array(1) { [0]=> object(stdClass)#13671 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 206

استجابة دول الخليج للتحديات الإقليمية والدولية بالتكامل ودعم التماسك واستكشاف الفرص الجديدة

الخميس، 30 كانون2/يناير 2025

تحت شعار "المستقبل خليجي"، عُقدت القمة الخامسة والأربعون لقادة دول مجلس التعاون الخليجي في أواخر عام 2024م، حيث اكتسبت هذه القمة أهمية استراتيجية في ظل التحديات التي تواجه منطقة الخليج العربي والعالم العربي وإقليم الشرق الأوسط بشكل عام. فقد شهدت الساحة الدولية العديد من المتغيرات والأحداث المتسارعة، بدءًا من تولي الحزب الجمهوري الأمريكي للرئاسة وعودة دونالد ترامب، مرورًا باستمرار الحرب الروسية / الأوكرانية، والتنافس بين الصين والولايات المتحدة في المنطقة، بالإضافة إلى النزاعات في غزة ولبنان، وملف إيران، والصراع الفلسطيني/ الإسرائيلي، والوضع في السودان. كل هذه القضايا، إلى جانب ملفات التعاون المطروحة مع القوى الدولية والإقليمية الكبرى، جعلت من انعقاد القمة الخليجية أمرًا ذا أهمية قصوى في هذه المرحلة.

ولا شك أن هناك قدرًا كبيرًا من الاستمرارية من التحديات والمتغيرات الدولية والإقليمية، وستبقى استجابة دول مجلس التعاون الخليجي لتلك التحديات هي سبيل مواجهة دول الخليج العربي لتلك المتغيرات والتحديات، وأن يكـون العام الجديد فتـرة تشـهد تكامـلاً اقتصاديًـا متزايـدًا ضمـن مجلـس التعـاون الخليجـي، وتعزيــز الروابــط الاقتصادية مــن أجــل دعــم تماســك مجلــس التعــاون الخليجــي مــع استكشـاف دول المجلس للمزيـد مـن المشـاريع الاقتصادية المشـتركة وسياسـات اقتصاديـة مفيـدة بشـكل متبـادل، وفـرص جديـدة لتعزيـز الابتكار والتقدم الفني في المنطقة. فالمكانة التي تتمتع بها منطقة الخليج العربية، هي التي ستجعلها لا تتأثر بالمتغيرات الدولية ولن يتراجع دورها في السياسة العالمية إن استطاعت قراءة التاريخ وأحداثه بعناية وعمق شديدين، ودراسة الحاضر وتعقيداته بكل اهتمام ودقة وحضور ذهني. وبما تملك منطقة الخليج العربية من إمكانات بشرية مؤهلة، وموارد طبيعية ومادية ومالية، واستقرار سياسي واجتماعي، وقيادات سياسية طموحة ومتطلعة، فإنها تستطيع المحافظة على مكانتها الدولية وزيادة فعاليتها العالمية.

تظل التنمية القضية الأساسية في دول الخليج، خاصة بعد المصالحة الخليجية التي تم الإعلان عنها في قمة العلا بالمملكة العربية السعودية، والتي استمرت تأثيراتها في أعمال قمة الكويت 2024م، فالتنمية تُعتبر قضية محورية لجميع المجتمعات، ولكن التركيز عليها من منظور اقتصادي فقط، وإغفال الجوانب الأخرى، قد يؤدي إلى آثار سلبية متعددة نتيجة إهمال الجوانب السياسية والأمنية والعسكرية والتكنولوجية والثقافية. 

تلعب الإرادة السياسية في دول الخليج العربي دورًا حيويًا في توفير البيئة الملائمة للتنمية المتكاملة والمستدامة، وهو ما تجلى بوضوح في قمة الكويت لدول مجلس التعاون الخليجي. تتميز منطقة الخليج بموقعها الجيواستراتيجي الفريد، حيث تقع في قلب العالم القديم، ومع اكتشاف النفط فيها أصبحت واحدة من أكبر المناطق البترولية على مستوى العالم، مما يمنحها أهمية اقتصادية كبيرة، إذ تُعتبر سوقًا رئيسية لأوروبا والدول الكبرى، وتستقطب أنظار العالم.

