إن تحليل التفاعلات بين المغرب ودول الخليج العربي، تتداخل فيه العديد من العوامل التاريخية والدينية والاستراتيجية والاقتصادية والجيوسياسية، والثقافية، ما يجعل هذه العلاقات تحتل مكانة كبرى وتحوز على أولوية استراتيجية لا تخطئها العين. منذ السبعينات من القرن الماضي، ارتبط المغرب بوشائج وثيقة مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وبدرجة أقل باقي دول الخليج العربي، وذلك لاعتبارات روحية ودينية تجعل من هذه الدول والمغرب كتلة واحدة متراصة باعتبار الموحد الديني الذي يتجلى في الإسلام السني في مواجهة تغول المحور الشيعي، ونظرًا للعلاقات التاريخية بين حكام هذه البلدان وتشابه بنياتها السياسية والأمنية والعقدية.
وعلى مستوى العلاقات المتعددة الأطراف، استطاع المغرب أن ينخرط ضمن شراكات قوية مع دول الخليج الست من بوابة منظمة التعاون الخليجي والتي أكدت على أحقية المغرب في صحرائه خلال اجتماع القمة الخليجية في ديسمبر 2004م، وخلال كل الاجتماعات التي حضرها المغرب خاصة أعوام 2011 و2016 و2022 و2024م.
بعد أحداث 2011م، رأى "نادي الدول المستقرة" ضرورة مواجهة الانتفاضات والثورات العربية التي تمكنت من تغيير بعض الأنظمة الجمهورية، ووصل الأمر إلى حد اقتراح انضمام المغرب والأردن كعضوين في منظمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية الخليجية، وبالرغم مع صعوبة تحقيق هذا الاندماج، تم توقيع اتفاقيات استراتيجية مع المغرب تجعل منه امتدادًا طبيعيًا وحيويًا لدول الخليج من الناحية العسكرية والاقتصادية.
إلى جانب الدعم القوي من الولايات المتحدة وعدد متزايد من الدول الإفريقية والاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء في 20 نوفمبر 2020م، يستفيد المغرب أيضًا من دعم الدول الأعضاء الستة في مجلس التعاون الخليجي وتأييدهم للوحدة الترابية للمملكة المغربية. ويتجلى هذا الأمر في الطريقة التي أعربت بها جميع الملكيات العربية بالإجماع عن دعمها للمغرب في اشتباكاته مع "جبهة البوليساريو" بعد وقف إطلاق النار المتوتر الذي دام 29 عامًا، وترى جميع دول مجلس التعاون الخليجي أنه من مصلحتها الوطنية دعم الرباط في هذا الملف. إذن ما هي التحديات الأساسية التي تواجه العلاقات المغربية ـ الخليجية بناء على المحددات الدولية والإقليمية والمصالح المشتركة المتجددة، وعلى ضوء الاستقطابات الدولية والموقف الخليجي من قضية الصحراء المغربية التي يعتبرها المغرب النظارة التي من خلالها يقيم علاقته مع المحيط الإقليمي والدولي؟
أولًا: البعد التاريخي والديني لعلاقة المغرب بدول الخليج العربي
لعل أهم ما يميز العلاقات الخليجية-المغربية ارتكازها على الموحدات الكبرى التي تجمع شعوب ودول الخليج والمغرب بداية من الدين الإسلامي والحمولة الدينية التي تربط الشعب المغربي بالمنطقة خاصة المملكة العربية السعودية ومحبة وشغف الشعب المغربي بالديار المقدسة والتاريخ واللغة والثقافة والحضارة المشتركة والمصير المشترك خاصة في وقت الأزمات، وهذا ما جعل التقارب بين الجانبين ضرورة ملحة ومطلباً شعبياً ورسمياً.
فالمغرب دائماً ما يستذكر بكل خير وقفات التضامن والتأييد الخليجي له، بداية من دعم دول الخليج لاستقلال المغرب من الاستعمار الفرنسي والإسباني أو موقف الدول الخليجية من حدث «المسيرة الخضراء» سنة 1975م، واستكمال الوحدة الترابية للمملكة المغربية، حيث كان هناك إجماع خليجي ودعم أخوي للمغرب دون قيد أو شرط ، وهذا ما أشار إليه بوضوح العاهل المغربي في كلمته أمام القمة الخليجية في الرياض سنة 2016م، متذكرًا تاريخ رحيل المستعمر الإسباني عن الصحراء في سنة 1975م، حيث شاركت في المسيرة بهدف استرجاع المغرب لأقاليمه الجنوبية، وفود من السعودية و الإمارات والكويت وقطر وسلطنة عمان.
