array(1) { [0]=> object(stdClass)#13490 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 95

هل مكافحة الإرهاب تستحق هذه التكلفة الباهظة؟

الأربعاء، 01 آب/أغسطس 2012

إنّ تكلفة تنفيذ أي تفجير انتحاري زهيدة وتبلغ 150 دولار أمريكي تقريباً. هذا المبلغ الزهيد يؤدي بالمعدل إلى مقتل اثني عشر شخصاً ويبثّ الرعب في نفوس سكان المنطقة التي يستهدفها التفجير.

لقد ردّ العالم المتطور على تهديد الإرهاب الإسلامي المتطرف ببناء أكبر وأقوى التحصينات الممكنة حول الأهداف الرئيسية. فقد أصبح الدخول إلى المطارات والسفارات أصعب كما باتت المرافق الرئيسية مسدودة في وجه الإنتحاريين المحتملين.

ومنذ عام 2001، أنفق العالم قرابة سبعين مليار دولار أمريكي لتعزيز إجراءات الأمن الداخلي المتزايدة. وكما كان متوقعاً، فقد قلّص هذا الجهد هجمات الإرهاب العالمي بنحو 34%. لكنّ المعدل السنوي لضحايا الإرهاب إزداد بواقع سبع وستين قتيلاً.

ويُعزى هذا الإرتفاع في حصيلة الخسائر البشريّة إلى ردّ الإرهابيين المقابل على الأخطار المتعاظمة التي فرضتها عليهم التدابير الأمنية المشدّدة. فقد ركّزوا على الخطط التي توقع أكبر قدر ممكن من القتلى خارج نطاق هذه التدابير.

لقد خلص بحث أُجري مؤخراً لصالح "مشروع إجماع كوبنهاغن" إلى أنّ الدول التي يستهدفها الإرهاب أسرفت في الإنفاق على إجراءات غيّرت اتجاه خطر وقوع الهجمات الإرهابية، بدلاً من تقليص هذا الخطر.

وكما أكّد مؤلف البحث، تود ساندلَر، فإنّ التنبؤ بتصرفات الإرهابيين سهل للغاية. وذلك لأنّ الإجراءات التي تتخذها الحكومات لحماية مكان محدّد تدفع الإرهابيين ببساطة للإنتقال إلى هدف آخر.

فقد أحدث استخدام أجهزة كشف المعادن بالمطارات الدولية عام 1973، تراجعاً فورياً ملحوظاً واستمر لفترة طويلة في عمليات خطف الطائرات. لكنْ في الوقت ذاته، سُجِّلت زيادة كبيرة في عمليات احتجاز الرهائن والحوادث الأخرى التي رفعت معدلات الضحايا. لذا، كانت النتيجة غير المقصودة لاستخدام أجهزة كشف المعادن مزيداً من سفك الدماء.

كذلك الأمر، أدى تحصين سفارات الولايات المتحدة خلال هذا العقد إلى تزايد عمليات اغتيال ومهاجمة موظفيها في الأماكن غير الآمنة. وبفعل إجراءات حماية المسؤولين، تحوّلت الهجمات الإرهابية باتجاه رجال الأعمال والسيّاح، كما حدث في بالي عام 2005.

أنفق العالم قرابة سبعين مليار دولار أمريكي لتعزيز إجراءات الأمن الداخلي المتزايدة منذ عام 2001

حوالي 40% من هجمات الإرهاب العالمي وجهت ضد ّمصالح أمريكية

منع وقوع هجوم إرهابي كارثي واحد يوفّرعلى العالم ملياردولارعلى الأقل

أما زيادة الإنفاق على حماية الأمن الداخلي في الولايات المتّحدة وكندا وأوروبا، فقد رفعت معدّل الهجمات الإرهابية ضدّ المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط وآسيا، حيث الأهداف "أسهل" وبإمكان المتطرفين الإسلاميين الإعتماد على دعم السكان المحليين.

إنّ الرسالة السياسية بسيطة: لكي نكون فعّالين، يتعيّن على إجراءات مكافحة الإرهاب أنْ تجعل تنفيذ الهجمات الإرهابية بكل أنواعها صعباً للغاية أو أنْ تُجفّف موارد الإرهابيين. ومعظم مبادرات مكافحة الإرهاب الحالية لا تحقق أيّاً من هاتيْن الغايتيْن.

إنّ جعل بعض الأهداف "أصعب" يشجّع الإرهابيين ببساطة على التحول إلى الأهداف السهلة. إذ باستطاعة الإرهابيين ملاحظة التغييرات التي تُدخلها الحكومات على الأهداف المحتملة، ثم يهاجمون وفقاً للمستجدّات. وهذا ما ينسحب على هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، حيث نُظر إلى مطارات لوغان ونيوآرك ودلاس كمطارات تفتقر إلى المراقبة الأمنية الجيدة.

