array(1) { [0]=> object(stdClass)#13667 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 207

المخاوف من تقسيم السودان في ظل ارتفاع وتيرة العنف وتأثير التدخل الخارجي

الخميس، 27 شباط/فبراير 2025

أعطت دراسات توقع الصراعات مؤشرًا بأن وجود الميليشيات المسلحة في داخل أركان الدولة هو أحد الآليات المدعمة لتصعيد الصراعات أو اندلاعها على حد السواء، وهو ما انطبق على الحالة الصراعية للسودان وتجاذبت الأنظار الدولية والإقليمية الاهتمام بالصراع لما يمثله موقع السودان الاستراتيجي بإطلالته على البحر الأحمر ولوقوعه في منطقة إقليمية صراعية، كل ما سبق كان من العوامل المؤثرة على مجرى الأحداث في الصراع.

والجدير بالذكر أن التقدم التي أحرزته قوات الدعم السريع سرعان ما تداعى في أواخر الأحداث وانقلب الوضع لصالح القوات المسلحة السودانية، وما وصلت إليه الحرب يستدعي قراءة أدوات القوات المسلحة السودانية للحفاظ على مكتسبات الحرب، ومدى استمرارية الحرب في ظل استماتة الدعم السريع في الوصول إلى مكتسبات كبيرة والإطاحة بالبرهان، كما أن القراءة التحليلية لعوامل تقدم الدعم السريع في بداية الصراع، وتوازن القوى وتحليل مفردات الأحداث الأخيرة، سيضعنا أمام سيناريو مستقبلي للحرب السودانية.

أولاً: تقدم الدعم السريع في بداية الصراع......الأسباب والعوامل

جاءت مظاهر التقدم لصالح قوات الدعم السريع واضحة في بداية الحرب حيث بدأ الاشتباك المسلح في جنوب العاصمة السودانية الخرطوم ثم وقعت اشتباكات أخرى في أماكن أخرى من بينها مدينة مروي شمال البلاد، وامتدت الاشتباكات إلى مناطق أخرى جنوب العاصمة، ووصلت أيضاً إلى مدينة أم درمان وتم نشر مدافع ومركبات مدرعة، في ذات الوقتِ الذي كانت هناك اشتباكات متفرقة ومتقطّعة في العاصمة، ومع كل هذا التقدم إلا أن المتغير الرئيسي الذي اتجهت إليه كل أنظار العالم هي الاشتباكاتٌ التي وقعت بالقربِ من مقر إقامة عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي في جمهورية السودان، وكان الرد السوداني بإغلاق كافة المنافذ المؤدية إلى القصر الرئاسي واستخدام الأدوات الإعلامية للرد على إعلام الدعم السريع للوصول إلى وصفهم بالجماعات المتمردة واحتدمت الحرب الإعلامية المثبطة للشعب السوداني بالاستيلاء على القصر الرئاسي، وسرعان ما بدأت الأمور تتجه إلى اشتباكات استطاعت من خلالها القوات المسلحة السودانية السيطرة على عدد من الأراضي وتحقيق مكاسب استراتيجية، وتم الاستدلال على العوامل التي ساعدت جيش الدعم السريع في تحقيق التقدم الأولي في العوامل التالية:

  • تعد نقاط الضعف الرئيسية في الدول الإفريقية عامة والسودان بصفة خاصة هي تتعدد الحركات العسكرية في السودان نتيجة الحروب الأهلية الممتدة منذ الاستقلال عام 1956م، وهي حوالي 87 حركة مسلحة منتشرة في السودان منها 84 حركة في دارفور، وهذا العدد الكبير يكفي لاستمرارية وتنوع الصراعات ضد الدولة أو الحكومة، ويدعم ذلك الاختلاف النوعي للحركات العسكرية التي تكون ما بين حركات عسكرية داخل مؤسسة رسمية وفصائل مسلحة غير نظامية وميليشيات، بعضها أُنشئ بواسطة حكومات البلاد عبر فترات مختلفة، وأخطر تلك الحركات المنضمة للكيان العسكري الرسمي الأمر الذي يحول أي خلاف إلى انقلاب على الجهة الحاكمة .

والجدير بالذكر تصنف حركات الدعم السريع كجزء من قادة الجنجويد وتغير اسم الجنجويد إلى قوات الدعم السريع بعد أن تم إضفاء الشرعية عليها، وهذه بداية مؤشر اندلاع الصراعات.

