array(1) { [0]=> object(stdClass)#13667 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 206

أظهرت دول الخليج التزامًا قويًا بمواجهة التغير المناخي والتصحر في قمة الكويت و"كوب 16" بالرياض

الخميس، 30 كانون2/يناير 2025

تعتبر قضايا التغير المناخي وحماية البيئة من التحديات الكبرى التي تواجه العالم في القرن الواحد والعشرين. حيث يُنظر إلى تغير المناخ باعتباره خطرًا عالميًا رئيسيًا، ذو تأثير متعدد الأبعاد، وتُعد دول مجلس التعاون الخليجي من بين المناطق المتأثرة بالتغيرات المناخية، حيث تعاني من ارتفاع درجات الحرارة، والتقلبات المناخية، وندرة المياه، وزيادة التصحر. في الوقت الذي تشير فيه توقعات تقرير التقييم الخامس الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) إلى احتمالية حدوث تغيرات مناخية كبيرة في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، ومنها ارتفاع درجة الحرارة بمقدار 1-2 درجة مئوية بحلول عام 2050م. بيد أن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، حيث تمتد تأثيرات تغير المناخ إلى ما هو أبعد من البيئة، مما يتسبب في تأثيرات اقتصادية وسياسية واجتماعية كبيرة.

وإدراكًا من دول الخليج العربي لتلك التحديات، وكونها تشكل جزءًا من هذه المعادلة العالمية التي تستدعي تعاونا بين الدول لمواجهة آثار هذه الأزمة، تسعى بشكل حثيث إلى تكثيف جهودها لمكافحة ظواهر التغير المناخي، وتحقيق الاستدامة البيئية من خلال عدد من المبادرات الدولية والمحلية، حيث يؤدي التفاعل الإقليمي والدولي حول التغير المناخي إلى تطور سياسات بيئية فعالة في المنطقة، وكان آخرها الاهتمام الذي حازت عليه قضية التغير المناخي وحماية البيئة في البيان الختامي لقمة دول مجلس التعاون الخليجي التي عُقدت في الكويت في ديسمبر 2024م، كما أن مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16) الذي انعقد في الرياض في نفس الشهر، عكس الإرادة المشتركة لمجموعة الدول المشاركة فيه لتبني سياسات بيئية مدروسة تهدف إلى الحد من التصحر والتغير المناخي.

وبناءً عليه، سيتناول هذا المقال الدور الخليجي في مواجهة التغير المناخي من خلال تحليل للبيان الختامي لقمة مجلس التعاون الخليجي الأخيرة في الكويت، ونتائج مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16). وكذلك الفرص والتحديات المطروحة أمام دول الخليج لمواجهة التغير المناخي ومكافحة التصحر.

أولاً: توجهات الفعاليات الخليجية نحو قضايا التغير المناخي وحماية البيئة

في السنوات الأخيرة، أصبحت قضايا التغير المناخي والتحديات البيئية من أولويات أجندات قمم مجلس التعاون الخليجي، والمشاركات الدولية للدول الخليجية. ففي القمة الخليجية الأخيرة (ديسمبر 2024م)، تم التركيز بشكل كبير على التحديات البيئية وآثار التغير المناخي على المنطقة. ومن خلال البيان الختامي للقمة، تم التأكيد على مجموعة من النقاط الرئيسية التي تعكس رغبة الدول في مواجهة هذه التحديات بشكل مشترك، ومن أهمها:

1.   التأكيد على أهمية العمل المشترك في مواجهة قضايا التغير المناخي

أكد البيان الختامي للقمة على أهمية تعزيز العمل الخليجي المشترك، فيما يتعلق بتحولات الطاقة والتغير المناخي، وتفعيل التعاون وتبادل الخبرات وتطوير المُمَكّنات مع دول المنطقة تحت مظلة مبادرة الشرق الأوسط الأخضر. الأمر الذي يعزز من فعالية القدرات والمبادرات الخليجية لمواجهة آثار التغير المناخي.