ولازالت هذه الحمولة التاريخية والاستراتيجية تهيمن على طبيعة العلاقات المغربية الخليجية، وتجعل منها من الدوائر الإقليمية المفضلة للمغرب لدعم قضاياه ولتحقيق مصالحه الجوهرية، بالمقابل، فالمغرب لم يتوانَ عن الدفاع عن هذه الدول والانخراط في منظوراتها الأمنية وعلى سبيل المثال: المشاركة العسكرية المغربية ضمن قوات التحالف عام 2015م، في الحرب في اليمن. ورغم الأزمة الخليجية التي أرخت بظلالها على العلاقات المغربية ـ الخليجية، استطاع المغرب أن يتجاوز الصعوبات التي فرضها الخلاف الخليجي، ورجعت المياه إلى مجاريها انطلاقًا من وحدة الرؤية وعقلانية قادة دول الخليج والعاهل المغربي محمد السادس.
ثانيًا: البعد الأمني والاستراتيجي
عرفت العلاقات المغربية ـ الخليجية طفرة نوعية مند ما عرف بثورات الربيع العربي عام 2011م، وما تلاها من تعزيز علاقة المغرب بمجلس التعاون الخليجي ككتلة، وكذلك تعزيز العلاقات الثنائية مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر.
ونظراً للتهديد الذي مثلته الانتفاضات لهذه البلدان على المستويين المحلي والإقليمي، سعى مجلس التعاون الخليجي، بقيادة المملكة العربية السعودية، إلى تعميق العلاقات مع المغرب لعدة أسباب، أهمها أن الرياض كانت ترغب أولاً: تقوية علاقتها بدول شمال إفريقيا للتصدي للنفوذ الإيراني، ثانيًا: حاول هذا المحور الإقليمي، تجنب انتقال عدوى الحركات الإسلامية في المنطقة بعد أن اكتسبت جماعة الإخوان المسلمين نفوذاً كبيرًا في مصر ونجحت حركة النهضة في الوصول إلى السلطة في تونس. وثالثًا وأخيراً، كانت تهدف إلى تشكيل تحالف من "نادي الملكيات" لمواجهة هذا المد المتنامي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والتي تتشكل في أغلبها من مجموعات مسلحة وعسكرية.
و ضمن هذا السياق، جاءت دعوة دول الخليج للمغرب والأردن للانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي في عام 2011م، على الرغم من أن الرباط لم تقبل و لم ترفض الدعوة، لاعتبارات تتعلق بعدم واقعية الانضمام لهذا التكتل نظرًا للبعد عن المنطقة جغرافيًا، و كذلك لكون المغرب كان يدافع عن مشروع وتكتل إقليمي آخر هو اتحاد المغرب العربي، و هذا الأمر منصوص عليه في الدستور المغربي لسنة 2011م، باعتبار انتماء المغرب لدول شمال إفريقيا، واعتبار المنطقة تكتلًا جغرافيًا وسياسيًا و استراتيجيًا معقولًا و قابلًا للتحقيق، لكن للأسف ظل المشروع المغاربي مجمدًا منذ إنشائه، بسبب الخلاف المغربي ـ الجزائري و بسبب قضية الصحراء المغربية.
ثالثًا: البعد الاقتصادي للشراكة المغربية ـ الخليجية
يشكل البعد الاقتصادي الوجه الجلي للتعاون بين المغرب ودول الخليج. قبل سنة 2011م، كانت تونس أكثر البلدان المغاربية استقطابا للاستثمارات الخليجية، حيث وصل حجم الاستثمارات فيها تقريبًا إلى 47 مليون دولار أي أكثر من نصف مجموع الاستثمارات في المنطقة، ويأتي المغرب في المرتبة الثانية بــ 18,7 مليون دولار (23% (وكانت معظم الاستثمارات موجهة للقطاع العقاري.
