- أدولف هتلر أغرته عظمة القوة ليعلن، بدون مواربة: أن زحفه القاري في أوروبا وتمدده الاستعماري حول العالم إنما هو ضمن مشروع توسعي كبير يهدف لتبوؤ ألمانيا لمكانة الهيمنة الكونية الرفيعة على العالم لبناء (الرايخ الثالث). عهد أممي جديد يحكم هتلر من خلاله العالم وتتسيد فيه ألمانيا على كوكب الأرض، من أجل فرض "سلام" نازي على العالم، يمتد لألف عام.
"رايخ" بلا تاريخ
في المقابل: الرئيس الأمريكي القديم الجديد (دونالد ترامب)، يهدف إلى إقامة عهد أمريكي جديد يحكم به العالم، بفرض سلام أمريكي يهيمن كونياً، بصورة متفردة، على الأرض، لاستعادة هيمنة الولايات المتحدة على مقدرات العالم، وكأن الولايات المتحدة، في عهده تطمح إلى هيمنة كونية، كانت موجودة، وهو يريد أن يحييها من جديد، تحت شعار (استعادة عظمة أمريكا، من جديد)! على الأقل هتلر كان يتحدث عن "رايخين" قبله، وكان يتحدث عن سوابق تاريخية لألمانيا، امتداداً للإمبراطورية الرومانية، من أربعٍ وعشرين قرناً مضت.
أما فلسفة عهد الرئيس ترامب التوسعية، ليست أكثر من مبرر إمبريالي طموح يهدف إلى التوسع، بدءاً من الزحف التوسعي لفرض السيطرة المطلقة (إقليمياً وقوميًا) على حساب أراضي حلفائه التقليديين، في العالمين القديم والجديد، امتداداً لسياسة توسعية اتّبعتها الولايات المتحدة، منذ الاستقلال، وحتى نهاية القرن التاسع عشر.
الولايات المتحدة، عند إعلان استقلالها (٤ يوليو ١٧٧٦م)، بدأت بـ ثلاثة عشرة ولاية، لتنتهي عام ١٨٩٨م، بخمسين ولاية. الولايات المتحدة في توسعها، عقب الحرب الأهلية، استخدمت قوتها الناعمة والصلبة، معاً، لتواصل توسعها في مجالها القريب جنوب القارة الأمريكية الشمالية (جنوب البحيرات العظمى)، حتى حدودها مع المكسيك وخليج المكسيك، جنوباً، ثم إضافة ولاية ألاسكا (الولاية رقم: ٤٩)، بعد أن تم شراؤها (٣٠ مارس ١٨٦٧م) من روسيا الاتحادية، في عهد القيصر الإسكندر الثاني (١٨١٨-١٨٨١م) مقابل مبلغ وقدره (٧.٢ مليون دولار). تقع ألاسكا في الجزء الشمالي على حدود كندا الغربية، بمساحة تقدر بـ ١.٥ مليون كيلو متر مربع، مع الاحتفاظ على إطلالة واسعة على الشمال الشرقي من المحيط الهادي. بالإضافة لموقع استراتيجي خطير، خارج كتلة الولايات المتحدة القارية المتماسكة، الواقعة في وسط المحيط الهادي غرباً، (أرخبيل هاواي) التي أصبحت ١٨٩٨م، الولاية الخمسون للولايات المتحدة.
الإسكندر الأكبر، هتلر مونرو، ترامب
أدولف هتلر كان يزعم أن من حق ألمانيا، في عهد الرايخ النازي الجديد (الثالث)، أن تحتل وتسيطر على أي بقعة في كوكب الأرض، يوجد فيها ألماني واحد! الرئيس ترامب، في المقابل: يسعى إلى خلق إمبراطورية أمريكية، لا تحاكيها أي إمبروطورية في التاريخ، بما فيها الإمبراطورية التي كان هتلر ينوي بنائها في رايخه النازي (الثالث)، وفقاً لنموذج الإمبراطورية الرومانية. في المقابل: كل ما يريده الرئيس ترامب هو التوسع في العالم القديم، بما يتجاوز طموح الرئيس الخامس للولايات المتحدة جيمس مونرو(١٧٥-١٨٣١م) في نموذجه للتوسع في العالم الجديد، الذي أعلنه (١٨٢٣م)، وعُرف بمبدأ أو مذهب مونرو (التوسعي).
