array(1) { [0]=> object(stdClass)#13549 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 205

التمويل وآلية للسلام والمحكمة الإسلامية من أهم مطالب إصلاح المنظمة

الإثنين، 30 كانون1/ديسمبر 2024

تحتفل منظمة التعاون الإسلامي بخمسين سنة (1974-2024م) منذ اعتماد أول ميثاق لمنظمة التعاون الإسلامي الذي سجل طبقًا للمادة 102 من ميثاق الأمم المتحدة بتاريخ الأول من فبراير 1974م، الذي يعني طبقًا لقواعد المعاهدات الدولية أن الأطراف الموقعة على الاتفاقية أو المعاهدة الدولية يحق لها التمسك بميثاق المنظمة أمام أي فرع من فروع الأمم المتحدة. وخلال كل مراحل تطور منظمة التعاون الإسلامي كانت مشاريع إصلاح المنظمة وإعادة النظر في ميثاقها تطرح على أجهزة اتخاذ القرار، سواء في قمم المؤتمر أو مجلس وزراء الخارجية أو الأمانة العامة، وقد استقر التوافق على اعتماد الميثاق المعدل بالإجماع في القمة العادية الحادي عشر بدكار، السنغال، بتاريخ 14 مارس 2008م. وبما أن فاعلية وديناميكية المنظمات الدولية تقاس بمدى واقعية وملاءمة المواثيق التي تشكل توافق الإرادات الوطنية على العمل الجماعي وبناء مسار تكاملي اندماجي، تطرح الأسئلة الحيوية التالية: ما مدى ملاءمة ميثاق منظمة التعاون الإسلامي مع التحولات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية؟ وهل حققت الأهداف والمقاصد التي تأسست من أجلها؟ وكيف يمكن تصور الآليات التي يمكن أن تضفي عليها المزيد من الفاعلية والمصداقية بين الدول الأعضاء؟

 

أولًا: ميثاق منظمة التعاون الإسلامي .. قراءة في الأهداف والمبادئ

 

تصنف منظمة التعاون الإسلامي بأنها أكبر منظمة دولية في العالم بعد منظمة الأمم المتحدة من حيث العضوية، إذ تضم 57 دولة عضو من أربعة قارات، تتوزع جغرافيًا في المناطق الجيوستراتيجية الحيوية تمتد بين منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وغربها، وآسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا وشبه القارة الهندية، وبكتلة ديمغرافية تصل إلى 1.7 مليار مسلم، ومقر الأمانة العامة للمنظمة المؤقت طبقًا للمادة الواحد والعشرين في جدة إلى أن يتم تحرير القدس الشريف لتصبح المقر الدائم للمنظمة. وهي رمزية تاريخية ومستقبلية شكلت اللحظة التاريخية والحضارية للتضامن والتعاون بين الدول الإسلامية التي هبت لعقد مؤتمر لملوك وقادة ورؤساء الدول والحكومات البلدان الإسلامية بالرباط في 22 سبتمبر 1969م، للدفاع عن القدس الشريف بعد إقدام الصهيوني اليهودي، دنيس مايكل روهان، على تدنيس المسجد الأقصى وإضرام النار في المصلى القبلي في إطار محاولات متكررة للسياسة الإسرائيلية لتهويد القدس وطمس هويته الإسلامية.

