الإسلام والمسلمين في الغرب مثل قضايا الحجاب، المآذن، إظهار الشعائر الدينية، احترام الرموز الدينية، احترام تقاليد المسلمين وشريعتهم في قضايا مثل الشذوذ الذي تكاد بعض الدول الغربية تفرضه على التعليم والسلوك، ومنها دراسة ثالثة عن صورة المسلمين في الدراما والأفلام الغربية فاحصة مئات الأفلام والمسلسلات التي تمس قضايا الإسلام وأهله.
خلصت كل هذه الدراسات أن التحيز ضد الإسلام والمسلمين منهجي ومتعمد بصرف النظر عن كون وجود أخطاء للحركات الدينية المتطرفة أم لا، وهناك تعمد لتشويه صورة المسلم حتى وإن كانت هناك نماذج مسلمة رائعة في الغرب، فهذه شبه ثوابت في العقل الغربي.
القسم الثالث: ينسق ويتواصل مع المؤسسات المعنية ويحاول وضع المقترحات موضع التنفيذ ويتواصل مع المؤسسات الإسلامية والإعلامية في أوروبا وأمريكا لمحاصرة ظاهرة الإسلاموفوبيا.
أما أهم توصيات مرصد دار الإفتاء:
(١) تكوين كيانات جامعة للمسلمين في الخارج ترتبط بالمؤسسات الدينية الوسطية حتى لا تنجر إلى التطرف أو الإرهاب.
(٢) إنشاء ما يسمى بالأمانة العامة لدور الإفتاء في العالم ومقرها القاهرة ويرأسها مفتي مصر، وقد تكونت بالفعل عام ٢٠١٦م، وانضم إليها أكثر من خمسين دولة وتجتمع مرة واحدة في العام، وقد وحدت كلمة المفتين وخاصة حول أهم قضايا الإسلام والأوطان العربية والإسلامية والمسلمين في بلاد العرب.
أهم ما يميز مرصد دار الإفتاء المصرية أن مخرجاته تصدر بلغات العالم الحية العربية والإنجليزية والفرنسية والألمانية كمرحلة أولى، وتسعى لإضافة لغات أخرى، حيث تستعين بأساتذة كليات اللغات والترجمة في كل اللغات.
أهم ما أنجزه مرصد الإفتاء من وجهه نظر مديره د. حسن هو وصل المؤسسات الدينية المصرية الرسمية بالمسلمين ومؤسساتهم في الدول الغير إسلامية.
عندما تمت إعادة الهيكلة في بعض منظومات دار الإفتاء المصرية ثم دمج مرصد الإسلاموفوبيا إلى "مركز سلام لدراسات التطرف" ليتحول إلى ما سمي " مركز سلام لدراسات التطرف والإسلاموفوبيا".
ما مدى التعاون بين مرصد الإسلاموفوبيا لدار الإفتاء ونظيره في منظمة التعاون الإسلامي؟
كان هناك تعاون بينها ولكن بطريق غير مباشر عبر وزارة الخارجية المصرية المنوطة بالتعامل المباشر مع منظمة التعاون الإسلامي، وكان تعاوناً مثمراً وبناءً.
تقارير مرصد الإسلاموفوبيا التابع لمنظمة التعاون الإسلامي
يصدر المركز تقريراً شاملاً وافياً كل عام يرصد فيه ويحلل حالات الإسلاموفوبيا في العالم ويركز على المناطق الأكثر سخونة في هذا الملف سواء في أوروبا وأمريكا أو غيرهما، وكان المركز سابقاً لغيره في إصدار التقارير السنوية الشاملة وقد أحصيت للمركز أكثر من اثني عشر تقريراً شاملاً ووافيا، يعد كل واحد منها نموذجاً يحتذى في رصد وتحليل ومعالجة هذه الظاهرة، ويشمل الآتي:
كلمة الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي: وتعرض لحالة الإسلاموفوبيا وجهود المنظمة في محاربتها على التوازي مع مواجهة التطرف الديني.
الملخص التنفيذي للتقرير: ويشمل عرضًا مختصراً للتقرير ويعرض لفصوله الرئيسية وملاحقه مع عرض لمحاور عمل المنظمة في هذه السياقات، وعادة ما تكون خمس فصول، وملحقين.
مقدمة التقرير ويعرض بإيجاز أهداف التقرير
الفصل الأول: ويتعلق بعرض ظاهرة الإسلاموفوبيا في العالم في عام التقرير.
الفصل الثاني: وعادة ما يتناول "مظاهر الإسلاموفوبيا " في هذا العام ويقسم إلى ثلاث مناطق جغرافية مهمة هي (أ) الولايات المتحدة وكندا (ب) أوروبا (ج) بقية العالم (د) اتجاهات الخوف من الإسلام على أسس غير إقليمية أو جغرافية.
