array(1) { [0]=> object(stdClass)#13667 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 206

بلورت القمة الخليجية رؤية أمنية متكاملة ويبقى مجلس التعاون ركنًا أساسيًا في معادلة الأمن الإقليمي

الخميس، 30 كانون2/يناير 2025

   انعقدت بالكويت مطلع ديسمبر٢٠٢٤م، القمة الخامسة والأربعون لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، ومع شمول مقررات القمة لكافة القضايا المطروحة على الساحات العربية والإقليمية والدولية تبقى للمقررات المتعلقة بأمن الخليج أهمية خاصة تحاول هذه الورقة مناقشة أبعادها، وسوف تنقسم لهذا الغرض إلى جزأين يناقش أولهما الرؤية الشاملة لمنظومة الأمن في الخليج كما وردت في البيان الختامي للقمة، بينما يحلل الجزء الثاني التحديات التي تواجه هذه الرؤية ومحاولات التغلب عليها.

 

أولًا-موقع الأمن الخليجي من مقررات القمة

 

   جاء البيان الختامي للقمة كالعادة شاملًا ضافيًا، ورغم تعدد الإشارات والمواقف في البيان لقضية الأمن الخليجي فإن التوقف عند البند٤٣ بالذات قد يمثل نقطة البداية الصحيحة في هذا الصدد، وقد ورد فيه ما نصه : "أكد المجلس الأعلى على احترام مبادئ السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، استنادًا للمواثيق والأعراف والقوانين الدولية، ورفضه لأي تهديد تتعرض له أي دولة من الدول الأعضاء، مشددًا على أن أمن دول المجلس كل لا يتجزأ وفقًا لمبدأ الدفاع المشترك ومفهوم الأمن الجماعي والنظام الأساسي لمجلس التعاون واتفاقية الدفاع المشترك"، كما أكد على أن أمن دول المجلس "رافد أساسي للأمن القومي العربي، رافضًا التدخلات الأجنبية في الدول العربية من أي جهة كانت"، ويكشف هذا النص الموجز بوضوح أبعاد مفهوم القمة الخليجية لأمن الخليج، وهو مفهوم ثلاثي الأبعاد ضلعه الأول هو احترام مبدأ السيادة الوطنية، ومن ثم عدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ورفض أي تهديد تتعرض له أي دولة من الدول الأعضاء في المجلس، أما الضلع الثاني فيتمثل في إعمال مبدأ الدفاع الجماعي بحيث يكون أمن دول المجلس كلًا لا يتجزأ وفقًا لمبدأ الدفاع المشترك ومفهوم الأمن الجماعي اللذين يمثلان حجر الأساس لأي بنية لحماية الأمن الإقليمي و العالمي، وكذلك اتساقًا مع النظام الأساسي للمجلس الموقع في مايو١٩٨١م، الذي نصت مادته الرابعة على "تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولًا إلى وحدتها"، واتفاقية الدفاع المشترك بين دول المجلس الموقعة في ديسمبر٢٠٠٠م، التي تنص على "عزم الدول الأعضاء على تعزيز التعاون العسكري فيما بينها، ورفع قدراتها الذاتية والجماعية لتحقيق أفضل مستوى من التنسيق لمفهوم الدفاع المشترك"، وتبقى للضلع الثالث دلالة خاصة، وهو ذلك المتعلق بالتأكيد على أن أمن الخليج رافد أساسي للأمن القومي العربي، وما يترتب على هذا من رفض للتدخلات الأجنبية في الدول العربية من أي جهة كانت، ذلك أن تأسيس المجلس أفضى إلى جدل دار حول تأثير أي تجمع فرعي عربي على الأمن القومي العربي ككل، وظهرت في هذا الجدل وجهتا نظر متباينتان رأت أولهما أن مبدأ التجمعات الفرعية يأتي على حساب الأمن القومي العربي ككل لما يمكن أن يفضي إليه من عزلة خليجية عن السياق العربي العام، بينما رأت الثانية بحق أن العكس هو الصحيح لأن تقوية الجزء تفضي لتقوية الكل، طالما أن الجزء يعي بالارتباط الموضوعي بينه وبين الكل، ويؤكد عليه، ويعمل وفقًا له، وهي وجهة النظر التي أكدها الواقع العملي لاحقًا، كما تم بالفعل في مواجهة التحديات الرئيسية التي تعرض لها أمن الخليج كالحرب العراقية-الإيرانية (١٩٨٠-١٩٨١م)، والغزو العراقي للكويت١٩٩٠م، وها هي القمة الخامسة والأربعون تواصل التأكيد على هذا المعنى المهم، وهكذا عززت القمة هذه الرؤية المتكاملة لأمن دوله، والتي تجمع بين أمن كل دولة على حدة، والأمن الجماعي لدوله كافة، والارتباط بالأمن القومي العربي ككل.

