array(1) { [0]=> object(stdClass)#13549 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 205

أهمية تعديل الميثاق واسم المنظمة ووضع معايير وآلية لاختيار الأمين العام و موظفي الأمانة

الإثنين، 30 كانون1/ديسمبر 2024

تحلّ منظمة التعاون الإسلامي في المرتبة الثانية كأكبر منظمة دولية حكومية بعد منظمة الأمم المتحدة. إذ ينضوي تحت لوائها 57 دولة في أربع قارات المنبر المعبّر عن قرابة الـ 2 مليار إنسان أي ما يقرب من ربع سكان المعمورة. تعكس المنظمة إذًا حجم الثقل الذي يجب أن تتمتع به، وهو عكس واقعها الحالي.

رغم أن دافعية الإنشاء وسببية التأسيس كان سياسيًّا بامتياز إذ جاء ردًا على جريمة إحراق المسجد الأقصى في القدس المحتلة عام 1969م، حيث كانت فورية الاستجابة ووقتية ردّة الفعل، إذ لم يمض سوى شهرًا على الجريمة الحمقاء بإحراق المسجد الأقصى في 21 أغسطس 1969م، حتى تأسست المنظمة في 25 سبتمبر 1969م، ثم ما لبثت المنظمة أن طوّرت من نفسها بتبني مجالات جديدة منها الاقتصادي والاجتماعي... إلخ.

وفي ظل ما حباه الله لأعضائها من ثروات بشرية وطبيعية ومصالح عليا نجد أن المنظمة وبعد مرور 55 عامًا على نشأتها ليس لها فاعلية دور على المستوى الدولي ولا تأثير ملموس على السياسة الدولية. يقودنا ذلك إلى التساؤل عن أسباب إخفاقها في تبوّء المكانة اللائقة بها دوليًا وما الإجابة على هذا التساؤل سوى طرحًا لآلية إصلاح وإعادة هيكلة المنظمة العتيدة !! سيما وأن الضرورة أضحت أكثر إلحاحًا في ظل عالم يموج بالمتغيرات السياسية والتقلبات الاقتصادية.

بالقراءة المتمعّنة لميثاق المنظمة بتعديلاته نجد أنه يرتكز على تعزيز التضامن والتعاون بين الدول الأعضاء وكأنه يرسم إطارًا نظريًا وفلسفيًا وأدبيًا دون أن يتخطاه إلى دور فاعل وإطار تنفيذي ورؤى تطبيقية.

في جدية مسعى نحو مواكبة تطورات العصر الحديث اعتمدت القمة الإسلامية الحادية عشرة التي عُقدت في دكار، عام 2008م، ميثاقًا جديدًا للمنظمة يمثل "عماد العمل الإسلامي" بما يتماهى ومقتضيات العصر حسب رؤية القمة وقتئذ. 

انتهجت المنظمة خارطة العمل العشري وذلك انبثاقًا عن الدورة الاستثنائية الثالثة لمؤتمر القمة الإسلامي التي عُقدت في مكة المكرمة في ديسمبر 2005م، وأفضت العشرية الأولى لبعض النجاحات ثم عكفت المنظمة على وضع خارطة عمل للعشرية الثانية الممتدة بين عامي 2016 و2025 م، متضمنة 18مجالًا من المجالات ذات الأولوية و107 أهداف، من بين هذه الأهداف والمجالات فلسطين والقدس الشريف، قضايا السلم والأمن، ومكافحة الإرهاب، والاستثمار وتمويل المشاريع، والأمن الغذائي، والعلوم والتكنولوجيا، وتغيّر المناخ، والتنمية المستدامة، والوسطية، والثقافة والتناغم بين الأديان، وتمكين المرأة، والعمل الإسلامي المشترك في المجال الإنساني، وحقوق الإنسان والحكم الرشيد وغيرها.

بيد أن المنظمة ورغم نبل مقاصدها وسمو أهدافها وبعض النجاحات المتحققة على أرض الواقع سيما على الجانب الاقتصادي والتجارة البينية للدول الأعضاء إلا أننا نجدها تدور في فلك الأمنيات، لا تبرح حقل التنظير، مفتقرة لآلية حاكمة لاتخاذ القرار التنفيذي، تعوزها الإرادة والإدارة السياسية الحكيمة.