من خلال تحليل الميثاق المعدل لمنظمة التعاون الإسلامي تتضح الأهداف والمبادئ التي تعمل في إطارها الدول الأعضاء، بحيث عددت المادة الأولى عشرين هدفًا، ما يقارب نصف هذه الأهداف تتعلق بالمبادئ المكرسة في ميثاق الأمم المتحدة التي تضبط مقاصد وأهداف المجتمع الدولي التي تندرج في القواعد القانونية والمعايير الأخلاقية التي تضبط سلوك الدول في تفاعلاتها الخارجية، وأهم هذه الأهداف من البند واحد إلى البند السابع، دعم وتعزيز أواصر الأخوة والتضامن بين الأعضاء، حماية المصالح المشتركة ودعم القضايا العادلة في العالم مع تنسيق الجهود لمواجهة التحديات التي تواجه العالم الإسلامي والمجتمع الدولي، احترام حق تقرير المصير وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام سيادة واستقلال ووحدة كل دولة عضو، تعزيز العلاقات بين الدول على أساس العدل والاحترام المتبادل وحسن الجوار لضمان السلم والأمن في العالم، تأكيد دعمها لحقوق الشعوب المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي. وبعد هذه الأهداف والمقاصد العامة أكد البند الثامن من المادة الأولى، على الهدف الأساسي الذي شكل الدافع لميلاد المؤتمر الإسلامي في 1969م، والمتمثل في دعم الشعب الفلسطيني وتمكينه من ممارسة حقه في تقرير المصير وإقامة دولته ذات السيادة وعاصمتها القدس الشريف، والحفاظ على الهوية التاريخية والإسلامية للقدس الشريف وعلى الأماكن المقدسة فيه. إلى جانب هذه الأهداف السياسية والقانونية، حدد البندين التاسع والعاشر العمل على إنجاز التكامل الاقتصادي بين الدول الإسلامية الأعضاء من خلال تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري الذي يفضي إلى إنشاء سوق إسلامية مشتركة، في إطار التنمية البشرية المستدامة والشاملة التي تحقق الرفاه الاقتصادي. أما في الجانب الثقافي فخصصت له الهدفين الحادي عشر والثاني عشر، بالاتفاق المشترك على صون ونشر الثقافة الإسلامية القائمة على قيم الوسطية والتسامح كقوة ناعمة مع تشجيع حوار الحضارات والأديان لبناء السلام العالمي. وفيما يخص الجانب الاجتماعي، فإنه في ظل عولمة القيم الإنسانية يبدو واضحًا أن إرادات الدول الأعضاء في ميثاق منظمة التعاون الإسلامي تفرض الالتزام بالقيم المشتركة مع الحفاظ على الخصوصيات الاجتماعية والقيمية باعتبار الأسرة هي جوهر المجتمع مع ترقية حقوق المرأة والشباب والطفولة في ظل قيم الأسرة المسلمة. وفي ظل التضامن مع المسلمين في العالم فإن الميثاق لم يغفل الدور المنوط بالمنظمة في الدفاع عن الجماعات والمجتمعات المسلمة في الدول غير الأعضاء حفاظًا على هويتها وثقافتها. أما الأهداف التعاونية الأخرى فحددت في التنسيق والتعاون في مواجهة الكوارث الطبيعية، ومكافحة التهديدات اللاتماثلية العابرة للحدود مثل الإرهاب، والجريمة المنظمة والاتجار غير المشروع بالمخدرات وتبييض الأموال والاتجار بالبشر.

والملاحظ أن ميثاق منظمة التعاون الإسلامي يصر مرة أخرى في مادته الثانية على الالتزام بقواعد القانون الدولي من خلال تكريس كل المبادئ التي نص عليها ميثاق الأمم المتحدة والمكرسة في معظم دساتير العالم، أهمها، مبدأ سيادة الدول والمساواة في الحقوق والواجبات، مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، مبدأ تسوية النزاعات بالطرق السلمية وعدم استخدام القوة أو التهديد باستخدام القوة.

 