2.   تفعيل مبدأ المسؤولية المشتركة والتوسع في الاستثمارات المستدامة للمصادر الهيدروكربونية

أكد المجلس على تبني الركائز الأساسية لتحولات الطاقة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، من خلال تفعيل مبدأ المسؤوليات المشتركة والمتباينة، والتي تم الاتفاق عليها في وثيقة (اتفاق الإمارات العربية المتحدة) في مؤتمر اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ (COP28)، المنعقد في دبي عام 2023م، والاستمرار في ضخ الاستثمارات المستدامة للمصادر الهيدروكربونية. ورحب المجلس بما تم التوصل إليه في مؤتمر (COP29) في باكو -أذربيجان بهذا الشأن.

3.   التأكيد على التعاون في مجال الطاقة المتجددة دون إقصاء لمصادر الطاقة التقليدية

شدد البيان على أهمية دعم استقرار أسواق الطاقة عالمياً، وتبني النهج المتوازن دون إقصاء مصادر الطاقة، بل ابتكار تقنيات تمكن من إدارة الانبعاثات والاستفادة من جميع مصادر الطاقة بكفاءة عالية، لتمكين النمو الاقتصادي المستدام للجميع. كما ثمن المجلس إنجازات وجهود الدول الأعضاء في ركائز نهج الاقتصاد الدائري للكربون التي شملتها مبادرة السعودية الخضراء، ومبادرة الشرق الأوسط الأخضر، والمساهمات المحددة وطنياً (مثل مشروعات الطاقة المتجددة، وكفاءة الطاقة، وإنتاج الهيدروجين النظيف، والتقاط وتخزين وإعادة استخدام الكربون، وحلول إزالة الكربون المبنية على الطبيعة)، والدفع بالتعاون بين دول المجلس لتطبيق نهج الاقتصاد الدائري للكربون.

4.   تشجيع مبادرات الاستدامة البيئية

أشادت قمة مجلس التعاون الخليجي بنجاح مجموعة من المبادرات الخاصة بالاستدامة البيئية والتي أطلقتها الدول الخليجية، ومنها استضافة دولة قطر لمعرض "إكسبو 2023م، الدوحة للبستنة"، تحت شعار "صحراء خضراء، بيئة أفضل"، وشارك فيه 77 دولة وملايين الزوار، حيث ركّز على تعزيز الاستدامة البيئية، مكافحة التصحر، وتشجيع الابتكار والتقنيات الحديثة في التنمية الزراعية.

بالإضافة إلى المبادرة التي أطلقتها دولة الإمارات تحت عنوان "أزرع الإمارات" لتعزيز المساحات الخضراء ودعم الزراعة المحلية، مما يساهم في استدامة الإنتاج الغذائي. كما تتعاون دولة الإمارات مع مؤسسة جيتس في شراكة بقيمة (200) مليون دولار لدفع الابتكار الزراعي ودعم صغار المزارعين في دول الجنوب العالمي، مما يعزز الأمن الغذائي العالمي عبر الابتكار والاستدامة.

5.   تحقيق الأمن الغذائي من خلال الزراعة المستدامة

تم التأكيد على أهمية تعزيز الأمن الغذائي في الخليج، خاصة في ظل التحديات التي يفرضها التغير المناخي. وقد رحب المجلس بانطلاق القمة العالمية الأولى للأمن الغذائي، والتي أُقيمت في أبو ظبي، للمرة الأولى في المنطقة في نوفمبر2024م، حيث بحث كبار المسؤولين الحكوميين وصناع القرار والخبراء تحديات الأمن الغذائي والحلول المبتكرة لتعزيز منظومة الأمن الغذائي على المستوى العالمي والجهود الدولية للقضاء على الجوع.

6.   الاستجابة للتحديات البيئية من خلال البحث والتطوير

دعمت القمة إلى ضرورة تعزيز التعاون بين دول المجلس في مجالات البحث والتطوير للابتكار في التكنولوجيا البيئية. وهو ما يشمل البحث في مجالات المياه والطاقة والزراعة المستدامة، وهي مجالات أساسية للتكيف مع التغير المناخي في المنطقة. حيث أشاد المجلس بالمبادرات التي قدمتها الإمارات في مواجهة تحديات ندرة المياه وتعزيز الأمن الغذائي، ومن أهمها مبادرة "آبار زايد" ومبادرة "سقيا الإمارات". وفي الإطار ذاته، تستعد الإمارات لاستضافة مؤتمر الأمم المتحدة للمياه في عام 2026م، وهو ما يؤكد على الالتزام الراسخ للدول الخليجية بتشكيل مستقبل مستدام من خلال تعزيز التعاون الدولي ودفع الحلول المبتكرة، لضمان الإدارة المسؤولة للموارد للأجيال القادمة.