كان الرئيس جيمس مونرو يهدف إلى إبعاد أي قوة استعمارية تقليدية من العالم القديم، تقترب من الحدود السيادية للولايات المتحدة. أو من مجال الولايات المتحدة الحيوي (جنوباً) في الأمريكتين الوسطى والجنوبية. هناك فرق آخر، إذن: بين نموذج الرئيس ترامب ونموذج الرئيس مونرو. نموذج الرئيس ترامب لن يكون دفاعياً، بل هجومياً بغرض الهيمنة الكونية المطلقة (المتفردة)، على كوكب الأرض، بدءاً من التوسع شرقاً في العالم القديم، شرق المحيط الأطلسي، حتى جنوبه، عند التقاء المحيط الأطلسي بالمحيط الهندي (نقطة رأس الرجاء الصالح)، بجنوب إفريقيا.
الرئيس دونالد ترامب يرى أن عظمة الولايات المتحدة الكونية، تتحقق فقط في نهج التوسع الكوني، خارج نطاق توسعها الإقليمي التقليدي في الأمريكيتين، حتى لا تنافس الولايات المتحدة أي قوة أممية أخرى، حقيقية أو محتملة، كما لم يطمح أي غازٍ او فاتحٍ، من قبل، بما فيهم أدولف هتلر، الذي كان يطمح أن يمتد عمر رايخه الثالث لألف عام، يحكم بموجبه كوكب الأرض.
إنجازٌ يتطلع إليه الرئيس دونالد ترامب، لم يحققه الإسكندر الأكبر (٣٥٦-٣٢٣ ق. م)، الذي لم يسعفه الأجل، ليرى توسع إمبراطوريته المترامية الأطراف في العالم القديم، حيث فاجأه الموت قبل أن ينطلق في فتوحاته للجولة الثانية لتوسع إمبراطوريته، بدءاً بغزو شبه الجزيرة العربية. والتوسع جنوباً إنطلاقاً من جنوب الصحراء الكبرى عابراً غابات إفريقيا الاستوائية إلى آخر نقطة في جنوب إفريقيا عند التقاء المحيطين الأطلسي والهندي، ليرتد من هناك شرقاً لغزو جنوب شرق آسيا، وصولاً إلى الصين واليابان، ومن ثَمّ يْطُبِق على العالم القديم، آن ذاك، من جميع الجهات، ويتحقق لإمبراطوريته الناشئة السيادة الكونية المطلقة على كوكب الأرض.
التوسع بالرعب!
الرئيس ترامب، من ناحية أخرى، يطور منهجاً آخر لتوسع الولايات المتحدة الجديد في عهده، ليس بإرسال جحافل جيوشه لاحتلال مناطق خارج نطاق توسع بلاده الحيوي في العالم الجديد، بل يتطلع للتوسع بـ "الرعب". في حمى خلفية القوة الاستراتيجيةً الرادعة (التقليدية وغير التقليدية).. والقوة الاقتصادية الضاربة، والتفوق التكنلوجي الكاسح للولايات المتحدة. الرئيس ترامب يتطلع ليبتز العالم ويحقق طموحاته التوسعية، دون أن يطلق جيشه طلقة نارية واحدة.
الرئيس دونالد ترامب يتطلع لتحقيق هيمنة كونية متفردة على العالم لبلده، بدءاً بجيرانه التقليديين في أمريكا الشمالية وأمريكا الوسطى (كندا والمكسيك وبنما) الذين لن يعودوا محميات خالصة لا يجرؤ أحدٌ من أعداء وخصوم الولايات الاقتراب منهم، كما جاء في مذهب مونرو، بل يصبحوا في إطار توسع الولايات المتحدة الجديد، ضمن إقليم الولايات المتحدة، نفسه. من ناحية حلفاء الولايات المتحدة التقليدين في أوروبا، يسعى الرئيس ترامب إلى الهيمنة المطلقة على ضفتي المحيط الأطلسي، شرقاً وغرباً من جزيرة جرين لاند المتجمدة، شمالاً وحتى رأس الرجاء الصالح والقارة المتجمدة الجنوبية، جنوباً.
ترى هل يستطيع الرئيس ترامب، في غضون السنوات الأربع القادمة، أن يحقق مشروعه التوسعي الطموح هذا للولايات المتحدة. وينطلق لبناء صرح مشروع الهيمنة الكونية المتفردة لبلاده، على العالم. بالقطع لا تكفي هذه المدة القصيرة لتنفيذ مشروع توسعي ضخم ومعقد مثل ذلك الذي يحلم به الرئيس ترامب. من جانبنا: نكاد نجزم أنه: بدايةً يخطط على مستوى النظام السياسي الأمريكي، أولاً بأن يبقى في البيت الأبيض لولاية ثالثة، وربما لما بقي من عمره، اهتداءً بسلوك الرئيس الروسي (فلادمير بوتن).. وسلوك الرئيس الصيني (شي جين بينغ).
