array(1) { [0]=> object(stdClass)#13667 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 207

التقارير الدولية: السودان يشهد أسوأ أزمة في العالم وحرب منسية لعدم توضيح نتائجها المدمرة

الخميس، 27 شباط/فبراير 2025

يعتبر السودان أكثر الدول العربية التي شهدت حروبًا أهلية منذ استقلالها في يناير 1956م، والتي بلغ عددها خمسة حروب، وهي الحرب الأهلية الأولى التي بدأت قبل استقلال السودان في عام 1955م، واستمرت حتى عام 1972م، والثانية التي استمرت لاثنتي وعشرين عامًا من عام 1983 إلى عام 2005م، والثالثة هي الحرب في ولاية دارفور في عام 2003م، ومازالت مستمرة حتى الآن، والرابعة وهي الحرب في جنوب كردفان والنيل الأزرق التي بدأت في عام 2011م، ولم تضع أوزارها بعد.

ثم الحرب الخامسة التي اشتعلت أوزارها في 15 أبريل 2023م، بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، والتي بدأت بهجمات شنتها قوات الدعم السريع في محيط القصر الرئاسي ورئاسة الجيش ومطار الخرطوم، ثم امتدت بعد ذلك إلى الولايات الأخرى وما زالت مستمرة حتى كتابة هذه السطور.

تعود أسباب اندلاع الحرب الراهنة إلى الظروف التي مر بها السودان بعد الثورة الشعبية والتدخل العسكري الذي أطاح بحكم عمر البشير في 2019م، والاختلافات التي برزت حول شكل نظام الحكم الجديد، والعلاقة بين القوى المدنية والجيش. أضف إلى ذلك، الاختلافات بين الفريق عبد الفتاح البرهان قائد الجيش، ونائبه سابقًا محمد حمدان دقلو المشهور باسم حميدتي قائد قوات الدعم السريع حول الحكم. دعم من ذلك، الصراعات العرقية والقبلية والتدخلات الخارجية لدعم هذا الفريق أو ذاك.

وكان من شأن استمرار الحرب قرابة عامين، إحداث أضرارا بليغة وتشوهات عميقة في كافة أبنية المجتمع ونظمه، عبرت عنها السيدة كليمنتين نكويتا سلامي المنسقة المقيمة للأمم المتحدة للشئون الإنسانية في السودان، في بيان صدر في ديسمبر 2024م، عن "معالجة الاحتياجات الأكثر إلحاحا وأهمية لنحو 21 مليون شخصًا من الأكثر ضعفًا في السودان"، وأن الأزمة الإنسانية في السودان لها " أبعاد غير مسبوقة "، تشمل عدد 16 مليون طفل يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية والحماية الاجتماعية. وأضاف البيان أن الأمم المتحدة تسعى إلى جمع 4.2 مليار دولار في عام 2025م، لمواجهة هذه الاحتياجات.

وأعرض في هذا المقال، للتكلفة الإنسانية لهذه الحرب وتداعياتها على أوضاع السودانيين، وذلك بتحليل الآثار التي خلفتها الحرب على أعداد القتلى والمصابين والنازحين واللاجئين، وتدهور الأوضاع الاقتصادية، وانعدام الأمن الغذائي، والأوضاع الصحية والتعليمية.

أولًا: أعداد القتلى والمصابين والنازحين واللاجئين

على مدار الحروب الأهلية السابقة، دفع السودانيون أثمانا باهظة تختلف التقديرات بشأن أعدادها، حسب المصادر التي تشمل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة هيومن رايتس ووتش الأمريكية المعنية بحقوق الإنسان، والمرصد السوداني لحقوق الإنسان. ففي الحرب الأهلية الأولى، قدرت المصادر أعداد القتلى بأنها تتراوح بين 500 ألف -مليون، والمصابين بين 200 -500 ألف، والنازحين بين 1 -2 مليون، واللاجئين بين 200 -500 ألف. وفي الحرب الثانية، تقدر المصادر أعداد القتلى ما بين ا -2 مليون، والمصابين بين 500 ألف -ومليون، والنازحين بين 4 -5 ملايين، واللاجئين بين 500 ألف إلى مليون.

 وفي الحرب الثالثة، تراوحت أعداد القتلى بين 300 -500 ألف، والمصابين بين 100 -200 ألف، والنازحين بين 2.5 -3 مليون، واللاجئين بين 250 -500 ألف. وفي الحرب الرابعة، تراوحت أعداد القتلى بين 10 -50 ألف، والمصابين بين 5 -20 ألفًا، واللاجئين بين 100 -500 ألف.