توجهات مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16) في الرياض

جاء انعقاد مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر "كوب 16" في الرياض خلال الفترة من 2 إلى 14 ديسمبر تحت شعار "أرضنا مستقبلنا"، لمناقشة أهمية التعاون الدولي والاستجابة الفعّالة لمواجهة التحديات المرتبطة بتدهور الأراضي والتصحر ومشكلات الجفاف، وليسلّط الضوء على ضرورة استعادة (1.5) مليار هكتار من الأراضي بحلول عام 2030م، لتحقيق الاستدامة البيئية. ويعد مؤتمر "كوب 16" حدثًا مهمًا من أجل تعزيز الجهود العالمية لمكافحة التصحر وحماية البيئة، وهو أكبر مؤتمر للأمم المتحدة يركز على الأرض حتى الآن، وأول مؤتمر للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر يُعقد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأكبر مؤتمر متعدد الأطراف تستضيفه المملكة على الإطلاق. وصادف انعقاده الذكرى الثلاثين لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، إحدى المعاهدات البيئية الثلاث الرئيسية المعروفة باسم "اتفاقيات ريو"، إلى جانب تغير المناخ والتنوع البيولوجي.

وقد اتخذ المؤتمر عدة قرارات هامة تسلط الضوء على كيفية مواجهة التصحر في منطقة الخليج بشكل خاص. حيث تم اعتماد (39) قرارًا، بما فيها قرار إجرائي بشأن الجفاف، ستتم مواصلة المناقشات فيه على أساس التقدم المحرز في مؤتمر "كوب 16"، بهدف اعتماد قرار بشأنه في الدورة الـ 17 للمؤتمر في منغوليا في عام 2026م. وتتمثل أهم التوجهات التي توصل إليها المؤتمر فيما يلي:

1.   طرح مبادرات جديدة لاستعادة الأراضي ومكافحة التصحر

تمكنت رئاسة المملكة لمؤتمر الأطراف السادس عشر "كوب 16" الرياض، من حشد الجهود الدولية لتقديم أكثر من 100 مبادرة، حيث تم الإعلان عن تعهدات جديدة لاستعادة الأراضي على نطاق واسع والاستعداد للجفاف، مثل مبادرة "شراكة الرياض العالمية لمواجهة الجفاف"، وهي مبادرة بارزة تهدف إلى نقل الاستجابة العالمية للجفاف من إدارة الأزمات وتقديم الإغاثة الطارئة، إلى تعزيز القدرة لمواجهة التحديات بشكل استباقي، خصصت السعودية بموجبها (150) مليون دولار على مدى السنوات العشر المقبلة، ونجحت في اجتذاب حوالي (12) مليار دولار لدعم (80) دولة من الدول الأكثر عرضة للجفاف، والأكثر ضعفًا في العالم في بناء قدرتها على الصمود في مواجهة الجفاف.

بالإضافة إلى ذلك، تم إطلاق المبادرة الدولية لرصد العواصف الرملية والترابية، ومبادرة قطاع الأعمال من أجل الأرض، والمرصد الدولي لتعزيز القدرة على مواجهة الجفاف، والذي يمثل أول منصة عالمية مدعومة بالذكاء الاصطناعي مخصصة للإدارة الاستباقية لنوبات الجفاف قبل استفحال مخاطرها، وإطلاق "المركز الدولي لأبحاث المياه"، ومشروع "ريمدي"، وهو عبارة عن منصة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتقييم صحة الأراضي. وتؤكد تلك المبادرات على ريادة المملكة العربية السعودية في تقديم الحلول العملية والقابلة للتنفيذ لمواجهة هذه التحديات على المستوى الدولي.

2.   الربط بين مكافحة التصحر والقضايا المناخية

تم دفع أجندة الأراضي والجفاف إلى ما هو أبعد من المناقشات القطاعية المحددة، وضمها إلى الجهود العالمية الرامية إلى معالجة التحديات المترابطة، مثل تغير المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي، وانعدام الأمن الغذائي، والهجرة، والأمن العالمي.