أكد المجلس الأعلى لمجلس التعاون الخليجي في قمة "الكويت" حرصه على قوة وتماسك مجلس التعاون، ووحدة الصف بين أعضائه، مؤكداً على وقوف دوله صفاً واحداً في مواجهة أي تهديد تتعرض له أي من دول المجلس. مما يهدف إلى تعزيز وحدة الصف والتماسك بين دول مجلس التعاون وعودة العمل الخليجي المشترك إلى مساره الطبيعي، والحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة. كذلك تعزيز وتفعيل العمل الخليجي المشترك، مما سيتطلب مضاعفة الجهود لاستكمال ما تبقى من خطوات تنموية خليجية، وفق جدول زمني محدد، بما في ذلك استكمال مقومات الوحدة الاقتصادية في إطار مجلس التعاون، والمنظومتين الدفاعية والأمنية المشتركة، وبلورة سياسة خارجية موحدة وفاعلة للمجلس تحفظ مصالحه ومكتسباته وتُجنّبه الصراعات الإقليمية والدولية، وتلبي تطلعات مواطنيه وطموحاتهم.

دوافع استمرارية التعاون الخليجي السياسي والأمني من أجل التنمية

إن البُعد الأمني لتماسك مجلس التعاون الخليجي يربُط الأمن. فثمّة بعض المخاوف الأمنية التي تزيد من وحدة مجلس التعاون الخليجي، ويتوقّف واقع ارتباط الأثر الواضح للأمن بتماسك مجلس التعاون الخليجي على حدّة بيئة التهديد. ويتمثّل النمط العام بأنّ الأزمات الأمنية التي ترتفع إلى مستوى تهديد بقاء النظام تدفع مجلس التعاون الخليجي من أجل التغلّب على إرث النزاعات التاريخية، والتنمية العسكرية غير المتكافئة.

أخذ الشأن الأمني والدفاعي اهتمامًا واسعًا لدى مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وشكًل نقطة التقاء دائمة بين أعضائه نظرًا لأهمية هذا الجانب، فمنذ البيان الأول لقادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية تم التأكيد على ضرورة تعزيز التعاون في المجال الأمني بين دول المجلس، وبعد قمة الكويت وفي ظل التحديات العالمية الراهنة، فإن أمن منطقة الخليج واستقرارها إنما هو مسؤولية شعوبها ودولها، وأن المجلس إنما يعبر عن إرادة هذه الدول وحقها في الدفاع عن أمنها وصيانة استقلالها وإبعاد المنطقة بأكملها عن الصراعات الدولية، لما فيه مصلحتها ومصلحة العالم. ولا مفر من التعاون الدفاعي والتعاون الأمني من أجل تحقيق أهداف المجلس في تأمين صلابة الخليج وقوته، ومن أجل جعل القرار السياسي قرارًا خليجيًا عربيًا لا يتأثر بوجود ضغط من أي جهة، وإنما يستوحي مصلحة دول مجلس التعاون والمصلحة العربية فحسب. 

وإدراكًا من دول المجلس لطبيعة التحديات التي تواجه مجلس التعاون، فهي تتعامل مع تلك التحديات بصورة شاملة، وتعتبرها فرصًا للمزيد من التعاون والترابط في سبيل حماية أمن دول المجلس التي تواصل تعاونها العسكري مع بعضها البعض، وتسعى إلى زيادة التنسيق المشترك في المجال الدفاعي والأمني من أجل حماية استقرار المنطقة ومحاربة الإرهاب بكافة أشكاله وتنظيماته والقوى الداعمة له.

الخطوات الخليجية التي تتسارع في الآونة الأخيرة وتدفع نحو تكوين اتحاد عسكري واقتصادي، فضلاً عن مطالبات لتوحيد العملة بين دول مجلس التعاون الخليجي، وفتح الحدود، وتبادل التجارة، وإلغاء الجمارك بينهم، ومنح المواطن الخليجي ميزة الانتقال والإقامة والاستثمار والعمل وكأنه في داخل دولته، وهو ما تطور للمطالبة بإنشاء اتحاد كونفدرالي بين الدول الأعضاء.