ديكتاتورية دستورية خارج المؤسسات الديمقراطية
أكيد الرئيس ترامب يعي تماماً أن مشروعه لبناء قوة أممية مهيمنة متفردة للولايات المتحدة، لا يمكن تصوره، دون العمل على بقاءه في البيت الأبيض، لأكثر من فترة ثانية (أربع سنوات)، وربما للأبد. فالتوسع في العالمين القديم والجديد، يقتضي توسع هيمنة سلطته التنفيذية على حساب مؤسسات الدولة الديمقراطية، بدءًا بالدستور. قد لا نُفاجأ، في إعلانه الحرب على مؤسسات الدولة الدستورية، أن يعمل على تعديل الدستور ليتسنى له البقاء بعد انتهاء ولايته الثانية (الحالية) المنتهية في (٢٠يناير ٢٠٢٩م)، مستغلاً سيطرة حزبه على الكونجرس بغرفتيه، ليتسنى له البقاء في البيت الأبيض لما بعد ولايته الحالية.
"سيناريو" يتجاوز أحلام من كان قبله من الرؤساء الأمريكان، الذين كان همهم التوسع الجغرافي للجمهورية، لدواعٍ أمنية في المقام الأول، في ظل الدستور، بعيداً عن أي طموحات شخصية، تتجاوز سلطات وصلاحيات مؤسسة الرئاسة، بالذات فيما يتعلق بمحدودية عمرها الدستوري، وفي علاقتها بمؤسسات الدولة الأخرى الكونجرس والمحكمة الدستورية، التي تحكم العلاقة بينها معادلة التوازن والرقابة (Check and Balance). فالهيمنة الكونية للولايات المتحدة، في فكر وسلوك وتوجه ونهج الرئيس ترامب، تطلب هيمنة مطلقة له ولمؤسسة الرئاسة في داخل الولايات المتحدة، بدايةً، شأنه شأن بقية الفاتحين الطغاة في العالم، الذين يستمدون سلطاتهم المطلقة، من سيطرتهم المطلقة على مؤسسات الدولة الدستورية في الداخل.
السنتان الأولتان من فترة الرئيس ترامب الثانية (الحالية)، قبل الانتخابات التشريعية النصفية القادمة (٢٠٢٧)، سوف تحدد معالم سعي الرئيس ترامب، لـ "سيناريو" مخططه للبقاء في البيت الأبيض، لفترة ثالثة، أم لا. إذا نجح ترامب في سعيه لإحداث تعديل دستوري يبقيه في البيت الأبيض لفترة دستورية ثالثة، فإنه بذلك يقترب من حلمه في سكنى البيت الأبيض وأسرته ربما، للأبد… مما يتيح له تحقيق حلمه بالسيطرة على النظام الدولي، في ظل هيمنة كونية مطلقة ومتفردة على العالم، للولايات المتحدة… أمرٌ لم يتحقق من قابل لأي إمبراطورية، ولا لأي غازٍ في التاريخ.
تحالفات جديدة بعيداً عن أي التزامات قائمة
في مواجهة أعداء الولايات المتحدة وخصومها التقليدين، فالأمر يحتاج إلى منظومة تحالف جديدة معهم أو مع بعضهم، والتخلي عن منظومة التحالف التقليدية، بإلتزاماتها القائمة، التي نشأت أثناء وأعقاب الحرب العالمية الثانية، تحت مظلة نظام الأمم المتحدة الأممي (الأمريكي). نحن نتحدث هنا عن تطور "سيناريو" يقتضي (افتراضاً) أن يحكم الرئيس ترامب لفترة رئاسية ثالثة، على الأقل.
روسيا، عدو الولايات المتحدة التقليدي، لن تكون تماماً كذلك في توسع الولايات المتحدة الجديد. روسيا سوف تتغاضى عن ضم ترامب لجزيرة جرين لاند، وتوسعه الإقليمي في العالم الجديد، مقابل رفع مظلة الحماية الأمريكية عن أوروبا، دون أن يعني ذلك بالضرورة تجاهل، خطط الرئيس ترامب لضم أوروبا، كأحد معالم توسع الولايات المتحدة، عبر الأطلسي شرقاً، في العالم القديم. في خطة الرئيس ترامب، أن يمتد توسع الولايات المتحدة شرقاً عبر الأطلسي، حتى السفوح الغربية لجبال الأورال، دون ما حاجة لإخراج الدب الروسي من عرينه في السفوح الشرقية من سلسلة جبال الأورال، نزولاً جنوباً، حتى الشواطئ الشمالية للبحر الأسود، بطول امتداد الساحل الشرقي للبحر الأسود، حتى الالتقاء جنوباً عند بحر قزوين.