3.   إشراك القطاع الخاص في جهود مكافحة التصحر

أظهر المؤتمر أنه لا تزال هناك فجوة مالية كبيرة، خاصة في استثمارات القطاع الخاص، إذ تُقدّر التقارير الصادرة عن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر أن التمويل العالمي لإعادة تأهيل الأراضي ومكافحة الجفاف، لا يزال أقل بكثير مما هو مطلوب لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. ورغم النجاح الكبير الذي حققه المؤتمر في إبراز الحاجة الملحة التي تفرضها هذه القضية، فقد أوضح في الوقت ذاته ضرورة التوصل إلى مواءمة أكبر بين السياسات العامة والتمويل الدولي واستثمارات القطاع الخاص، من أجل تسريع وتيرة العمل قبل انطلاق النسخة السابعة عشرة من المؤتمر التي ستستضيفها منغوليا في العام 2026م.

وبناءً عليه، ركز المؤتمر على أن القرارات الـ 39 التي تم اعتمادها تعد بمثابة إرشادات، ليس فقط لجميع الحكومات في العالم، بل أيضا للقطاع الخاص والمجتمعات المحلية. فقد نجح المؤتمر في حشد أصحاب المصلحة العالميين، حيث جمع الحكومات وقادة القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني تحت أجندة موحدة للعمل. وأعلنت رئاسة المؤتمر أن أكثر من (24) ألف مشارك مسجّل شاركوا بخبراتهم في أكثر من (600) فعالية وحدث ضمن أول أجندة عمل شاركت فيها الجهات الفاعلة غير الحكومية في آليات عمل الاتفاقية، وشملت فئات الشباب والنساء والشعوب الأصلية وغيرها من المواضيع ذات العلاقة باستدامة الأراضي، وهو ما أظهر التزامًا واسع النطاق بتحويل نهج إدارة الأراضي إلى الممارسات المستدامة وتعزيز المرونة المناخية.

4.   التعهدات التمويلية

شهد المؤتمر إنجازات رائدة، بما في ذلك تقديم تعهدات تمويلية تجاوزت قيمتها (12) مليار دولار من المنظمات الدولية الكبرى، حيث تعهدت "مجموعة التنسيق العربية" بـ 10 مليارات دولار، في حين قدَّم كل من "صندوق أوبك" و"البنك الإسلامي للتنمية" مليار دولار. وفي المقابل، تُقدَّر الاستثمارات المطلوبة لتحقيق أهداف مكافحة التصحر وتدهور الأراضي بين 2025 و2030 م، بنحو (355) مليار دولار سنوياً، وفقًا لتقرير تقييم الاحتياجات المالية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، مما يعني أن هناك فجوة تمويلية ضخمة تُقدَّر بـ(278) مليار دولار سنوياً، وهو ما يشكل عقبة كبيرة أمام تحقيق الأهداف البيئية المطلوبة.

5.   ريادة المملكة في قيادة جهود مكافحة التصحر

حيث ستتولى المملكة رئاسة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر على مدار العامين القادمين، ومن ثم، ستكون هناك فرصة للبناء على الزخم الذي تحقق في الرياض. ومن المخطط أن تعمل المملكة على تعزيز الآليات والتعاون مع الدول والقطاع الخاص والمؤسسات المالية والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية وأصحاب العلاقة الآخرين، من أجل توفير الدعم للمبادرات القائمة في إطار الجهود العالمية المبذولة للتصدي لهذه التحديات، أو توفير الدعم للمبادرات الجديدة. هذا إلى جانب، تشجيع الابتكار في إدارة الأراضي، وضمان توجيه الأموال نحو مشاريع مؤثرة وقابلة للتوسُّع. حيث سينصب التركيز بشكل خاص على إشراك القطاع الخاص كعامل أساسي لسد الفجوة المالية التي تم تحديدها في "كوب 16" الرياض.

علاوة على ذلك، يمكن لأجندة عمل الرياض أن تضع أساسًا لحلول مستدامة تمتد إلى ما بعد فترة رئاسة المملكة. وسيُمهِّد ذلك الطريق لجعل مؤتمر الأطراف "كوب 16" ليس مجرد محطة، بل منصة للتغيير التحويلي طويل الأجل.

