الهدف من التحرك السياسي على كل المستويات المحلي الفلسطيني والإقليمي العربي والدولي وعلى كل الصُعد كان لوقف العدوان الإسرائيلي ووقف الإبادة الجماعية التي استمرت ٤٧١ يومًا، وقصف الطيران الحربي الذي لم يتوقف عن إنزال الحمم والبراكين على رؤوس الناس في قطاع غزة. غزة هاشم المكلومة أضناها الحصار والقصف وكذلك قذائف الدبابات والمدافع وكل أنواع الأسلحة بما فيها البحرية وكم القنابل بأنواعها المختلفة التي أسقطت على هذا الجزء صغير المساحة من الأرض وعلى سكانه.
وكم بذُلت من الجهود المُضنية لوقف العدوان وتحديداً مصر وقطر وكذلك الدور المميز المحوري للمملكة العربية السعودية على الصعيد الإقليمي والدولي بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ـ حفظه الله ـ والقائد الجسور صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي عهد المملكة ورئيس مجلس الوزراء ـ حفظه الله ـ ، وكذلك جهود الدول العربية في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، رغم إشهار الفيتو الأمريكي الذي كان يقف عقبة كؤود لإدانة ووقف العدوان، إضافة إلى المساندة الكاملة والسافرة من الإدارة الأمريكية لدولة الاحتلال ولولا هذا الاُكسجين الذي تزود به الإدارة الأمريكية الاحتلال لكانت المعادلة مختلفة. وأيضًا ما كان لنتنياهو أن يقدم على خطوات أُخرى مماثلة كالعدوان على لبنان ومن ثم سوريا واحتلال مناطق من الأراضي السورية لولا دعم الإدارة الأمريكية، هذا الدعم الأمريكي جاء ليزيد من بقاء نتنياهو في الحكم ويبعد شبح المحكمة والسجن للفساد المتهم به.
لقد دفع الشعب الفلسطيني الثمن غالياً وغالياً جداً، وما شاهده العالم من أفراح بوقف إطلاق النار في غزة من جميع مكونات الشعب الفلسطيني سواء في غزة هاشم أو الضفة الغربية والقدس والشتات هو تعبير عن فرح لوقف العدوان ووقف الإبادة الجماعية، والجميع يقول كفى قتل وكفى إبادة وكفى سحق للبشر بعد استشهاد حوالي ١٧،٠٠٠ ألف طفل وعدد الشهداء ١٥٠٠٠ مفقود ومن الأمهات والآباء والأخوة والشباب، وما نخشاه ويخشاه الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات هو عودة الحرب ومحاولات الحكومة الإسرائيلية اليمينة المتطرفة
إفشال الاتفاق والعودة للعدوان أو العرقلة في التنفيذ فهكذا يقول تاريخهم الملوث بدماء الشعب الفلسطيني.
والشعب الفلسطيني يشيد بالمواقف العربية الثابتة في دعم الحقوق الفلسطينية، ونذكر منها مواقف المملكة العربية السعودية بقيادة الملك عبد الله بن عبد العزيز ـ طيب الله ثراه ـ عندما طرح المبادرة العربية للسلام، هذه المبادرة التي حازت على الإجماع العربي والدولي والمؤسسات الدولية وسميت مبادرة السلام العربية وتمت المصادقة عليها من كافة المؤسسات الدولية وتضمنت حل الدولتين (دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية والدولة الإسرائيلية) ولكن لم تجد من الجانب الإسرائيلي سوى المراوغة والرفض وتكرار العدوان والقتل والنسف والتدمير وإقامة جدران الفصل العنصري واقتطاع المزيد من الأراضي الفلسطينية لإقامة المزيد من المستوطنات أو المستعمرات، واستمرار مسلسل الاعتقالات والحواجز العسكرية في الضفة الغربية المحتلة والاعتداء على المخيمات والمدن بالطيران الحربي الإسرائيلي،
وتحت هذه الممارسات الفاشية لسان حال دولة الاحتلال يقول لا وجود للشعب الفلسطيني بل مطلوب تهجيره سواء قصراً او طوعاً أو القتل بنيران الطائرات والصواريخ والمدفعية.
ما بعد وقف الحرب على غزة
بعد انتهاء الحرب الضروس على قطاع غزة وبعد انسحاب دولة الاحتلال يجب التفكير والتخطيط لمستقبل قطاع غزة وأن يكون التفكير فلسطيني وعربي ودولي، وأن يتركز هذا التخطيط حول أن تكون صاحبة الولاية الشرعية الفلسطينية هي منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، والسلطة الوطنية الفلسطينية التي هي جزء من الشرعية الفلسطينية لتقوم بدورها القانوني والسياسي والإداري والأمني للتخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني، ثم عودة النازحين إلى بيوتهم إن وجدت بيوت أو حتى لو كانت رُكامًا على أن يبدأ الإعمار سريعًا بجدول زمني وتحت رعاية عربية ودولية بالاتفاق مع السلطة الوطنية الفلسطينية.
على أن يواكب ذلك وعلى وجه السرعة ترميم ما خلفته الحرب ، خاصة وأن نتائج العدوان الإسرائيلي كارثية حيث كانت (حرب الإبادة) على مدار ٤٧١ يوماً، حرب كانت هي الأطول في تاريخ الشعوب والحروب وراح ضحيته أكثر من ٥٠٠٠٠ شهيد و١٠٩ آلاف جريح ومنهم من هو في موت سريري ١٧،٠٠٠ طفل شهيد وما يزيد عن ١٠٠٠٠٠ مفقود سواء تحت الركام أو تناثرت الأشلاء وتحولت إلى فُتات. وتدمير أكثر من ٢٠٠،٠٠٠ وحدة سكنية وخروج ١٨ مستشفى و٨٠ مركزاً صحياً من الخدمة، ونزوح أكثر من مليوني شخص وفي ظل انقطاع الماء والكهرباء والغذاء والدواء وتوقف التعليم في الجامعات والمدارس حيث لا حياة.
