array(1) { [0]=> object(stdClass)#13549 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 205

6 مقترحات للتطوير منها: تفعيل المحكمة الإسلامية والتنمية والمأسسة والمواطنة بديلًا للأقليات

الإثنين، 30 كانون1/ديسمبر 2024

حين التعاطي مع أي منظمة فوق حكومية أو إقليمية لا يمكن تجاوز إطارها ومرجعيتها الثقافية والفكرية، وتأثير هذه المرجعية وتمثيلاتها في أدائها ودورها وتأثيرها، ويمكننا ملاحظة هذه السمة بوضوح في حسم ووضوح رؤية قضايا الدول الإسلامية التي يكون أحد طرفيها من خارج منظمة الدول الإسلامية، كما هو الحال في الموقف من القضية الفلسطينية وغيرها، وموقفها التصالحي الهادئ حين يكون ثمة خلاف بين طرفين، كل منهما يمثل عضوًا فيها، أو داخل دولة واحدة من دولها الأعضاء، كأزمة طائفية بين طوائف إسلامية مختلفة داخلها، مما يلح على موقفها بالانضباط ويقيد من حرية حركتها في إدانة أحد الطرفين أو التحيز للطرف الآخر، فالمرجعية الدينية الإسلامية التي تمثل رابطة هذه الدول الأعضاء، رغم قوتها واتساعها أكثر من سواها، في الجامعة العربية حيث الرابطة اللغوية والجغرافية، أو القارية كالإفريقية والآسيوية، إلا أنها تمثل مرجعية واسعة تجسدها طوائف متعددة وتأويلات مختلفة بعضها متطرفة، كما تعبر المنظمة عن اعتدالها في ظل صحوة التطرف والتطرف العنيف في عشرات العقود السابقة، قبل وبعد تأسيسها، وحتى الآن، المواكبة والمؤدية والمرتبطة نسبيًا بظاهرة الإسلاموفوبيا وصورة الإسلام وشعوبه وأمته في العالم ككل. 

التعاون الإسلامي بين قوة التأسيس ووطأة التاريخ:

تمثل منظمة التعاون الإسلامي، "الصوت الجماعي للعالم الإسلامي"، وتعد ثاني أكبر منظمة دولية بعد الأمم المتحدة، حيث تضم في عضويتها 57 دولة موزعة على 4 قارات، وتمثل منطقة جغرافية واسعة تضم 1.7 مليار مسلم، وقد جاء تأسيسها قويًا وحافزًا حين تأسست استجابة لردود الفعل التي أثارتها الدول الإسلامية عقب هذا الاعتداء، في محاولة لإيجاد قاسم مشترك بينها، وبناء على ذلك عُقد في مارس 1970م، أول مؤتمر إسلامي لوزراء الخارجية في مدينة جدة، وتقرر بموجبه إنشاء أمانة عامة يكون مقرها بالمدينة نفسها، ويرأسها أمين عام للمنظمة، فهي تعبر عن الوحدة بين الدول الإسلامية والمسلمين أكثر من اهتمامها بخلافاتهم الماثلة والحاضرة، كما سنوضح، فضلًا عن القديمة والماضية.

وتتضح أهمية رابطة التعاون الإسلامي، منذ لحظة تأسيسها الأولى تحت مسمى "منظمة المؤتمر الإسلامي" بقرار من القمة الإسلامية التي عقدت بالعاصمة المغربية الرباط في 25 سبتمبر 1969م، كرد فعل على اعتداء يهودي متطرف على المسجد الأقصى في القدس في 21 أغسطس 1969م، وبدأت عضويتها بثلاثين دولة حتى وصلت إلى 57 دولة الآن، يتخذ قرارها بتصويت الثلثين، واستمرت على مدار خمسة وخمسين عامًا في القيام بدورها من توصيل الصوت المسلم إلى العالم.

