يمتد تاريخ التعاون بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة لأكثر من ثمانين عامًا، حيث تطورت العلاقة منذ بدايات اكتشاف النفط وصولاً إلى شراكات استراتيجية متعددة الأبعاد في العصر الحديث، بما يعكس المصالح الاستراتيجية المشتركة والديناميكيات العالمية المتطورة. وتتمتع العلاقات الاقتصادية الثنائية بين المملكة والولايات المتحدة بزخم وبعمق كبير، فالولايات المتحدة هي ثاني أكبر شريك تجاري للسعودية، والمملكة هي واحدة من أكبر الشركاء التجاريين للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. كما تعد المصدر الرئيسي الثالث للنفط المستورد للاقتصاد الأمريكي.
ومن هذا المنطلق، يهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على طبيعة العلاقات الاقتصادية بين المملكة وأمريكا، سواء على الجانب التجاري أو الاستثماري. مع التركيز على تحليل القرار الأخير بضخ استثمارات سعودية ضخمة في الاقتصاد الأمريكي.
أولًا-العلاقات التجارية بين المملكة وأمريكا:
واصلت العلاقات التجارية السعودية / الأمريكية إظهار المرونة والتنوع خلال الحقب الرئاسية المختلفة التي شهدتها الولايات المتحدة، إذ تحتل المرتبة الثانية في الصادرات السعودية والأولى في الواردات، في حين تظل المملكة أكبر شريك تجاري لأمريكا في الشرق الأوسط على مدى العقد الماضي. وذلك كما في الشكل (1) تعتبر أمريكا الوجهة لصادرات المملكة خلال الفترة (2022-2023)، والوجهة الثانية لواردات المملكة بعد الصين.
شكل رقم (1): وجهات التصدير والاستيراد للمملكة العربية السعودية خلال الفترة (2022\2023)
وجهات التصدير للمملكة العربية السعودية |
وجهات الاستيراد للمملكة العربية السعودية |
الصين |
الصين |
الهند |
الولايات المتحدة الأمريكية |
اليابان |
الامارات العربية المتحدة |
كوريا الجنوبية |
الهند |
الإمارات العربية المتحدة |
ألمانيا |
الولايات المتحدة الأمريكية |
اليابان |
جمهورية مصر العربية |
إيطاليا |
سنغافورة |
فرنسا |
وفى عام 2023م، بلغ إجمالي حجم التجارة 29.7 مليار دولار (112 مليار ريال)، بحسب تقرير صادر عن مجلس الأعمال السعودي / الأمريكي. وبلغت صادرات السعودية إلى أمريكا 16 مليار دولار (60 مليار ريال) عام 2023م، منها 13.7 مليار دولار (51.5 مليار ريال) من النفط الخام. ولا تزال المملكة مورداً رئيسياً للنفط إلى أمريكا.
وفي القطاع غير النفطي، بلغ إجمالي الصادرات السعودية إلى أمريكا 2.3 مليار دولار (8.5 مليار ريال). وتصدرت الأسمدة هذه الصادرات بقيمة 790 مليون دولار (3 مليارات ريال)، وهو ما يمثل 35% من صادرات السعودية غير النفطية إلى أمريكا ويسجل نمواً بنسبة 2% على أساس سنوي. تليها المواد الكيميائية العضوية بمبلغ 706 مليون دولار (2.6 مليار ريال)، وهو ما يمثل 31% من إجمالي الصادرات غير النفطية. وشهدت صادرات المواد الكيميائية غير العضوية والمعادن الثمينة والنادرة والمركبات المشعة ارتفاعاً ملحوظاً بنسبة 7686% لتصل إلى 12 مليون دولار (44 مليون ريال).
