array(1) { [0]=> object(stdClass)#13901 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 206

تواصل السعودية دورها كركيزة دعم محورية لاستقرار أسواق الطاقة عام 2025 بناء على المعطيات القائمة

الخميس، 30 كانون2/يناير 2025

تلعب قضية أمن الطاقة دورًا محوريًا في فهم وتحديد السياسة الخارجية لكل من الدول المصٌدرة والمستوردة، وأيضًا الدول العابرة (دول الترانزيت) خلال الآونة الأخيرة، حيث أن توافر مصادر الطاقة يعد أحد أهم مقومات تحقيق معدلات النمو الاقتصادي، إضافة إلى كونها محرك أساسي يعكس وضعية الدول في النسق العالمي، فقد تصاعدت العلاقة بين حالة الصراع الدولي والتنافس على الموارد كما ارتبطت سياسات الهيمنة السياسية وفرض النفوذ بأمن الطاقة بشكل أكثر وضوحًا، إذ أضحى ما تملكه الدول من مصادر للطاقة محدداً رئيسياً لسياسات بعض الدول الخارجية ومدى نشاطها من عدمه، ومن ثم مسارات التحرك أمام صانع قرار السياسة الخارجية؛ وهو ما دفع عدة دول إلى بذل محاولات مستمرة للسيطرة على مناطق إنتاج المواد الخام بأساليب متنوعة.

وبشكل عام، عهدت الأدبيات إلى إحداث الربط بين توافر مصادر الطاقة والتأثير على السياسة الخارجية سواء للدول المصدرة أو المستوردة، وأيضًا الدول العابرة (الترانزيت)، وهنا تتمثل الإشكالية الرئيسية دومًا في كيفية صياغة هذا التأثير وحجمه؛ حيث تشير خريطة توزيع مصادر الطاقة عالمياً إلى تركز النسبة الأكبر من مصادر الطاقة في عدد محدود من الدول، ولا يكفي الإنتاج المحلي الاستهلاك في العدد الأكبر من دول العالم، وبالتالي لم يعد موضوع أمن الطاقة وموثوقية الإمدادات قضية هامشية، بل هي بالأساس قضية جوهرية، وترتقي لتصبح قضية وجودية.

بيد أنه قد أوضحت التقديرات المعاصرة أن مفهوم أمن الطاقة لا ينحصر في وفرة الإمدادات فقط، وإنما يرتبط أيضًا بتوافر مجموعة من المقومات والعناصر لدى الدول المصدرة، والتي يتمثل أبرزها في مفهوم أمن الطلب وأيضًا صياغة سياسات تستهدف زيادة عائدات الطاقة، واختيار طرق التجارة الآمنة في تجارة النفط والغاز، وضمان أمن العبور ومناطق الاحتياطي في المنطقة، وتنويع الأسواق المستهدفة، وضمان كفاءة عمليات إنتاج الطاقة وتوفيرها، إلى جانب ذلك قدرة نظام الطاقة بالدولة على الصمود وامتصاص الصدمات الخارجية، وبالتالي يمكن قياس أمن الطاقة عند توافر تلك المقومات والعناصر.

    وبالتالي، تثير هذه المستجدات العديد من التساؤلات والشواغل: أبرزها، كيف يمكن للدول المصدرة تلبية الاحتياجات على المدى الطويل بتأمين الإمدادات؟  بأسعار معقولة بما يحقق مصالحهم بشكل رئيس على المدى القصير؟ كيف يمكن للأسواق أن تستجيب للانقطاع الطارئ للإمدادات في الدول المصدرة؟، فهل ستتمكن أسواق الطاقة من استيعاب كافة تكاليف الأمن؟ بما في ذلك المخاطر السياسية؟ كيف وظفت المملكة ملف الطاقة في السياسة الخارجية السعودية؟

لذا، ينطلق هذا المقال من فحص مؤشرات وعناصر أمن الطاقة لدى المملكة العربية السعودية، وبيان مدي محورية تلك العناصر كمحدد لاتجاهات السياسة الخارجية لها، كنموذج للدول التي تسعي إلى استخدام الطاقة سواء في إطار سياسة دفاعية أو هجومية، وذلك كأداة لتحديد وضعها على المستوى الدولي، وتعزيز مكانتها التفاوضية، وخلق إمكانيات لتعزيز النفوذ بما يسهم في تحقيق أهدافها في مجال السياسة الخارجية.