ويمكننا تحديد رسالة التعاون الإسلامي في محورين رئيسيين، أولهما التعبير عن التضامن الإسلامي للدول الأعضاء، خاصة في قضاياهم المركزية التي تحتمل الخلاف، والثانية تعزيز رابطة الإخوة والتضامن والاتفاق فيما بينهم، عبر تكوينها عددًا من اللجان والمنظمات التي تسعى لهذا النهج التصالحي والتوافقي بين أعضائها تعبيرًا عن المتفق عليه بينهم، ولكن أحيانًا كثيرة يلاحظ أن حقيقة الصراعات الإسلامية / الإسلامية، والبينية والداخلية، تظل معضلة تستعصي على الحل ولا تزال ماثلة بين عدد من الدول وداخل البعض الآخر.

وعن هذا المحور الثاني، نزع الخلافات وتهدئة الصراعات البينية الإسلامية، تأتي هذه الورقة، ولكن نؤكد في البداية على أمرين أساسيين في تعاطي المنظمة معه، كما يلي:

 أولهما: هو دور  منظمة التعاون الإسلامي  في محاولة حل وتعزيز السلم في العديد من الصراعات البينية بين دول إسلامية أو داخلها،  ومحاولاتها الإصلاحية والتصالحية بين أطرافها، عبر العديد من الأمثلة، مثل وثيقة مكة المكرمة لحقن الدماء بين العراقيين، في 30 أكتوبر عام 2006م،  بهدف حقن دماء المسلمين في العراق وما يتبع ذلك من اقتتال طائفي وأعمال تشريد وترويع، كما دعا الأمين العام السابق لمنظمة التعاون الإسلامي إياد أمين مدني في 5 أبريل 2015م، كافة الأطراف العراقية إلى التحلي بالشعور الوطني الجامع وبروح المسؤولية التي تتنافى مع استخدام القتال ضد تنظيم "داعش" لمصلحة مذهب أو فئة على حساب بقية الأطياف العراقية الأخرى.

ودور منظمة التعاون الإسلامي الداعم لتحقيق السلم في سوريا والمشاركة في مختلف الفعاليات الدولية والإقليمية المعنية بها، والمشاركة بانتظام في اجتماعات لجنة متابعة اتفاق السلام في مالي في فبراير 2021م، وضمان الاتفاق مع آخرين، وكذلك استضافتها بجدة اجتماعًا لفريق الاتصال الدولي بشأن أفغانستان يوم 28 فبراير 2017م، من أجل إحلال السلام بها، وغير ذلك من خطوات ومبادرات.

وثانيها: مثل  تعزيز السلم طموحًا لدى منظمة التعاون الإسلامي منذ تأسيسها، تمثل الصراعات الإسلامية البينية والداخلية الأهلية، معضلة العالمين العربي والإسلامي التليدة، وعائق تعاونها وتكاملها، وهوما أكدت عليه منظمة التعاون الإسلامي كأحد أهدافها ومبادئها، وأسس منهجها وعملها، وذلك في ميثاق المؤسسة في مادته الأولى  من الفصل الأول من ميثاق تأسيسها، التي تنص على أن أول أهداف المنظمة، هو "تعزيز ودعم أواصر الإخوة بين الدول الأعضاء" وفي مادته الثانية، البند الثالث، على أن أحد مبادئها الرئيسة، هو " أن تقوم جـمیع الـدول الأعـضاء بحـل نـزاعـاتـھا بـالـطرق السـلمیة، وتـمتنع عـن اسـتخدام القوة أو التھدید باستخدامھا في علاقاتھا؛ " كما تؤكد في مبادئها على احترام مبادئ السيادة الوطنية وعدم التدخل في شؤون الدول الأعضاء".

كما أسست منظمة التعاون الإسلامي، محكمة العدل الإسلامية- ومقرها الكويت -كهيئة تابعة لها، وقد حرر ميثاقها في 29 يناير سنة 1987م، من تسع وأربعين مادة تشمل كل أنواع الخلاف المحتمل بين أعضاها، ولكن ما زالت بحاجة للتفعيل والتنشيط، وقد عقدت منظمة التعاون الإسلامي اجتماعًا من أجل هذا الغرض في الأول من نوفمبر سنة 2023م، ولا يزال السؤال عن فعاليتها وتأثيرها يستحق الطرح والتساؤل في ظل صعود الصراعات والخلافات بين الدول الإسلامية أو داخل الدولة الوحيدة

