تواجه الإدارة السورية الجديدة تحديات عديدة، من أهمها وأخطرها مشكلة الأقليات الطائفية والعرقية والمذهبية، التي رسخها النظام السابق في الحياة السياسية والأمنية والاجتماعية، ليضمن من خلالها تفكيك الشعب السوري عبر إثارة الكراهية بين فئاته وطوائفه، ليأمن توحدها ضده. وتنفيذًا لتلك السياسة، قرب النظام بعض الأقليات الطائفية ــ كالطائفة العلوية التي ينتمي إليها ــ على حساب عامة الشعب، ومنحها امتيازات خاصة ليضمن ولاءها؛ ومكنها من المؤسسات الأمنية والدفاعية، لتقوم بتنفيذ أوامره. ومع سقوط النظام تأثرت تلك الطوائف بزواله، حيث فقدت ما كانت تحصل عليه من امتيازات.
وقد برز تحدي الطائفية سافرًا منذ أوائل شهر مارس 2025م، وتجسد في مشهدين:
الأول: التحركات الدرزية في مناطق الجنوب السوري، مثل السويداء، التي شهدت تحركات واحتجاجات ضد الحكومة السورية الجديدة؛ حيث أعرب زعماء دروز عن مخاوفهم من سياسات الحكومة، واتهموها بارتكاب انتهاكات ضد الأقليات، بما في ذلك العلويين والدروز.
الثاني: تمرد العلويين في الساحل السوري، الذي بلغ ذروته في 6 مارس 2025م، حيث اندلعت اشتباكات عنيفة بين قوات الأمن السورية ومجموعات مسلحة من الطائفة العلوية في مناطق الساحل السوري، وبخاصة في اللاذقية وطرطوس. فقد وُصفت هذه الاشتباكات بأنها تمرد من فلول نظام الأسد السابق، وأنها تتلقى دعمًا خارجيًا لتنفيذ مخططاتها الداخلية.
تتناول هذه الورقة موضوع الأقليات السورية، وكيفية تعامل الإدارة الجديدة معه، من خلال التركز على الأحداث التي شهدتها المنطقة الساحلية التي تضم أكثرية العلويين، لما ترتب على تلك الأحداث من سقوط مئات الضحايا المدنيين، وبخاصة في المناطق ذات الأغلبية العلوية، فضلًا عن سقوط المئات من قوات الأمن والدفاع السوري؛ الأمر الذي أثار قلقًا واسعًا حول استقرار سوريا ومستقبلها، واحتمال عودة الأمور إلى الانفجار بعد الهدوء الحذر الذي ساد البلاد عقب التخلص من نظام الأسد.
خلفية الأحداث وتطورها
مع نجاح الإدارة السورية الجديدة في السيطرة على أغلب أنحاء البلاد، ومنها المناطق الساحلية، التي تتمركز فيها أعداد كبيرة من الطائفة العلوية، وبخاصة اللاذقية وطرطوس وجبلة، الواقعة على ساحل البحر الأبيض المتوسط؛ حاول بعض العلويين تقويض تلك السيطرة، والاستقلال بمناطقهم عن السلطة الجديدة.
وتحقيقًا لتلك الغاية، رفض بعض فلول النظام السابق من العلويين تسليم سلاحهم للسلطة الجديدة في ديسمبر 2024م، كما فعل أقرانهم من أبناء الطائفة؛ وقام قائد أركان الفرقة الرابعة في جيش النظام السابق، ويدعى: (غياث دلا)، بتشكيل ميليشيات مسلحة، سُميت بـ: (المجلس العسكري لتحرير سوريا)؛ وقد تلقت الدعم من إيران عبر المليشيات التابعة لها في العراق، التي وفرت مأوى لبعض أفراد من أسرة الأسد، يذكر أن منهم (ماهر الأسد) شقيق الرئيس السابق (بشار الأسد).