ومؤدى ذلك، أن مجموع الحد الأدنى من القتلى 1.810,000، والأقصى 3,550,000. ومن المصابين الأدنى 805,000، والأقصى1,720,000. ومن النازحين الأدنى 7.5 مليون، والأقصى 10 مليون. ومن اللاجئين الأدنى 1.050000، والأقصى2.500000.

أما في الحرب الأهلية الراهنة، فتختلف المصادر أيضًا اختلافات كبيرة بشأن هذه الأعداد. فبالنسبة للقتلى مثلاً، تتراوح التقديرات من 20 ألفًا حسب ما يرد في تقارير الأمم المتحدة إلى 160 ألفًا حسب تقرير لجنة الإنقاذ الدولية، وترجع هذه الاختلافات إلى عدم وجود مصادر موثوق بها من ميادين القتال، وإخفاء الطرفين المتحاربين لأعداد القتلى والمصابين، ومن ثم لا توجد معلومات موثوق بها في هذا الشأن. هذا فضلاً عن استمرار القتال وازدياد الأعداد بشكل دوري. وبخصوص النازحين أي الذين غادروا مساكنهم وقراهم إما فرارًا من الحرب أو قسرًا، وأقاموا في مناطق أخرى في داخل السودان، واللاجئين الذين رحلوا عن السودان إلى دول أخرى، فتوجد أرقام أكثر دقة صادرة عن المنظمات التابعة للأمم المتحدة والعاملة في هذا المجال.

يمثل عدد النازحين واللاجئين نحو 30% من إجمالي عدد سكان السودان الذين يصل عددهم إلى حوالي 48.11 مليون نسمة. ووفقًا لتقدير منظمة الهجرة الدولية في يناير 2025م، فإن عدد النازحين قد بلغ 11.5 مليون شخص، منهم 31% من ولاية الخرطوم، و18% من ولاية جنوب دارفور، و15% من ولاية شمال دارفور، والبقية من الولايات الأخرى، ويمثل هذا العدد 15% من إجمالي عدد النازحين في العالم.

وحسب تقرير "المصفوفة العالمية لتتبع النازحين" التي تصدر عن المنظمة الدولية للهجرة في يناير 2025م، فإن 9 ملايين أجبروا على النزوح أكثر من مرة، بسبب اتساع ميادين القتال وانتشارها في حوالي 70 % من مساحة السودان، وأن أعداد النازحين قد زادت بنسبة 27% عام 2024م، عن مثيلتها في العام السابق، وأن 88% منهم لا يتوفر لهم الغذاء الكافي، بسبب ارتفاع الأسعار وعدم وجود فرص للعمل وقلة المساعدات الإغاثية.

يعيش النازحون ظروفًا إنسانية صعبة، وتوفر لهم المنظمات الإغاثية الدولية والعربية المساعدات الإنسانية، ويعوق تقديمها استمرار القتال وعدم وجود طرق آمنة للشاحنات التي تحمل المساعدات وعمال الإغاثة.

يبلغ عدد اللاجئين –وفقًا لنفس المصدر-أكثر من 3.4 مليون، منهم 1.2 مليون إلى مصر، وأكثر من مليون إلى دولة جنوب السودان، وحوالي 939 ألفًا إلى تشاد، و162 ألفًا إلى إثيوبيا، و108 آلاف إلى ليبيا، و37 ألفًا إلى إفريقيا الوسطى.

تختلف أوضاع اللاجئين السودانيين من دولة لأخرى، إذ اضطر بعضهم إلى السير على الأقدام لمدة تصل إلى أسبوعين للوصول إلى مقصدهم، لقي خلالها العديد منهم حتفهم بسبب العطش والجوع والتعب. ويشير تقرير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في ديسمبر 2024م، إلى أن أغلب اللاجئين إلى دولة جنوب السودان من النساء والأطفال من ولايات النيل الأبيض وسنار والنيل الأزرق، ويعيشون في ظروف صعبة للغاية، فقد دخلوا جنوب السودان من خلال المعابر الحدودية النائية ويقيمون في مآو عشوائية في عدد من القرى الحدودية الصغيرة التي تفتقد إلى مقومات الحياة الأساسية، وأن عدد اللاجئين تجاوز عدد سكان هذه القرى بنسبة الضعف أو الضعفين، وهو ما يتجاوز مواردها وقدرة بنيتها التحتية المتواضعة على استيعاب تلك الأعداد.