في غرب الباسفيك، سوف تتخلى الولايات المتحدة عن حمايتها لتايوان وربما اليابان، مقابل اقتسام منطقة غرب الباسفيك مع الصين، في إطار صفقة تجارية كبرى، تفرضها تصاعد الصين إلى مراتب متقدمة بين القوى العظمى في العالم، تبعاً لنموها الاقتصادي. وتفاقم قوتها العسكرية، وتنامي شهوتها للمنافسة على مكانة الهيمنة الكونية، على الأقل لفترة مؤقتة، حتى تكتمل منظومة التوسع الأمريكي الجديد في أمريكا الشمالية والوسطى عبر ضفتي المحيط الأطلسي، وصولاً إلى سفوح سلسلة جبال الأورال، شرقاً، ليلتفت الرئيس ترامب عندها لحل مشكلة التطلع الصيني للمنافسة على مكانة الهيمنة الكونية.
"رايخ" الرئيس ترامب الجديد، وإن كان على المستوى النظري محتمل التحقق، إلا أنه لا توجد أي محددات كمية وتاريخية يمكن قياسها، توعز بأن فرص نجاحه ممكنة. لا إمكانات الولايات المتحدة المتاحة، مع تعقيد واقع النظام السياسي الأمريكي الداخلي المركب. ولا تنامي إمكاناتها الاستراتيجية في عتاد جيشها، بالأسلحة التقليدية وغير التقليدية وتقدمها التكنلوجي، يوحيان بأن مشروع التوسع الأممي الجديد ممكن توقع حدوثه، حتى مع التأييد (الشعبوي) الجارف الذي يمكن أن يلقاه مشروع توسعي مفرط في الطموح، مثل هذا، ألذى يرسمه الرئيس ترامب، لمستقبل الولايات المتحدة، بأن تكون القوة الأممية العظمى الوحيدة في العالم.
تحديات إستراتيجية ضخمة لمشروع ترامب الكوني
في الفترة القادمة سيشهد النظام الدولي تحديات خطيرة، تنال من استقراره وتوازنه، بسبب طموحات الرئيس ترامب الكونية، بالهيمنة المطلقة والمتفردة على كوكب الأرض. حالة، إن حصلت، لم تحظَ به أي قوة كونية في التاريخ، منذ عهد الإسكندر الأكبر، حيث أُطلق نموذج الإمبراطوريات الكبرى.
لقد شهد هتلر انهيار صرح رايخه الثالث، على الجبهة الشرقية لتوسعه، وحدث هذا في حياته. نابليون، قبل ذلك تحطمت آمال نظامه الكوني، بعد هزيمته في معركة واترلو ١٨١٥م، حيث انتهى به الأمر بنفيه إلى جزيرة القديسة هيلينا (البريطانية)، وسط المحيط الأطلسي، وتوفى هناك ١٨٢١م، الإسكندر الأكبر، لم يمهله القدر ليرى توسع إمبراطوريته، وهو في رعيان شبابه، حيث لم يبلغ بعد الثلاثة والثلاثين من عمره. ثم أن واقع احتلال الاتحاد السوفيتي، بزعامة روسيا الاتحادية، لأوروبا الشرقية ومنطقة وسط آسيا، انهار من الدخل، بإنهيار نظام الاتحاد السوفيتي الشيوعي، بداية التسعينيات من القرن المضي، لتعود روسيا الاتحادية لحدودها الجغرافيا التاريخية (القيصرية)، غير الآمنة.
العناية الإلهية ضمانة التوازن والاستقرار والسلام
النظام الدولي، في أي عهد من العهود، تحكمه إرادة عليا (إلهية) تحفظ له توازنه، في مواجهة أي قوة أرضية تحاول أن تخل بتوازنه، بعيداً عن نظام دقيق لميزان قوى أممي صارم وغير مرئي، بالضرورة. الرئيس ترامب، وهو أكيد يشعر بأن مشروعه للهيمنة الكونية المتفردة، ليس من السهل تحقيقه، وإن كان بإمكانه أن يشكل خطراً ناجزاً على سلام العالم وأمنه. ربما مشروع الهيمنة الكونية (المتفردة)، التي يطمح له الرئيس ترامب ينجح في اختبار إمكانات توازن النظام الدولي، إلا أنه بالقطع لن يتمكن من تحقيق أحلامه (الموحشة والرومانسية معاً، كونها أقرب للخيال العلمي)، الهادفة لتبوء الولايات المتحدة مكانة الهيمنة الكونية الرفيعة والمتفردة، على العالم.