ثانيًا: ميكانيزمات عمل منظمة التعاون الإسلامي

فيما يخص العضوية من حيث الانضمام أو الانسحاب، فإن الميثاق قدم تسهيلات كبيرة للانضمام إلى المنظمة، فكل دولة عضو في الأمم المتحدة ذات أغلبية مسلمة يمكنها طلب الانضمام بشرط توافق الآراء داخل مجلس وزراء الخارجية دون الرجوع إلى مؤتمر القمة، وذلك وفق المعايير المتفق عليها والمحددة من قبل مجلس وزراء الخارجية. والملاحظ هنا، أن الكثير من النقاشات قد أثيرت فيما يتعلق بمكانيزمات اتخاذ القرار داخل منظمة التعاون الإسلامي، من حيث خيار مبدأ توافق الآراء، الذي يعني اتخاذ القرارات والتوصيات بعد نقاشات ومفاوضات تفضي إلى الصيغة التوافقية النهائية التي تجنب معارضة أي عضو. وبالتالي، قد يمكن إعادة النظر في مصطلح توافق الآراء بصيغتي، الإجماع والأغلبية أفضل، لأن المادة الثالثة والثلاثون من الميثاق تنص على أنه في حالة تعذر التوصل للتوافق في الآراء يتخذ القرار بأغلبية ثلثي الأعضاء الحاضرين المقترعين. وهنا من الضروري التمييز في مسألة التصويت من حيث أهمية القضايا المطروحة، بحيث تخصص القضايا الاستراتيجية والحيوية للتصويت بالإجماع بينما تبقى المسائل الإجرائية لمبدأ الأغلبية، من أجل تكريس المبدأ العام، نعمل فيما اتفقنا فيه وليعذر بعضنا البعض فيما اختلفنا فيه، لأن مبدأ توافق الآراء قد يعرقل الكثير من القرارات الاستراتيجية ويثقل عملية اتخاذ القرار. أما فيما يخص الانسحاب من المنظمة فإن المادة الخامسة والثلاثين قدمت تسهيلات أكثر بحيث يكفي لكل عضو تقديم إشعار للأمين العام قبل سنة من تبليغ جميع الأعضاء، مع تحديد شرط أخلاقي ومادي يتمثل في دفع التزاماتها المالية للمنظمة وما عليها من مستحقات مالية.

من أجل إضفاء الجانب الديناميكي على مستوى القمة تم إدخال تعديل مهم على دورية انعقاد القمة الإسلامية، التي تعد السلطة العليا في المنظمة، والمتشكلة من ملوك ورؤساء وقادة الدول الأعضاء وحكوماتها، بحيث عدلت المادة الثامنة من الميثاق، في فقرتها الأولى، على أن تجتمع القمة الإسلامية مرة كل سنتين في إحدى الدول الأعضاء، بعدما كانت مرة كل ثلاث سنوات، وكان ذلك بمناسبة انعقاد مجلس وزراء الخارجية في دورته الرابعة والأربعين في أبيدجان، جمهورية كوت ديفوار، في 11 يوليو 2017م، وذلك استنادًا للمادة 37 من ميثاق المنظمة المتعلقة بآليات تعديل الميثاق. والملاحظ هنا، أن التطورات السريعة التي يعرفها المشهد العالمي لا سيما من تحولات جيوسياسية خطيرة تمس العالم الإسلامي مباشرة فإن هذا التعديل يفي بالغرض للتكيف الإيجابي والسريع مع القضايا الحساسة التي تمس دول العالم الإسلامي، مع العلم أن خلال كل دورة على مستوى القمة يمكن أن تنعقد دورات استثنائية، طبقًا للمادة التاسعة للميثاق، وذلك كلما اقتضت مصالح الأمة ذلك، للنظر في القضايا ذات الأهمية الحيوية للأمة، وتكون بتوصية من مجلس وزراء الخارجية أو بمبادرة من إحدى الدول الأعضاء أو من الأمين العام، شريطة أن تحصل هذه المبادرة على دعم الأغلبية البسيطة للدول الأعضاء. وفي تقديري، فإن دورية القمة تبدو معقولة جدًا إذا ربطناها بالعدد غير المحدود للدورات الاستثنائية في الفترة ما بين الدورتين، مع الأخذ بعين الاعتبار الصلاحيات الممنوحة لمجلس وزراء الخارجية الذي يجتمع مرة كل سنة في أية دولة عضو، يمكنه عقد دورة استثنائية بمبادرة من أية دولة عضو أو بطلب من الأمين العام في حالة موافقة الدول الأعضاء على ذلك.