وتشير المصادر إلى أن الميليشيات التي يقودها (غياث دلا) كانت تنقسم إلى ثلاث مجموعات هي: (درع الأسد)، و(لواء الجبل)، و(درع الساحل)، وقد تم نشرها عند نقاط مفصلية داخل المدن الكبرى ومراكز محافظتي اللاذقية وطرطوس غربي سوريا، إضافة لمدينة جبلة؛ ما جعل مخطط العلويين لمواجهة الدولة أقرب إلى الانقلاب العسكري المسلح منه إلى التمرد الطائفي على السلطة الحالية بقيادة الشرع.
استعدادات العلويين للانقلاب على السلطة:
كانت الميليشيات المضادة للإدارة الانتقالية السورية، تستعد للمواجهة، على مدى الشهور الثلاثة الماضية، فتحصنت في بعض المنازل والمناطق الجبلية الوعرة ــ كجبل النبي يونس في اللاذقية ــ ترقبًا للمواجهة مع قوات الأمن والدفاع السورية الجديدة، التي كانت تقوم بتتبع المطلوبين في المنطقة منذ سقوط نظام الأسد.
أهداف العلويين من القتال:
يمكن تلخيص أهداف العلويين من القتال في النقاط التالية:
أولًا: تقويض المحاولات التي يبذلها النظام الجديد لتحقيق السلم المجتمعي في الداخل السوري، ومن ثم التأثير سلباً على حالة الاستقرار السياسي، التي تنشده الإدارة السورية الجديدة وتسعى إلى تحقيقها خلال المرحلة الانتقالية، والتي بدأتها بتدشين جلسات الحوار الوطني في المحافظات السورية المختلفة.
وقد صرح الرئيس أحمد الشرع إلى أن موالين للأسد كانوا ينتمون إلى «الفرقة الرابعة» من الجيش السوري المنحل، التي كان يقودها ماهر شقيق بشار الأسد، وقوة أجنبية متحالفة، هم من أشعلوا فتيل الاشتباكات، يوم الخميس، لإثارة الاضطرابات وخلق الفتنة الطائفية؛ «لكي يصلوا إلى حالة من زعزعة الاستقرار والأمان في داخل سوريا". ولم يحدد القوة الأجنبية، لكنه أشار إلى الأطراف التي خسرت من الواقع الجديد في سوريا، في إشارة واضحة إلى إيران حليفة الأسد منذ مدة طويلة، التي لا تزال سفارتها في دمشق مغلقة.
ثانيًا: إعاقة الخطوات التي تتخذها الإدارة الجديدة على المستويين الإقليمي والدولي، لكسب الثقة والتأييد، لاسيما من قبل القوى الكبرى كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي؛ وهي القوى التي اتخذت قرارات بشأن الرفع الجزئي والنوعي والتدريجي للعقوبات التي كانت مفروضة على النظام السوري السابق.
ثالثًا: بث الفتنة واللعب على وتر الطائفية في سوريا، بهدف ضرب أهم مرتكزات المرحلة الانتقالية التي أعلن عنها الرئيس أحمد الشرع في بدايات المرحلة الانتقالية الأولى ــ الثلاثة شهور الأولى التي تلت سقوط النظام السوري ــ وأهمها الحفاظ على حالة التماسك المجتمعي وعدم التعرض للأقليات. وقد أكد الرئيس الشرع ــ في لقاء أجرته معه وكالة رويتر في 10 مارس 2025م ــ بأن العنف الذي شهدته الأيام الماضية يهدد بعرقلة مساعيه للمّ شمل سوريا. وقال: «الحدث الذي حصل من يومين سيؤثر على هذه المسيرة... وسنعيد ترميم الأوضاع إن شاء الله بقدر ما نستطيع".