  •  العنف في أرض المعركة ضد المدنيين: إن تاريخ حميدتي به عدد لا بأس به من الأحداث السلبية منها أنه أصبح قائدًا لقوات الدعم السريع وحصل على رتبة لواء وهو لم يبلغ 40 عامًا ولم يحصل على تعليمه الأساسي، والجانب الآخر هي الجرائم التي ارتكبها خلال حرب دارفور الثانية عامي 2014 و2015م، والتي شملت القتل والتعذيب والاغتصاب والإخفاء القسري، وسلب ونهب الممتلكات، بالتالي فإن العنف يساعد على تحقيق مكاسب سريعة على أرض المعركة مستهدفًا في ذلك نوع من الترهيب للجنود والمدنيين.
  • نفوذ حميدتي: أثناء محاولة الإطاحة بالبشير قام بها هلال بمعاونة حميدتي، وفي نفس العام صدر قانون ينص على ضم قوات الدعم السريع للقوات المسلحة وأن تأخذ أوامرها من البشير الذي أصبح حميدتي من المقربين منه. وسرعان ما توسعت نفوذ حميدتي الذي أصبح المتحكم في مناجم الذهب في دارفور هو وعائلته.
  • عنصر المفاجأة التي صنعها الدعم السريع أمام قوات الجيش النظامي تحسم بعض المعارك وتحقق تقدم كما تم الإشارة إليها مسبقًا، لكن استمرارية التقدم يعود إلى قدرة القوات السودانية على تدارك قوتها وعلى وسرعة الرد على تلك الحركات ودرجة الصمود في أرض المعركة، بالإضافة إلى الدعم الإقليمي والدولي لأطراف المعركة وموازين القوة العسكرية.

ثانيًا: توازن القوى وما آلت إليه الأحداث

جاءت الأحداث الأخيرة بموازين جديدة لصالح الجيش السوداني في تطور نوعي وتكتيكي قامت به القوات المسلحة السودانية، وكانت الأسباب الأولية لنجاح القوات المسلحة السودانية ممثلة في دعم القوات المشتركة والمساندة، ودعم شعب السودان لهم، ومحاصرة المتمردين وقطع طرق الدعم في مختلف المعارك، وهو ما جعل قيادة الدولة بعد مشاورات واسعة مع القوى الوطنية تدعو لخريطة طريق للإعداد لمرحلة ما بعد الحرب واستئناف العملية السياسية الشاملة بعقد الانتخابات العامة.

 تقدم الجيش السوداني في العاصمة الخرطوم لحسم المعركة فيها لصالحه، فيما قام بتنفيذ غارات جوية على مدينة الفاشر استهدفت مناطق تتمركز فيها وحدات لقوات الدعم السريع في مدينتي ديالا والضلعين، كما استهدفت المقاتلات الجوية 3 شاحنات تقل مقاتلين من قوات الدعم السريع.

خريطة رقم(1) مناطق العنف السياسي بالسودان

المصدر: https://acleddata.com/conflict-watchlist-2025/sudan

ويتضح من الخريطة رقم (1) العمليات العسكرية المتمركزة في مناطق في الخرطوم والجنوب والغرب حيث قصف الجيش مواقع لقوات الدعم السريع في الخرطوم وأم درمان، وشهدت منطقة جسر سوبا معارك عنيفة، بالإضافة إلى محاصرة جسر المنشية الواصل بين شرق النيل وقلب العاصمة الخرطوم، وسط تحليق كثيف للطيران الحربي.

ومن الملاحظ أن الجيش السوداني سعى لحسم معركة العاصمة لصالحه، بعد تغييرات كبيرة في مراكز القوى وسيطرته على مواقع استراتيجية، مستغلاً ضعف الدعم السريع نتيجة نقص التمويل والغياب الإعلامي الطويل لحميدتي.

إن موازيين القوى الحالية تصب لصالح الجيش السوداني على الرغم من نفوذ حميدتي، وحجم وتسليح قوات الدعم السريع الذي يدفعه من الذهب والاستثمارات، كما يدفع رواتب الجنود من هذه الاستثمارات  الذين يقدروا بحوالي 100 ألف جندي مقاتل، ولديها قواعد في كل ولايات السودان تقريبًا، وتعد تطورًا لميلشيا الجنجويد التي ظهرت كقوة لمواجهة الحركات المسلحة التي تمردت بدعوى التهميش السياسي والتنموي، وكانت هذه الحركات قوامها الأساسي من القبائل الإفريقية مثل الزغاوة والفور، بينما تم تشكيل الجنجويد بشكل أساسي من القبائل العربية بقيادة موسى هلال ابن عم حميدتي زعيم قبيلة الرزيقات، التي تنقسم إلى ثلاثة فروع رئيسية، هي المحاميد والماهرية والنوايبة، كل ما سبق يعطيها قدر من القوة أمام الجيش السوداني حيث يصل عدد أفراد الجيش السوداني إلى 194 ألف جندي، منهم حوالي 92 ألف جندي أساسي، إضافة إلى 85 ألف جندي في قوات الاحتياط، و17 ألف جندي قوات شبه نظامية. وتضم القوات الجوية السودانية 170 طائرة حربية، من بينها 45 مقاتلة، ويمتلك السودان 32 طائرة هجومية، و14 طائرة شحن عسكري، إضافة إلى 15 طائرة تدريب، بينما يصل إجمالي المروحيات العسكرية التي يمتلكها الجيش السوداني إلى 64 مروحية، من بينها 35 مروحية هجومية، ولديه 67 مطارًا صالحًا للاستخدام العسكري. ويمتلك الجيش السوداني 233 دبابة، و343 مركبة لإطلاق الصواريخ، و75 مدفعا ذاتي الحركة، و125 مركبة سحب يدوي، وأكثر من 3,600 مركبة عسكرية متنوعة، إلى جانب أسطول بحري صغير يتراوح بين 10-12 قطعة، وبالرغم من غلبة موازين التسلح لصالح الجيش السوداني لكن تظل التكتيكات العسكرية ودعم الأدوار الدولية والإقليمية هي الفاصلة على أرض المعركة.