إذا ما أريد للمنظمة بأن تضطلع وبحق بدور فاعل مؤثر على الساحة الدولية وبأن تكون "الصوت الجماعي للعالم الإسلامي" فيجب أن يُسمع هذا الصوت وأن يكون وبحق معبرًا عن العالم الإسلامي. ولن يتأتى ذلك إلا من خلال إعادة النظر في آلية عمل المنظمة بنظرة شمولية بعمل كشف حساب للمنظمة منذ نشأتها ومراحل تطورها حتى الآن، تقف على الإيجابيات والسلبيات، تعظّم وتعلو من الأولى وتعمل على تلاشي وتفادي الثانية.

إن إيلاء الأهمية لهيكلة منظمة التعاون الإسلامي لهو طلب ملحّ للحفاظ على الهوية الإسلامية والصوالح العليا لأعضاء المنظمة وأن تكون المنظمة وبحق كما أريد لها صوتًا جماعيًّا للعالم الإسلامي. ذلك أن الواقع المعيش حاليًا هو عصر التكتلات، تكتلات اقتصادية، سياسية، عسكرية... إلخ ولن تفلح دولة بمفردها كائنًا ما كان ثقلها السياسي والاقتصادي أن تواجه وأن تصمد في مواجهة التكتلات الدولية. فعلى سبيل المثال نجد تكتّل متكامل الجوانب متّحد الرؤى صلب البنية مثل الاتحاد الأوروبي ونلحظ كيف جنى أعضاؤه ثمرة هذا التكتّل وتلك الوحدة. فما يمنعنا نحن العالم الإسلامي، بما نملك من قوة اقتصادية وثقل سياسي وريادة دبلوماسية وتميّز في شتى مناحي الحياة من تفعيل منظمة التعاون الإسلامي والتنعّم بمردود هذا التفعيل لكافة شعوب الدول الأعضاء؟

مفاتح إعادة الهيكلة مرهونًا بإرادة سياسية جازمة تتبنى الأفكار والرؤى المطروحة والتي تتسق وتتفق والهدف من إنشاء المنظمة. من دون تلك الإرادة السياسية الطموحة لن تتمكن المنظمة من عبور التحديات وتذليل العقبات وسيكون نتيجة لذلك نكوص المنظمة عن لعب أي دور محوري في المجتمع الدولي.

إن التحديات التي تواجه إعادة الهيكلة ليست بالهينة؛ فاستيلاد لاعب دولي محوري جديد على الساحة الدولية يؤرّق التكتلات الحالية وقيادتها من الدول الغربية ويقضّ مضاجعها. ولن تتركه ينمو ويتطور ويضحى منافسًا لها هادمًا لسياساتها لذلك فإن الحديث عن تفعيل دور منظمة التعاون الإسلامي وريادتها لا بد وأن يكون مسبوقًا بإرادة سياسية حازمة جازمة نحو هذا التحوّل الجذري للمنظمة ومتزامنًا معها. ليس هذا فحسب، بل إن التحديات والعراقيل يجب أن تكون حاضرة شاخصة أمام هذه الإرادة السياسية وأن تكون على أهبة الاستعداد للنزال...

من بين الرؤى المطروحة لإعادة هيكلة المنظمة تبني اسمًا معبّرًا عن مستجدات الأمور مترجمًا للنهج الجديد للمنظمة، إذ إن الاسم الحالي ينسحب مضمونه وبحق على التمني والتوصية والدعوات الاختيارية ولا يتعدّى هذا الإطار إلى ما تصبو إليه الفلسفة الجديدة والتي يجب أن تنتمي لقطار المستقبل، مستشرفة لآفاقه، كذلك من الأهمية بمكان تبني ميثاقًا جديدًا يفي بمتطلبات العمل الجماعي الإسلامي، بحيث يتخلى هذا الميثاق عن التنظير ويعتنق آلية التنفيذ ويتبنى أيديولوجية التطبيق. بأن يكون ميثاقًا فاعلًا، يمثل وبحق الدستور، القانون الأسمى والأقدس للمنظمة وثمة أمور يجب أن تطالها الوثيقة المؤسسة للمنظمة؛ فليس من المنطقي أن تعقد القمة ووفق آخر تعديل كل سنتين، إذ كيف يتسنى لشخص من أشخاص القانون الدولي الاضطلاع بمهامه والوقوف على المستجدات واتخاذ القرارات بشأن المستحدثات وصانعو قراره لا يلتقون إلا كل عامين فلا أقل من أن يكون اجتماع القمة سنويًّا إن لم يكن نصف سنوي. إذ إن مصالح الأعضاء لن تنتظر عامين للتباحث والتشاور بشأنها، ومن بين ما يجب النظر فيه هي منظومة الأمانة العامة وعلى رأسها الأمين العام.