وأظهرت الصادرات الأمريكية إلى السعودية أيضًا زخمًا إيجابيًا في عام 2023م، حيث بلغ إجماليها 13.8 مليار دولار (52 مليار ريال)، بزيادة 20٪ عن العام السابق. صدرت واشنطن سلعًا مثل المعدات الكهربائية والميكانيكية والمنتجات الصناعية والسلع الزراعية والأدوية. ويظل قطاع السيارات هو أهم الصادرات الأمريكية إلى السعودية، بقيمة 2.8 مليار دولار (10 مليارات ريال)، بزيادة قدرها 32٪ على أساس سنوي. أما ثاني أكبر فئة فكانت "المفاعلات النووية والمراجل والآلات وأجزائها"، والتي شكلت 18% من إجمالي صادرات السلع الأمريكية إلى السعودية بقيمة 2.5 مليار دولار (9.3 مليار ريال)، بزيادة 38% على أساس سنوي. وكانت "الطائرات وأجزاؤها" ثالث أكبر فئة، حيث ساهمت بمبلغ 1.7 مليار دولار (6.3 مليار ريال) في الصادرات الأمريكية. وحافظت ولاية تكساس على مكانتها الرائدة بين الولايات الأمريكية التي تتعامل تجاريا مع السعودية، حيث صدرت ما قيمته 2.9 مليار دولار (11 مليار ريال) من البضائع. تليها ولاية كاليفورنيا بصادرات بلغت 886 مليون دولار (3.3 مليار ريال)، مما يعكس نمواً بنسبة 12% على أساس سنوي. وانتقلت ولاية كارولينا الشمالية إلى المركز الثالث، حيث بلغ إجمالي الصادرات 846 مليون دولار (3.2 مليار ريال)، بزيادة قدرها 17% على أساس سنوي.
شكل رقم (2): تطور حجم التجارة (سلع وخدمات) بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة (2013-2023)
مليار دولار أمريكى
ثانيًا-العلاقة الاستثمارية بين المملكة والولايات المتحدة:
شهدت مؤشرات الاستثمار الأجنبي المباشر الرئيسية ارتفاعًا ملحوظًا مُنذ إطلاق "رؤية المملكة 2030" وخططها الاستراتيجية المختلفة بما في ذلك الاستراتيجية الوطنية للاستثمار. وعلى جانب الدول المستثمرة في المملكة بحسب جنسية الدولة الأم، فقد تصدرت أمريكا قائمة دول العالم من حيث رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر لعام 2023م، وذلك بواقع 202 مليار ريال أي ما يعادل 23% من إجمالي رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر في المملكة، حيث حققت الولايات المتحدة نموًا إيجابيًا في رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر مع السعودية والذي بلغ 57.7 مليار ريال، مقارنة بنهاية عام 2022م، حيث كان 54.6 مليار ريال.
أما رصيد الاستثمارات السعودية المباشرة القائمة في الولايات المتحدة بلغ 7.5 مليار دولار بنهاية 2023م، وكان قد ارتفع بنحو 23% خلال السنوات الست السابقة. وذلك كما هو موضح في الشكل التالي:
شكل رقم (3): تطور رصيد الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة (2017-2023)
مليار دولار أمريكي
وخلال السنوات الماضية، قاد صندوق الاستثمارات العامة، الاستثمارات السعودية في أمريكا، وزاد من حصصه في العديد من الشركات الأمريكية إلى ما يصل 7.26 مليار دولار حتى منتصف عام 2024م، وهو ما يمثل ارتفاعًا بنحو 6 ميارات دولار مقارنة بمنتصف عام 2023م. بالإضافة إلى ذلك، يدير صندوق الاستثمارات العامة السعودي أصولًا في الولايات المتحدة تصل قيمتها إلى تريليون دولار، مما يعكس عمق الشراكة الاقتصادية، ويتجلى ذلك في زيادة حيازات السعودية من سندات الخزانة الأمريكية بنسبة 27% على أساس سنوي لتتجاوز 140 مليار دولار في يونيو 2024، وفق بيانات وزارة الخزانة الأمريكية.
ثالثًا-آفاق استثمارية جديدة في حقبة رئاسة ترامب الثانية:
يعد الاستثمار الأجنبي المباشر بمثابة قناة حيوية لتبادل رأس المال والتكنولوجيا والخبرة، وهو أمر مهم بشكل خاص للسعودية في إطار سعيها لتنويع اقتصادها بعيدًا عن النفط. كما إن أمريكا في وضع جيد لدعم هذا التحول من خلال الاستثمار في القطاعات غير النفطية مثل التصنيع والتكنولوجيا والطاقة المتجددة، وهي مجالات حيوية لتحقيق أهداف رؤية السعودية 2030م، ومن خلال تعزيز الابتكار، وتعزيز رأس المال البشري، والتوسع وفي صناعات جديدة، يمكن لكلا البلدين ضمان مستقبل مرن ومزدهر، مبني على أساس النمو والتعاون المتبادلين.