إن نجاح وفعالية أية منظمة دولية في إنجاز أهدافها ومشاريعها مرتبط بشكل وثيق بمدى التزامات أعضائها بالمساهمات المالية المحددة طبقًا لميثاق المنظمة، وعليه، فإن ميثاق منظمة التعاون الإسلامي في فصله السادس عشر، تنص المادة التاسعة والعشرون منه على أن تتحمل الدول الأعضاء، حسب دخلها القومي، ميزانيات الأمانة العامة والأجهزة المتفرعة. وهنا تطرح إشكالية التمويل التي تعد حيوية لاستمرارية نشاط المنظمة، بالرغم من الأخذ بالمعايير العالمية التي تراعي الدخل القومي لكل دولة عضو، إلا أن الإخلال بالالتزامات المالية كان العائق الأكبر في مسيرة منظمة التعاون الإسلامي، بحيث لا يكاد يخلو أي اجتماع لمجلس وزراء الخارجية أو التقارير التي يقدمها الأمين العام للمنظمة بما فيها مشاريع إصلاح المنظمة من الإشارة إلى القصور في مجال التمويل تضاف إلى ضعف الميزانية العامة للمنظمة مقارنة بميزانيات المنظمات الإقليمية الأكثر فاعلية في أوروبا وآسيا. وعلى سبيل الإشارة، فإن من بين القرارات الصادرة عن الدورة العاشرة لمؤتمر القمة، ببوتراغايا، ماليزيا، بتاريخ 17 أكتوبر 2003م، قرار يتعلق بمساهمات ومتأخرات الدول الأعضاء في ميزانية الأمانة العامة والمراكز المتفرعة ومنح حوافز لتسديد المتأخرات، وقد طرحت إشكالية المتأخرات وإلزامية مساهمات الأعضاء مع تنفيذ العقوبات على الدول الأعضاء المتخلفة عن سداد المساهمات منذ مؤتمر القمة السادسة بالسنغال سنة 1991م، وتم ملاحظة إلى غاية 22 مايو 2003م، تراكم المتأخرات بالنسبة للأمانة العامة ما يقارب 40.7 مليون دولار وبالنسبة للمراكز المتفرعة 80 مليون دولار، مما أعاق تنفيذ الكثير من النشاطات والمهام المسطرة. ومن أجل تحفير تسديد المستحقات المالية المتأخرة تبنت المنظمة مجموعة من الإجراءات التحفيزية، مثل الإعفاء من نسبة قد تصل إلى 50 % من المتأخرات على الدول الأعضاء شريطة أن تسدد مساهماتها لمدة سنتين متتاليتين، وفي حالة الاستمرار في الدفع لسنتين أخريين، فيمكن النظر من إعفائها من نسبة 25 % أخرى، مع إمكانية منحها الأفضلية في الحصول على القروض والمنح والمساعدات من الأجهزة المتفرعة والمتخصصة التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي، وكان قد حدد أخر آجال للتسديد بحلول الأول من يوليو 2007م. ويجب التنويه هنا، إلى أن ميثاق منظمة التعاون الإسلامي المعدل، وبموجب البند الرابع من المادة الرابعة والثلاثون، اتخذ تدابير عقابية ضد كل دولة عضو لم تلتزم بتسديد مساهمتها المالية المستحقة في ميزانية المنظمة إذا كان المبلغ يعادل أو يتجاوز مساهمتها المستحقة للسنتين السابقتين، وذلك بسحب حق الاقتراع داخل مجلس الوزراء، مع استثناء لكل عضو يقدم التبرير لظروف قاهرة أو خارجة عن إرادته.

 

ثالثًا: إشكالية تنفيذ قرارات المنظمة والعمل على تفعيل آليات الوقاية وتسوية النزاعات.

 