ثانيًا: الفرص والتحديات المطروحة أمام دول الخليج لمواجهة التغير المناخي ومكافحة التصحر

تمتلك الدول الخليجية العديد من الفرص التي تمكنها من تحقيق الريادة في مواجهة التغير المناخي، ومن أهمها:

  1. البناء على التعاون الدولي: تسعى دول الخليج إلى تعزيز دورها على الساحة الدولية في مواجهة التغير المناخي والتصدي للتحديات البيئية التي تواجهها المنطقة والعالم. حيث عمقت الدول الخليجية خلال السنوات القليلة الماضية من تعاونها مع المنظمات الدولية والإقليمية المعنية بتغير المناخ، وفي مقدمتها الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات لتحقيق أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بمواجهة التغير المناخي والتصحر. مما يؤكد التزامها الدولي بمواجهة تغير المناخ والحفاظ على البيئة، ويفتح آفاق الشراكة والاستثمار في مشاريع بيئية مشتركة مع المنظمات الدولية. ومن أبرز الأمثلة على التعاون الخليجي الدولي المشترك، التعاون مع برنامج البيئة العالمي (UNEP)التابع للأمم المتحدة، والتعاون مع البنك الدولي في مشروعات التغير المناخي.
  2. التعاون الخليجي المشترك في الحفاظ على البيئة: يلعب التعاون الخليجي المشترك دورًا أساسيًا في تعزيز الجهود الإقليمية للتصدي للتغير المناخي والحفاظ على البيئة، وذلك من خلال تبادل المعرفة، وتطوير السياسات البيئية المشتركة، وتنفيذ المبادرات التي تساهم في استدامة الموارد الطبيعية. ويعد مجلس التعاون الخليجي من أهم المنصات الإقليمية التي تعمق هذا التعاون من خلال جهود المجلس في وضع الأنظمة الاسترشادية البيئية المشتركة التي تهدف إلى حماية البيئة وتعزيز الاستدامة البيئية في المنطقة.
  3. استضافة المؤتمرات الدولية المعنية بمواجهة تغير المناخ والتصحر: برزت الدول الخليجية مؤخرًا كجهات رائدة في الحوار البيئي الدولي وتطوير الحلول المستدامة، وقد عززت ذلك من خلال استضافة مؤتمرات عالمية في هذا المجال، فقد أصبح تنظيم مؤتمرات حول التغير المناخي وحماية البيئة جزءاً من استراتيجيات دول الخليج لتعزيز التعاون الإقليمي والدولي في الحد من تأثيرات التغير المناخي ولتحقيق أهداف التنمية المستدامة، حيث تقوم هذه المؤتمرات بتوفير منصة هامة للتعاون الدولي في مجال البيئة. ومن أبرز الأمثلة على تلك ذلك استضافة السعودية مؤخرًا لمؤتمر الأطراف في مكافحة التصحر (كوب 16) في الرياض. كما سبق واستضافت الإمارات مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP28) في دبي في ديسمبر 2023م، وسبقها استضافة قطر للدورة الثامنة عشر للمؤتمر ذاته (COP18)، مما يعزز من دور الدول الخليجية كداعم رئيسي للمبادرات العالمية المتعلقة بتغير المناخ ومواجهة التصحر.
  4. دعم الابتكار والمبادرات التكنولوجية: تلعب التكنولوجيا والابتكار دورًا رئيسيًا في استراتيجيات دول الخليج لمواجهة التغير المناخي والحفاظ على البيئة. من خلال الاستثمار في الطاقة المتجددة، تقنيات تحلية المياه، المدن الذكية، الذكاء الاصطناعي، والتنقل المستدام (مثل مترو الرياض ومترو دبي، اللذان يعتمدان على الطاقة الكهربائية النظيفة)، والتصنيع المستدام (تسعى السعودية والإمارات إلى تعزيز التصنيع الأخضر في قطاعات مثل البتروكيماويات، مما يساهم في الحفاظ على البيئة). بل أن الابتكار التكنولوجي أصبح حجر الزاوية في استراتيجيات دول الخليج لتحقيق الاستدامة البيئية وحماية البيئة من آثار التغير المناخي. وبناءً عليه، تم طرح العديد من المبادرات التكنولوجية لتحسين كفاءة استخدام الموارد الطبيعية، وتقليل الانبعاثات الضارة، وتعزيز الاستدامة البيئية مثل الزراعة الدقيقة، والطاقة الشمسية، وتحلية المياه باستخدام الطاقة المتجددة. وتعد كل من مدينة نيوم (السعودية)، ومدينة مصدر (الإمارات) من المدن الذكية التي تعتمد على التكنولوجيا المتقدمة لتحسين الحياة الحضرية، وتقليل استهلاك الموارد، وتعزيز الاستدامة البيئية.
  5. الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي (AI) في البيئة: تشهد دول الخليج أيضًا تقدمًا ملحوظًا في استخدام الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة (Big Data) لمواجهة التغير المناخي وحماية البيئة. يُستخدم الذكاء الاصطناعي في تحسين إدارة الموارد الطبيعية مثل المياه والطاقة، ومراقبة البيئة، وتحليل بيانات المناخ.
  6. التركيز على التعليم والوعي البيئي: من خلال تعزيز الوعي والتعليم البيئي، يمكن لدول الخليج أن تساهم في خلق جيل جديد من القادة البيئيين الذين سيقودون جهود مكافحة التصحر والتغير المناخي. بدأت دول الخليج في إدخال التعليم البيئي في المناهج الدراسية في مراحل التعليم المختلفة. هذا إلى جانب تبنى العديد من البرامج والفعاليات التوعوية التي تستهدف المجتمع بشكل عام. كما تم الاستفادة من التكنولوجيا في ذلك السياق، من خلال استخدام تقنيات الواقع المعزز (AR) والواقع الافتراضي (VR) لتعليم الأفراد كيفية مواجهة تحديات التغير المناخي وحماية البيئة بطريقة مبتكرة.

