array(1) { [0]=> object(stdClass)#13777 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 208

يفصل بين السلطات وأعطى الرئيس صلاحية التنفيذ فقط

الأحد، 30 آذار/مارس 2025

إن حديث الساعة في المنطقة العربية الآن عن القضية الفلسطينية، وعن سوريا، والوضع السياسي الذي ستستقر عليه، بعد طرد الدكتاتور المجرم بشار الأسد، وإنهاء حكم آل الأسد الدموي، الذي جثم على صدور السوريين لنصف قرن. ونرى وجوب مناقشة ما حدث بالفعل في سوريا، بدءًا من 8 ديسمبر 2024م، بموجب المحاور التالية:

  • ما حصل في سوريا بالنسبة للعرب، وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية.
  • ما حصل بالنسبة للقوى الإقليمية، والعالمية المعنية.
  • أهم الجماعات والميليشيات السورية.
  • كيف تتم الوحدة السورية.
  • كيف سيعمل نظام سياسي جديد.
  • الفترة الانتقالية.
  • سوريا: رؤية مستقبلية.

                                 

    تعتبر الدولة العربية الشقيقة سوريا، إلى جانب العراق، أقدم أماكن الحضارة البشرية. وتعتبر عاصمتها دمشق أقدم مدينة في العالم. وتعرف أيضًا بـ "الشام". وخلال العصور الوسطى، بعد فتحها سنة 636هـ، أصبحت حاضرة الدولة الأموية، ثاني أكبر دولة في التاريخ، من حيث المساحة. استمر حكم الأمويين 132 عامًا. ثم جاء الحكم العباسي، ثم العثماني ليشمل سوريا، ويستمر لحوالي أربعة قرون. وكان بها حكومة ديمقراطية، إلى أن استولى حزب البعث الاشتراكي العربي على السلطة، عام1963م، وأسس نظام الحزب الواحد. كان النظام اشتراكيًا، ولكن تم التخلي التدريجي عن معظم الاشتراكية ابتداء من العام 2000م.  واندلعت، عام 2011م، الثورة الشعبية السورية، أساس اضطراب سوريا الراهن. وقابلها نظام الأسد بالقمع والتنكيل. الأمر الذي أدى إلى دمار هائل، وكارثة إنسانية مدمرة.

    أما عن الطرفين المتحاربين، النظام وكان معه: الجيش النظامي، قوة الدفاع الوطني، الشبيحة، حزب الله، إيران، روسيا، ميليشيات شيعية غير سورية. أما القوى المقاومة : الائتلاف الوطني السوري، الجيش السوري الحر، جبهة النصرة، تنظيم القاعدة، مجلس سوريا الديمقراطية، قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وغيرها. 

     تأسست المملكة العربية السورية عام 1920م. ثم قامت ثورة، أعلن عقبها قيام الجمهورية، وانتخب محمد العايد أول رئيس، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية نالت استقلالها سنة 1946م. بعد ذلك، شهدت عدة انقلابات عسكرية، بدءًا من انقلاب حسنى الزعيم، ثم انقلاب سامي الحناوي، وانقلاب أديب الشيشكلي. اتحدت مع مصر (1958-1961م). ثم جاء نظام ناظم المقدسي. وفي عام 1970م، حدث انقلاب أوصل وزير الدفاع حافظ الأسد إلى السلطة. ومن هنا، بدأت المأساة السورية.

     اندلعت حرب 1967م، وحرب 1973م، كما هو معروف. وعام 1973م أيضا، أقر دستور جديد، كرس نظام الحزب الواحد، واعتبار حزب البعث "قائدًا للأمة". مات حافظ الأسد، عام 2000م، وتولى ابنه بشار السلطة، بعد تعديل سينمائي للدستور، تناول سن بشار. ولم يزح الأخير عن السلطة إلا في 8 ديسمبر 2024م. وصدر عام 2012م، دستور جديد، بعد الثورة الشعبية العارمة، والتي نجحت في ديسمبر 2024م، في طرد بشار، وهروبه إلى روسيا، وتولى محمد الجولاني السلطة مؤقتًا، ولفترة انتقالية، تم تحديدها بثلاثة أشهر، سيتم خلالها مراجعة آخر دستور (2012م)، وتعديله. وسنلقي بعض الضوء على الفترة الانتقالية، وما سيتمخض عنها من قرارات مصيرية، بالنسبة لسوريا، وما حولها. علمًا بأن هذه الفترة قصيرة جدًا، ويستحسن أن تمتد لسنتين، على الأقل. وهناك نية لتمديدها لأربع سنوات.

   صدر الدستور، المعمول به، حتى الآن، يوم 27/2/2012م، ليقيم نظامًا رئاسيًا، ديمقراطي المظهر، وديكتاتوري المخبر. اذ يتمتع رئيس الجمهورية بصلاحيات واسعة، عبر مجلس وزراء يعينه هو. أما السلطة التشريعية، فهي، شكليًا، في يد مجلس الشعب، المكون من 250 عضوًا منتخبًا، لمدة أربع سنوات، قابلة للتجديد. وتتولى المحكمة الدستورية العليا السلطة القضائية في البلاد.