  وفي حال نجاح الدول الأعضاء في الوصول إلى تكتل عسكري موحد، فإن ثمة ميزات تصب في مصلحة الدول مجتمعة؛ أهمها مواجهة الأطماع الخارجية، وتعزيز مكانة دول التعاون إقليمياً وعالمياً، فضلاً عن الحد من الأخطار الداخلية، وهو ما يدفع نحو تعزيز الاستقرار، ويخلق كذلك كياناً سياسياً واقتصادياً يتناسب مع متطلبات وإمكانيات المنطقة، والتغلب على مشكلة العمالة الوافدة التي باتت تشكل تهديداً ديموغرافياً حقيقيًا.

وقد تعاملت القمة مع عدة ملفات رئيسية، في مقدَّمتها تعزيز قوّة المجلس الخليجي الذي يعتبر بمثابة أساس الاستقرار في المنطقة، وهذا ما ثبت في قمة العلا والتي استضافتها المملكة العربية السعودية والدعم الدولي الذي تم تجاه القضية الفلسطينية وبذل كلّ الجهود الممكنة لوقف العدوان على فلسطين ولبنان.

وحيث أن منطقة الخليج العربي تعد بحكم أهميتها في السياسة الدولية من المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية، وتحتل مكانة بارزة في الدراسات الاستراتيجية خلال الحقب السابقة والحالية. لذا وجب الإشارة إلى بعض القضايا والتي تتنوع ما بين تحديات ومتغيرات عالمية وإقليمية، تٌقبل عليها منطقة الخليج العربي بحلول العام الجديد 2025م، حيث جاء البيان الختامي للقمة ليلقي الضوء على تلك الملفات والتي تعكس رؤية تنموية جادة ومستقبلية لمسألة التعاون الجماعي الخليجي على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتلخصت فيما يلي:

الأمن الخليجي:

مجلس التعاون الخليجي، تلك التجربة الخليجية، وإن سلمنا بحوافزها التاريخية، فإنها طوّرت من خلال دينامياتها صرح إقليمي على قاعدة المصالح وتفعيل ما هو مشترك. ولكن مسألة الأمن الجماعي فيما بين الدول الأعضاء بالمجلس قد تشكّل ضرورة قصوى لدى الدول الأعضاء بدلاً من تعاطيها بشكل فردي وذلك لمواجهة تنامي المخاطر الدولية والإقليمية.  وبذلك، سار التعاون في المجال الأمني بين دول مجلس التعاون في اتجاهين رئيسيين الأول توقيع عدد من الاتفاقيات في مجال الأمن الداخلي، والثاني هو التعاون الدفاعي والعسكري بين دول مجلس التعاون واتخاذ عددًا من الخطوات من أجل تنسيق السياسة الدفاعية وبناء قوة عسكرية خليجية، وفي هذا السياق أحرز التعاون في المجال الأمني الداخلي بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية قد أحرز عدة خطوات إيجابية تمثلت بعقد مجموعة من الاتفاقات الأمنية.  لذا فهناك حاجة ملحة وماسة لتعميق وتطوير التعاون العسكري والأمني فيما بين الدول الأعضاء من خلال تعميق بنية التعاون. 

وتشكل دول مجلس التعاون جزءًا لا يتجزأ من العالم العربي، وكذلك فإن أمن مجلس التعاون لدول الخليج العربية جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي. صحيح أن العمل العربي المشترك قد شهد تراجعًا خلال السنوات الماضية بفعل عوامل محلية وإقليمية ودولية، إلا أن ذلك لا يمنع الباحث من النظر إلى الأمة العربية كأمة واحدة ذات مصير واحد. ويعدّ أمن منطقة الخليج الملفّ الأوّل والأكثر أهمّية وحساسية في صلب المناقشات، خاصة فيما يتعلّق بضمان أمن الملاحة في مضيق هرمز الذي يعدّ شرياناً رئيساً لإمدادات النفط، وأيضاً في البحر الأحمر الذي بات أشبه بمنطقة عسكرية نتيجة الهجمات الحوثية المتواصلة على السفن. فالعلاقات مع إيران تمرّ بمرحلة جس النبض على الرغم من المؤشّرات الإيجابية المتعدّدة. تنتظر دول مجلس التعاون الخليجي من إيران تغييرات جوهرية في العديد من الملفّات، مثل ملف الغاز، ووقف التدخّلات الإيرانية في شؤون دول مجلس التعاون الخليجي، والتوقف عن دعم أية ميليشيات في المنطقة.