ومن هذا المنطلق، أعلن سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء السعودي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان أن المملكة تعتزم تعزيز استثماراتها وعلاقاتها التجارية مع الولايات المتحدة إلى 600 مليار دولار قابلة للزيادة في حالة ظهور فرص إضافية، وذلك على مدى السنوات الأربع المقبلة. كما يتزامن ذلك مع إعلان سوفت بنك – وهو كيان تمتلك فيه المملكة أسهمًا – بتخصيص 500 مليار دولار لاستثمارات الذكاء الاصطناعي. ومن الجدير بالذكر هنا الإشارة إلى أن هذا المبلغ المقدر ترجع ضخامته لكونه شامل لجانبي التجارة الاستثمار بين الجانبين، كما أنه يشمل الاستثمار بنوعيه (المباشر وغير المباشر)، كذلك قد يضم الصفقات المتعلقة بالأسلحة وأنظمة الدفاع الأمريكية الصنع، والتي يمكن أن تكون جزءًا من هذه الجولة الاستثمارية.
ولمزيد من الفهم والتحليل لهذه التدفقات الاستثمارية المتوقعة خلال حقبة ترامب، يتطلب ذلك عرض الأبعاد الاقتصادية الرئيسية التي أدت إلى هذا الإعلان، والتي يتمثل أهما فيما يلي:
- تعزيز العلاقات الاستراتيجية مع أمريكا:
يهدف هذا الاستثمار إلى تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، من خلال استغلال التوافق في المجالات الاستثمارية بين سياسات المملكة ونهج ترامب خاصة في مجالات التكنولوجيا والطاقة والبتروكيماويات. وتجدر الإشارة إلى أن هذا المبلغ المتوقع ينصب بشكل أكبر على الاستثمارات في المجالات التي تحتاج تمويل ضخم مقارنة بالتجارة، فإذا افترضنا بشكل متفائل أن صادرات أمريكا من السلع والخدمات إلى السعودية تنمو بنسبة 10٪ سنويًا خلال رئاسة ترامب، فإن هذه الصادرات ستصل إلى 125 مليار دولار على مدى فترة ولايته التي تمتد لأربع سنوات. ومن غير المرجح أن تضيف عقود الشراء المتعددة السنوات التي تم الاتفاق عليها، زيادة كبيرة إلى هذا الرقم؛ وبالتالي فإن المبلغ المتبقي وهو 475 مليار دولار يجب أن يأتي من استثمارات جديدة. خاصة أنه سبق واتفقت أمريكا والمملكة في نوفمبر 2023م، على تعزيز التعاون الثنائي بمجال استكشافات واستخدامات الفضاء للأغراض السلمية، إضافة إلى إجراء مناقشات فنية حول الأنشطة التعاونية المحتملة في مجال الطيران وعلوم الأرض والفضاء والعمليات الفضائية واستكشاف واستخدام الفضاء الخارجي للأغراض السلمية. وجاء ذلك فى إطار توقعات المملكة أن يتجاوز نمو قطاع الفضاء محلياً المعدلات العالمية، اذ كشف تقرير صادر عن هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية السعودية عن بلوغ حجم سوق الفضاء في المملكة 400 مليون دولار، في حين بلغ حجم الاستثمار العالمي في قطاع الفضاء نحو 100 مليار دولار لعام 2024م، هذا الى جانب تأكيد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على إن السعودية لديها صندوق ثروة سيادية كبير وستسعى الولايات المتحدة للحاق به من خلال صندوقها السيادي الخاص.
- استغلال الإصلاحات الاقتصادية الأمريكية في عهد ترامب:
وذلك في إطار سعي ترامب نحو رفع شعار "أمريكا أولًا "وتحسين الأوضاع الاقتصادية والاستثمارية بالاقتصاد الأمريكي واتباع سياسات ضريبية تحفيزية، خاصة في ضوء امتلاك هذا الاقتصاد لمقومات جاذبة رغم الأزمات الاقتصادية العالمية الأخيرة منذ جائحة كوفيد. فالعوامل الأساسية التي تدفع المستثمرين إلى أمريكا هو ما تشهده من استقرار اقتصادي، إذ تمتلك البلاد اقتصاد مرن ومتنوع، تدعمه مؤسسات قوية، وإطار قانوني قوي، وبيئة سياسية مستقرة. وحتى في أوقات عدم اليقين، أظهرت الولايات المتحدة مرونة وقدرة على الصمود في وجه العواصف الاقتصادية، مما يجعلها وجهة جذابة للمستثمرين الباحثين عن السلامة والأمن لرؤوس أموالهم.