 

ثانيًا-نظرة عامة إلى التحديات الأمنية

 

   انعقدت القمة الخليجية الخامسة والأربعون في ظروف أقل ما توصف به بأنها استثنائية على كل المستويات، تنطوي على تهديدات ماثلة وأخرى محتملة للأمن في الإقليم تتعدد مصادرها على نحو ظاهر، وتكفي الإشارة إلى أن القمة قد انعقدت بعد أن تجاوز أمد المواجهات الأخيرة مع إسرائيل السنة عمرًا، ورغم أنها انعقدت بعد أيام قليلة من اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، إلا أن هذا لم يكن يعني بأي حال أن تهديدات الأمن النابعة من استمرار الصراع مع إسرائيل قد انتهت، فمن ناحية وبغض النظر عن عدم التأكد من صلابة اتفاق وقف إطلاق النار فإن تأزم الأوضاع في غزة قد استمر، وقد اعتقد البعض أن فقدان المقاومة في غزة الدعم المترتب على إشغال المقاومة اللبنانية إسرائيل، بعد أن تم وقف إطلاق النار، سوف يؤدي إلى انهيار لفصائل المقاومة في غزة، غير أن المقاومة استمرت، بل بدا وكأنها آخذة في التصاعد على نحو أحيا من جديد مفاوضات التوصل إلى هدنة بينها وبين إسرائيل، وهو ما تُرجم لاحقًا في إعلان التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والرهائن بين الطرفين في منتصف يناير٢٠٢٥م، الأمر الذي يطرح تحديات جديدة تتعلق بالحفاظ عليه وضمان تنفيذه، والأهم ضمان حل المشكلة الفلسطينية بأكملها، بما في ذلك الضفة الغربية بطبيعة الحال التي لم يتطرق إليها الاتفاق الخاص بغزة، وثمة هواجس حقيقية بشأن النوايا الإسرائيلية وبالذات في ظل حكومتها المتطرفة الحالية، وما إذا كانت سوف تنفذ التزاماتها بحسن نية، أم أنها اضطُرت للموافقة على الاتفاق لعجزها عن تحرير الرهائن بالقوة لأكثر من سنة، وأنها بمجرد استكمال تحريرهم سوف تعاود القتال تحت أي ذريعة، ويُلاحظ أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يلمح كثيرًا إلى هذا المعنى بإصراره على أن إسرائيل مصممة على تحقيق جميع أهداف الحرب، وحدها الأدنى المعلن هو اجتثاث المقاومة، أما حدها الأقصى فلا يعلمه يقينًا إلا الله.