ثالثاً: الأدوار الدولية الإقليمية والسيناريوهات المتوقعة

من المعروف ارتفاع عدد الأدوار الدولية والإقليمية في السودان نتيجة ارتفاع الموارد هناك ومصالح كل من الدول الإقليمية والدولية، بالإضافة إلى أن تعتبر قوات الدعم السريع قوات عابرة للحدود حيث شاركت بفاعلية في حرب اليمن عام 2015م، كما قاتلت أيضًا في ليبيا إلى جانب اللواء خليفة حفتر في الشرق. وما تم ذكره في الإعلام وتردد عن الأدوار الداعمة لطرفي الصراع ممثلة في كل من الإمارات ومصر وإثيوبيا وإيران وروسيا، وما قيل من مصالح خليجية تهدف إلى ضخ استثمارات في قطاعات منها الزراعة هناك، والموانئ على ساحل البحر الأحمر أكدته العديد من الأحداث، إضافة إلى سعي روسيا لبناء قاعدة بحرية على البحر الأحمر، ودعم الإمارات لقوات الدعم السريع بأسلحة، كما أرسلت إيران دعمًا عسكريًا للجيش.

 على الجانب الآخر تؤيد مصر بشكل رسمي موقف الجيش السوداني للحفاظ على شرعية الدولة والحفاظ على السودان من التفتيت، والتصريح الأخير لترامب بأنها لن تسمح للسودان بأن تكون معقلًا للإرهاب يؤشر لارتفاع الأدوار والتدخلات الدولية، وفي سياق آخر تعتبر مؤشر على استمرارية الصراع. 

رسم بياني رقم (1) اتجاهات التصعيد في الصراع وتوقعات عام 2025

مصدر: https://acleddata.com

وكما هو موضح بالرسم البياني فإن التوقعات تسير في إطار استمرارية الحرب في السودان. وهناك عدد من المؤشرات منها ما يلي:

  • على الرغم من أن القوات المسلحة السودانية قد حصدت مكاسب في ولايات الخرطوم والجزيرة، إلا أن احتمالات السلام ضئيلة. ولم تحقق مبادرات السلام التي اتخذتها الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والاتحاد الإفريقي حتى الآن أي نتائج ذات معنى حيث يضع البرهان انسحاب قوات الدعم السريع من جميع المناطق التي تسيطر عليها كشرط مسبق للعودة إلى طاولة المفاوضات، وهو شرطاً غير قابل للتفاوض بالنسبة للدعم السريع، وهو ما يدفع الطرفين إلى جمود موقفهما.
  • إن اعتقاد الطرفين بأنهما قادران على الفوز في الحرب سيؤكد مواصلة القوات المسلحة السودانية حملاتها الهجومية في الخرطوم وسنار والجزيرة لكسر مواقع قوات الدعم السريع المتبقية، على الجانب الآخر من المرجح أن تضغط قوات الدعم السريع على الفاشر للسيطرة الكاملة على دارفور واقصاء الجماعات الأخرى من المنطقة.
  • فتحت إريتريا حدودها وأنشأت معسكرات تدريب للقوات المتحالفة مع القوات المسلحة السودانية في الشرق، مما عزز نفوذها على طول ساحل البحر الأحمر. وقد أثارت هذه التحركات مخاوف من احتمال نشوب صراعات في المنطقة من جديد. ويؤكد اتجاه التقسيم أيضاً الهيكل اللامركزي والمنظم لقوات الدعم السريع، حيث لا يضمن هيكلها وجود سلسلة قيادة متماسكة، إضافة إلى أن مستوى التنسيق بين قادة الميليشيات المتوسطة منخفض.
  • تورط الإسلاميين الموالين لعمر البشير الذين يرفضون فكرة الحكومة العلمانية ويسيطرون على المناصب الرئيسية في القوات المسلحة السودانية إلى لعب دورًا كبيرًا في الصراع. وقد دفع هذا الوضع الإمارات إلى دعم قوات الدعم السريع كوسيلة لمواجهة الأجندة الإسلامية في السودان. كما يمتد قتال الإمارات ضد الجماعات الإسلامية إلى القرن الإفريقي ومنطقة ليبيا والساحل: فهي تدعم القوات المسلحة غير الحكومية أو الدول التي تحارب الجماعات الإسلامية مثل حركة الشباب والدولة الإسلامية من خلال زيادة قدرتها العسكرية أو توفير التدريب والأسلحة. وفي السودان، يقال إن الإمارات العربية المتحدة، التي تدعم قوات الدعم السريع، هي اللاعب الأجنبي الأكثر بروزاً في الصراع. إلى جانب مواجهة الحركة الإسلامية، تخدم قوات الدعم السريع مصالح الإمارات العربية المتحدة من خلال توفير المقاتلين للمعارك ضد الحوثيين في اليمن ومساعدة الجنرال خليفة حفتر في الجيش الوطني الليبي، مما يسمح لقوات الدعم السريع بتوسيع عملياتها على طول الحدود مع ليبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى.