يضاف إلى ذلك حجم السوق الأمريكي وعمقه، حيث تعد الولايات المتحدة موطنًا لأكبر الأسواق المالية وأكثرها سيولة في العالم، بما في ذلك سوق الأوراق المالية وسوق السندات وسوق العقارات، حيث يوفر حجمها الكبير وعمقها للمستثمرين فرصًا لا مثيل لها لتوزيع رأس المال عبر مجموعة واسعة من فئات الأصول والقطاعات. سواء كان الاستثمار في الأسهم أو الأوراق المالية ذات الدخل الثابت أو العقارات أو الاستثمارات البديلة، كما توفر أمريكا سيولة وافرة وتنوعًا لتلبية احتياجات المستثمرين ذوي الرغبة في المخاطرة والأهداف الاستثمارية المختلفة. يضاف إلى ذلك حالة الدولار القوي، اذ يتمتع الدولار بمكانة مهيمن باعتباره العملة الاحتياطية الرئيسية في العالم، مما يوفر للمستثمرين الاستقرار والسيولة والقبول على نطاق واسع في المعاملات العالمية. وتعزز قوة الدولار جاذبية الأصول الأمريكية للمستثمرين الأجانب، الذين يستفيدون من استقرار العملة والقدرة على تنويع تعرضهم للعملة. كما تقدم أمريكا أكبر سوق استهلاكي على مستوى العالم بما يمثل نحو 20% إلى 30% من سوق السلع الاستهلاكية العالمية، كذلك توفر اتفاقيات التجارة الحرة مع 20 دولة أخرى قدرة أفضل على الوصول إلى مئات الملايين من المستهلكين الإضافيين.
- المساهمة في تنفيذ الرؤية التنموية للمملكة 2030:
إن مواصلة تنفيذ "رؤية 2030" تعتمد بشكل أكبر على الاستقرار المستدام في المنطقة، وما يرتبط بذلك من تحسن في الاستثمار واستغلال الفرص المتاحة لدعم التنمية المستدامة. ومن خلال خلق فرص استثمارية صناعية واسعة للاستفادة منها في قطاعات استراتيجية في المملكة العربية السعودية مثل: الصناعات العسكرية، استكشاف الفضاء، تطوير الذكاء الاصطناعي، تطوير الطاقة النووية، الطاقة الأولية، المعادن والتعدين، تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتحول الرقمي، النقل والخدمات اللوجستية، والتقنيات النظيفة للاقتصاد الأخضر (الطاقة المتجددة ، وإنتاج المركبات الكهربائية، والهيدروجين النظيف) كما هو موضح في الشكل رقم (3). كما تعد العقارات والرعاية الصحية من القطاعات ذات الأولوية أيضًا. وعلى هذا النحو توفر هذه الاستثمارات فرصًا في القطاعات الواعدة التي تؤثر بشكل مباشر على نقل وتوطين التكنولوجيا وخلق فرص العمل، مع الاستفادة من النمو الاقتصادي السريع في المملكة العربية السعودية باعتبارها واحدة من أسرع الاقتصادات نموًا.
شكل رقم (4): المبالغ الاستثمارية المتوقعة في القطاعات الرئيسية وفقًا لرؤية المملكة 2030
مليار دولار أمريكي
- مواجهة السياسة الأمريكية في مجال الطاقة:
تتسم العلاقات بين السعودية وأمريكيا في مجال الطاقة بالتعاون الوثيق والتنسيق المستمر، حيث تُعَدُّ المملكة أكبر مصدر للنفط في العالم، بينما تُعَدُّ الولايات المتحدة من أكبر المستهلكين والمنتجين. كما تسعى المملكة من خلال الاستثمارات المعلنة إلى تعزيز التعاون مع الولايات المتحدة في مجالات الطاقة النظيفة والتقنيات المتقدمة، حيث تم توقيع إطار شراكة ثنائية لتعزيز الطاقة النظيفة، يشمل استثمارات في التحول في مجال الطاقة النظيفة والتعامل مع تحديات المناخ، مع التركيز على مصادر الطاقة المتجددة والهيدروجين النظيف.