   وثمة بؤرة ثانية تمثل مصدرًا لتهديدات محتملة تنبع من بعض الإشكاليات المتعلقة بإيران التي انطوت تطورات المواجهة اللبنانية-الإسرائيلية على توجيه ضربات موجعة لحليفها "حزب الله" صحيح أنه صمد بعدها في المواجهة مع إسرائيل، لكن نفوذه في الداخل اللبناني، ومن ثم النفوذ الإيراني، قد تراجع بوضوح، ثم وقع بعد انعقاد القمة بأسبوع ذلك التطور المفصلي الخاص بإسقاط نظام الأسد في سوريا الذي دام لأكثر من نصف قرن، والمهم من المنظور الحالي لهذا التحليل أن نظام الأسد كان صديقًا أو حتى حليفًا لإيران، وبالتالي فإن سقوطه مثل خصمًا واضحًا من النفوذ الإيراني في المشرق العربي، وبالذات في سوريا ولبنان، ومن المعروف أن إيران كانت منخرطة في المواجهة الأخيرة مع إسرائيل لدرجة تبادل الهجمات المباشرة بينهما مرتين، ويمكن القول بأن نجم إيران قد صعد على نحو ملحوظ في السنة الأولى للقتال، حين ظهرت باعتبارها منسق المواجهة التي بدأت في ٧أكتوبر٢٠٢٣م، مع إسرائيل، والتي عجزت فيها الأخيرة عن تحقيق أهدافها إلى أن قامت بضرباتها الموجعة لحزب الله اعتبارًا من سبتمبر٢٠٢٤م، ومن ثم فإن تراجعًا قد حدث للنفوذ الإيراني في لبنان وسوريا، وبالذات بعد سقوط نظام الأسد، ويرى البعض أن هذا التراجع قد يفتح شهية إسرائيل في ظل حالة النشوة التي تمر بها بعد هذه التطورات الأخيرة، ويدفعها للتصور بأنها قادرة على حسم ملف التهديد الإيراني لها بالإجهاز على القدرات الإيرانية النووية على نحو كامل، وهو احتمال وارد بطبيعة الحال، وإن كنت أظن أن إسرائيل لا يمكن أن تقدم وحدها على هذا العمل دون ضوء أخضر من ساكن البيت الأبيض الجديد، والذي روج لفكرة إنهاء الحروب في عهده وهي فكرة ظلت غامضة حتى كتابة هذه السطور، وذلك لأن الحروب بفرض توفر إرادة إنهائها لا تنتهي بطريقة واحدة، بمعنى أنها يمكن أن تُحْسَم لمصلحة أحد طرفيها دون الآخر، وبغض النظر عن الحسابات المعقدة لاحتمالات مواجهة إيرانية-إسرائيلية قادمة فإن ضرورة التحسب الكامل لها ولتداعياتها على الأمن الخليجي والعربي والإقليمي عامة ليست اختيارًا، خاصة وأن لدول مجلس التعاون الخليجي هواجسها الخاصة المشروعة تجاه المسألة النووية الإيرانية.  

   ويأتي بعد ذلك التحدي النابع من الأوضاع غير المستقرة في عدد من الدول العربية، والتي وصلت إلى حد حالة من الانقسام الفعلي تمر بها هذه الدول منذ سنوات، دون وجود مؤشرات قريبة على إمكان تجاوزها، ويمكن أن نحدد بسهولة الأوضاع في ليبيا واليمن وسوريا، وكذلك يمكن إضافة السودان الذي يشهد منذ أبريل٢٠٢٣م، صدامًا داميًا بين الجيش وقوات الدعم السريع، وهو صدام لا يعصف بالاستقرار في السودان فحسب، وإنما يمكن أن يهدد وحدته الإقليمية، ولا شك أن تداعيات هذه الصراعات الإقليمية على الأمن في المنطقة شديدة الوضوح، وبالذات من منظور أنها استقطبت تدخلات عربية وإقليمية شتى كانت لها بدورها تداعيات على الأمن الخليجي والعربي والإقليمي لابد من التحسب لها، لأن إدارة المواقف تجاه هذه الصراعات يجب أن تراعي حسابات معقدة تتعلق بمصالح قوى وازنة على الصعيدين الإقليمي والدولي، وتبقى التطورات الأخيرة التي وقعت في سوريا مؤخرًا مرشحة لأن تكون لها تداعيات مؤثرة على معادلات الأمن في المنطقة، ذلك أن التغيير الذي وقع بسوريا في ٨ديسمبر الماضي، والذي لم تكتمل أركانه بعد، قد تم على أيدي فصائل مسلحة متعددة بقيادة هيئة تحرير الشام، وتتبنى هذه الفصائل مرجعيات إسلامية سنية تجعلها قريبة من تركيا التي كان دعمها لعملية التغيير التي تمت شديد الوضوح، كما أن وزير دفاع إسرائيل تباهى بأنها أسقطت نظام الأسد، وهكذا يمكن القول بأن الحكم الجديد في دمشق قد مثل دفعة للنفوذ التركي في الإقليم، وأفضى إلى تراجع واضح في النفوذ الإيراني بالإضافة إلى الروسي بطبيعة الحال، ناهيك بالجدل حول قدرة ذلك الحكم على التمرد على ماضيه الذي أوصله إلى التصنيف ضمن لائحة الإرهاب.