أدت عمليات النزوح واللجوء إلى توزع الأسر والعائلات بين أكثر من مكان، وتقطع سبل التواصل بينهم. وزاد الأمر سوءًا، الانقطاع المتكرر في خدمات الإنترنت والاتصالات، وعزل الملايين عن العالم الخارجي في أكثر من مكان ودولة.

ثانيًا: اقتصاد منهار وانتشار الفقر

الحروب لها آثار سلبية مباشرة على الأنشطة الاقتصادية في مجالات الزراعة والصناعة والخدمات. ففي مجال الزراعة الذي يعمل فيه 58% من عدد سكان السودان، فقد تعرض لخسائر فادحة في العام الأول للحرب، وذلك وفقًا للإحاطة التي قدمتها نائبة مدير منظمة الأغذية والزراعة أمام مجلس الأمن في يناير 2025م، والتي أشارت فيها إلى أن الخسائر في إنتاج محاصيل الغلال كالذرة الرفيعة والقمح والدخن الذي يعتبر الغذاء الرئيسي لمعظم سكان كردفان ودارفور، بلغت قيمتها ما يتراوح بين 1.3 -1.7 مليار دولار أمريكي، أو حسب تعبيرها ما يقابل إطعام "نحو 18 مليون شخص لمدة عام".

أما محاصيل المناطق الزراعية البعيدة نسبيًا عن ميادين الصراع، فإنها لا تصل إلى مناطق السودان الأخرى بسبب القيود التي يفرضها القتال على حركة نقل البضائع وعدم انتظام الأسواق.

وفي مجال الصناعة، أدت الحرب إلى توقف العمل في أغلب المصانع، وتراجع أو توقف التصدير إلى الخارج، مما أدى إلى انخفاض حجم العملات الأجنبية المتاحة، ومن ثم عدم القدرة على الاستيراد من الدول الأخرى، إضافة إلى عدم القدرة على نقل السلع من ولاية لأخرى بسبب ظروف القتال، وانهيار البنية التحتية كشبكات المياه والكهرباء والطرق والكباري والجسور.

ويؤدي هذا إلى نقص السلع المعروضة في الأسواق، واختلال العلاقة بين الطلب والعرض، مما يترتب عليه ارتفاع الأسعار بما يفوق قدرة أعداد متزايدة من السكان على شرائها. ومن ثم، تدهور معيشتهم، وانعدام الأمن الغذائي لهم، والذي وصفه بيان منسقة الأمم المتحدة -السابق الإشارة إليه-بأنه وصل إلى "مستويات تاريخية".

كان من آثار الحرب أيضًا انهيار النظام النقدي والمصرفي والخدمات، فتوقف الجهاز المصرفي عن العمل بعد تدمير ونهب عشرات البنوك، وتوقف خط نقل النفط من حقول جنوب السودان لتصديره إلى الخارج. وارتبط ذلك، بتدهور قيمة العملة السودانية أمام العملات الأجنبية وبلغ سعر الصرف 3000 جنيه سوداني مقابل الدولار الأمريكي، وارتفعت نسب التضخم إلى 218.18 % في أغسطس2024م. ترتب على ذلك، تكبد الاقتصاد السوداني خسائر فادحة، قدرت في يناير 2025 بمبلغ 200 مليار دولار.

 

ثالثًا: انعدام الأمن الغذائي وخطر المجاعة

 

تدهور الأمن الغذائي في السودان على نحو غير مسبوق في تاريخه، وذلك وفقًا للإحاطة التي تقدم بها مديرو مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (اوتشا) ومنظمة الأغذية والزراعة(الفاو) أمام مجلس الأمن في يناير 2025م، والتي ورد فيها أن ظروف المجاعة قائمة بالفعل في خمس مناطق سودانية في شمال دارفور وجبال النوبة الغربية، وأنه من المتوقع انتشارها في خمس مناطق أخرى في شمال دارفور، وذلك في الخمسة شهور الأولى من عام 2025م، واحتمال انتشارها في سبع عشرة منطقة أخرى.

 وذكرت مديرة الاوتشا أن هذه النتائج "صادمة، ولكنها للأسف ليست مفاجئة"، لاستمرار القتال ووضع العقبات أمام الوصول إلى مناطق الجوع، وأن أكثر المتأثرين بالمجاعة هم "النساء والفتيات، والصغار وكبار السن"، ودعت مجلس الأمن إلى التدخل لدى الأطراف المتحاربة لتطبيق قواعد القانون الدولي الإنساني، وفتح الطرق لضمان وصول المساعدات الإغاثية وحماية عمال الإغاثة حتى يتمكنوا من القيام بواجباتهم. والإشارة هنا إلى عدم احترام الأطراف المتحاربة في السودان للاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تنظم معاملة المدنيين أثناء الحروب، والتي تضمن حقوقهم. ومن أهمها، اتفاقيات جنيف وخصوصًا الاتفاقية الرابعة المبرمة عام 1949م، بشأن حماية المدنيين في أوقات الحروب، والتي انضم إليها السودان في عام 1957م.