وعلى الرغم من هذا التعاون، تتباين سياسات البلدين في بعض الأحيان، مما يدفع المملكة إلى تبني استراتيجيات متعددة لمواجهة هذه التحديات الناجمة عن سياسات الطاقة الأمريكية، مع الحفاظ على دورها الريادي في مجال إنتاج الطاقة ، إذ تتأثر سياسات النفط وأسعاره بعدة عوامل في الوقت الراهن أهمها التوجه الأمريكي نحو الاستقلال الطاقوى، وسعي ترامب سابقًا لدعم النفط الصخري الأمريكي وزيادة المعروض منه والتأثير على أسعاره، فلابد من دعم المزيد من الاستثمارات والتشابكات الاقتصادية العميقة من قبل المملكة العربية السعودية في الاقتصاد الأمريكي ربما تكون أدوات مساعدة على مزيد من التفاوض بشأن سياسات الإنتاج في أوبك، ولاحقًا عبر تنسيقها الموسع أوبك +، مما يساعدها في تشكيل سياسة الطاقة الأمريكية بما يتماشى مع مصالحها النفطية، وبشكل يحافظ أيضًا على سعر التعادل المالي للنفط وبما لا يثير إشكالية تعارض المصالح مع الولايات المتحدة.
- موازنة المواجهة بين واشنطن وبكين:
تلعب السعودية دورًا محوريًا في موازنة القوى بين أمريكا والصين، من خلال اتباع سياسة خارجية متوازنة تهدف إلى تنويع شراكاتها الدولية وتعزيز مصالحها الوطنية دون الانحياز إلى طرف على حساب الآخر، وبما يخدم رؤية المملكة 2030م، وتطلعاتها نحو تنمية مستدامة. هذا النهج يتيح للمملكة الاستفادة من الفرص المتاحة مع كلا القوتين العظميين، مع تجنب التورط في صراعاتهما الجيوسياسية.
وقد أصبحت العلاقات الاقتصادية مع الصين أكثر أهمية لتنفيذ خطة التنمية السعودية في السنوات الأخيرة. فمنذ عام 2010م، حلت الصين تدريجياً محل الولايات المتحدة كأكبر مستورد للنفط الخام السعودي، مما يجعلها الشريك التجاري الأكثر أهمية للمملكة. وتهدف الاستثمارات المباشرة المتبادلة إلى تعزيز نقل التكنولوجيا والمساهمة في تنويع الاقتصاد السعودي. وفي الوقت نفسه، يتعاون البلدان في مجالات مثل الموارد المعدنية، وتعتمد خطة المملكة لتطوير الذكاء الاصطناعي التوليدي كجزء من برنامج "رؤية 2030" إلى حد ما على كل من الأجهزة الصينية كما تعتمد وبشكل كبير على الخبرات الأمريكية. وهكذا تجد الرياض نفسها تؤدي عملاً متوازناً بين بكين، الشريك الاقتصادي البارز، وواشنطن، الضامن الأمني المهم لها.
خاتمة:
إن الهدف الرئيسي لتعميق العلاقات الاقتصادية بين المملكة وأمريكا هو تأمين موقع اقتصادي استراتيجي للمملكة في عالم يتغير بسرعة ملحوظة، وتعزيز التحالفات الاقتصادية والسياسية التي تدعم رؤيتها التنموية 2030 وتخدم تنوع اقتصادها، وهو ما يمثل خطوة استراتيجية تمتد لتأثيرات جيوسياسية واقتصادية كبيرة. وباختصار، تُعد الاستثمارات السعودية في الاقتصاد الأمريكي جزءاً من استراتيجية أوسع لتحقيق التنمية المستدامة، وتنويع مصادر الدخل، وتعزيز مكانتها الاقتصادية والسياسية على الصعيد الدولي.ومما لا شك فيه أن تعميق وتشابك العلاقات الاقتصادية بين الدولتين من شأنه فتح آفاق واسعة لمزيد من التفاوض بشأن تحقيق المصالح المشتركة في الفترة المقبلة.