   وثمة سيناريوهات عديدة لمستقبل التطورات الحالية في سوريا في سياق عملية بناء نظام جديد فيها، فهناك أولًا سيناريو عدم الاستقرار الداخلي الذي قد تشهده سوريا في أكثر من حالة، كقدرة بعض بقايا النظام القديم على إثارة قلاقل داخلية، أو عدم التوافق بين الفصائل التي استولت على السلطة على معادلات التوازن والنفوذ بينها، أو عدم النجاح في إيجاد صيغة جديدة للحكم مقبولة من جميع القوى في الساحة السورية، أو حدوث تدخلات خارجية مربكة، كما في حالة الفشل في إيجاد حل للمسألة الكردية بما يفضي لتدخل عسكري تركي تم التهديد به مرارًا وهكذا، ومن ناحية أخرى فإن هناك احتمال لوجود تداعيات للتطورات الأخيرة في سوريا خارج حدودها، فمن المعروف أن لحكام دمشق الجدد توجهاتهم السياسية الخاصة ذات المرجعية الإسلامية، وهم يتبنون نموذجًا سياسيًا معينًا مبنيًا على هذه المرجعية، ومجرد نجاحهم قد يمثل دافعًا للفصائل المشابهة لهم في دول عربية أخرى، وهو ما يثير احتمال تكرار نموذج التغيير الذي وقع في سوريا في بلدان أخرى تسود فيها ظروف تيسر احتمال تكرار النموذج السوري فيها، ويعني كل ما سبق أن الإقليم بات محملًا بمصادر عديدة لتهديد الأمن، ويثير هذا بطبيعة الحال هواجس أمنية محددة لدى أطراف عديدة في الإقليم تتطلب يقظة وتحسبًا لكافة الاحتمالات.

 

ثالثًا-آليات المواجهة

 

   بلورت القمة الخامسة والأربعون لمجلس التعاون الخليجي إذًا منظومة لرؤية متكاملة لمفهوم الأمن الخليجي تضعه في سياقه الوطني والخليجي والعربي عامة، لكن الواقع الذي يُفترض أن هذه الرؤية سوف تتعامل معه من أجل الحفاظ على هذا الأمن يُفترض على نحو ما بيَّن التحليل السابق أنه واقع بالغ التعقيد، مُحّمَّل بمصادر للصراع على المستويات الداخلية والعربية والإقليمية، ولذلك فإن وضع هذه المنظومة موضع التطبيق يتطلب جهدًا حقيقيًا وتحوطًا استراتيجيًا رفيعًا، حتى يمكن تحقيق الأهداف التي صُممت من أجلها هذه الرؤية، ويمكن أن نستشف من مقررات القمة أربعة محاور لتعزيز آليات المجلس في مواجهة التحديات السابقة.