وأضافت ممثلة منظمة الفاو في نفس الإحاطة، أن السودان هو رابع حالة يَثبت فيها وجود حالة المجاعة في العشر سنوات الأخيرة، وذلك بعد الصومال عام 2011م، وجنوب السودان في عامي 2017، 2020م. مضيفة أن الخبرات السابقة في هذا الشأن، تثبت أنه قبل إعلان حالة المجاعة في دولة ما، فإنه عادة ما يكون قد سبقها وفاة عشرات الآلاف من الناس.

وذهبت إلى أن ما يقرب من 24.6 مليون شخص يواجهون مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي في السودان، ويتوزعون على النحو التالي: 15.9 مليون عند مستوى الأزمة، و8.1 مليون عند مستوى الطوارئ، ومالا يقل عن 637 ألف شخص عند أعلى مستوى للجوع وهي حالة الكارثة.

ويلاحظ هنا، أن أعداد الفقراء والذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي يمكن أن تفوق ما تم ذكره، إذا أدخلنا في الحسبان أنه لا تتوفر بيانات موثوقة من المناطق التي يحتدم فيها القتال. وهذه النتائج المروعة بعضها عمدي أي نتيجة تخطيط وترتيب. ولذلك، حذر برنامج الغذاء العالمي، للأمم المُتحدة، في بيان له في يناير 2025م، من أن "تصاعد القتال والعرقلة التعسفية للقوافل الإنسانية يعيقان حركة المساعدات التي تشتد الحاجة إليها".

رابعًا، انهيار خدمات الصحة والتعليم

أدت الحرب إلى أضرار جسيمة بالبنية التحتية للنظام الصحي. فحسب تقديرات منظمتي الصحة العالمية والعفو الدولية (امنستي)، فقد دمرت الحرب كثيرًا من المستشفيات والمراكز الطبية التي قدر عددها بثلاثة آلاف سواء تدميرًا كليًا أو جزئيًا، مما أدى إلى وقف خدماتها. وفي سبتمبر 2024م، زار السودان بعثة رفيعة المستوى من منظمة الصحة العالمية، ضمت مدير المنظمة الذي صرح بأن النظام الصحي المتداعي "وصل إلى مرحلة الانهيار"، موضحًا أن ما بين 70-80% من المؤسسات والمرافق الصحية توقفت عن العمل تماما. وضمت البعثة أيضًا المديرة الإقليمية للمنظمة للشرق الأوسط، التي أشارت إلى أن " البنية التحتية الصحية في السودان في حالة خراب، فالعديد من المرافق إما دُمرت وإما نُهبت وإما هُجرت".

يتسم الوضع الصحي أيضًا بنقص الأدوية والمواد الطبية، إضافة إلى عدم توافر مياه الشرب النقية، وعدم كفاية مرافق الصرف الصحي، ومغادرة حوالي 10 آلاف طبيب إلى خارج السودان، مما ترتب عليه انعدام الأمن الصحي وزيادة عدد الوفيات، ويتفق الباحثون على أن الأعداد المعلنة أقل بكثير من الواقع.

ارتبط ذلك بانتشار بعض الأمراض المعدية مثل الكوليرا والجدري والحصبة، ومرض ارتفاع ضغط الدم بسبب الضغوط المرتبطة بالخوف ونوبات الهلع والتوتر التي يتعرض لها الناس. انتشرت أيضًا الأعراض المصاحبة للأمراض النفسية كالاكتئاب والصدمة النفسية "التروما"، بسبب التعرض للقصف الجوي ومشاهدة عمليات القتل الجماعي والعنف الوحشي، أو التعرض للعنف الجنسي واغتصاب النساء والأطفال، وأعمال خطف واحتجاز ضحايا في ظروف يمكن وصفها بالاستعباد الجنسي.  

هذا فضلًا عن انتشار فيديوهات الإعدام الميداني للمدنيين، مما أدى إلى تصريح السيد فوركر تورك المفوض السامي لشؤون اللاجئين بالأمم المتحدة في يناير 2025م، بأن "القتل العمد للمدنيين أو الأشخاص الذين لم يشتركوا في أعمال عدائية، أو توقفوا عن المشاركة فيها، يُعد جريمة حرب". وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن هناك ما يقرب من 15 مليون شخص يحتاجون إلى مساعدة طبية.