رابعًا: تشويه صورة الإدارة الجديدة من خلال الترويج لأن قوات الأمن الجديدة تمارس نشاطاً دموياً وعنيفاً ضد بعض الطوائف تحديداً خلال عملها في تمشيط مناطق يعتقد أن فلول النظام السابق تتخذ منها مأوى لها، على نحو ما تم خلال الأسبوع الأول من مارس في بعض المناطق التي تشهد تمركزاً للأقلية الدرزية مثل جرمانا بجنوب شرق العاصمة دمشق، للتـأكيد على عداء الإدارة الجديدة للأقليات السورية؛ وهو الملف الذي تعتبره دول العالم محط اختبار ومراقبة لإدارة سوريا الجديدة.
خامسًا: تقسيم سوريا إلى دويلات أو كنتونات عرقية وطائفية، وهو مخطط سعى العلويون لتنفيذه في عهد النظام السابق؛ حيث تشير المصادر إلى أن الطائفة عقدت اجتماعًا لمجلسها بتاريخ 27/12 / 2012م؛ لبحث مستقبلها وتحديد موقفها من الأحداث، وتم الاتفاق على عدد من البنود تدور حول لقيام كيان للطائفة العلوية مستقل إداريا عن الحكومة المركزية؛ ليتم جلب جميع أبناء الطائفة من طرابلس لبنان ومن الداخل السوري وتوزيعهم على مدن وقرى الساحل.
كما كان مشروع التقسيم أحد السيناريوهات المتداولة عام 2013م، تحت شعار (الفدرلة/ التقسيم الفيدرالي) كحل لإنهاء الحرب الأهلية السورية، التي اشتعلت بعد الثورة في ظل النظام السابق، عندما كانت الدولة السورية في حالة تقسيم فعلي، حيث خضعت عدة مناطق لسيطرة جهات مختلفة تتنافس أو تتصارع فيما بينها؛ دون أن تصل إلى حل سياسي أو حسم عسكري.
ويعود هذا الطرح إلى ثمانينيات القرن الماضي، حيث سربت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية عام 1982م دراسات عن ضرورة بلقنة المنطقة العربية وتقسيمها على أساس عرقى وطائفي، وذلك حتى تتفرد إسرائيل بقيادة المنطقة والهيمنة على مقدراتها، بعد أن تغرق دولها فى أتون حروب داخلية لا نهاية لها.
وعاد الحديث الإسرائيلي علنا عن مخطط البلقنة مجددا للظهور، بعد تراجعه لبعض الوقت مع وجود بيئة خصبة وظروف مواتية تمثلت في الثورة على نظام الأسد ومحاولات الدفع في اتجاه حصر الثورة في البعد الطائفي والصراع بين الأغلبية السنية والأقلية العلوية الحاكمة.
وتجدد هذا الطرح، في يناير 2025م، من المحامي والخبير العسكري الإسرائيلي (رامي سيمني) بعد سقوط نظام الأسد وسيطرة قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع على الحكم، كحلٍ لحماية أمن وحقوق جميع الجماعات العرقية السورية؛ وبخاصة الدروز والأكراد؛ وطالب (سيمني) أن تقسم سوريا إلى خمس مناطق ذات حكم ذاتي بناءً على التركيبة العرقية والطائفية؛ مؤكدًا أن التقسيم هو الحل الأكثر انسجامًا مع الواقع الديموغرافي.
سير المعارك:
بدأ التوتر، منذ السادس من مارس 2025م، في قرية ذات غالبية علويّة في ريف اللاذقية، على خلفية توقيف قوات الأمن لمطلوب، وما لبث أن تطوّر الأمر إلى اشتباكات إثر إطلاق مسلّحين علويين النار على رتل لقوات الأمن السورية؛ وقيام ميليشيات الأسد بمهاجمة نقاط تفتيش ودوريات حكومية في منطقة جبلة؛ ما أدى إلى تكبيد القوى الأمنية التابعة للإدارة السورية الجديدة خسائر بشرية كبيرة، تمثلت بمقتل قرابة 250 عنصرًا وجنديًا في حصيلة غير نهائية، مع وجود مفقودين حتى الآن، والعثور على مقابر جماعية تحتوي على عشرات القتلى من القوات التابعة لوزارة الداخلية السورية.