كما اشتبكت وتفاعلت منظمة التعاون الإسلامي عبر تمثيلتها الثقافية، الأيسيسكو، مع قضية مهمة تهدد السلم الأهلي وهي قضية التطرف، حيث اصدرت العام 2024م، موسوعة تفكيك التطرف في ثلاثة أجزاء، بمشاركة عدد من العلماء والخبراء في هذا المجال، كما خصصت منظمة التعاون الإسلامي الدورة ال 42 لمجلس وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي الذي عقد بالكويت، في مايو سنة 2015م، لمناقشة قضايا التطرف والإرهاب، وعقدت تحت عنوان:" دورة الرؤية المشتركة لتعزيز قيم التسامح ونبذ الإرهاب "، وظلت المنظمة تندد بأعمال الإرهاب وخاصة داعش وجماعات التطرف العنيف الأخرى بشكل مستمر.

التعاون الإسلامي .. والصراعات الإسلامية

نظن أن توجه منظمة التعاون الإسلامي للتأكيد على المتفق عليه بين أعضائها، وعدم التطرق لنقاط الخلاف، يجعله مؤجلًا، وهو ما تعبر عنه تسميتها منظمة" التضامن الإسلامي" وما يستنبطه ويؤكده من إمكانية التوافق والترفع نحو ما فوق الخلاف، وهو قدر ما يجمع قدر ما يحد من قدرتها وتعاطيها من صراعات أعضائها أو الأزمات الانقسامية والصراعية داخلها، حيث يبدو أنه كما اسمها يبدو أن إشكال الخلاف مع دولة عضو أمر مستبعد، وإن تظل تلح على مبدأ سيادة الدولة الوطنية، ودور المنظمة التصالحي في مسألة الخلافات.

ورغم أن ميثاق منظمة التعاون الإسلامي يعبر عن طموحها في التضامن والترابط وتجسير الوحدة الدينية بين أعضائها، منذ تأسيسها قبل 55 عامًا، كما ينص ميثاق تأسيس محكمة العدل الإسلامية على إلزامية أحكامها، إلا أن الواضح البين أن تجاهل الخلاف يجعله يظل حيًا خاصة مع الإجماع على القضية المركزية التي تشغل المسلمين وهي القضية الفلسطينية، فرغم انشغال الرأي العام العربي والإسلامي، وانقسامه حول تقييم طوفان الأقصى الذي اندلع في أكتوبر سنة 2023م، وتحميل المسؤولية كل من الاحتلال الإسرائيلي من جهة والتدخل الإيراني من جهة أخرى، الذي يرتبط به انفراد حماس وحزب الله بقرار الحرب دون تنسيق مع سائر الشركاء في فلسطين ولبنان، وفي لحظة إقليمية عصيبة يسودها الاختلاف وعدم التوافق، إلا أن بيان القمة الإسلامية التي عقدت بالعاصمة السعودية الرياض في نوفمبر سنة 2023م، لم يتطرق لهذا الاختلاف بين محوري الممانعة والسلام في تقييم المسؤولية، مكتفيًا بحكم هوية المؤسسة ومرجعيتها وتعبيرها عن صوت الشعوب الإسلامية لتحميل الاحتلال كل المسؤولية والدفاع عن المقاومة التي أحيت القضية. 

 وهي المواقف التي يمكن القول إنها تمثل توافقًا إسلاميًا عاما بين أعضائها، أكثر من فعاليتها السياسية والتأثيرية في نزع الخلافات وتعزيز السلم فيما بينهم، والتي قد تتجسد في حروب فيما بينها، مثل الحرب العراقية / الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي، أو الغزو العراقي للكويت تسعينياته، أو الصراعات الداخلية في عدد من دولها لأسباب مختلفة.

وسنحاول فيما يلي توضيح عنصري قصة الصراعات في العالم الإسلامي، التي تتنوع بين صراعات بين دول وصراعات داخل دول، ثم نختم بخلاصة ببعض التوصيات التي نقترحها لتفعيل دور منظمة التعاون الإسلامي في تعزيز السلم بين دولها الأعضاء وداخلها.