والفيصل هنا، سيكون السلوك الإيراني في لبنان وسوريا واليمن والعراق والتخلّي عن دعم الميليشيات المسلحة غير النظامية، ووقف تطلعات الهيمنة، والتخلي عن مخططات التمدد الإقليمي.

التعاون الاقتصادي

في ظلّ حالة عدم الاستقرار الاقتصادي، برز ملف التعاون الاقتصادي، سواء على المستوى الجماعي أو الثنائي، خاصة مع التوقعات بانخفاض أسعار النفط في الفترة المقبلة، تزامنًا مع تولي الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، منصبه. لذلك، تسعى دول مجلس التعاون الخليجي إلى استغلال الفرص الاقتصادية المتاحة من خلال تعزيز التجارة البينية، وإزالة العوائق أمام حرية حركة رأس المال، وتطوير المشاريع المشتركة في مجالات الطاقة المتجددة، والسياحة، والصناعة، وغيرها من القطاعات الحيوية.

مسألة التّكامل الخليجي

يُعتبر التكامل بين دول مجلس التعاون هدفًا استراتيجيًا طويل الأمد، ومن المتوقع أن يحظى بأهمية كبيرة بعد البيان الختامي لقمة الكويت، الذي يهدف إلى التنسيق بين الرؤى التنموية الاستراتيجية لدول المجلس (مثل رؤية كويت جديدة 2035، ورؤية السعودية 2030، ورؤية قطر 2030، ورؤية البحرين الاقتصادية 2030، ورؤية نحن الإمارات 2031، ورؤية عُمان 2040). ويعكس تماسك مجلس التعاون الخليجي قدرة الدول الأعضاء الستة على العمل معًا وبالتوازي لتعزيز الاستقرار الإقليمي، وحماية التدفق الحر للطاقة، ومواجهة التهديدات الناشئة في المنطقة. ومن المحتمل أن تظل العديد من العوامل التي تربط دول مجلس التعاون الخليجي قائمة منذ تأسيسه. بالإضافة إلى ذلك، تسهم رؤى التحديث في جيل القيادة في إحياء مجالات جديدة من التعاون. لذا، فإن الإرادة السياسية في دول الخليج العربي تلعب دورًا حيويًا في خلق بيئات ملائمة للتنمية المتكاملة وضمان استمراريتها.

الأزمات الإقليميّة

بالانتقال إلى الأزمات والحروب في المنطقة، أعلن القادة لدول مجلس التعاون الخليجي ضرورة وقف الجرائم في غزة، ومطالبة المجلس الأعلى بوقف جرائم القتل والعقاب الجماعي في غزة، وتهجير السكان، وتدمير المنشآت المدنية والبنية التحتية، بما فيها المنشآت الصحية والمدارس ودور العبادة، في مخالفة صريحة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني. والتدخل لحماية المدنيين ووقف الحرب ورعاية مفاوضات جادة للتوصل إلى حلول مستدامة، مؤكداً مواقفه الثابتة تجاه القضية الفلسطينية، وإنهاء الاحتلال، ودعمه لسيادة الشعب الفلسطيني على جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ يونيو 1967م، وتأسيس الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وضمان حقوق اللاجئين، وفق مبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية. بالإضافة إلى إدانة قادة دول مجلس التعاون استمرار العدوان الإسرائيلي على لبنان والتحذير من مغبة استمراره وتوسع رقعة الصراع، مما يؤدي إلى عواقب وخيمة على شعوب المنطقة وعلى الأمن والسلم الدوليين. فاتفاق وقف إطلاق النار المؤقت في لبنان، سيكون خطوة نحو وقف الحرب وانسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية، وتطبيق قرار مجلس الأمن 1701 وعودة النازحين والمهجرين إلى ديارهم. سبل تعزيز الضغوط على إسرائيل لوقف حرب الإبادة في غزة ولبنان، لا سيما في ظلّ العلاقات الوطيدة التي تربط ترامب بالعديد من القادة الخليجيين. ويدرك الجميع أنّ دول الخليج هي الرافعة لإعادة الإعمار بعد أن تضع الحروب أوزارها، لكن هذه المرة تبدو مختلفة تماماً عن سابقاتها.