سيكلّف تعزيز الإجراءات الدفاعيّة حول العالم بمعدّل 25% حوالي خمسة وسبعين مليار دولار إضافية على مدى خمسة سنوات. وبحسب السيناريو الأقل إحتمالاً والأكثر تفاؤلاً، ستتراجع الهجمات الأرهابية بمعدّل 25%، ما يعني أن العالم سيوفّر حوالي واحد وعشرين مليار دولار (أنظر الصفحة 50 من تقرير "إجماع كوبنهاغن" حول حسابات الإرهاب العالمي). حينئذٍ، سيوفّر كلّ دولار إضافي أُنفق على تعزيز الإجراءات الدفاعية ثلاثين سنتاً تقريباً كحدٍّ أقصى. وإذا تبنينا السيناريو الأكثر تفاؤلاً، نجد أن تعزيز الإجراءات الدفاعية سيعني إنفاق عشرات المليارات من الدولارات بلا جدوى.

لماذا الإستمرار في الإنفاق ـ ولماذا بهذا القدر؟

تحافظ الدول على مستويات الإنفاق الهائلة في هذا المجال الباهظ التكاليف والقليل الجدوى لاعتبارات سياسية، وبسبب حرصها الشديد على تقليص احتمال التعرّض لأي هجوم إرهابي. فبطبيعة الحال، هناك الكثير من المبالغة في ردود فعل الناس على الأحداث الكارثيّة التي يُعتقد أنّ احتمالات حدوثها ضئيلة؛ وفي المقابل، يُهملون الاستعداد لمواجهة الأحداث التي تبدو احتمالات حدوثها أكبر وخسائرها أقل. علاوة على ذلك، تنخرط كل الدول المستهدفة في سباق أمني محموم لتوجيه الهجمات الإرهابية صوب الأراضي الأجنبية. ولن يكون هناك فائز من هذا السباق في آخر المطاف.

يتمتّع الإرهابيون بأفضليات استراتيجية واضحة على الدول التي يهاجمون. فهم قادرون على التحرّك بين عامة الناس بسبب صعوبة تمييزهم، فيما توفّر لهم الديمقراطيات الليبرالية مجموعة كبيرة من الأهداف. ولا يخضع الإرهابيون لأي قيود عند تنفيذ هجماتهم، بينما يتعيّن على الحكومات أن تلتزم بقوانين ومعايير أخلاقية. ويكمن الفارق الأكبر بين الإرهابيين وحكومات الدول التي يستهدفونها في حقيقة أن الإرهابيين يتعاونون في ما بينهم ـ خلافاً لتلك الحكومات.

فمنذ أواخر الستّينات ومنظمات الإرهاب العالمي تتعاون في إطار شبكاتها المرنة في مجالات التدريب وتبادل المعلومات الإستخباراتية وحتى النشطاء، فضلاً عن توفير الملاذات الآمنة والدعم المالي واللوجستي والأسلحة. ويتشارك الإرهابيون مواردهم لتعزيز فاعلية ترساناتهم المتواضعة.

وعلى النقيض من الإرهابيين، نجد أنّ الدول التي يستهدفها الإرهاب تولي اهتماماً خاصاً لاستقلاليتها في الأمور الأمنية. ولا تتفق هذه الدول أحياناً حتى على تحديد منْ هو العدو ـ فحتى وقت قريب، لم ينظر الإتحاد الأوروبي إلى حماس كحركة إرهابية. وعلى الرغم من اختلاف أجنداتها وأنصارها وأهدافها، فإن العدوين الأبرز بالنسبة للعديد من المنظمات الإرهابية هما: إسرائيل والولايات المتّحدة.

لقد وُجّه حوالي 40% من هجمات الإرهاب العالمي ضدّ مصالح أمريكية. ويؤكّد بعض المراقبين أنّ القوة العظمى الوحيدة في العالم تستطيع فعل المزيد لبلورة صورة إيجابية لها قادرة على أن تنسف من خلالها كل الدعاية الإرهابية.

ومن الإجراءات التي قد تساعد في إنجاز هذا الهدف إعادة توزيع المساعدات المالية أو زيادة حجم المساعدة الأجنبية. فحالياً، لا تقدّم الولايات المتّحدة إلا 0.17% من صافي دخلها القومي كمساعدة تنمويّة رسمية ـ وهذه ثاني أدنى نسبة بين دول منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية. كما أنّ هذه المساعدة تُخصص في الغالب للدول التي تدعم أجندة السياسة الخارجية الأمريكية.

إنّ من شأن الجهود الرامية لزيادة المساعدة الإنسانية من دون شروط أن تسمح للولايات المتّحدة بفعل المزيد من أجل مكافحة الجوع والأمراض والفاقة، مما سيُمكّنها من تعزيز مكانتها وتقليص أخطار الإرهاب.

هل من حلّ رخيص؟

من المنظور العالمي الأوسع، يبدو أن تعزيز التعاون مسألة صعبة بسبب حرص الدول الشديد على الإحتفاظ بقرارها السيادي المتعلّق بإدارة قوات الشرطة والأمور الأمنية. ولا ينجح التعاون الدولي إلا إذا كان شاملاً. فإذا امتنعت كل دول العالم باستثناء دولة واحدة عن توفير ملاذ آمن للإرهابيين على أراضيها، مثلاً، فإنّ هذه الدولة الوحيدة الداعمة للإرهاب ستعرقل جهود باقي دول العالم.