إلى جانب إشكالية التمويل التي تشكل قضية حساسة لتفعيل نشاط منظمة التعاون الإسلامي، فإن مسألة تنفيذ القرارات والتوقيع والتصديق على الاتفاقيات الصادرة عن مؤتمر القمة أو مجلس وزراء الخارجية تطرح بحدة كبيرة، بالرغم من أن الميثاق قد أوجد آلية للتنفيذ، طبقًا للمادة الثانية عشرة، تتشكل من المجموعتين الثلاثيتين، الثلاثية الأولى تمثل مؤتمر القمة وتتألف من رئيس القمة الإسلامية الحالية والسابقة واللاحقة، في الوقت الذي تتشكل الثلاثية الثانية من رئيس مجلس وزراء الخارجية الحالي والسابق واللاحق، يضاف إليهم بلد مقر الأمانة العامة، والأمين العام بحكم المنصب. وإلى غاية الدورة الخامسة عشرة لمؤتمر القمة الإسلامي المنعقد ببانغول، غامبيا، يومي 4 و5 مايو 2024م، فإن القمة تصر وتدعو جميع الدول الأعضاء إلى التعجيل بالتوقيع والتصديق على ميثاق المنظمة ومختلف الاتفاقيات المبرمة في إطار المنظمة، بما فيها التوقيع والمصادقة على جميع تعديلات الميثاق التي تم بموجبها تسمية منظمة التعاون الإسلامي وتغيير دورية انعقاد القمة الإسلامية من سنتين إلى ثلاث سنوات. ولعل الثقل الأكبر الملاحظ في هذا الاتجاه، أن التأخر في المصادقة على النظام الأساسي لمحكمة العدل الإسلامية الدولية قد عطل من مباشرة المحكمة لمهامها ونشاطاتها، بالرغم من أن إنشائها يعود إلى 29 يناير 1987م، في مؤتمر القمة الإسلامي الخامس المنعقد بالكويت، والتي من المفترض أن تشكل طبقًا للمادة الرابعة عشرة من الميثاق، الجهاز القضائي الرئيسي للمنظمة وذلك اعتبارًا من تاريخ دخول نظامها الأساسي حيز التنفيذ. ويمثل الجهاز القضائي لمنظمة التعاون الإسلامي أسمى نموذج للتكامل والاندماج التعاوني بين الدول الأعضاء فيما يخص تسوية النزاعات القانونية، بحيث تعكس النوايا الحسنة والإرادات الوطنية بضرورة تسوية كل القضايا العالقة أو الممكن أن تحدث، خصوصًا وأن مبدأ سيادة الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء يبقى قائمًا، بحيث تنص المادة 25 من القانون الأساسي لمحكمة العدل الإسلامية الدولية بأن ولايتها تشمل بالدرجة الأولى، القضايا التي تتفق الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي على إحالتها إليها، مع القضايا المنصوص عليها على إحالتها إلى المحكمة في أي معاهدة أو اتفاقية نافذة، مع إمكانية تفسير معاهدة أو اتفاقية ثنائية أو متعددة الأطراف، وبحث أي موضوع من موضوعات القانون الدولي. يبقى أن اختبار الإرادات الوطنية للدول الأعضاء ونواياها في دفع الجهاز القضائي إلى النشاط مرهونًا بمصادقة ثلثي الدول الأعضاء على الميثاق الأساسي للمحكمة حتى ينطلق في السريان على أرض الواقع، وذلك طبقًا للمادة الحادية عشرة من الميثاق. ويتطلب عمليًا توقيع ومصادقة 38 دولة عضوًا من بين 57 عضوًا في المنظمة، وإلى غاية اللحظة الراهنة لم يصادق إلا 14 دولة فقط. والشاهد هنا، أن بين إطلاق فكرة إنشاء المحكمة التي ظهرت في الدورة الثالثة للمؤتمر الإسلامي المنعقدة بمكة في يناير 1981م، وتجسيد الفكرة في قمة الكويت في يناير 1987م، مر أكثر من أربعة عقود من الزمن ولم تدخل المحكمة حيز التنفيذ بالرغم من أهميتها لتكريس وتوطيد التعاون القضائي والقانوني بين الدول الإسلامية باعتبارها جهاز قضائي وقائي للكثير من النزاعات السياسية والقانونية التي تساهم في تحقيق المبادئ والمقاصد التي تم تحديدها وتكريسها في ميثاق منظمة التعاون الإسلامي.