كما ساهمت الدول الخليجية في الاستثمار في المغرب عن طريق الصناديق الخليجية كالصندوق المغربي الكويتي للتنمية (CMKD) والشركة المغربية ـ الإماراتية للتنمية (SOMED)، كما شكل حجم المبادلات التجارية المغربية الخليجية أهمية خاصة نسبيًا. و برغم الارتفاع الملحوظ من جهة الاستثمار المباشر الخارجي (FDI) من دول الخليج في مجموع الاستثمارات المغربية الخارجية من 2% إلى 17 % من سنة 2003 إلى 2008م، فإن حجم المبادلات لا يعبر بقوة عن أهمية العلاقات الاقتصادية، حيث أن معظم المبادلات التجارية للمغرب قبل سنة 2011م، كانت تتم مع الاتحاد الأوروبي، حيث يصدر المغرب لدول الاتحاد أكثر من 70 % من منتجاته و تصل نسبة الاستثمارات الأوروبية في المغرب إلى 80 % مقارنة مع باقي الدول والتكتلات الإقليمية، في حين أن ما حصل عليه المغرب سنة 2008م، بنسبة 70 % من المساعدات والمنح كان مصدرها دول الخليج، وعلى سبيل المثال استفاد مشروع ميناء طنجة المتوسط سنة 2003م، من منحة وصلت إلى 300 مليون دولار مهداة من طرف صندوق أبوظبي للتنمية.
على مستوى القمم العربية، رحب صناع القرار بتعميق العلاقات بين المغرب ودول مجلس التعاون الخليجي لأنها تعزز المصالح الاقتصادية والدبلوماسية للمملكة. وشملت المزايا الاقتصادية بشكل رئيسي الاستثمار الخليجي والمساعدات وتنمية العلاقات التجارية. في الواقع، كانت هناك زيادة ملحوظة في الصادرات المغربية إلى مختلف دول الخليج في أعقاب الانتفاضات العربية كما زادت مساعدات دول مجلس التعاون الخليجي للمملكة خلال هذه المرحلة، حيث تولت المملكة العربية السعودية زمام المبادرة، وقدم مجلس التعاون الخليجي للمغرب خمسة مليارات دولار كمساعدات لتمويل مشاريع التنمية.
في عام 2016م، وقعت المملكة العربية السعودية صفقة بقيمة 230 مليون دولار كمساعدات للمغرب. كما تعد دول الخليج مصدرًا رئيسيًا للاستثمار في المملكة، وخاصة في مجال العقارات. في عام 2019م، جاء 40 % من الاستثمار الأجنبي المباشر للمغرب من دول مجلس التعاون الخليجي، وفي عام 2016م، تعهدت المملكة العربية السعودية باستثمار 22 مليار دولار للدعم والمساعدة في تسليح الجيش المغربي.
كما سمحت الروابط القوية التي تربط المغرب بدول الخليج بتنويع قاعدة تحالفاته بعيداً عن أوروبا وتقليل اعتماده على نفوذ الاتحاد الأوروبي الشريك الاقتصادي الأول للمملكة المغربية، وهذا هدف رئيس للاستراتيجية المغربية يتماشى مع إعادة توجيه السياسة الخارجية للمملكة على مدى العقد الماضي نحو إفريقيا والخليج وشركاء جدد مثل الصين و روسيا ودول أمريكا اللاتينية وأوروبا الوسطى، عملًا بمبدأ تعددية الأقطاب "Multilateralism" و تعزيز العلاقات جنوب-جنوب، كما أن توثيق العلاقات مع دول الخليج مكن المغرب من الاستفادة من دعم دول الخليج لتأكيد مغربية الصحراء.
رابعًا: موقف دول الخليج العربية من قضية الصحراء
أكد قادة دول مجلس التعاون الخليجي في العديد من القمم المشتركة على موقفهم الداعم لمغربية الصحراء ومساندتهم لمبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب كأساس لحل هذا النزاع الإقليمي غير المبرر. كما أعربوا عن رفضهم للمساس بالمصالح العليا للمغرب إزاء المؤشرات الخطيرة التي شهدها ملف الصحراء المغربية في السنوات الأخيرة.