  • صراعات إٍسلامية بينية:

إن هناك سبعة وثلاثين دولة، بين 56 دولة عضوا في منظمة العالم الإسلامي، تعيش صراعات بينية، وهناك 19 دولة إسلامية فقط لم تدخل في نزاع مع دول إسلامية أخرى، وهي دول مسلمي البلقان في أوروبا حيث لم تدخل في أي صراع ديني خلال القرن العشرين.

وفي تقرير صدر عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية سنة 2016م، قدّر عدد من سقطوا في النزاعات المسلحة في مختلف أنحاء العالم بـ 167 ألف شخص، بلغ نصيب العرب والمسلمين منهم أكثر من 50%، سورية 55 ألف قتيل حينها، ولا يزال النزف مستمرًا، أضعافًا مضاعفة بعد هذا التاريخ، ليس في سوريا فقط ولكن في كثير من بلدان المنطقة، مواطنة نازفة وأوطانًا متصدعة، وتعد دول إسلامية كاليمن وأفغانستان والصومال والعراق من أكثر الدول ضحايا لعمليات العنف والإرهاب.

ولا شك أن اختلاف توجهات الدول الأعضاء وأجندتها السياسية يحمل عليه عجز المنظمة عن التحيز لبعض أطرافها، ويبطئ من حركتها، فعلى سبيل المثال قاطعت عدة دول عربية وإسلامية قمة كوالالمبور الإسلامية التي نظمتها ماليزيا في 18 ديسمبر 2019م، والتي غاب عنها قادة عدد من الدول الإسلامية، كـ إندونيسيا، وباكستان، المملكة العربية السعودية، ومصر والإمارات، حيث اعتبروها حينئذ منافسة تركية للدور السعودي الإقليمي والدولي، وزعامة المسلمين خاصة السنة منهم، وهو الأمر الذي تراجع فيما بعد تراجع تركيا عن بعض سياساتها واستعادة تقاربها مع المملكة وحلفائها.

وهو أمر لا يزال مستمرًا بشكل واضح فقد تجدد الصراع السوري والحرب الأهلية بها في نوفمبرسنة2024م، وكذلك يستمر الصراع الداخلي في السودان والصومال وغيرها، ولا يزال موقف منظمة التعاون الإسلامي في محاولة رأب الصدع أو تسوية الصراع بينها غائمًا وعاجزًا، كما كان هو الحال في الحرب العراقية الإيرانية سنة1986م، أو في الغزو العراقي للكويت سنة 1990م، أو في غيرها من الصراعات والخلافات بين الدول الإسلامية بعضها البعض، كما هو الخلاف الجزائري المغربي حول قضية الصحراء، أو الخلاف العربي حول التدخلات الإيرانية في بعض الدول العربية والإسلامية الأخرى، وهو الأمر الذي يبدو أن حسمه يتعارض مع هويته المعلنة التي لا تعطي اعتبارًا لخلافات أعضائها، ولكن لما يتفقون عليه، مما يجعل مواقفها أكثر وضوحًا في التعاطي مع قضايا مع العالم الخارجي أكثر من فعاليتها في حل أو حسم الصراعات البينية فيما بينهم، وتواجه منظمة التعاون الإسلامية في هذا التدخل مبدأ سيادة الدول وقراراتها وتبريراتها، مما يجعل دور الوساطة هو الدور الأكثر مناسبة لها.

2-الصراعات الداخلية وأزمة السلم الأهلي:

لا نبالغ إذا قلنا أن العالم الإسلامي يعيش في كثير من أجزائه صراعًا نازفاً بين تنوعاته وطوائفه، وبين سلطته ومعارضته، وبين الدولة والميليشيا في كثير من أجزائه، بعضها نراه ماثلًا الآن في السودان وسوريا وليبيا ومالي والصومال وأفغانستان والعراق وإيران، وغيرها، مما يمثل تصدعات في داخله، وتهديدًا لاستقرار أقطاره وجهود التنمية والتقدم فيه، يزيد في تأثيره عن تأثير معاناة بعض أقطاره وأوطانه من صراعات وحروب خارجية مع دول مختلفة، على مدار القرن العشرين.