أولاً مرتكزات/مرجعيات تحقيق أمن الطاقة لدى السعودية

 

ارتكزت المملكة في هذا الإطار على 3 توجهات رئيسية، تم استنباطها وتصنيفها على النحو التالي:

يتعلق التوجه الأول بالسيادةsovereignty) ) :  ويرتبط في المقام الأساسي بالخلفية المؤسسية والتي تتمثل في نظريات العلاقات الدولية وتركز على تهديدات أمن الطاقة التي تٌشكلها الجهات الخارجية، سواء كانت دولًا معادية، أو مصدرين "غير موثوقين"، أو أنشطة الشركات الأجنبية العاملة في مجال الطاقة، أو غيرها من اللاعبين في السوق، فالتهديدات الرئيسة تنشأ من الأعمال المتعمدة مثل إعاقة الحظر التي تنشأ من فرض دولة مستهلكة قيود على الاستيراد من دولة منتجة معينة، أو حظر من خلال فرض قيود على الصادرات، وتنشأ عندما ترغب دولة منتجة أو مجموعة من الدول المنتجة في فرض قيود على صادراتها لأسباب سياسية أو استراتيجية، وكذلك الممارسات الناجمة من قوى السوق أو أعمال التخريب أو استهداف المنظمات الإرهابية لمصادر الطاقة وبنياتها التحتية وإمداداتها الرئيسية

وفي هذا الإطار، تبنت المملكة استراتيجية موسعة تستهدف تقليل المخاطر ضمن منظور السيادة والسيطرة الكاملة الممكنة على أنظمة الطاقة، بالمعنى العسكري والسياسي والاقتصادي والتقني خلال تحقيق المصلحة وفرض القوة وتكوين تحالفات للمناورة (على سبيل المثال، القدرة على تبديل الموردين أو إضعاف دور وكيل واحد من خلال التنويع وتوفير أسواق منافسة بديلة، واستبدال الموارد المستوردة بالموارد المحلية، وفرض السيطرة العسكرية والسياسية والاقتصادية على أنظمة الطاقة.

عليه، باشرت السعودية في عام 2019م، استكشاف تجارة النفط بنمط مغاير وعبر عملات أخرى إلى جانب الدولار الأمريكي، وفي عام 2022م، بدأت المملكة جدّيًا النظر في خيارات التجارة النفطية مع الصين بعملة اليوان، وبموازاة ذلك، تضغط السعودية من أجل زيادة الاستثمارات المحلية والعالمية في الطاقة المتجددة، فيما توظّف استثمارات في البحوث والتنمية عالميًا. وقد تعهّدت المملكة بتخصيص نحو 100 مليار دولار أمريكي لهذا الغرض حتى عام 2030.

 

والتوجه الثاني يرتبط بـ "المتانة" (robustness) والذي يتضمن أنظمة الطاقة وديناميكيتها وتكاملها بشكل متزايد، وُتركز بشكل أساسي على المشاكل الناشئة مع نمو الطلب، أو ندرة الموارد، أو تقادم البنية التحتية، أو الفشل الفني، أو الحوادث الطبيعية الحادة إلا أن المملكة اتخذت إجراءات من شأنها تقليل مخاطر هذه الاضطرابات تتمثل في تعزيز البنية التحتية بما يضمن موثوقية نقل الإمدادات، والتحول إلى مصادر طاقة أكثر وفرة، واعتماد تقنيات أكثر أمانًا، وإدارة نمو الطلب.