   ويتعلق المحور الأول بما ورد في مقررات القمة بشأن تقوية المجلس ذاته، بحيث يكون أكثر قدرة على مواجهة التحديات الأمنية، ويتصل بهذا ما ورد في البند١٩ بخصوص رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ، لتعزيز العمل الخليجي المشترك التي أقرها المجلس الأعلى في دورته٣٦ في ديسمبر٢٠١٥م، وأكد المجلس على التنفيذ الكامل والدقيق والمستمر للرؤية بما في ذلك استكمال مقومات الوحدة الاقتصادية والمنظومتين الدفاعية والأمنية المشتركة، وتنسيق المواقف بما يعزز من تضامن واستقرار دول مجلس التعاون والحفاظ على مصالحها، ويجنبها الصراعات الإقليمية والدولية، ويعزز دورها الإقليمي والدولي من خلال توحيد المواقف السياسية، وتطوير الشراكات الاستراتيجية مع المجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية والدولية والدول الشقيقة والصديقة، كذلك واصل المجلس وفقًا للبند٢١ من بيانه الختامي متابعته لقراره في دورته٣٣ بشأن مقترح الملك عبد الله بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ بالانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، وكلف المجلس الوزاري ورئيس الهيئة المتخصصة باستكمال الإجراءات اللازمة لذلك، وبصفة عامة أكد البيان الختامي في البند٢٢ حرصه على قوة وتماسك المجلس، ووحدة الصف بين أعضائه، وتحقيق المزيد من التنسيق والتكامل والترابط في جميع الميادين، مؤكدًا على وقوف دوله صفًا واحدًا في مواجهة أي تهديد تتعرض له أي من دوله، وكلها قرارات تعكس توجه المجلس لتقوية كيانه بما يجعله أكثر قدرة على مواجهة التحديات والتهديدات التي تنطوي عليها الأوضاع الراهنة في المنطقة، ويتسق مع هذا التوجه ما ورد في البند٣٧ من البيان الختامي للقمة بخصوص إقرارها توصيات مجلس الدفاع المشترك في دورته٢١، والتعبير عن ارتياحها لسير العمل المشترك لتحقيق التكامل العسكري بين القوات المسلحة لدول المجلس، وثنائها على ما تم عقده من تمارين مشتركة واجتماعات تنسيقية خلال عام٢٠٢٤م.

   وأكد المحور الثاني على مكافحة الإرهاب، وهو الخطر الذي لا يمكن رغم ما تم من نجاحات في مواجهته التغافل عنه، على الأقل بحكم أن هناك قوى بعينها راعية له، تمده بأسباب البقاء، وتهيئ له مناخ التحريض، وفي هذا الصدد أكدت القمة في بيانها الختامي (بند٨٩) مواقفها وقراراتها الثابتة تجاه الإرهاب والتطرف أيًا كان مصدره، ونبذه بكافة أشكاله وصوره، والعمل على تجفيف مصادر تمويله، ودعم الجهود الدولية لمحاربة الإرهاب، وأدانت القمة كافة الأعمال الإرهابية، وأكدت على أهمية التنسيق الدولي والإقليمي لمواجهة الجماعات الإرهابية والميليشيات الطائفية التي تهدد الأمن وتزعزع الاستقرار، كما أدانت (بند٩٢) استمرار الدعم الأجنبي للجماعات الإرهابية والميليشيات الطائفية في منطقة الشرق الأوسط التي تهدد الأمن القومي العربي، وتزعزع الاستقرار في المنطقة، وتعيق الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب، وكلها مواقف تعزز قدرة المجلس على مواجهة التحديات الإرهابية، والتصدي للمخاطر الناجمة عنها.