وهو ما نراه يعود لأزمة الدولة الأمة National-State العربية والإسلامية، وتكونها الحديث في القرن العشرين، حيث تمثل الأقليات فيها حقيقة ماثلة ومؤثرة، مما جعل كثيرًا من دولها تعاني من أزمة السلم الأهلي، وتشتعل بالعديد من النزعات الانفصالية والجبهوية والحروب الأهلية، وهو ما يكشف أزمة الدولة  بالحضور القوي، وهو ما يظهر في تزايد عدد الحروب الأهلية وتناقص عدد الحروب الخارجية بشكل لا لبس فيه، " نتيجة تزايد الترابط العضوي وتحويل العلاقات الدولية إلى لعبة غير صفرية وهو ما أدى لتراجع البنيات الدولية التقليدية في القدرة على التكيف مع تنامي الروابط العضوية التي يكون أحد أسبابها هو تراخي الروابط الآلية وبالتالي إعادة رسم الخرائط الدولية على هذا الأساس، وهو ما يمثل العالم العربي- بالخصوص- بيئة مناسبة له، حيث تمثل الأقليات الدينية واللغوية والعرقية ما يتجاوز الثلث من المجتمع العربي، ما يوازي 13.17% مختلفون لغويًا، و7.6% يدينون بغير الإسلام، وما يقرب من 10% يتبعون غير المذهب السني".

فحسب مفهوم الأقلية، كما تعرفه الموسوعة البريطانية، إلى كونه” مجموعة من السكان تنفرد بسمة سوسيوثقافية عن بقية المجتمع، كالعرق، الدين، الطائفة، المذهب، اللون، اللغة، الثقافة بمعناها العام " (Britannica, n.d.)  وهي مشكلة تكوينية في بناء كثير من الدول الإسلامية، التي خرجت من أزمات الاستقلال والتحرر لأزمات الدولة الوطنية، وطنا ومواطنة لم تتحقق، فلم تشعر هذه الأقليات في فترة ما بعد الاستقلال بمواطنتها الكاملة إلا نادرًا، خاصة مع صعود الدول الثورية الشمولية فيها واحتكار السلطة والثروة والتمييز الديني والطائفي والعرقي ضدها، مما أدى إلى صعود النزعات الانفصالية، والهويات الفرعية وضعف الانتماء الوطني.

ووفق هذا المفهوم تمثل الأقليات في العالم العربي والإسلامي، حقيقة في موقعها وخطورتها، لا يصح تجاهلها وتهميشها كما كانت تفعل بعض الأفكار والأنظمة الوحدوية والثورية، منذ خمسينيات القرن الماضي، وطوال عقود كان مخاض الأزمات الوطنية العديدة التي عرفتها العديد من البلدان العربية، منذ ثمانينيات القرن الماضي، ونذير خطر بانفجار الأوطان وانهيار الدول الوطنية حال استشرت فوضاه.

حيث نجد الأقليات المتنوعة التالية في العالم العربي على سبيل المثال تتنوع كما يلي:

1-  13.7% من المجتمع العربي يتحدثون لغة غير اللغة العربية ( الأمازيغ، الأكراد، الأرمن والآراميون، التركمان ، النوبيون).

 - يدين 7,6% من المجتمع العربي بغير الدين الإسلامي (المسيحيون ويتوزعون على مذاهب أرثذوكس (أقباط- يعاقبة- أرمن) ولاتين / كاثوليك (روم وسريان وأرمن وأقباط) وموارنة، وبروتستانت، ثم الصابئة واليزيديون والبهائيون والوثنيون) وبعض الأديان الأخرى الصغيرة جدًا، مع تداخل بين هذه الفئات من خلال السمات الاجتماعية الأخرى.

3 -نسبة من ينتمون لغير المذهب السني من العرب المسلمين هي 8.8%(الشيعة الاثنا عشرية، الزيديون، الاسماعيليون، الدروز، العلويون).

4-  نسبة من يصنفون من ذوي البشرة السمراء في المجتمع العربي هي 3.7% ( يتركزون في السودان وموريتانيا وبعض دول الخليج العربي).