 

فمن حيث الاستثمار في البنية التحتية، أولت المملكة اهتماماً خاصًا بالاستثمار في البنية التحتية بما يضمن موثوقية نقل الإمدادات، حيث تعمل الحكومة السعودية على تطوير البنية التحتية لقطاعات الطاقة، بما في ذلك تحديث وتوسيع المحطات الكهربائية والشبكات الكهربائية وأنظمة التوزيع، مما جعلها تسجل تقدماً في المؤشر العالمي لجودة الطرق، وتتصدر المملكة عام 2024م، المركز الرابع على مستوى دول مجموعة العشرين، وهو ما ينعكس إيجاباً على منظومة الخدمات اللوجستية والتوزيعية.

وتأسيساً على ذلك فقد عكفت المملكة على امتلاك أنابيب جديدة، وبعد تعليق شحنات الخام السعودي عبر باب المندب، على خلفية تعرض ناقلتين تابعتين لشركة البحري السعودية لهجوم من قبل ميليشيات الحوثي اليمنية في 2018م، فكانت السعودية تملك خياراً آخر يتمثل في خط الأنابيب شرق/غرب السعودية بسعة حوالي 5 ملايين برميل من النفط السعودي الخام يومياً وذلك لنقل النفط من الحقول السعودية على الخليج العربي إلى مدينة ينبع في البحر الأحمر، مما يغنيها عن المرور بمضيق باب المندب ويضمن وصول الخام السعودي إلى الأسواق الأوروبية، وهو ما ساهم في التخفيف من حدة ردة فعل أسواق النفط عقب الإعلان السعودي عن تعليق مؤقت لصادرات نفطية تقدر بـ4 ملايين برميل عبر باب المندب، في وقت تشهد الأسواق العالمية نقصًا حادًا في المعروض نتيجة تقلص الإمدادات من عدد من المنتجين الرئيسيين، إلى جانب توقعات تأثير عودة العقوبات الأميركية إلى إيران على حجم المعروض العالمي.

أما فيما يخص تنويع مصادر الطاقة المتاحة داخل المملكة، تعمل المملكة بخطى واثقة في إطار التحول إلى مصادر طاقة أكثر وفرة، وإدارة نمو الطلب، على تنويع مصادر  الطاقةdiversification) ) ، وتقليل اعتمادها على النفط، لذا قد تم اتخاذ خطوات لتطوير قطاعات الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح والطاقة النووية، حيث أطلقت أيضاً في عام 2021م، مبادرتي "السعودية الخضراء" و"الشرق الأوسط الأخضر"، لتحقيق مفهوم أمن الطاقة بعناصره الحديثة من خلال زيادة الاعتماد على الطاقة النظيفة، وتحييد الآثار الناتجة عن استخدام النفط، وحماية البيئة. وتضمنت المبادرتان إطلاق صندوق إقليمي لضخ استثمارات بأكثر من 10 مليارات دولار لتمويل الحلول التقنية لخفض الانبعاثات الكربونية، وتطوير الطاقات النظيفة، بالإضافة إلى زيادة حصتها من الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء إلى 50% بحلول عام 2030م، كما إنها في 25 يونيو 2024م، قد أطلقت المملكة السعودية مسحا جغرافيا لمشروعات الطاقة المتجددة الذي يتضمن تركيب 1200 محطة لرصد الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح.

بالتزامن مع ذلك تم تطوير صناعة البتروكيماويات التي تبلغ حصتها في السوق العالمية حالياً أكثر من 10%، كما بدأت المملكة العربية السعودية في تطوير احتياطاتها من الغاز الطبيعي لاستخدامه في قطاعات الصناعة وتوليد الطاقة المحلية، وإطلاق النفط الخام للتصدير، كما تهدف أرامكو إلى زيادة الاستثمار في مجال النفط والغاز لتلبية الطلب العالمي على النفط والغاز.