الفصل الثالث: وهو فصل مستجد ولا يوجد فيه أي تقارير صادرة عن مراصد الإسلاموفوبيا الأخرى ويختص "بالتطورات الإيجابية" وهي نقلة نوعية حيث أنها تظهر المواقف الإيجابية التي يتخذها المسؤولون الغربيون أو المحاكم الغربية أو الإعلام الغربي في مواجهة الإسلاموفوبيا أو التصدي لليمين المتطرف، ودعم المساجد، والمواقف الإيجابية تجاه الحجاب، والأحكام القضائية ضد اليمين المتطرف.
الفصل الرابع: ويتضمن عادة المبادرات والأنشطة والفعاليات التي قامت بها منظمة التعاون الإسلامي لمواجهة الإسلاموفوبيا في العام الصادر بشأنه التقرير.
أما الفصل الخامس: "فصل التوصيات" ويتضمن عادة خلاصة شاملة لجميع الفصول السابقة تليها مجموعة من التوصيات ومقترح الخطوات والإجراءات الواجب اتخاذها من قبل الجهات المعنية بما في ذلك منظمة التعاون الإسلامي والمنظمات الدولية والدول الغربية.
ملحقات التقرير: يتضمن تقارير ملاحق مهمة جداً، مثل عرض بعض الوثائق الخطيرة وبالغة الأهمية لمنظمة التعاون الإسلامي، وقد يصدر التقرير دون هذه الملاحق أحيانًا.
النقاط التسع التي يتضمنها عادة التقرير السنوي لمرصد الإسلاموفوبيا التابع لمنظمة التعاون الإسلامي، وعادة ما يقع التقرير في قرابة 75-100 صفحة من الحجم الكبير، وعادة ما تركز المنظمة على محورين أساسين في معالجتها وهي: معالجة التطرف والإرهاب، ومعالجة قضايا الإسلاموفوبيا والعنصرية ضد الإسلام والمسلمين.
وبذلك يعتدل الميزان فلا إفراط أو تفريط، ولا غلو أو تقصير وكأن المنظمة تعيش قوله تعالى " أَلا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ "فلا طغيان ولا خسران للميزان.
أهم تقارير مرصد الإسلاموفوبيا التابع للمنظمة
تعتبر التقارير الأولى لمرصد الإسلاموفوبيا والتي صدرت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر هي الأهم والأقوى في هذا الوقت، ومظاهر الإسلاموفوبيا لم تبدأ في أمريكا والغرب إلا بعد سقوط برجي التجارة الأمريكية على يد تنظيم القاعدة، وبالتالي فإن التقارير الصادرة عقب موجة اضطهاد المسلمين والعرب في أمريكا هو الذي دفع لإنشاء المرصد.
تقارير أعوام ٢٠٠٦، ٢٠٠٧،٢٠٠٨م، هي الأقوى والأشمل ثم هدأت وتيرة الإسلاموفوبيا حتى عادت معدلاتها في الصعود مرة أخرى بعد ظهور "داعش" التي أساءت إلى الإسلام وشوهت ثوبه النقي وعكرت صفو المسلمين ولوثت ثوب الإسلام بالدم الحرام حيث وضعت السيف في غير موضعه، فقاتلت في الزمان الخطأ، والمكان الخطأ، وبالطريق الخطأ وقتلت الأبرياء من غير المسلمين والمسلمين، ولم تفهم أن الأصل هو عصمة دماء الأنفس البشرية كلها" مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ "فعبر القرآن بكلمة نفس.
لم تفهم داعش أن الإسلام الذي أدخل امرأة النار في هرة لم تطعمها ولم تسقها ولم تتركها تأكل من خشاش الأرض، وأدخل الجنة امرأة بغيَّ في كلب سقته ما كان ليأمر أتباعه بقتل الأنفس هكذا.
كانت أشد موجة عنف لداعش في الغرب عام ٢٠١٥م، ولذا صدر تقرير مرصد الإسلاموفوبيا في هذا العام قوياً ومتكاملاً ومتطورًا وغطى الفترة ما بين مايو ٢٠١٤ إلى مايو ٢٠١٥م، وهو التقرير الثامن للمرصد.
لذا فقد اخترت هذا التقرير بالذات للعرض لقراء هذا البحث ولن نتمكن من عرضه كله ولكن عرض أهم النقاط الحيوية التي فيه من باب الاختصار والالتزام بالمساحة المطلوبة للبحث.