وعلى ضوء هذا الدمار كانت الاحتفالات في شوارع غزة هاشم بانتهاء الحرب هي احتفالات لتنفس الهواء النقي ووقف انهمار كل أشكال القنابل والعذاب والمصائب والحمم والبراكين التي يصبها الطيران الحربي الإسرائيلي، بمساعدة المرتزقة والمسرحين والاحتياط من الجيوش
الغربية الذين التحقوا بالجيش الإسرائيلي، وكذلك مرتزقة الشركات الأمنية وكل من يريد أن يصبح غنياً براتب أكثر إغراء عليهم أن يلتحقوا بهذا الجيش القاتل.
في المرحلة الحالية، الشعب العربي الفلسطيني يتطلع نحو السلام والاستقرار والازدهار والتنمية ويتوق إلى ذلك بعد المعاناة والقهر وظلم هذا المجتمع الدولي الذي يدعي الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهذا الشعب الذي تعاطف معه الكثير في محنته ومن بين هؤلاء الطيار الأمريكي الذي سكب البنزين على نفسه وأشعل النار احتجاجاً على سياسة رئيسه والإدارة الأمريكية المتضامنة والداعمة لإسرائيل ضد الشعب الفلسطيني الأعزل.
والآن الشعب الفلسطيني يتمسك أكثر من أي وقت مضى بقيادته الشرعية والسلطة الفلسطينية وبمبادرة السلام وكل قرارات الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة والجمعية العامة التي تقضي جميعها بالاعتراف بدولة فلسطين، وحصول دولة فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة لتكون هذه استراتيجية القيادة الفلسطينية ورؤية الفلسطينيين للسلام رؤية استراتيجية ثابتة، ويستمر العمل مع كافة الأطراف العربية والدولية نحو تلك الرؤية.
في المرحلة القادمة يجب على المجتمع الدولي الاستفادة من تجربة حرب الإبادة على قطاع غزة، وعلى العالم أن يعي أن الحرب لن تحل القضية الفلسطينية، وأن الشعب الفلسطيني صاحب قضية عادلة وأنه يدافع عن أرضه ولن يغادرها ولذلك يجب أن يكون الحل برجماتيًا بإقامة حل الدولتين وهذا الحل يضمن إنهاء مشكلة الشعب الفلسطيني وبقاء جميع مكونات المنطقة جنبًا إلى جنب.
ونعتقد أنه جاء الوقت الذي يقتنع فيه العالم أنه كفى دولة الاحتلال من روايات الوهم والسراب أي محاولات القضاء على الشعب الفلسطيني بالقتل والدمار أو بالتهجير القسري والطوعي والتوطن والتوطين والوطن البديل والدمج ووعود الازدهار إذ لا يعوض الوطن إلاّ الوطن. لا زالت عوامل الصراع والمواجهة قائمة ومهما امتلكت دولة الاحتلال من مظاهر القوة والتوحش والإجرام لن تثني الشعب الفلسطيني وأمته العربية والإسلامية وكل صاحب ضمير حي أن يعيش على أرض وطنه بحرية وكرامة. الجرح الفلسطيني يغمر الأرض بأنينه الحاد والدامي، لكنه اقترب من الفجر ومن الأمل في الحياة، بفضل صموده ومساعدة الأشقاء العرب المخلصين، فما قامت به المملكة العربية السعودية منذ بداية العدوان على غزة والضفة الغربية والقدس ما هو إلا استمرار لمواقف المملكة منذ عهد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود والملوك البررة من بعده إلى هذا العهد الزاهر ، عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ـ حفظه الله ـ وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء ـ حفظه الله ـ في هذا العهد تجد القضية الفلسطينية كل الدعم من المملكة العربية السعودية على كل الصُعد الإقليمية والدولية وكذلك في المؤتمرات والمحافل العربية والإسلامية والأوروبية.
والموقف السعودي الصلب في مواجهة العدوان الإسرائيلي الغاشم كان يحول دائمًا دون نجاح خطة دولة الاحتلال للقضاء على القضية الفلسطينية وتصفيتها منهم لوأد فكرة الدولة الفلسطينية والسيطرة على النفط والغاز قبالة شواطئ غزة، وفي مقابل ذلك لا سبيل سوى عودة الشرعية الفلسطينية صاحبة الولاية على قطاع غزة والضفة الغربية والقدس ومع سلاح واحد بيد الشرعية.
والشعب الفلسطيني يرفض رفضًا قاطعًا ما تروج له إسرائيل بالتخلص من هذا الشعب بنقل عدد لا بأس به من سكان غزة إلى إندونيسيا حتى تنتهي عملية الإعمار ومن ثم إعادتهم إلى بيوتهم، وهذا ما سبق وقالوه لنا في العام ٤٨/٤٩ ومضي ٧٦ عاماً في المنافي ولم يرجع أحد ، فإن التجربة تقول من يخرج لن يعود، وإلا لماذا لم يعود مهاجري 1948م، إلى يافا وعكا وحيفا حتى الآن، وما يثبت عدم مصداقية دولة الاحتلال هو ما تقوم به
والآن بعد وقف إطلاق النار في غزة من اقتحام ومحاصرة مخيم جنين توطئة ومحاولات لضم الضفة الغربية ومزيدًا من الاستيطان وتهويد القدس، يا ترى ماذا تخبئ لنا الأيام من مخططات قادمة من هؤلاء الذين لا يريدون السلام ولا استقرار المنطقة وتقدمها ، خدمة لمخططاتهم أو يريدون المنطقة على مقاسهم.