 وبالتالي قد أضافت اكتشافات الغاز التي تحققت في حقل الجافورة للغاز غير التقليدي إلى احتياطي المملكة من الغاز الطبيعي والمكثفات بنحو 15 تريليون قدم مكعبة قياسية من الغاز الخام، و2 مليار برميل من المكثفات؛ لذا ستبدأ المملكة في تصدير الغاز إلى الأسواق العالمية ضمن منظومة الطاقة الهيدروجينية والنفطية، وهو ما تهدف إليه المملكة بتقليل الاعتماد على تصدير الزيت الخام والتوسع في تصدير مختلف مصادر الطاقة بما فيها الطاقة النظيفة والمستدامة والنفط إلى العالم، وهو ما يتواكب مع ضمان تحقيق أمن الطاقة لديها.

من جهة أخرى، يعد تطويع التقنيات التكنولوجية الحديثة أبرز مرتكزات المملكة لتنمية القطاع النفطي فعلى الرغم من التنوع (diversification)    ، لا يزال النفط يعتبر مصدرًا هامًا للدخل الوطني للمملكة العربية السعودية. لذا، تعمل الحكومة على الاستمرار في البحث والتطوير لإنتاج تقنيات تكنولوجية متقدمة تساعد على اكتشاف حقول جديدة واستخراج النفط وتكريره، ورفع نسبة الإنتاج من خلال الحقول المكتشفة، خاصة حقول البترول والغاز في البحار والمحيطات العميقة التي تحتاج إلى تقنيات متطورة.

وتتمثل أبرز مواطن القوة التي يتمتع بها قطاع التنقيب والإنتاج في أرامكو السعودية في استخدام تقنيات التصوير والنمذجة وأيضًا خوارزميات متطورة لتحديد مواقع الاحتياطيات النفطية في جميع أنحاء المملكة .

إلى جانب تطوير أجهزة مبتكرة من شأنها أن تُحدث نقلة في أعمال التنقيب عن المواد الهيدروكربونية، مما يجعل أنشطة التنقيب أسرع وأكثر أمانًا، بالإضافة إلى رفع الكفاءة وخفض التكلفة، كما تشمل تقنيات الطائرات المسيرة الجديدة: المركبات الجوية غير المأهولة (AUVs) التي تتيح الحصول على البيانات بصورة آلية، وتقنية الطائرات المسيرة التي ترسل الاهتزازات عبر الأرض لإنشاء نموذجًا للطبقات تحت سطحها.

وأخيرًا، التوجه الثالث المتعلق بالصمود والمرونة (resilience) ، التي يعني بشكل عام، مدى المرونة أو القدرة التفاعلية للتكيف مع تأثير خارجي يشبه الصدمة في تحليل أمن الطاقة على المدى الطويل، وبالتالي فهي تنصب على المعطيات المتغايرة والتي يصعب التنبؤ بها أو التعامل معها والتي تتمثل في الصدمات الخارجية كإعاقة التصدير لأسباب قهرية، وتنشأ عندما لا يستطيع المنتج تصدير إنتاجه من الطاقة، وذلك نتيجة لظروف داخلية أو خارجية، مثل الحرب والأوبئة العالمية أو نتيجة عدم اليقين والتغييرات المناخية وعدم الاعتماد على التقنيات التكنولوجية وتقلبات السوق (اختلال في توازن عمليتي العرض والطلب في أسواق الطاقة العالمية).

كما إنها تشمل التغييرات التنظيمية، والأزمات الاقتصادية غير المتوقعة، وتغيير الأنظمة السياسية وحيث أنها من الصعب التنبؤ بها فمن الضروري اتخاذ إجراءات استباقية لتحييد تأثيراتها.