وهنا فتحديد دول الخليج لعدد من المتطلّبات الإلزامية في غزة ولبنان للمشاركة في إعادة الإعمار، أبرزها وضع مسار واضح لحلّ الدولتين في فلسطين بما ينهي دوريّة الحروب والدمار، وإعادة الاعتبار للدولة واتّفاق الطائف في لبنان بما يعنيه ذلك من إنهاء الحالة الشاذّة للسلاح غير الشرعي والابتعاد تمامًا عن المحور الإيراني من أجل الانخراط في المحور العربي، مع الالتزام التامّ بالقرارات الدولية لضمان استدامة الاستقرار.

الشراكات الاستراتيجية مع الدول الكبرى:

عُقدت القمة في إطار دبلوماسي نشط لدول مجلس التعاون الخليجي، حيث قامت هذه الدول بتعزيز شراكاتها الدولية خلال الأشهر الأخيرة من خلال تنظيم عدة قمم. ومن أبرز هذه الشراكات والملفات، تعزيز التعاون مع الاتحاد الأوروبي في مجالات الاقتصاد والأمن الدولي، بالإضافة إلى بناء تحالفات اقتصادية واستراتيجية تخدم المصالح المشتركة. كما تم التعاون مع الولايات المتحدة وبريطانيا في إطار جهود موسعة لتعزيز الأمن والاستقرار في منطقة الخليج، مما يعزز من دور دول المجلس كعنصر فاعل في صياغة السياسات العالمية. ويُعتبر الاستفادة من تقاطع المصالح مع إدارة ترامب المقبلة، التي تشترك في الرغبة بإرساء الاستقرار في الشرق الأوسط وإنهاء النزاعات، فرصة لبناء تفاهمات مستقبلية دون رهانات كبيرة. كما تستمر العلاقات الوثيقة مع الصين وروسيا، التي شهدت تطورات ملحوظة في السنوات الأخيرة.

التَغيُّر المناخي في منطقة الخليج العربي:

خلق تغيّر المناخ تحدّيات فريدة من نوعها لدول الخليج العربية تتراوح بين ارتفاع درجات الحرارة وتزايد فترات الجفاف وارتفاع مستوى سطح البحر والظروف الجوية القاسية، إلى التداعيات على الثروة الهيدروكربونية في المنطقة. واستجابة لذلك، اتّخذت حكومات منطقة الخليج خطوات كبيرة في بناء القدرات المؤسّسية، ووضع أهداف واستراتيجيات للتصدّي لتغيّر المناخ من حيث إجراءات التكيّف مع هذه الظاهرة والتخفيف من آثارها. وتشمل هذه مجالات كفاءة الطاقة، والطاقة المُتجدّدة، والهيدروجين وكذلك الالتزام بتحقيق هدف الوصول إلى صافي صفري من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحلول منتصف القرن الحالي.

     وبحلول عام 2025م، فيمكن القول إنه قد حان الوقت لدول الخليج العربية لترجمة هذه الطموحات إلى أفعال، من خلال وضع السياسات واللوائح الصحيحة للتخفيف من آثار تغير المناخ. ونظراً لأن تغيّر المناخ يؤثّر في قطاعات مُتعدّدة، فلا ينبغي أن تقتصر مسؤولية مُعالجة تغيّر المناخ على كيان واحد مثل وزارة البيئة، بل يجب أن تكون هذه المسؤولية مُشتركة بين عدة قطاعات بحيث يُشارك فيها فاعلون من القطاع المالي والقطاع الخاص وقطاع الأعمال وكذلك المجتمع المدني. لقد حان الوقت لدول الخليج لأن تُدمج أهدافها وطموحاتها المناخية في خطط التنمية الاقتصادية الأوسع نطاقاً، بحيث تكون مُتطلبات التخفيف من آثار تغيّر المناخ والتكيّف معها جزءاً لا يتجزأ من الميزانية والإنفاق السنوي للدولة. ويجب أن يكون بناء القدرات البشرية لتخطيط وتنفيذ السياسات واللوائح المناخية في عدة قطاعات. وبمعنى آخر، يجب أن يكون العمل المناخي جُهداً جماعياً يُشارك فيه جميع الفاعلين وصنّاع السياسات المعنيين.