وفي السياق ذاته، فإن النزاعات والتهديدات الجيوسياسية التي يعرفها العالم تستوجب تكييف ميثاق منظمة التعاون الإسلامي فيما يخص إنشاء آلية لتسوية النزاعات، التقارير الرسمية للمنظمة تشير إلى أن معظم النزاعات والعمليات الإرهابية في العالم تقع في الدول الإسلامية، كما بين ذلك تقرير أعده مركز الأبحاث الإحصائية والاقتصادية والتدريب للدول الإسلامية، المعروف اختصارا بــ "سيسريك"، في سنة 2019م، احتضنت الدول الإسلامية 60 % من الصراعات في العالم ومعظمها حروب أهلية، كما أن ما يقارب 76 % من الهجمات الإرهابية في العالم تقع في نفس المنطقة. وأوصى التقرير بضرورة إنشاء وحدة داخل بنية منظمة التعاون الإسلامي تكون متخصصة في قضايا الأمن والسلام. كما أن المنظمة بحاجة إلى قوة لبناء السلام تقوم بمهام المساعدة على الانتقال من مرحلة النزاع إلى مرحلة السلام، لاسيما في الدول التي تعرف تعثرًا في بناء المؤسسات الديمقراطية وهي حالة عرفتها دول كثيرة أعضاء في المنظمة. وعليه، فإنه من الضروري الإسراع في إيجاد آلية للأمن الإسلامي الجماعي تعمل في إطار الدبلوماسية الوقائية والاستباقية تتشكل من قوات إسلامية لحفظ السلم والأمن الدوليين، تكون مكملة لمهام بعثات الأمم المتحدة.

 

من المواضيع التي تشكل قلب التعاون الإسلامي وترجمة القوة العددية في التفاعلات الدولية تبرز مسألة التصويت الجماعي في المحافل الدولية، وهو الهدف الذي تم تسطيره في ميثاق المنظمة وخصصت له الكثير من العناية في القرارات والتوصيات على مستوى القمة أو مستوى مجلس وزراء الخارجية، حيث أوصت مختلف مؤتمرات القمة على الالتزام بالقرارات التي تدعو إلى التصويت لفائدة القرارات المقدمة باسم منظمة التعاون الإسلامي في المحافل الدولية، لاسيما الأمم المتحدة، واعتبر بيان القاهرة في الدورة الثانية عشرة المنعقد في فبراير 2013م، أن عدم التصويت لصالح تلك القرارات وإعلان مواقف مختلفة عن تلك المتفق عليها ينافي الإجماع الذي يفرضه واجب التضامن الإسلامي بين الدول الأعضاء. ولتفعيل هذا القرار تم تكليف الأمانة العامة بمتابعة أنماط التصويت على القرارات المتعلقة بالقضايا ذات الأهمية للمنظمة في المحافل الدولية. وللأمانة فإن الإرادة الجماعية للدول الأعضاء حققت نجاحات دبلوماسية كبيرة بما يخدم أهداف ومبادئ ميثاق منظمة التعاون الإسلامي عندما يكون الضغط الدبلوماسي وتفعيل الكتلة التصويتية كما حدث مع قضية مكافحة الإسلاموفوبيا، التي نجحت الدبلوماسية الإسلامية الجماعية في اعتماد قرارين حددا يوم 15 مارس، يوم عالمي لمكافحة الإسلاموفوبيا في عام 2022م، وتدابير مكافحة الإسلاموفوبيا في يوم 15 مارس 2024م، وفي نفس الاتجاه حققت الدبلوماسية الإسلامية الجماعية مكاسب قانونية ودبلوماسية بالنسبة للقضية الفلسطينية داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة بالتعاون مع المنظمات الإقليمية والدولية المساندة لعدالة حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته، وبما أن ميلاد منظمة التعاون الإسلامي كان بدافع مواجهة حريق الأقصى قبل أكثر من نصف قرن، فإن تفعيل القرارات الكثيرة والمتنوعة الصادرة عن مؤتمرات القمة الإسلامية ومجلس وزراء الخارجية التي تخص قضية القدس الشريف والقضية الفلسطينية تختبر مرة أخرى في هذه اللحظة التاريخية المؤلمة مدى فعالية وقوة العمل الإسلامي في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، من خلال معاقبة الاحتلال الإسرائيلي بالمقاطعة الدبلوماسية والاقتصادية ومتابعته على كل أنواع الجرائم من الإبادة الجماعية إلى التطهير العرقي، لأن قلب العالم الإسلامي يبقى القدس الشريف الذي ينتظر تحريره لنقل مقر منظمة التعاون الإسلامي إليه، وهو وعد التزم به الملوك والقادة والزعماء.

مقالات لنفس الكاتب