وعلى مستوى تعزيز قدرة المملكة على الصمود والمرونة في مواجهة الأزمات، فقد اتخذت المملكة عدة إجراءات في سبيل تعزيز أمن الطاقة لديها وتفعيل أبعاده وعناصره في ضوء التغيرات المستجدة على قطاع الطاقة بشكل عام، وذلك على النحو التالي:

فقد شرعت السعودية في اتباع إجراءات تعزز الاحتياطي الاستراتيجي من النفط والمنتجات النفطية للتعامل مع أي أزمات محتملة في سوق الطاقة، خلال استراتيجية السعة الإنتاجية الإضافية، والتي تتيح لها لعب دور المنتج المتأرجح لزيادة الإنتاج من النفط والغاز في غضون أسابيع قليلة في حالة حدوث أي انقطاع عالمي في إمدادات الطاقة (الحرب الروسية الأوكرانية)،

إضافة إلى ذلك، في إطار تعزيز قدرة المملكة على الصمود فإنها تعتمد على آلية التخزين المرن، الذي يمثل أبرز عنصر لتحقيق أمن الطاقة لدى الدول المصدرة، حيث يتم امتلاك العديد من منشآت التخزين السطحي أو تأجيرها بالقرب من مستهلكي النفط الخام الرئيسيين، وهو ما تقوم به المملكة، بالإضافة إلى المخزونات المحلية تقوم السعودية أيضًا بتخزين الخام قرب محاور الاستهلاك في روتردام وأوكيناوا وميناء سيدي كرير، وقد ساهم انتهاج المملكة هذا النهج من تخفيف حدة التأثير على إمداداتها بعد الحادث الإرهابي ضد منشآتها النفطية.

ومن أبرز ممكنات المملكة السعودية لتحقيق أمن الطاقة، في إطار أستهداف حماية البيئة والحد من الانبعاثات الضارة وتعزيز كفاءة استخدام الطاقة بما يضمن توفير الطاقة الآمنة والموثوقة وتنوع مواردها مع الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية، اتخذت المملكة إجراءات عدة تتمثل في قيام وزارة الطاقة السعودية بالعمل مع أرامكو السعودية منذ عام 2019م، على إعداد تصور واضح لمستهدفات المملكة في مزيج الطاقة، ويعد حقل الجافورة وتوسعة شبكة الغاز نتاجًا لهذا العمل.

حيث تعزز التغيرات التكنولوجية في أسواق الطاقة استمرارية الاقتصادات التي تعتمد على الإيرادات النفطية، فالنظم الاقتصادية الأسرع تحركا والتي تتمتع بهياكل ملائمة لحوكمة الشركات، سيكون بوسعها الاستفادة بشكل يسير من التكنولوجيا الحديثة في التخفيف من حدة المخاطر المصاحبة للانقطاعات المحتملة في أسواق الطاقة بل وخلق فرص جديدة. وعلى سبيل المثال، غالبًا ما تكون الشركات ذات الأسهم المطروحة للتداول العام أفضل حالا من الشركات المملوكة للدولة (أو حتى الشركات الخاصة). ونظرًا لأن هذه الشركات تخضع للمساءلة أمام المساهمين، فمن الأرجح أن تتكيف مع الظروف المستجدة.

ثانيًا مداخل/ أنماط استخدام الطاقة في السياسة الخارجية السعودية

وتأسيسًا على ما سبق سرده، انتهجت المملكة السعودية سياسة خارجية براجماتية، حيث أصبحت تحتل في السنوات الأخيرة مكانة بارزة في إدارة لعبة السياسة الإقليمية في الشرق الأوسط، في ظل القيادة الحالية، ومن ثم أخذت سياستها الخارجية بُعدًا دوليًا واضحًا، واستطاعت من خلال دورها الإقليمي والدولي أن تكون فاعلًا دوليًا في العديد من القضايا والملفات السياسية المحلية والعالمية، وإن القارئ لمسار تطورات السياسة في الشرق الأوسط يلاحظ بوضوح أن المملكة العربية السعودية أصبحت جزءًا لا يتجزأ من المعادلة السياسية وطرفًا لا يمكن تجاهله في أي تسوية أو إجراء سياسي، وذلك بفضل عاملين أساسيين اعتمدت عليهما القيادة السعودية خلال العقد الأخير، وهما عملية تكييف السياسة الخارجية بحسب المقتضيات المرحلية وبما يتماشى مع التطورات والتوجهات الإقليمية والدولية، والعامل الآخر هو التنمية الداخلية المرتكزة بشكل أساسي على ملف الطاقة والتطوير الاقتصادي.