التحديات الرقمية والمستقبل الخليجي:

مع تزايد الاعتماد على التكنولوجيا والابتكار في مختلف المجالات، تناولت القمة سبل تعزيز التعاون الخليجي في مجالات الذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، والاقتصاد الرقمي. يأتي ذلك في وقت تسعى فيه الدول الخليجية إلى تسريع التحول الرقمي وتعزيز البنية التحتية التكنولوجية، بالإضافة إلى تبادل المعرفة والخبرات وبناء شراكات عالمية.

التحدي الذي يواجه القمة، التي عُقدت تحت شعار "المستقبل خليجي"، هو تحقيق مسيرة مجلس التعاون الخليجي من خلال الاتفاق على مواجهة الأزمات والتحديات، واستغلال القوة الاقتصادية والاستثمارية للدول الخليجية عبر تبني مشاريع كبيرة ذات عوائد مالية وغذائية. الهدف هو تحويل المنظومة الخليجية إلى قوة اقتصادية فاعلة ومؤثرة على الصعيدين الداخلي والخارجي. وهو ما يتطلب ضرورة تعزيز التعاون بين دول المجلس لتطوير استراتيجيات رقمية مشتركة تسهم في تحقيق التكامل الرقمي بين اقتصاداتها. ويجب أن تشمل هذه الاستراتيجيات تسهيل التجارة الإلكترونية، وتطوير أنظمة الدفع الرقمية، ودعم الأمن السيبراني، وتسريع العمل على إنشاء أسواق رقمية موحدة تعزز التكامل الاقتصادي الإقليمي وتساهم في تعزيز التنافسية بين دول المجلس على المستوى العالمي. كما يجب العمل على تحقيق التنويع الاقتصادي.

خلاصة القول، إن دول مجلس التعاون الخليجي أمام منعطف حاد وتحديات عالمية وإقليمية متغيرة ومعقدة، والسبيل لمواجهتها والتعامل معها الاتجاه الذي نجحت به خلال العام المنصرم نحو سياسة الاتزان والاعتدال فيما يخص الأزمات وقضايا الصراع في المنطقة على قاعدة حماية الأمن القومي العربي. ولذلك فإن على دول مجلس التعاون الخليجي الاضطلاع بدورها القيادي والريادي وبمشاركة الدول العربية الفاعلة من أجل مواجهة الأطماع والنفوذ ورفض الإملاءات سواء فيما يتعلق بأزمة قطاع غزة أو لبنان أو فيما يتعلق ببدء حوار جدي مع إيران لحل الإشكاليات، وذلك تمهيداً لتحديد ملامح مستقبل منطقة الخليج العربي لعام 2025م. فالخليج على أعتاب مرحلة جديدة من العمل الخليجي المشترك في مجال التخطيط والتنمية، نحو تحقيق التكامل الخليجي الإنمائي في ضوء ما صدر من قرارات عن الكويت 2024م، انطلاقًا من مضامين هذه القرارات التي صيغت فيها رؤية محددة للعمل في المرحلة المقبلة في هذا المجال. ويبقى الجانب الأهم وهو تحديد سبل تفعيل هذه الرؤية ووضع الإطار الزمني الملائم لها، وجميع التصورات الدقيقة للخطوات والإجراءات التي يجب إنجازها في المرحلة المقبلة للتخطيط والتنمية. حيث يتمحور العمل في هذه المرحلة حول جوانب مهمة في العمل التنموي الخليجي المشترك، ومنها وضع استراتيجية خليجية للتنمية السياسية والأمنية والعسكرية، فضلاً عن الاقتصادية والبشرية وتعزيز التعاون في مجال المشاريع التنموية الكبرى المشتركة، وضمان مراتب عليا لدول مجلس التعاون الخليجي في المؤشرات التنموية الدولية.

مقالات لنفس الكاتب