أرسلت السلطات السورية تعزيزات الى المنطقة الساحلية، لمواجهة الميليشيات المتمردة. وقامت الأجهزة الأمنية والعسكرية بعملية مضادة من مرحلتين، تمثلت الأولى باستعادة الأمن في مدن الساحل ذات الكثافة السكانية، لا سيما طرطوس واللاذقية وجبلة وبانياس والقرداحة ) مسقط رأس عائلة الأسد). أما المرحلة الثانية من العملية العسكرية ضد فلول النظام السابق، فتمثلت في تمشيط القرى الجبلية، وسط توقعات أن تكون هذه المرحلة الأطول نظرا لصعوبة التضاريس.
نتائج المواجهات
أسفرت المواجهات، التي اعتمدت على حرب العصابات ونصب الكمائن، عن مقتل أكثر من 1300 شخص، بينهم أكثر من 970 من المدنيين العلويين؛ وردًا على أعمال العنف، فرضت السلطات السورية حظر تجوال كامل في اللاذقية ومحافظتي حمص وطرطوس القريبتين، اعتبارًا من صباح 7 مارس 2025م. وقد هزت أعمال القتل اللاذقية وبانياس وجبلة، وهي المدن الساحلية السورية الرئيسية؛ مما أجبر الآلاف من العلويين على الفرار إلى القرى الجبلية أو عبور الحدود إلى لبنان.
وفي أول مقابلة يُجريها مع وكالة أنباء عالمية (رويتر) بعد أربعة أيام من الاشتباكات، حمَّل الرئيس أحمد الشرع جماعات موالية للأسد، يدعمها أجانب، مسؤولية إشعال الأحداث الدامية، لكنه أقر بأنّ أعمال قتل انتقامية وقعت في أعقاب تلك الاشتباكات.
موقف الإدارة الجديدة من ملف الأقليات:
عكس موقف الإدارة السورية الجديدة من ملف الأقليات وعيًا سياسيًا واجتماعيًا بما يكتنف هذا الملف من التعقيدات والإشكاليات والتحديات، التي عانت منها سوريا على مدى العقود الماضية، مما تطلب التعامل مع هذا الملف بتوازن يجمع بين الحكمة والشدة معًا، تحقيقًا للمصالح الوطنية الكبرى والمحافظة في الوقت ذاته على هيبة الدولة؛ حيث تعاملت الإدارة مع الأقليات، وفقًا لأبعاد المواقف وخطورتها على الأمن العام والاستقرار المنشود للبلاد، وذلك على النحو التالي:
تقديم الحكمة على الشدة في التعامل مع الدروز: فعندما شنت بعض العشائر الدرزية هجومًا مسلحًا ضد قوات الأمن السورية، خلال الأسبوع الأول من مارس، في بعض المناطق التي تشهد تمركزاً للأقلية الدرزية ــ مثل جرمانا بجنوب شرق العاصمة دمشق ــ مدعية أن قوات الأمن الجديدة تمارس نشاطاً دمويًا عنيفًا ضد بعض الطوائف تحديدًا خلال تتبعها لفلول النظام السابق التي اتخذت من مناطق الدروز مأوى لها، وأدى الهجوم إلى وقوع خسائر بشرية بين صفوف قوات الأمن؛
لم يلجأ الرئيس الشرع إلى استخدام القوة ضد الدروز؛ منعًا من اتساع دائرة العنف بين عناصر الأمن وبين الطائفة الدرزية تحديدًا، والتي حاولت إسرائيل استغلالها لتحقيق الانقسام داخل سوريا، بل لجأت الإدارة السورية إلى التواصل مع الزعماء الروحانيين للطائفة الدرزية، ونجحت في معالجة الموقف ووقف مسار المواجهات بين الطرفين.