وشكلت القمة المشتركة سنة 2016م، مرحلة جديدة للعلاقات المغربية الخليجية، و عبر عاهل المغرب الملك محمد السادس عن عمق وتاريخية العلاقات بكون دول الخليج والمغرب يواجهان التحديات ذاتها، لا سيما في المجال الأمني و الجيوسياسي، كما أشار في كلمته أمام قادة مجلس التعاون أن هناك مؤامرة تحاك ضد ما تبقى من الدول العربية، وأن ما يمس المغرب يمسّ دول الخليج، مما يتطلب تبني استراتيجية موحدة، وتنسيق المواقف في مواجهة التحديات والتهديدات التي تواجهها المنطقة العربية.
كما أكد المجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية بتاريخ 1 ديسمبر2024م، على "مواقفه وقراراته الثابتة الداعمة لمغربية الصحراء والحفاظ على أمن المملكة المغربية واستقرارها ووحدة أراضيها".
وأشاد المجلس في البيان الختامي الصادر في أعقاب قمته الـ 45 التي عقدت بالكويت بقرار "مجلس الأمن رقم 2756 الصادر بتاريخ 31 أكتوبر 2024م، بشأن الصحراء المغربية"، كما شدد على احترام سيادة الدول وسلامة أراضيها.
إن اصطفاف دول الخليج مع الموقف المغربي إزاء قضية الصحراء المغربية ودعم مبادرة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب منذ 2007م، لإنهاء هذا النزاع المفتعل، يكشف عن رؤية خليجية واضحة تسعى إلى تعزيز العلاقات مع المغرب، اعتبارًا للمصالح المشتركة وعدم السعي لتشجيع سياسات التفرقة والانفصال في الوطن العربي. هذا التطابق في المواقف يشكل تأييدًا قويًا لدول الخليج للمغرب ومنع كل محاولات البوليساريو في اقتحام الأراضي المغربية، كما ينسجم الموقف الخليجي مع الموقف الدولي وخاصة الأمريكي والفرنسي والإسباني الذي ذهب في السنوات الأخيرة إلى تأكيد مغربية الصحراء، وبادرت بعض الدول الخليجية على غرار بعض دول العالم إلى بناء قنصلياتها في كل من العيون والداخلة.
خاتمة
عبر مراحل تاريخية من الارتباط السياسي والاقتصادي والأمني، حققت العلاقات المغربية-الخليجية تراكمات مهمة، و قد كان من المؤمل أن تكون هذه العلاقات نموذجًا متقدمًا من التعاون العربي-العربي، خاصة أنها قامت في مجملها و في جزء أساسي منها على قيم الأخوة والتضامن العربي الذي جسَّدته العلاقات الشخصية التي ربطت ملوك المغرب (خاصة الملك الحسن الثاني) بملوك وأمراء الخليج (الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود والشيخ زايد بن سلطان آل نهيان)، والملك محمد السادس بملوك و أمراء وشيوخ دول الخليج، و قد تجلى هذا الأمر في الدعم الاقتصادي والسياسي الخليجي الذي ظل المغرب يتفرد به مقارنة بباقي الدول العربية، في مقابل مساهمة المغرب في بلورة ملامح النظام الأمني الخليجي عبر التحالفات والمصالح المشتركة التي نسجها مع هذه المنطقة الفرعية من النظام الإقليمي العربي.
لا شك أن الثوابت التي تقوم عليها هذه العلاقات تتجاوز بشكل كبير حجم العلاقات الدبلوماسية التي قد تجمع الدول، لكنها تواجه في الوقت الراهن العديد من التحديات الأمنية والجيوسياسية انطلاقًا من منطقة الخليج والشرق الأوسط ووصولًا إلى منطقة شمال إفريقيا، وهو ما يتطلب توسيع دائرة التعاون بين المغرب ودول الخليج وكذلك تحقيق تفاهمات قوية بخصوص العديد من الرهانات الأمنية والاقتصادية بما فيها مواجهة الحركات المتطرفة التي تدعم أطروحات الانفصال وتسعى لتشتيت المنطقة العربية بمساعدة قوى خارجية.