ومن ثم انتهجت المملكة السعودية مسارين في إطار استخدام الطاقة في السياسة الخارجية، إحداهما متمثل في العلاقة بين السعودية وروسيا ضمن أوبك بلس كإطار تعاوني، وتمثل في عدة صور يمكن حصرها في الآتي، توسيع النفوذ والحفاظ على السيادة، استبدال مواطن القوة، بناء علاقة استراتيجية مع أسواق بديلة، تنويع مصادر الطاقة وممرات العبور، بناء خطوط أنابيب للتصدير.

اتصالًا، لقد كشفت الحرب الروسية الأوكرانية عن تحوط سعودي واسع المدى على الصعيد الدولي، وهو ما قد أظهر جليًا تحولات السياسة الخارجية السعودية فيما يخص البعد الطاقي، حيث تماسكت العلاقات بين أوبك بلس والمملكة وروسيا، خاصة في مواجهة الضغوط السياسية الغربية على المملكة العربية السعودية بعد فبراير2022م بشأن النفط ، وبالنظر إلى أنه لا يزال تأثير السوق في جانب العرض الذي تجلبه روسيا إلى أوبك بلس ذا قيمة عالية ويحقق المنفعة المتبادلة.

وبالتالي، وعلى الرغم من التجاذبات بين الجانب السعودي والروسي إلا أن هناك تفاهمات مشتركة منٌعكسة على التنسيق في مجال الطاقة وأسعار النفط، وقد صاحب ذلك عدة قرارات توافقية عززت من مبدأ توظيف ملف الطاقة في السياسة الخارجية السعودية، لذا كانت الطاقة مدخلًا مهمًا في بناء العلاقة الجديدة بين روسيا والسعودية وهو ما يترجم بطبيعة الحال في العلاقات المتنامية بين روسيا والسعودية سواء في الملفات الإقليمية أو العلاقات الاقتصادية.

 

فقد شهد التعاون الروسي تقدماً بالغاً، وهو ما انعكس على حجم التبادل التجاري الروسي-السعودي، فقد بلغ حجم التبادل التجاري عام 2022م، نحو (46,596) في حين بلغ (741,965) مليار دولار عام 2020م، وذلك مقارنة بعام 2015م، الذي بلغ نحو (18.8) مليار دولار. 

جدول رقم (1)

حجم التبادل التجاري السعودي -الروسي

 

حجم التعاون التجاري

2017

2018

2019

2020

2021

2022

حجم الواردات السعودية 

758,22

1,220,568

1,443,161

693,770

1,437,483

2,170,895

الصادرات

26,113

32,390

131,104

48,195

81,038

44,426

 

وعلى الجانب الآخر، برز النمط الهجومي في العلاقات السعودية والأمريكية والذي تمثل في عدة صور أبرزها تعطيل إمدادات الطاقة وسياسة تسعير إمدادات الطاقة وأيضًا القيود التعاقدية

وقد أظهرت الحرب الروسية / الأوكرانية هذا النمط وذلك حين حاولت إدارة بايدن خلال قمة العلا إقناع السعودية تأجيل قرار خفض الإنتاج تجنبًا لما قد ينتج عن القرار من ارتفاع في الأسعار يسهم في التأثير على تفضيلات الناخبين في انتخابات التجديد النصفي الأمريكية عام 2023م. 

إلا أنه قد عكست قرارات أوبك بلس التي جاءت متناقضة مع مطالب الرئيس بايدن، وكذا بيان الخارجية السعودية اللاحق له، التوتر القائم ما بين السعودية والولايات المتحدة، وذلك على الرغم مما أُثير بشأن حصول بايدن على وعود سعودية خاصة بزيادة إنتاج النفط خلال زيارته، وعليه أبدت السياسة الخارجية السعودية استعدادها إلى التطلع إلى الولايات المتحدة باعتبارها قوة مهمة ولاعب أساسي في تحالفات المملكة، لكنها ليست الوحيدة.