استقطاب الأكراد إلى الدولة باعتبارهم مكونًا وطنيًا رئيسًا: وعلى النحو نفسه من الحكمة تمت معالجة ملف الأكراد، حيث فاجأ الشرع وقائد قوات قسد مظلوم عبدي بإعلان الاتفاق الذي ينص على انضواء القوة الكردية تحت مظلة جيش الدولة وحصول الأكراد على حق المواطنة والمشاركة في الحياة السياسية.
المواجهة العسكرية ضد العلويين: لجأت الإدارة السورية الجديدة إلى المواجهة العسكرية مع التمرد العلوي، للجوء الأخير إلى القوة المسلحة ورفع السلاح في وجه السلطات الأمنية والعسكرية. وعندما تأكد للإدارة أن شوكة العلويين العسكرية قد انكسرت ولم يعودا مصدر خطر على الدولة، لجأت الدولة بقيادة الرئيس الشرع إلى إدارة الموقف بحكمة، حيث صرح لوكالة (رويتر) بعد أربعة أيام من اشتعال القتال بأن العنف الذي شهدته الأيام الماضية يهدد بعرقلة مساعيه للمّ شمل سوريا. وقال: «الحدث الذي حصل من يومين سيؤثر على هذه المسيرة... وسنعيد ترميم الأوضاع إن شاء الله بقدر ما نستطيع".
ولتحقيق هذه الغاية شكل الرئيس الشرع «لجنة مستقلة»، وهي أول هيئة يشكلها تضم علويين، للتحقيق في عمليات القتل في غضون 30 يوماً وتقديم الجناة للمساءلة. ويقع على عاتق اللجنة التحقيق في الانتهاكات التي تعرض لها المدنيون في الساحل وتحديد المسؤول عنها، إضافة إلى التحقيق في الاعتداءات على المؤسسات العامة ورجال الأمن والجيش وتحديد المسؤولين عنها. كما شكل الشرع لجنة ثانية للمحافظة على السلم الأهلي والمصالحة بين الناس؛ «لأن الدم يأتي بدم إضافي".
وتأكيدًا على حرصه بألا تمر الأحداث دونما عقوبة لمن شارك في تخطيطها وتنفيذها؛ قال الرئيس الشرع لـ (رويترز" وقال الشرع: «سوريا نحن أكدنا أنها دولة قانون. القانون سيأخذ مجراه على الجميع». وأضاف: «نحن بالأساس خرجنا في وجه هذا النظام وما وصلنا إلى دمشق إلا نصرة للناس المظلومين... لا نقبل أن تكون هناك قطرة دم تُسفك بغير وجه حق، أو أن يذهب هذا الدم سدى دون محاسبة أو عقاب. مهما كان، حتى لو كان أقرب الناس إلينا، أو أبعد الناس إلينا... لا فرق في هذا الأمر. الاعتداء على حرمة الناس... الاعتداء على دمائهم أو أموالهم، هذا خط أحمر في سوريا".
الموقف الإقليمي والدولي من الأحداث
مع نجاح الإدارة السورية الجديدة في التعامل مع ملف الأقليات بالحكمة المطلوبة والشدة المقننة، لقيت الإدارة تأييدًا عربيًا وغربيًا واضحًا، جسدته البيانات الصادرة عن الجهات المعنية في تلك الدول؛ وجاءت المملكة العربية السعودية في مقدمة الدول العربية التي دعمت الحكومة الشرعية السورية؛ حيث أعلنت وزارة الخارجية السعودية إدانتها لما وصفتها بـ"الجرائم" التي تنفذها مجموعات خارجة عن القانون في سوريا، وذلك بعد ليلة دامية في الساحل السوري نتيجة للاشتباكات بين "فلول النظام" من جهة وقوات الأمن العام ووزارتي الدفاع والداخلية من جهة أخرى.
وجاء في بيان الخارجية السعودية: "تعرب وزارة الخارجية عن إدانة المملكة العربية السعودية الجرائم التي تقوم بها مجموعات خارجة عن القانون في الجمهورية العربية السورية واستهدافها القوات الأمنية". وأكدت الرياض في بيانها "وقوفها إلى جانب الحكومة السورية فيما تقوم به من جهود لحفظ الأمن والاستقرار والحفاظ على السلم الأهلي".