   وركز المحور الثالث على المكانة المركزية للقضية الفلسطينية، وبطبيعة الحال فإن لهذه القضية أهميتها الاستثنائية من المنظور الأمني باعتبار أن تعقيداتها تمثل أكبر مصدر محتمل للتهديدات، ليس فقط لفلسطين وجوارها المباشر فحسب، وإنما للإقليم ككل، بل للأمن الدولي، وذلك بالنظر إلى ما رأيناه من تعقيدات المواجهة، وانخراط قوى إقليمية وعالمية فيها على نحو كانت له تداعياته الأمنية الواضحة، ويلفت في البيان الختامي للقمة بالإضافة إلى تأكيده على المواقف الثابتة للمجلس من القضية اهتمامه بالآليات التي من شأنها تعزيز جهود تسويتها و/أو حلها، ومنها مبادرة ملك البحرين في الدورة٣٣ للقمة العربية التي عُقدت في المنامة بالدعوة لعقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط لإقامة الدولة الفلسطينية، ودعم جهود الاعتراف الدولي بها، وقبول عضويتها الكاملة في الأمم المتحدة، كما أكد المجلس على دعوة القمة لنشر قوات حماية وحفظ سلام دولية تابعة للأمم المتحدة في الأرض الفلسطينية المحتلة إلى حين تنفيذ حل الدولتين، ودعا مجلس الأمن لإصدار ملزم تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة يضمن الامتثال الإسرائيلي للوقف الفوري لإطلاق النار والإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، كذلك دعم المجلس الأعلى للجهود السعودية في إطلاق "التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين" في سبتمبر٢٠٢٤م، بالمشاركة مع النرويج والاتحاد الأوروبي لوضع جدول زمني لتجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة، ورحب بنتائج اجتماعي التحالف في الرياض وبروكسل في أكتوبر ونوفمبر الماضيين، وأكد على أهمية استمرار اللجنة الوزارية العربية الخاصة بدعم دولة فلسطين في عملها، وكلها آليات من شأن نجاحها نزع فتيل العنف من القضايا التي مازالت معلقة في الصراع مع إسرائيل.

   وتقدم المعالجة التي انطوى عليها تعامل القمة في العلاقات مع إيران نموذجًا واضحًا للطريقة الرشيدة التي يتعامل بها مجلس التعاون مع هذه العلاقات بما يحفظ من جانب الحقوق العربية كما في مسألة الاحتلال الإيراني للجزر الإماراتية، والادعاءات الخاصة بالملكية المشتركة لبعض مصادر الثروة الطبيعية كحقل الدرة، والهواجس الخاصة بالملف النووي الإيراني، وضرورة التوصل لتفاهمات بناءة بشأنه بما يحافظ على أمن دول المنطقة واستقرارها، واستعداد دول المجلس للتعاون بشكل فعال في هذا الشأن، وكذلك اهتم البيان الختامي للقمة بضمان أمن الممرات المائية في المنطقة المعروفة مصادر تهديدها، وفي الوقت نفسه يواصل المجلس من جانب آخر الرغبة الصادقة في استمرار التعاون مع إيران في قضايا السلم والأمن الإقليمي بما يضمن العيش الآمن المشترك، كما ظهر في التطورات الإيجابية الأخيرة في العلاقات بين دول المجلس وإيران، وهو ما انعكس على إبداء المجلس الأعلى قلقه البالغ جراء التصعيد العسكري في المنطقة بما في ذلك الهجمات الصاروخية على إيران في أكتوبر الماضي، وتأثيرها السلبي على الأمن الإقليمي واستقراره، وشدد المجلس في هذا السياق على أهمية خفض التصعيد للمحافظة على أمن المنطقة واستقرارها، كما تبنت القمة تجاه الصراعات الداخلية في بعض البلدان العربية كليبيا واليمن والسودان وسوريا المواقف الكفيلة بضمات عدم تصعيدها، والعمل على تسويتها، كي لا تمثل مصدرًا إضافيًا لتهديد الأمن الإقليمي، وبالذات من خلال التدخلات الخارجية فيها، علمًا بأن توقيت انعقاد القمة كان سابقًا على التطورات السورية الأخيرة الخاصة بإسقاط نظام الأسد.

 

خاتمة

   بلورت القمة الخامسة والأربعون لدول مجلس التعاون الخليجي رؤية شاملة متكاملة للحفاظ على الأمن الخليجي والعربي والإقليمي، وتبنت من المواقف والآليات ما يوفر أفضل الظروف لوضع هذه الرؤية موضع التطبيق، وتحقيق الغايات المرجوة منها، ومع مضي المجلس قدمًا في تعزيز قدراته الذاتية، وارتياد آفاق التعاون مع الجهود العربية، ومواصلة نهج الانفراج على قوى المحيط الإقليمي في إطار التمسك بالثوابت الخليجية والعربية، وتعزيز الشراكات الدولية النزيهة، يبقى المجلس ركنًا أساسيًا في معادلة الأمن الإقليمي في المنطقة.

مقالات لنفس الكاتب