امتدت آثار الحرب إلى الهيئات الدولية التي توفر المساعدة الطبية، كهيئة أطباء بلا حدود التي أصدرت في عام 2024م، تقريرًا بعنوان "حرب على الإنسان"، وثقت فيه جهود الهيئة في السودان خلال الفترة من أبريل 2023 إلى أبريل 2024م. والذي كتب فيكي هوكينز المدير العام للهيئة في مقدمته " لا تظهر آية علامات على تراجع العنف في السودان، بل إنه يشتد بوتيرة تفوق قدرتنا على معالجة الأحداث اليومية التي تعيشها فرقنا ومرضانا في السودان وتوثيقها والاستجابة لها".

 أشار التقرير بالوقائع إلى "كارثية العواقب المترتبة على أكثر من عام من النزاع الشامل على صحة الناس في السودان"، وسجل جهود فرق الهيئة في التعامل مع الأوضاع الصحية خلال هذه الفترة، مشيرًا إلى أنماط العنف والانتهاكات التي مارسها الطرفان المتحاربان، والآثار الصحية المترتبة على المتضررين منها، كما لاحظتها فرق الهيئة.

تضمن التقرير تعرض المنازل والمرافق الصحية والمراكز الطبية والبنية التحتية الأساسية للقصف والتدمير، بحيث أصبحت غير صالحة للعمل، والهجمات التي استهدفت المرضى والطواقم الطبية، كما وثق روايات المرضى في مخيمات الإيواء للنازحين عن المعاملة اللاإنسانية والعنف الذي تمارسه الجماعات المسلحة ضد المدنيين. وكان من شأن ذلك كله، انخفاض إمكانية حصول الناس على الرعاية اللازمة لإنقاذ حياتهم.

حظي النظام التعليمي بنصيبه من التدمير والخراب في مجال المدارس والعملية التعليمية، شملت إغلاق المدارس والجامعات في مناطق الاشتباكات العسكرية، وتدمير البنية التحتية برمتها، وحرمان 17 مليون طفل من التعليم.

وفي المدارس التي استمرت في العمل، تأثرت العملية التعليمية فيها بنقص أعداد المعلمين بسبب قيامهم بالنزوح أو اللجوء خارج هذه المناطق، وكذلك بنقص الكتب المدرسية والمواد التعليمية، ناهيك عن غياب الطلاب أنفسهم بسبب مغادرتهم مع أسرهم إلى مناطق أخرى. أدى ذلك إلى فقدان الطلاب لعامين دراسيين حتى الآن، هذا إضافة إلى الآثار النفسية للحروب على الأطفال، بما تحدثه من الشعور بالقلق والخوف والفزع.

خلاصة القول، إن التكلفة الإنسانية للحرب الأهلية الراهنة في السودان باهظة ومؤلمة، تسبب فيها المتحاربون الذين قصفوا الأهداف المدنية، ومنعوا وصول عمال الإغاثة والمساعدات إلى المناطق المتضررة. ووصل تقرير البعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق في السودان إلى مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في أكتوبر 2024م، إلى أن هناك من الأسباب المعقولة ما يدعو إلى الاعتقاد بأن هذه الممارسات والأفعال ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وكأن قسوة البشر لم تكن كافية، فزادتها التغيرات المناخية والجفاف والفيضانات التي جعلت حياتهم أكثر صعوبة.

يعيش شعب السودان اليوم حياة بائسة تكتنفها الأخطار والتهديدات، فقد انهارت نظم الغذاء والصحة والتعليم، وكذلك البنية التحتية والاقتصادية والتي يتطلب إصلاحها عشرات السنين، حتى أن العديد من تقارير مراكز البحوث والمنظمات الدولية، يعتبرون أن ما حدث في السودان هو " أسوء أزمة إنسانية في العالم"، ووصفها البعض "بالحرب المنسية" لعدم تسليط الإعلام الدولي الضوء على نتائجها المدمرة.

وحسب تعبير منسقة الأمم المتحدة في بيانها في ديسمبر 2024" أصبح السودان أحد أكبر الأزمات الإنسانية في العالم. لقد أدى استمرار الصراع المسلح والهجمات ضد المدنيين والنزوح والجوع وسوء التغذية وتفشي الأمراض والصدمات المناخية إلى ترك ما يقرب من ثلثي السكان في حاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية وخدمات الحماية".

مقالات لنفس الكاتب