في الرباط في 22-25 سبتمبر 1969م، تم تأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي بقرار من مؤتمر القمة الإسلامي في أعقاب ما أثير في العالم الإسلامي من غضب شعبي ورسمي بعد إحراق المسجد الأقصى، الواقع في القدس تحت الاحتلال الإسرائيلي بتاريخ 21 أغسطس 1969م، على يد يهودي استرالي.
وفي الاجتماع الأول لمجلس وزراء الخارجية الذي عقد في جدة في مارس 1970م، تقرر إنشاء الأمانة العامة وتعيين أمين عام لها. وبعد سنوات تم تغيير اسم منظمة المؤتمر الإسلامي ليصبح " منظمة التعاون الإسلامي " في الاجتماع الثامن والثلاثين لمجلس وزراء الخارجية الذي عقد في آستانا في الفترة من 28 إلى 30 يونيو 2011م.
وقد تم دمج القمة العربية التي كان من المقرر عقدها في الرياض في 11 نوفمبر 2023 م، للتصدي للعدوان العسكري الإسرائيلي المستمر على الشعب الفلسطيني، مع القمة الإسلامية الاستثنائية الثامنة التي كان من المقرر عقدها في 12 نوفمبر 2023م، تحت سقف واحد وعقدت في الرياض في 11 نوفمبر 2023م، باسم” القمة العربية / الإسلامية الاستثنائية المشتركة لمنظمة التعاون الإسلامي -جامعة الدول العربية“.
خطة العمل العشرية لمنظمة التعاون الإسلامي:
وقد تم إعداد خطة العمل العشرية عبر اللجوء إلى آراء العلماء والمثقفين أيضًا، بغية ضمان تعزيز التضامن الإسلامي ونشر القيم العليا للإسلام والمضمون الحقيقي للحضارة الإسلامية وتناول قضايا العالم الإسلامي بشكل موضوعي وواقعي، وقد تم إقرار هذه الخطة خلال القمة الإسلامية الطارئة الثالثة التي عقدت في عام 2005م، في مكة المكرمة.
أما خطة العمل العشرية الجديدة التي تغطي الفترة ما بين 2016-2025م، فقد تم إقرارها خلال القمة الإسلامية الثالثة عشر التي عقدت يومي 14-15 أبريل 2016م، في إسطنبول.
وتعد خطة العمل المذكورة بمثابة خارطة طريق مفصلة تحت العناوين التالية: الإرادة السياسية، التضامن والعمل الإسلامي المشترك، الاعتدال ومفهوم التسامح لدى الإسلام، القانون الإسلامي، أكاديمية الفقه الإسلامي، مكافحة الإرهاب، حقوق الإنسان والحكم الرشيد، فلسطين والأراضي العربية المحتلة، منع الصراعات وحلها، إرساء السلام، التعاون الاقتصادي، دعم بنك التنمية الإسلامي، التضامن الاجتماعي في مواجهة الكوارث الطبيعية، مكافحة الفقر في إفريقيا، التعليم العالي، العلوم والتكنولوجيا، المرأة في العالم الإسلامي، حقوق الشباب والأطفال والأسرة، التبادل الثقافي بين الدول الأعضاء.
وفي رأينا أن منظمة التعاون الإسلامي تستطيع تحقيق التعاون الحقيقي بين دولها الأعضاء بصورة عملية أفضل مما سعت إليه مؤسسات أخرى مماثلة وذلك من خلال تحويل التنوع [المتضمن بعض الاختلافات] بين الدول الأعضاء إلى تكامل مثمر يتجاهل الخلافات ويتبنى التعاون الفعال. ويمكن تحقيق ذلك من خلال:
1-التأكيد على الاستفادة من البحوث والمشروعات التي تتعلق بالتدريب والبرامج التدريبية في المشروعات المتشابهة في الدول الأعضاء.
2-تخصيص الموارد المادية المناسبة لتطوير عمليات التدريب والبرامج التدريبية في المشروعات المتشابهة في الدول الأعضاء.
3-ضرورة العمل على إنشاء تنظيم إداري ذي أهداف محددة يدعم البرامج التنموية في الدول الأعضاء.
4-تأكيد توفير بيئة العمل المناسبة للتعاون المشترك بين دول المنظمة.
5-وضع نظام حوافز يمكن الباحثين من اقتراح وتشجيع المبادرات الفردية والجماعية التي تسهم في تنمية القرارات التعاونية المقترحة.
6-رصد مكافأة / جائزة للتطوير البحثي والتعلم المستمر لدى الباحثين الذين يتقدمون بدراسات جادة ومثمرة وقابلة للتطبيق في مجال تفعيل الجانب الثقافي والأدبي من عمل المنظمة.