بالإضافة إلى ذلك، أعربت دول عربية مثل قطر والكويت والبحرين والإمارات عن إدانتها للهجمات التي تشنها المجموعات المسلحة على القوات الأمنية السورية، وأكدت دعمها لجهود الحكومة السورية في حفظ الأمن والاستقرار.
وتجسد الموقف الغربي في إدانة الاتحاد الأوروبي بشدة الهجمات الأخيرة التي نفذتها عناصر موالية للأسد على قوات الحكومة المؤقتة في المناطق الساحلية من سوريا، ودعا إلى حماية المدنيين وفقًا للقانون الإنساني الدولي. ودعا الاتحاد الأوروبي القوى الخارجية إلى احترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها، مما يشير إلى عدم وجود دعم خارجي معروف للمجموعات المسلحة المناهضة للحكومة السورية الانتقالية.
الخاتمة
على الرغم من التحديات الداخلية الخطيرة التي تواجهها الإدارة السورية الجديدة برئاسة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، يظل ملف الأقليات هو الأشد خطورة؛ نظرًا لسعي بعض القوى الإقليمية (إيران وإسرائيل) إلى استغلاله لتقويض الجهود والمحاولات التي تبذلها الإدارة الجديدة لاستعادة الأمن المجتمعي وإرساء دعائم الاستقرار. وقد فطنت الإدارة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع إلى أهمية هذا الملف وخطورته وأبعاده التاريخية، فتعاملت معه بنهج جمع بين الحكمة والشدة أملًا في حل إشكاليات هذا الملف وتجنب خطورته على أمن المجتمع واستقراره، فضلًا عن كسب التأييد الإقليمي والدولي، الذي يولي حقوق الأقليات أهمية كبرى.
وبذلك باتت الإدارة الجديدة أمام تحديات أمنية كبيرة، وأن ثمة قوى خارجية رغم اختلاف مشاريعها الإقليمية في المنطقة – إيران وإسرائيل – إلا أن مصالحها تلاقت في إبقاء سوريا الجديدة ضعيفة ومنهكة أمنياً واقتصادياً وإغراقها في حالة من التوتر الطائفي بهدف تهديد حالة السلم المجتمعي وتعطيل المرحلة الانتقالية، لكن في الوقت نفسه ثمة حالة من التجاوزات في المعالجات الأمنية في مسار مواجهة فلول النظام السابق أدت إلى وقوع خسائر بشرية لمدنيين، وهو ما يفرض على الحكومة الانتقالية "تقييد" نمط ونطاق وطريقة ملاحقة المتورطين بقدر من الضوابط التي تضمن محاسبة المتورطين فقط، بحيث لا يُفتح باب للثأر المتبادل بين القوات الأمنية التي قوامها الرئيسي فصائل هيئة تحرير الشام التي فككت تنظيمها وكانت نواة أساسية للقوات الأمنية والعسكرية وبين طوائف المجتمع السوري الأخرى، وهو ما يستدعي حتمية المضي قدماً في تشكيل هيئة تتولى تنفيذ "العدالة الانتقالية" التي تضمن محاسبة المتورطين أياً كانوا وفقاً لقواعد القانون بما يعزز من ثقة أطياف الشعب السوري في نظامهم الجديد حتى وإن كان يقود مرحلة انتقالية في تاريخهم.
تشهد الأوضاع في سوريا، منذ السادس من مارس 2025م، توترًا وقلقًا واسعًا حول استقرار سوريا ومستقبلها، وعودة الأمور إلى الانفجار بعد الهدوء الحذر الذي ساد البلاد عقب التخلص من نظام الأسد، وتسلم الرئيس الانتقالي أحمد الشرع للسلطة، وبدئه في إجراءات إعادة بناء البلاد، والتعافي مما أصابها من تردٍ في جميع المجالات.