أما فيما يخص التحديات التي قد تعرقل الجهود الخليجية في مواجهة تغير المناخ ومكافحة التصحر، فيتمثل أهمها في تحديين أساسيين وهما التحدي التمويلي والتحدي العالمي:

  • التحدي التمويلي: تظل مشكلة التمويل إحدى أكبر العقبات أمام تنفيذ المبادرات البيئية على الأرض. وعلى الرغم من التأكيد على أهمية التمويل في مؤتمر (كوب 16)، فإن دول المجلس قد تواجه صعوبة في جذب المزيد من المصادر التمويلية خاصة في ظل توقع خفوت الاهتمام العالمي، والدعم الدولي لقضايا المناخ مع تولي ترامب رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية.
  • التحدي العالمي: طرح فوز الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" في الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024م، مستجدًا جديدًا من المتوقع أن يؤثر بشكل جذري على أجندة المناخ العالمية، خاصة في ظل تعهده بالانسحاب من اتفاقية باريس للمرة الثانية، وربما حتى الخروج من اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ بالكامل، الأمر الذي يشكل تهديدًا للدبلوماسية المناخية العالمية، قد يقترن معه تراجع بعض الدول في تنفيذ الأهداف المناخية أو على الأقل عدم الالتزام بالتعهدات المالية لدعم الأجندة المناخية بشكل كامل.

وختامًا، يمكن القول إن التصدي للتغير المناخي والتصحر في دول مجلس التعاون الخليجي يتطلب جهدًا مشتركًا بين الدول والحكومات والمنظمات الدولية. ومن خلال البيان الختامي لقمة دول مجلس التعاون الخليجي في الكويت، وقرارات مؤتمر كوب 16 في الرياض، أظهرت الدول الخليجية التزامًا قويًا بمواجهة هذه التحديات. وعلى الرغم من التحديات العالمية التي تواجه الأجندة المناخية، إلا أن دول مجلس التعاون الخليجي تعد في مكانة جيدة تسمح لها بمواجهة تداعيات التغير المناخي، وتحقيق التوازن بين أمن الطاقة، ونشر مصادر الطاقة المتجددة. كما أنها تمتلك الريادة في منطقة الشرق الأوسط من خلال استثمار مواردها وقدراتها، والاستفادة من الفرص التي توفرها الابتكارات التكنولوجية، والتعاون الإقليمي والدولي لتحقيق التنمية المستدامة وضمان بيئة صحية للأجيال القادمة.

مقالات لنفس الكاتب