7-توفير مصادر التعلم التي تساعد على اكتساب المعارف والخبرات والحفاظ عليها (مكتبة إليكترونية-معامل ومختبرات-قواعد معلومات... الخ) في مكاتب المنظمة.
8-تفعيل دور الأنشطة التربوية في مدارس الدول الأعضاء لتنمية الوعي التعاوني لدى التلاميذ من خلال (المعلومات، القيم، المشاركة)
9-تهيئة المؤسسات التعليمية في الدول الأعضاء من أجل تنمية الوعي التعاوني في الدول الأعضاء.
10-التركيز على المبادئ الدينية التي تحث على غرس القيم والفضائل المتنوعة في نفوس الأحداث في الدول الأعضاء ومن أهمها " فضائل الصبر، والتسامح، والقناعة، والرضا، والتعاون، والأخلاق، ومقابلة السيئة بالحسنة " مما يؤدى إلى تعود الأحداث على ممارستها والاستمرار في المواظبة عليها حتى تصبح جزءًا من سلوكهم المعتاد.
11-تأليف لجان علمية متخصصة بإشراف المنظمة لدراسة محتوى البرامج التعليمية في الدول الأعضاء، والتدخل من أجل المساهمة في توضيح خصائص الطلبة والقيم الدينية المناسبة لهم من أجل إصلاحهم.
12-دعوة كليات وأقسام الخدمة الاجتماعية بالدول الأعضاء لتنظيم دورات تدريبية على استخدام المداخل التعاونية الحديثة؛ وذلك لدورها في تفعيل التقارب بين دول المنظمة.
13-استخدام أساليب متنوعة حديثة في تدريب الطلاب والدعاة في الدول الأعضاء مثل: التعليم الذاتي، والاكتشاف الموجه، والاكتشاف غير الموجه، والنشاط التمثيلي؛ حيث إنها أساليب تعمل على تنمية وتحسين الأداء بوجه عام.
14-زيادة وقت البرامج التدريبية الخاصة بالتعاون الإسلامي، وذلك لإتاحة الفرصة للطلاب والدعاة لممارسة المهارات الأدائية.
15-العمل على زيادة عدد الساعات المخصصة للغة العربية في الدول الأعضاء غير العربية بما يتناسب مع أهمية دراستها.
16-العمل على ضرورة الاهتمام بالجانب التطبيقي مدعومًا بالجانب النظري في كل البرامج المختصة بالتعاون بين دول المنظمة.
17-العناية بالدبلوماسيين الممثلين لدولهم في المنظمة مادياً وأدبياً، وتوفير حياة كريمة لهم حتى يتمكنوا من أداء دورهم، مع توفير الخبرات المناسبة حتى يستطيعوا مخاطبة جماهير شعوبهم.
الأنشطة التربوية للمنظمة :
يجب أن تتضمن الأنشطة التربوية المتنوعة لمنظمة التعاون الإسلامي المعلومات الكافية والواضحة عن أهم القضايا والمشكلات الاجتماعية في الدول الأعضاء، بحيث توضح تلك الأنشطة أسباب تلك المشكلات وجذورها وكيفية التوصل إلى حلول مناسبة لها، دون الاكتفاء بالإشارة إلى معلومات سطحية وغير مدروسة عن هذه القضايا والمشكلات الاجتماعية.
وهناك كثير من القضايا والمشكلات الاجتماعية التي يجب أن تهتم الأنشطة التربوية للمنظمة بتقديمها وعرضها، وذلك من خلال الحوار مع الكبار في الندوات الاجتماعية والاستماع إلى آراء الشباب حول هذه القضايا، ومن أمثلة ذلك: المشكلة السكانية، حيث ينبغي أن توضح المنظمة في موضوعاتها أو من خلال الندوات والاجتماعات الخاصة بالأنشطة داخل مؤسساتها، ومشاركة الشباب بآرائهم مع الكبار، إن المشكلة السكانية في معظم دول المنظمة ناتجة عن زيادة السكان وعدم وجود التوازن بين حجم السكان والموارد، مما قد يؤدى إلى زيادة الاستهلاك وانخفاض مستوى المعيشة، وما يترتب على ذلك من انخفاض متوسط داخل الفرد مهما تحاول الدول رفع الأجور.
ولكي يتم مواجهة هذه المشكلة، يجب اتباع وسائل متعددة لرفع مستوى معيشة الأفراد، وتوفير حياة كريمة لهم، وتأمين المستقبل للأجيال القادمة، وتمهيد الطرق أمامهم نحو حياة أفضل، مع الاستماع إلى آراء الشباب في إضافة مقترحات أخرى لحل لهذه المشكلة.