ومع ذلك هناك سيناريوهات على المدى القصير والمتوسط بحدوث مزيد من التوافق بين الولايات المتحدة والسعودية لاسيما في مجال الطاقة خاصة مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض حيث من المتوقع امتداد السياسات التوافقية التي برزت في فترته الأولى، بما يسمح للسعودية التوصل إلى تفاهمات بخصوص أسعار النفط ومعدل الإنتاج بما يحقق توافقًا مع تطلعات الولايات المتحدة.

ثالثًا مآلات الدور السعودي في سوق الطاقة 2025

في بداية عام 2025م، وفي ظل استمرار تصاعد التوترات الجيوسياسية المتسارعة في المنطقة، والتنافس بين الولايات المتحدة والصين، والصراع الروسي الأوكراني، والمواقف المعقدة في الشرق الأوسط، فضلًا عن التوقع بتزايد تقلبات أسعار الطاقة عالميًا على خلفية تفاقم انعكاسات حرائق كاليفورنيا والتي بدورها ستؤثر على إنتاج النفط الأمريكي مما سيؤدي إلى احتمالية ارتفاع أسعار النفط.

كما تتأرجح السرديات بين تبعات وصول ترامب وما تفرضه من سياسات من شأنها التأثير على أسواق الطاقة والتي تتمحور ما بين التهديد بفرض تعريفات جمركية من شأنها أن تسهم في تباطؤ النمو العالمي، وارتفاع أسعار المنتجات النفطية للمستهلكين النهائيين، وأيضاً تصاعد الاضطرابات في جانب الإمدادات من بين المتغيرات التي قد تؤثر على أسواق الطاقة في 2025م، تزامناً مع عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة الأمريكية وهو المعروف بسياساته المؤيدة للوقود الأحفوري، والمرجح أن يدفع نحو تخفيف القيود على إنتاج النفط والغاز في الولايات المتحدة.

وعليه، فمن المتوقع أن تواصل المملكة العربية السعودية دورها كركيزة دعم محورية لاستقرار أسواق الطاقة العالمية، بالنظر إلى أن الطاقة أصبحت مدخلًا أساسيًا لتوجهات السياسة الخارجية للمملكة وذلك عبر آليات متباينة تتمثل في إدارة الإنتاج عبر أوبك+ من خلال دورها التنسيقي بين الدول المنتجة للنفط لضمان توازن العرض والطلب، إلا أنه ومع استمرار حالة عدم اليقين الاقتصادي العالمي، قد تضطر المنظمة إلى اتخاذ قرارات أكثر حساسية بشأن مستويات الإنتاج والأسعار، وهو ما ستقوده المملكة باقتدار وذلك بالنظر إلى أن مورغان ستانلي قد رفع تقديراته لسعر خام برنت في الربعين الثالث والرابع من عام 2025م، إلى 70 دولاراً للبرميل، مقارنة بـ68 و66 دولاراً على التوالي.

علاوة على ذلك لا يقتصر دور السعودية على سياساتها النفطية فقط، بل يمتد إلى استخدام دبلوماسيتها النشطة لتحقيق استقرار الأسواق، من خلال علاقاتها الوثيقة مع الولايات المتحدة، الصين، وروسيا، وبالتالي تستطيع المملكة التوسط بين الأطراف المختلفة للتخفيف من حدة التوترات الجيوسياسية المؤثرة على أسواق الطاقة، ومن ناحية أخرى تعزيز الحوار بين الدول المنتجة والمستهلكة للطاقة، مستفيدة من عضويتها في مجموعة العشرين ومكانتها في المنظمات الدولية، وستظل هذه الجهود حاسمة في ضمان استقرار الأسواق وتفادي التقلبات الحادة.

مقالات لنفس الكاتب