أردف ميثاق منظمة التعاون الإسلامي أحكام الأمانة العامة في الفصل الحادي عشر حيث تضمنت المواد من 16 إلى 21 تشكيل الأمانة العامة وآلية اختيار الأمين العام ومهامه وواجباته وكذلك باقي موظفي الأمانة العامة.

ولإصلاح منظومة الأمانة العامة يقتضينا الحال ألا ننسخ آلية موجودة في منظمة دولية أخرى؛ فلكل منظمة أهدافها ودوافعها وبواعثها وسياستها الخاصة وما قد يناسب منظمة ليس بالضرورة أن يأتي مناسبًا لأخرى ولكن باستقراء التجارب وبالنظر لمنظومة الأمانة العامة في عدة منظمات دولية نستطيع أن نستخلص آلية تتفق وذاتية العالم الإسلامي وأولويات منظمته المعبّرة عنه.

للأمين العام خصوصية في جميع المنظمات الدولية وتتنوّع المهام الموكلة إليه من إدارية إلى فنية إلى سياسية، وتغلب عليه في معظم المنظمات المهام الإدارية وقد يكون جامعًا للمهام الثلاث فهو ينال قسطًا من هذا وقسطًا من ذاك كما هو الحال للأمين العام لجامعة الدول العربية وهذا متوقّف على طبيعة عمل المنظمة وأهدافها. وفي الحالة الماثلة نرى أن دور الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي يجب أن يكون مزيجًا بين كل تلك المهام وليس منحصرًا في المهام الإدارية فحسب.

وبالبناء على ما تقدم، يجب أن تكون المهام المسندة إلى الأمين العام على وجه الخصوص: التحدث باسم المنظمة وتمثيلها لدى الجماعة الدولية، توجيه نظر القمة أو الدول الأعضاء في المنظمة إلى مسألة يقدر أهميتها، اقتراح تشريع معين، تقديم تقارير سنوية للقمة عن عمل المنظمة، متابعة تنفيذ قرارات القمة أو مجلس وزراء الخارجية، تحديد تواريخ وأماكن انعقاد جلسات المنظمة، الإشراف على أعمال السكرتارية... إلخ.

في قبوعه على رأس الجهاز التنفيذي الرئيس للمنظمة وفي تسنّمه لأرقى الوظائف في المنظمة وفي اضطلاعه بمهام جدّ هامة يتعين إعادة النظر في آلية اختيار الأمين العام للمنظمة. فبدءًا من الخلفية والخبرة والتخصص حيث يجب أن يكون سياسيًّا، مارس العمل السياسي أو الدبلوماسي وحقق فيه نجاحات كبيرة سواء على المستوى الوطني أو الدولي. إذ من غير المقبول الدفع بشخص أجنبي عن السياسة، تغيب عنه أبجدياتها ولا يملك أدواتها لسدة الأمانة العامة لمنظمة تمثل ربع سكان العالم. كما وأننا لسنا مع فكرة إعادة انتخاب الأمين العام مرة أخرى سيما في ظل أن مدة ولايته هي 5 سنوات، فيجب العمل على ضخّ دماء جديدة وتبنّي أفكار خلّاقة بإتاحة الفرص لشريحة ولربما لأجيال شابة للمساهمة في الارتقاء بمنظمتهم. كما وأن اختيار الأمين العام وفق مبادئ التوزيع الجغرافي قد يفضي إلى انتخاب شخص مفتقر إلى الأدوات اللازمة للاضطلاع بالمهام الموكلة إليه. لذلك نرى أنه من الأوفق التركيز على صفات الأشخاص المرشحة للمنصب، مثل تراكم خبراتهم خاصة الدولية منها، التكوين العلمي، القدرة على الجدّة والابتكار...