التلوث البيئي:
يجب على دول المنظمة الاهتمام بمشكلة التلوث البيئي، من خلال الآراء والمقترحات التي يقدمها الإعلاميون والباحثون، مع ضرورة وعي المسؤولين بأنه ظاهرة عامة يشعر بها الإنسان في المجتمعات المحلية والعالمية، وهو ناتج عن التفاعل المستمر بين الإنسان والبيئة، وممارسات الإنسان الخاطئة لإشباع حاجاته وتحقيق طموحاته، وقد زاد التلوث في خطورته بعد التقدم العلمي والتكنولوجي الهائل في العالم أجمع.
ولكي يتم مواجهة مظاهر التلوث من خلال التوعية بأهمية المحافظة على البيئة، ووضع الأسلوب الأمثل لاستغلال الطبيعة والمطالبة بتطبيق القوانين الخاصة بحماية البيئة من التلوث، والمحافظة على الحيوانات والنباتات النادرة، وإقامة مشروعات التشجير وتعمير الصحراء.
كما أن هناك الكثير من القضايا والمشكلات الاجتماعية كالوحدة الوطنية في بعض دول المنظمة التي توجد بداخلها خلافات عرقية أو عقائدية، ومحو الأمية، والتدخين، والإدمان، الثأر، ومشاركة المرأة في تنمية المجتمع في بعض البلدان التي تحد من ذلك .. وغيرها، من القضايا والمشكلات التي يجب أن تعمل الأنشطة على الاهتمام بها، لأن الوعي الكافي بهذه القضايا والمشكلات والعمل على المشاركة في إيجاد الحلول وتنفيذها في المستقبل يسهم في تقدم دول المنظمة.
كيف تؤدي المنظمة دورها المنشود؟:
إن من أهم أجهزة المنظمة: القمة الإسلامية، ومجلس وزراء الخارجية، والأمانة العامة، بالإضافة إلى لجنة القدس وثلاث لجان دائمة تُعنى بالعلوم والتكنولوجيا، والاقتصاد والتجارة، والإعلام والثقافة. وهناك أيضاً مؤسسات متخصصة تعمل تحت لواء المنظمة، منها البنك الإسلامي للتنمية، والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو). ومن المنتظر أن تؤدي تلك الأجهزة المتفرعة والمؤسسات المنتمية التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي أيضاً دوراً حيوياً وتكميليًا مهمًا من خلال العمل في شتى المجالات وذلك لأن الثقافة بالمعنى الواسع تشتمل على كل ما له صلة بتنظيم حياة الفرد من المهد إلى اللحد. وبغض النظر عن المستوى الذي وصلت إليه الثقافة فكل فرد له مكونات أربعة: نسق للقيم، ونسق للمعتقدات، وعناصر معرفية، وعناصر رمزية. "والثقافة الفنية المتطورة هي الثقافة التي تكاملت منها مكونات هذه العناصر كما في الثقافة العربية.
فالمعتقد الديني موجود-لدى جميع شعوب المنظمة -ويقبل التفسير والاجتهاد لتصويب بعض المعتقدات الفكرية والاجتماعية الخاطئة وقديماً أحدث الأنبياء تغييرات في بعض المعتقدات التي كانت سائدة وبداخلها كثير من الأخطاء التي كانت سائدة في مجتمعاتهم.
والعناصر الرمزية تعني اللغة بمفرداتها وبقواعدها وبإمكانية تطورها ومسايرتها لروح العصر. أما العناصر المعرفية فتشير بصفة خاصة إلى الكيفية التي تنظم بها الثقافة المعارف في المجالات المختلفة. وتاريخياً ساهم العرب بنصيب هام في تطوير المعارف العلمية وأخذ الآخرون عنهم ولذلك يجب أن تسعى المنظمة لتطوير هذا الجانب بين الدول الأعضاء.
ويكاد الباحثون يجمعون على أن مكونات الهوية الثقافية أربعة هي: البنية الجسمية، والمقومات الروحية والعقلية، والمقومات المادية، ودائرة العلاقات الاجتماعية والمؤسسات الموجودة في المجتمع.
فالهوية الإسلامية توجد وتتشكل اجتماعياً. بوصفها ظاهرة اجتماعية أو إنسانية. فالإنسان يولد بهوية لا يستطيع منها فكاكاً، وكأنها خصائص وراثية، ومن هنا يتعين على المنظمة دعم الهوية الإسلامية لدى أعضائها.
لأن الهوية الثقافية لا تكتمل ولا تبرز خصوصيتها الحضارية، ولا تغدو هوية قادرة على أن تنشد العالمية، والأخذ والعطاء، إلا إذا تجسدت مرجعتيها في كيان – كالمنظمة -تتطابق فيه ثلاثة عناصر مهمة: أهمها الدين والطموحات المتشابهة.