وبالتالي، تهدف ـ كما يتردد ـ مساعدة الإمارات لقوات الدعم السريع إلى تشكيل المشهد السياسي في السودان والتأثير على المنطقة الأوسع لكبح الحركات الإسلامية وحماية المنتجات الزراعية الإماراتية في السودان لمعالجة أمنها الغذائي. تريد الإمارات ربط استثماراتها الزراعية في السودان بميناء أبو أمامة على البحر الأحمر، حيث استثمرت حتى الآن أكثر من 6 مليارات دولار. ومن المرجح أن يؤدي هذا الدعم الثابت إلى إطالة أمد الصراع، مما يؤثر سلبًا على مفاوضات السلام.

ومع فرض سيناريو استمرار الحرب إلى أجل غير مسمى، يزداد خطر تقسيم السودان بشكل متزايد في عام 2025م، حيث تستعد العديد من الجماعات المسلحة لملء فراغ السلطة في جميع أنحاء البلاد وترسيخ نفسها كمقدمة للأمن. كما ظهرت قوات المقاومة الشعبية كميليشيات مسلحة تتكون من مدنيين مسلحين في عدة مناطق بدعم من القوات المسلحة السودانية، مما فتح الباب أمام انتشار الجماعات المسلحة والأسلحة الصغيرة.

والجدير بالذكر أن غالبًا ما تتصادم الأجندات المحلية والانتماءات الاثنية مع الأهداف الوطنية لقوات الدعم السريع، حيث غالبًا ما تكون التحالفات مدفوعة بسياسات القوة المحلية والمصالح الأمنية. علاوة على ذلك، فإن حكم قوات الدعم السريع في المناطق الخاضعة لسيطرتها غير متسق ويفتقر في كثير من الأحيان إلى الفاعلية. وقد يؤدي غياب هياكل الحكم الفعالة إلى عدم الاستقرار وفراغ في السلطة يمكن استغلاله من قبل قادة قوات الدعم السريع، وقادة الميليشيات المتحالفة معهم، وكثير منهم مدفوعون بمكاسب اقتصادية مباشرة حيث تسيطر قوات الدعم السريع على مناجم الذهب في جبل عامر في دارفور وتهرب الذهب إلى الخارج لبيعه في السوق العالمية.

ختاماً فإن استمرار الصراع قد يكون قائمًا ربما يمر بمرحلة الخمول في بعض الفترات ثم يعود مرة أخرى، وما يجب ان تراعيه الدولة السودانية هو محاولة وضع حد لتسليح الجماعات ما دون الجيش السوداني لأنها تضع الحكومة موقع تهديد مستمر، كما أن التعامل الداخلي مع الأدوار الإقليمية يضع السودان دائمًا في موقف مجامل للتعامل مع الأدوار التي تحقق قدرًا كبيرًا من الاستقرار، بالتوازي مع الحفاظ على الاستقرار الإقليمي وعدم الدخول مع أي صراعات إقليمية، على الجانب الآخر، فإن قوات الدعم السريع ستستمر في شن هجماتها وستسعى دائمًا لإيجاد البدائل لكن ما يثير المخاوف حتى الآن هو اتجاهات تقسيم السودان في ظل ارتفاع العنف في تلك الأقاليم.   

مقالات لنفس الكاتب