الرئيس ترامب، كما سبق وذُكر، يحتاج لأكثر من أربع سنوات لإنجاز مشروعه التوسعي الطموح هذا، أو حتى البدء به، إلا إذا كان يخطط أن يبقى في البيت الأبيض، لفترة ولاية ثالثة، أو أكثر، ليتمكن من مضاعفة مساحة الولايات المتحدة، في أكبر محاولة للتوسع شرقاً وشمالاً وجنوباً، بما لم تبلغه أي قوة عظمى في التاريخ. غاية مدى توسع الولايات المتحدة، عندما جرى إلحاق جزر هاواي نهاية القرن التاسع عشر (١٢ أغسطس ١٨٩٨)، لتصبح الولاية الخمسين للولايات المتحدة، خارج نطاق الكتلة القارية المتماسكة في الجزء الجنوبي لأمريكا الشمالية. كما يمتد طموح الرئيس ترامب بتوسع قاري جديد للولايات المتحدة، ممتد وعميق يطال أراضٍ في العالم القديم، على حساب دول عظمى في غرب أوروبا (بريطانيا وفرنسا وألمانيا)، وقريباً جداً من عدو الولايات المتحدة التاريخي (روسيا الاتحادية)، ولا يفصله عن البر الصيني (غرباً)، سوى المحيط الهادي.
كما أن "سيناريو" التوسع القاري الجديد للولايات المتحدة، يخطئ الرئيس ترامب، لو اعتقد أن الصين ستتركه ليكمل المرحلة الأولى في مشروعه لتحقيق التوسع القاري الجديد للولايات المتحدة في أراضي العالمين القديم والجديد. أوأن بكين ستنتظر المواجهة الحاسمة مع الولايات المتحدة، بعد أن تكتمل المرحلة الأولى من التوسع الجديد لأمريكا العظمى، للتتصرف الصين مثل قطيع الثيران، التي هلكت بعد أن أكل الأسد، بدايةً، الثور الأبيض منها.
كما أن الهيمنة الكونية (المطلقة والمتفردة) لم تتحقق لأي قوة عظمى، منذ نشوء عالم الإمبراطوريات العظمى، بدايةً من مشروع إمبراطورية الإسكندر الأكبر، وحتى مشروع هتلر الطموح (الرايخ الثالث)، مروراً بالإمبراطورية الرومانية. وتعاقب الدول المتنافسة على مكانة الهيمنة الكونية على السيادة الأممية لقوة عظمة واحدة، منذ إنشاء نموذج تعاقب الأنظمة الدولية الحديثة، بدايةً من نهاية القرن الخامس عشر، بداية الاكتشافات الجغرافية الكبرى للعالم الجديد.
قد لا تكون مصادفة تاريخية أن ينهار أكبر مشروعين أمميين، انعكاساً لطموحات أشهر غازيين وفاتحيين في التاريخ (الاسكندر الأكبر وهتلر، ولا ننسى معهما نابليون)، في فترة تاريخية وجيزة. مشروع بناء الإمبراطورية اليونانية العظمى، انهار بموت الإسكندر الأكبر، وهو في رعيان الشباب. مشروع هتلر في الرايخ الثالث، الذي زعم أنه سيدوم لألف سنة، انهار بانتحارهتلر والجيش الأحمر الروسي يقترب من مخبئه الحصين في قلب برلين. أما مشروع نابليون للهيمنة الكونية، انتهى به الأمر للنفي في جزيرة بريطانية نائية (القديسة هيلينا) وسط المحيط الأطلسي، قبُالة الساحل الغربي لإفريقيا، حيث مات منفياً (١٨٢٠م).
العالم أكبر وأعقد من أن تسيطر عليه قوة مهيمنة واحدة، ولو لفترة وجيزة. هناك قوانين (إلهية) تحول دون ذلك حفتها العناية الإلهية للحفاظ على استقرار وتوازن كوكب الأرض (إنسانياً)، إلى أن يأذن الله، بغير ذلك. هذه ليست مجرد نبؤة غيبية، لا تستقيم والتحليل العلمي الرصين، بل هي حقيقة تاريخها تثبتها وقائع تاريخية حدثت، كفلق الصبح. وترددت أصدائها في ملاحم تاريخية حاسمة نقلت البشرية من عهدٍ لآخر، طلباً للحرية والسلام. حركة "ديليكتية" تنقل البشرية من عهدٍ لعهدٍ، اكتمالاً لإرادة إلهية كونية، لإعمار الكون ونشر السلام، إلى أن يأذن الله بغير ذلك. قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ. (صدق الله العظيم) مريم: ٤٠.