ذلك يعني أن نسبة الكتلة المتجانسة تمامًا في المجتمع العربي هي 66,2%، وهو ما يعني أن حوالي ثلث المجتمع العربي يتمايز عن الثلثين الآخرين بسمة سوسيو ثقافية او أكثر.

وفق هذا العرض، لا تقف الصراعات الداخلية في عديد من الأقطار الإسلامية على سبب واحد، بل تتنوع أسبابها المختلفة، بين أطرافها، فمنها ما يتعلق بأسباب عرقية وقومية -رغم وحدة الدين-كما هو الحال مع المسألتين الكردية والأمازيغية، ومنها ما يتعلق بأسباب جهوية، كما هو الحال في ليبيا والسودان، رغم وحدة الدين والعرق، ومنها ما يتعلق بصراعات السلطة، كما هو الحال في السودان، ومنها ما يتعلق بأسباب أيديولوجية تتعلق بالصراع على الدولة نفسها، بين الدول وعدد من جماعات التطرف والإرهاب.

وتتنوع أهداف هذه الحروب والصراعات للاستقلال والانفصال حينًا،  تعود لأزمة التمييز ضد بعض فئاته وأقلياته الدينية أو العرقية فهو صراع واسع بين الهيمنة والتمييز، يشمل الصراع على السلطة أو على المجتمع، ويستقطب بين التمييز ورفضه، فتعاني منه الدولة كما تعاني منه سلامة الأمة والوطن، داخل الدولة الواحدة، وتصل درجة الاحتراب الأهلي لدرجات مفزعة ومأساوية، كما هو الحال في أزمات السودان واليمن بدرجة كبيرة، والعراق ولبنان وأحيانًا مصر والبحرين بدرجات أقل، وهو ما نرى تكلفته وضحاياه أضعاف تكلفة ما كان بيننا وبين الآخر، قديمًا وحديثًا، على كل المستويات الإنسانية والاقتصادية والتنموية والنفسية.

خلاصة وتوصيات:

ربما يعيق منظمة التعاون الإسلامي عن تمكين دورها في تسوية الخلافات بين دولها الأعضاء وكذلك داخل البعض منها طبيعتها التوافقية التصالحية التي تعمل في إطار احترام مبدأ سيادة الدول الوطنية، وتتحاشى تأجيج جذور أي خلاف طائفي أو مذهبي فيما بينها، ولكن تتفاعل إيجابيًا ودبلوماسيًا في مساحة المتفق عليه، ولكن يمكننا أن نقترح ما يلي في تفعيل دور المنظمة في الوساطة وتسوية الصراعات بين أعضائها كما يلي:

  1. تفعيل دور محكمة العدل الإسلامية والتمكين الملزم لأحكامها بين الدول الأعضاء، حال حدوث أي خلاف عسكري أو مادي أو رمزي، كإهانات الطوائف والمقدسات.
  2. تفعيل الدور الثقافي للمنظمة وإنشاء برامج ثقافية للتأكيد على الرابطة الروحية الجامعة للمسلمين والعلاقة الإيجابية بالعالم كمنافسة وفعالية حضارية وليست صراعًا.
  3. الاهتمام والتركيز على التنمية والمأسسة ومبادئ الحكم الرشيد بجوار مبدأ السيادة الوطنية، في تجنب الصراعات والحروب الأهلية، وعمل مرصد لذلك يرصد إيجابية الممارسة وسلبياتها على شاكلة مرصد الإسلاموفوبيا التي تنفذه إحدى هيئاتها في رصد هذه الظاهرة السلبية في الغرب.
  4. التمكين للبعد التربوي والتعليمي في دعم برامج التمكين للتسامح والروابط الجامعة بين الطوائف والفرق الإسلامية وإلزام أعضائها بذلك، كجزء داعم لجهودها في مكافحة التطرف والتكفير.
  5. التأكيد على قيمة المواطنة بديلًا لتعبير الأقليات كأساس للدولة الحديثة والتوصية الدائمة بذلك.
  6. إصدار تقرير سنوي دوري عن الوحدة والصراع في العالم الإسلامي يقدم توصياته في تقدير موقف لكل أزمة.
مقالات لنفس الكاتب