لكنْ إذا توفّرت الإرادة السياسية، فإن التعاون المتزايد لتجفيف مصادر تمويل الإرهابيين سيكون رخيصاً نسبياً. ويتتضمّن مثل هذا التعاون تسليم المزيد من الإرهابيين واتخاذ إجراءات صارمة ضد المؤسسات الخيرية التي تساهم في تمويل الإرهاب، وتعزيز جهود مكافحة تهريب المخدّرات وتجارة السلع المزوّرة والنشاطات التجارية المحظورة الأخرى، التي تمكّن الإرهابيين من ممارسة أنشطتهم.

ولأن تكلفة تنفيذ الهجمات الإرهابية زهيدة، فإنّ هذه المقاربة قد لا تقلّص بالضرورة تلك الأحداث "الروتينية" الصغيرة، مثل التفجيرات أو الاغتيالات السياسية، ولكنها ستقلّص بشكل ملحوظ احتمالات وقوع الأحداث الإرهابية الكارثيّة، التي تتطلب تخطيطاً دقيقاً وموارد ضخمة.

ستكون فوائد هذه المقاربة هائلة. وقد تتطلب مضاعفة ميزانية الشرطة الدولية (الإنتربول) واستقطاع عشر الميزانية الدولية السنوية المخصصة للمراقبة وبناء القدرات، وتخصيصه لتتبّع أموال الإرهابيين بتكلّفة سنويّة قدرها 128 مليون دولار تقريباً. وجدير بالذكر أنّ منع وقوع هجوم إرهابي كارثي واحد يوفّر على العالم مليار دولار على الأقل. وبالتالي، فإنّ المنفعة المرجوّة قد تصل إلى عشرة أضعاف التكلفة تقريباً.

هذا، ويتعيّن على الدول المستهدفة من قبل الإرهاب أن تتذكّر بأنّ العالم يواجه العديد من التحديات التي تُعدُّ، لأسباب عديدة، أكثر إلحاحاً بكثير من مكافحة الإرهاب. فمنذ عام 2001، بلغ المعدّل السنوي لضحايا هجمات الإرهاب العالمي 583 قتيلاً حسب بيانات وزارتي الداخليّة والخارجية الأمريكييْن. وهذا المعدّل لا يساوي شيئاً بالمقارنة مع الأرواح التي يحصدها مرض فقدان المناعة المكتسبة (الإيدز) أو مرض الملاريا، وحتى سوء التغذية وحوادث المرور.

وخلافاً للتحديات العالمية الأخرى، فإنّ جهود مكافحة الإرهاب قد تنطوي على تداعيات خطيرة غير مقصودة. وقد تؤدي الإجراءات الهجومية الحازمة ضدّ الإرهابيين إلى هجمات إنتقاميّة بسبب العذابات الجديدة التي تولّدها، بينما يشجع التعاون من أجل تلبية مطالب المحتاجين أطرافاً أخرى على سلوك نفس الطريق.

من الممكن أحياناً القضاء على منظمة إرهابية بعينها لكنّ ذلك يؤدي في الغالب إلى ظهور العديد من المنظمات الإرهابية الجديدة. وقد يؤدّي قتل زعماء الجماعات الإرهابية إلى ظهور زعماء جدد أقل شفقة ورحمة، كما اكتشفت إسرائيل من خلال تجاربها مع أحداث "أيلول الأسود" واستهداف زعماء حركة حماس.

ستبقى الهجمات الإرهابية دائماً وسيلة واضحة ورخيصة بالنسبة للمجموعات التي تسعى لنشر الرعب والهلع. وكلّ دولار أنفقه الإرهابيون لتنفيذ التفجيرات التي استهدفت شبكة مواصلات لندن في يوليو 2005، سبّب أضراراً جسيمة قدرها 1.270.000 دولار (إذ قُدّر إجمالي الأضرار بنحو 2.5 مليار دولار ونجم عن عملية كلّفت ألفيّ دولار فقط).

يتعيّن على أعداء الإرهاب أن يردّوا بحزم وبعقلانية لضمان الحصول على أقصى جدوى ممكنة مما ينفقون في سبيل مكافحة الإرهاب. فالخوف يدفع بعض الدول إلى إنفاق مبالغ طائلة على بناء تحصينات أقوى مما ينبغي حول الأهداف المحتملة. لكنّ المنافع المرجوّة من تطوير التعاون الدولي وتبنّي سياسات خارجية بعيدة النظر ستكون أعظم بكثير.

إن أكثر الردود فاعليةً على الإرهاب هي الأقل تكلفةً. ومن المحزن أنها، بالتأكيد، ليست الأسهل تطبيقاً.

مقالات لنفس الكاتب