فالهوية الثقافية في البلدان الإسلامية موضوع ينتمي إلى المستقبل بقدر ما ينتمي إلى الماضي. فالهويات الثقافية تظهر في أماكن لها تاريخ وهي بعيداً عن أن تكون ثابتة بشكل أبدى فالهوية الثقافية مصنوعة دائماً ويعاد تصنيعها أو تشكيلها في الممارسات والعلاقات والرموز الموجودة والأفكار، ومن هنا يتعين على المنظمة التركيز النشط في هذا الجانب.
وتتشكل الهوية لدى كل فرد من عدة عناصر لا تقتصر بالطبع على تلك المدونة في السجلات الرسمية، فهناك الانتماء إلى تقليد ديني وإلى جنسية، وأحياناً جنسيتين، وإلى مجموعة لغوية، وإلى عائلة أو أكثر أو أقل اتساعاً، وإلى مهنة أو مؤسسة، أو وسط اجتماعي معين، ويفترض إنها غير محدودة إذ يمكن أن نشعر بانتماء أكثر أو أقل إلى ريف أو قرية أو حي أو عشيرة أو فريق رياضي أو إلى جماعة من الأصدقاء أو نقابة أو شركة أو حزب أو رابطة أو جماعة من الأشخاص يمتلكون الأهواء ذاتها أو الميول أو الإمكانات الجسدية ذاتها إنها العناصر المكونة للشخصية. ومهمة المنظمة أن تسعى لدراسة هذه الجوانب بين دولها وتنمية ما يحقق التعاون والتكامل، ونبذ واستبعاد كل ما يؤدي إلى التفرق والتباعد والتنافر بين شعوب الدول الأعضاء.
ولا يخفى أن الأسرة هي أول وأهم المصانع الاجتماعية التي تنتج الوجدان الثقافي الوطني ففيها يكتسب الطفل لغته ومبادئ عقيدته، والقوالب الأخلاقية العامة والعليا لسلوكه، كما أنه يتلقن بعض المبادئ المؤسسة للشعور بالجماعة أي هوية الجماعة الوطنية التي ينتمي إليها، وقد تتعرض بعض اعتقاداته في مراحل الشباب إلى أزمة الشك، غير أن معتقداته تظل تتمتع بالاستقرار والرسوخ في وجدانه، ووعيه طيلة فترات التربية التي يتلقاها داخل الأسرة ، بالإضافة إلى دور المدرسة التي تمارس الوظائف التربوية نفسها فهي تؤدى وظيفة إنتاج ثقافة وطنية أو أساسيات تلك الثقافة من خلال بث وتكريس جملة من المبادئ التي تؤسس لقيام وعى وطني، يجب تنميته – عبر السياسات التعليمية بمناهجها وأساليب تدريسها – ليصبح وعيًا تعاونيًا إسلاميًا.
ولا شك في أن لكل مجتمع ثقافته التي تحدد الهوية العامة لأبنائه، كما أنها تتحكم في ملامح الشخصية الوطنية، وهي تحدد أيضاً الصفات التي تميز أبناء المجتمع عن غيره من المجتمعات، بل وتميز أيضاً الأجيال عن بعضها الآخر، وتحدد أيضاً نوع التفكير السائد في المجتمع والذي يظهر من خلال الهويات المتواجدة في ذلك العصر والزمن. إنها هوية تستوعب كل مظاهر الشخصية، وتحدد لصاحبها بكل دقة ووضوح هدفه ووظيفته وغايته في الحياة وهي بذلك هوية متميزة عن سواها.
وهنا يتأكد دور المنظمة في تفعيل الجوانب الثقافية الإيجابية في مجتمعاتها عبر روافد فكرية وثقافية متنوعة وتتمتع بالجاذبية وقوة التأثير ويمكن تحقيق ذلك من خلال:
- تحقيق تنسيق دقيق تقوم به المنظمة بين المؤسسات التربوية في دولها الأعضاء
- تنشيط دور الإعلام في دعم الجوانب الثقافية الإيجابية في الدول الأعضاء وتنحية الجوانب السلبية.
- إجراء مسابقات بين شباب الدول الأعضاء لدراسة أطر مقترحة للتعاون الثقافي والرياضي والفني بين شعوب المنظمة.
- بذل جهد علمي منظم من قيادة المنظمة لتأليف لجان خاصة تدرس إمكانات التنسيق التربوي – بانتظام واستمرار – بين الدول الأعضاء لاستبعاد ما يعرقل الوحدة والتعاون من المناهج الدراسية، ودعم ما يحقق التسامح والتعاون.