النقاط الاستراتيجية التي تضمنها التقرير الثامن لمرصد الإسلاموفوبيا
صدر التقرير الثامن لتغطية الفترة من مايو ٢٠١٤ وحتى مايو ٢٠١٥م، وجاء في قرابة ٨٠ صفحة كبيرة وتصدر التقرير كلمة الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي وقتها معالي إياد أمين مدني واهتم التقرير برصد حالات الإسلاموفوبيا في أمريكا وكندا وأوروبا، حالة مسلمي الروهينجا في ميانمار، ووضعية المسلمين التتار في شبه جزيرة القرم، وبداية ظهور الإسلاموفوبيا في استراليا.
ذكر التقرير أن عام موضوع التقرير يعد من أصعب المراحل التي مر بها المسلمون في بلاد الغرب بسبب جرائم "داعش"،وبوكوحرام في نيجيريا، والشباب في الصومال، واستغلال ما قامت به هذه الجماعات المسلحة من أعمال عنف ضد المدنيين الغربيين لتشويه سمعة الإسلام والمسلمين عامة حتى قال بعض العنصريين الغرب "إن داعش قد أظهر الوجه الحقيقي للإسلام"،" الإسلام ليس له مكان في المجتمع المتحضر "وبعضهم استغل الفرصة وشبه الإسلام بالنازية والفاشية.
واعتبر التقرير والمنظمة أن هذا التحامل والتعصب الأعمى ضد الإسلام هو مأساة خصوصاً أن كل الدول الإسلامية وعلمائها لم يعترفوا بشرعية داعش بل اعتبروها خطراً على الإسلام.
نبه التقرير على دور مجلة شارل إيبدو في ترسيخ الإسلاموفوبيا، وأفردت جزءًا عنها لا يقل أهمية عن الرصد السابق لها من قبل دار الإفتاء المصرية.
رصد التقرير بعدها بعض التطورات الإيجابية في الغرب لإنصاف الإسلام والمسلمين، وذكرت مراراً موقف الرئيس الفرنسي "هولاند" الذي أنصف الإسلام والمسلمين كثيراً في وقت عصيب مرت بها رئاسته حينما قامت داعش بعدة عمليات تفجير وقتل ودهس في فرنسا ولكنه لم ينجر إلى عنصرية بعض الأصوات النشاز في فرنسا وأكد حرية المسلمين الفرنسيين في العيش بسلام في فرنسا وإظهار شعائرهم والتمسك بحجاب المرأة.
من الإيجابيات التي ذكرها التقرير فرض غرامة على اثنين من مشجعي الكرة في بريطانيا لتمزيقهم صفحات من القرآن خلال إحدى المباريات ومنها منع علامة تجارية في موقع الكتروني بأمريكا عنوانه "أوقفوا أسلمة أمريكا" تملكه باميلا جيلر وكذلك بعض مقالاته ومحتوياته.
إدانة ومحاكمة رجل بريطاني لبصقه على امرأة مسلمة في بريطانيا والتهمة كانت " ارتكاب اعتداء عنصري ومعادي للإسلام".
الحكم بسجن موقوف التنفيذ وتغريم ممثلة الإغراء السابقة "ب.ب " أربع مرات بتهمة إهانة المسلمين والتحريض على العنصرية.
في استراليا حث رئيس الوزراء على الوقوف إلى جانب الجاليات الإسلامية بعد هجمات إرهابية عنيفة في بلاده قائلاً "معظم مسلمي استراليا استراليون من الدرجة الأولى ولا نريد عزل جالياتهم".
في أمريكا قال عمدة نيويورك بيل دي بلازيو إن الحملة الدعائية ضد المسلمين التي قادتها باميلا جيلر المدينة مجحفة وظالمة، ولا تليق بمدينة نيويورك.
في السعودية منعت الحكومة الشركات الهولندية من المشاركة في مشاريعها المستقبلية لعدم اتخاذ الحكومة الهولندية إجراءات ضد زعيم حزب الحرية اليميني المتطرف بخصوص إساءته للإسلام والمملكة، واعتذرت كبريات الشركات الهولندية رسمياً عن تصريحاته.
في النمسا حكم بالسجن لمدة خمس أشهر على ناشط يميني متطرف نشر تعليقات معادية للمسلمين على الفيس بوك مثل "نعم لنمسا بدون مآذن"، "المسلمين حثالة"، "وبأنهم يعيشون في النمسا على حسابنا ويتكاثرون مثل الفئران".
أعطت بريطانيا درساً قاسياً لليمينة الفرنسية المتعصبة "مارين لوبان" حيث تجمعت الحشود الغاضبة، ضدها خارج مقر اتحاد أكسفورد تهتف ضد عنصريتها ودخلت المقر بصعوبة بعد تأخر ساعة عن موعد محاضرتها.
نظم المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا مظاهرة حاشدة تحت شعار" دعونا ندعم بعضنا ضد اليمين المتطرف" وشاركت المستشارة الألمانية ميركل في هذه التظاهرة والتي أدانت المجموعات المعادية للمسلمين.