بالإضافة إلى أن الأمين العام باعتبار كونه "المسؤول الإداري الأول" للمنظمة يجب أن يكون مستقلًا متسمًا بالنزاهة والحياد وهذه الصفات وغيرها من السمات الموضوعية ليست محل نقاش أو خلاف.

ونقترح آلية لاختيار الأمين العام للمنظمة تقوم على عاملين رئيسيين: الأول موضوعي يتعلق بالخبرات والتكوين العلمي والثاني إجرائي بأن يقدم المرشح لمنصب الأمين العام برنامج لتطوير عمل المنظمة.

يمكن أن تنفذّ هذه الآلية بأن يعلن عن فتح باب الترشّح لمنصب الأمين العام للمنظمة بفترة كافية قبل خلو المنصب، ولتكن تلك الفترة ستة أشهر، على أن يتضمن الإعلان الشرائط الموضوعية الواجب توافرها في المتقدم إضافة إلى خطة وبرنامج لتطوير المنظمة ثم يقوم مجلس وزراء الخارجية أو القمة على حسب الأحوال بانتخاب أحد المرشحين ممن تتوافر فيهم موضوعية الشرائط وقيميّة خطة التطوير. هذه الآلية ستسهم في استمرار ريادة المنظمة، إذ إن كل معنيّ بالمنصب وكل من يرى في نفسه قدرة ومكنة على العطاء سوف يعكف على وضع برنامج تطويري للارتقاء بأداء المنظمة وسوف يجوّده لكي يتفوّق على أقارنه ويتميز عن منافسيه ولكي يحظى بثقة الناخبين. وهذا سيثري البرامج المرشحة وهو ما يعود بالنفع على المنظمة وأدائها.

وفيما يتعلق بموظفي الأمانة العامة وشرائط اختيارهم وهو ما أوردته المادة الـ 18 من الميثاق في فقرتها الثالثة؛ فإننا لا نؤمن في العموم بأن يكون هناك عددًا معيّنًا أو نسبة لجنس ما أو طائفة ما دون مقتضى فهذه شرذمة وفئوية، ولكن يجب أن يكون معيار الاختيار موضوعيًّا لا يبتغي إلا الصوالح العليا للمنظمة. فاشتراط المساواة بين الجنسين نراه شرطًا تعسفيًّا تحكميًّا؛ فقد تتوافر الشروط من النساء فهنا وجب اختيارهن وقد يكون من توافرت فيه الشروط من الرجال فهنا وجب اختيارهم والغالب أن تكون المحصلة النهائية هي مزيج بين الجنسين. نتفهّم دوافع وبواعث فكرة المساواة بين الجنسين وكون المنظمة تخاطب المجتمع الدولي ولتوضيح الصورة الفعلية للإسلام الصحيح لكن لا ينبغي المغالاة في الشكل على حساب المضمون والموضوع. فالغرب الذي نسعى أحيانًا لخطب ودّه لا يُعمل هذه النسبة بل يتبنى الموضوعية وعلينا أيضًا تبني الموضوعية أيًّا كانت نتائجها.

أسلفت الأسطر الفائتة عن حالّة وإلحاحية التغيير وتبنّي التفعيل لمنظمة التعاون الإسلامي لتضاهي وتجابه غيرها من المنظمات والتكتلات الدولية، بأن تستثمر المنظمة ما في يدها من أدوات ومقومات تضعها على صدارة منافسيها.

تقلّد منصب الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي إذًا ينبغي أن يكون ثلاثيّ المهام: سياسي وإداري وفني وهذا الطرح وغيره من الأطروحات مرهون بإرادة سياسية واعية سابقة ومتزامنة وراعية لإعادة هيكلة المنظمة.

مقالات لنفس الكاتب