سمحت اليونان ببناء مسجد وسط مدينة أثينا بعد أن تأجل مراراً عام ٢٠١٤م.
وافقت أستراليا عام ٢٠١٤م، لبناء مسجد في فيكتوريا.
اعتقلت الشرطة الأسترالية عام ٢٠١٤م، رجلاً لتهديده إماماً لأحد المساجد في سيدني.
بريطانيا أوقفت معلمة لأنها علقت بكلام غير ملائم حول حجاب طالبة مسلمة.
في أمريكا عام ٢٠١٤م، تظاهر ٣٠ يهوديًا أمريكًا حاملين شعارات "الإسلام لا يتساوى بالإرهاب "يقول اليهود لا لكراهية الإسلام".
في استراليا عام ٢٠١٤م، تم طرد المذيع الأسترالي مايكل سميت بعد إساءته للنبي محمد صلى الله عليه وسلم وقيل له "نحن لن نكون بحاجة إليك".
في فرنسا صنفت الطالبة المغربية المسلمة فرنسية الجنسية ميريام نور هايل كأفضل طالبة ثانوية في فرنسا، وقدمت كنموذج يحتذي به بعد أن حصلت على الدرجات النهائية في كل المواد الدراسية.
جزء الإيجابيات في تقارير مركز الإسلاموفوبيا التابع للمنظمة يعد من الأجزاء المهمة والدقيقة والتي تبين الوجه الآخر المضاد للإسلاموفوبيا.
الجزء الخاص بمبادرات منظمة التعاون الإسلامي للتصدي لظاهرة الإسلاموفوبيا.
تحدث التقرير الثامن عن التصريح المسيء للإسلام للرئيس التشيكي زيمان وكيف واجهته المنظمة بفاعلية.
أوضح التقرير نشاط المنظمة القوي عن طريق فروعها في أوروبا وبروكسل وجنيف وباريس للتصدي لأحداث شارلي إيبدو.
أشارت للتبرع الكريم من المملكة السعودية بمبلغ ١٠٠ مليون دولار لدعم أنشطة مركز الإسلاموفوبيا.
توصيات التقرير الثامن
ذكر التقرير توصيات كثيرة أهمها ما يلي:
(١) إقامة حوار داخل الإسلام نفسه للمساعدة في تجنب سوء الفهم وتعزيز التفاهم والاحترام المتبادل، وقدم هذا الاقتراح الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ خلال القمة الرابعة الاستثنائية التي عقدت في مكة المكرمة عام ٢٠١٢م، من أجل إنشاء مركز للحوار بين المذاهب الإسلامية المختلفة.
(٢) تشجيع الحوار بين المعتقدات والحوار بين الأديان.
(٣) بدء المشاريع ذات الصلة على مستوى تحالف الأمم المتحدة للحضارات.
(٤) محاسبة وسائل الإعلام على مسؤوليتها في تكريس خطاب الكراهية.
(٥) تسريع تنفيذ الاستراتيجية الإعلامية لمنظمة التعاون الإسلامي في مواجهة الإسلاموفوبيا والتي تبناها المؤتمر التاسع لوزراء الإعلام المنعقد في الجابون عام ٢٠١٢م.
(٦) تحقيق التكافؤ في فرص العمل والاندماج المجتمعي للحيلولة دون وقوع الشباب المسلم العاطل فريسة للتطرف.
(٧) إصلاح سياسات التنمية الاقتصادية والاجتماعية لتشمل مجتمعات المهاجرين المسلمين المحرومين.
كان هذا عرضاً مختصراً للتقرير الثامن لمرصد الإسلاموفوبيا التابع لمنظمة التعاون الإسلامي والذي اخترناه للعرض والدراسة في هذا البحث وقد شرحت من قبل الأسباب التي دفعتني لاختيار هذا التقرير بالذات لعرضه كنموذج لتقارير المرصد.
قوة المرصد تأتي من قوة المنظمة وقوة الأخيرة تنبع من كونها شبه ملزمة لمؤسسات الدول الأعضاء وكونها منطقية سلسلة مفيدة للدول الأعضاء ومتسقة مع سياساتها وقابلة للتطبيق على أرض الواقع، ولا يكلف تطبيقها من خلال وزارات خارجية وإعلام هذه الدول شيئاً، كما أنها خاضعة للمتابعة والمراقبة والمحاسبة عبر سفارات وقنصليات ومكاتب الإعلام في هذه السفارات والقنصليات.
هذه دراسة مختصرة ولكنها وافية لمرصد الإسلاموفوبيا التابع لمنظمة التعاون الإسلامي مع مقارنة له بالمركز المماثل في دار الإفتاء المصرية.