         الانتقال الصعب:

        معروف، أن سوريا تعاني منذ استقلالها، من استحكام قلة قليلة (عسكرية) مستبدة ودموية، واستيلائهم على السلطة فيها، والحكم بما يخدم مصالح تلك القلة، وعلى حساب حرية وكرامة ومصالح غالبية الشعب السوري. وتضاعف ضرر الاستبداد السياسي منذ خمسة عقود، إثر استيلاء حافظ الأسد على السلطة، ثم توريثه السلطة – في مسرحية سياسية سخيفة -لابنه بشار ... مكرسًا بذلك نظامًا فئويًا وطائفيًا إرهابيًا ومدمرًا. 

      هذا الاستبداد (الطائفي) الغاشم والمهين أدى – بالضرورة – لتذمر واستياء الشعب السوري، ومن ثم ثورته...  لتنضم سوريا إلى موجة الثورات العربية التي بدأت عام 2011م.  فشمر النظام الأسدي ومؤيدوه عن سواعدهم، ووجهوا آلة القتل والتنكيل، والمتمثلة في الجيش الطائفي الذي أسسوه، لقتل أبناء الشعب المعارضين لنظام الطاغية الأسد، في البدء، كان صراعًا بين شعب أعزل يطالب – سلمًا – بحقه في اختيار حكومته، ونظام مستبد... هيمن على السوريين طويلًا.

    ولكن، سرعان ما تحول ذلك الحدث إلى صراع سوري – إقليمي، عندما تدخلت قوى إقليمية لجانب النظام (إيران، وغيرها) وقوى إقليمية أخرى (تركيا، قطر وغيرهما) لصالح المعارضة التي تجسدت في البدء في "الائتلاف الوطني السوري "، وما يعرف بـ "الجيش الحر".  ثم سرعان ما دخلت قوى عالمية لساحة هذا الصراع... بعضها مع النظام الأسد (روسيا) وأخرى لجانب المعارضة (أمريكا والناتو) فتحول الصراع، الذي بدأ بمدينة "درعا " السورية، إلى صراع سوري – إقليمي – عالمي.

     بعد 13 سنة من مقاومة نظام بشار الأسد الجائر، تمكنت قوى المقاومة من دحر النظام الفاشي، والاستيلاء على السلطة، وإعادتها إلى الشعب السوري، بعد أن اغتصبها آل الأسد. ودخلت سوريا، كما يحصل دائما في حالتها، في نفق شبه مظلم، لا يعرف المراقبون بالضبط كيف ومتى ستخرج منه، وتعود في وضع أفضل مما كانت عليه. والسبب الأول لهذا الاضطراب الكارثي، هو الديكتاتورية القمعية الاجرامية، وقدر عدد القتلى، في الحرب الأهلية السورية، بحوالي مليون شخص، منهم أطفال ونساء. وهناك ملايين فروا وشردوا من منازلهم، قدر البعض عددهم بحوالي 11 مليون نسمة، أي حوالي نصف السكان.

     يصف علماء السياسة الأخطاء والخطايا التي ترتكبها الديكتاتورية القمعية، في حق شعبها وأمتها، دائمًا، بأنها تتلخص في أربع خطايا: الاستيلاء على السلطة بطريق غير مشروع، الحكم لمصلحة الديكتاتور ومن معه، احتكار وسائل الإكراه واختصار الدولة في شخص الديكتاتور، صعوبة إزاحة الطغاة، فدون إزاحتهم خرط القتاد، وحروبًا شعواء. وكل هذه الخطايا ارتكبتها أسرة الأسد، وزادت عليها. فلا يوجد، في هذا العصر، من فعل فعلهم، وأجرم إجرامهم. وكانت الضحية هي الشعب السوري.  واستغل التحالف الصهيوني-الاستعماري فرصة انشغال سوريا في أمورها، وسقوط النظام الأسدي، الذي كانت إسرائيل تدعمه، فقامت بشن هجوم عسكري كاسح على الجيش السوري، بمختلف وحداته، مما أدى إلى تدمير حوالي 80% من هذا الجيش.

والواقع، أن سوريا الآن في أمس الحاجة الى أمرين أساسيين، هما:

  • وقف إطلاق النار، وتوحيد البلاد، وتصفية الميليشيات المختلفة. وتحول أغلبها الى أحزاب سياسية عادية. مع ضم بعض ميليشياتها إلى الجيش النظامي السوري.
  • إقامة نظام سياسي حديث، يمثل بالفعل، الشعب السوري الذي يستحق أن يدار بالأسلوب الديمقراطي.

  وهنا يتوجب عقد مؤتمر مصالحة وطنية موسع، وصياغة دستور جديد للبلاد، يطرح في استفتاء عام على الشعب السوري، لإقراره أو تعديله.  ولا يتوقع أن تمر الفترة الانتقالية بسهولة، بسبب تعدد فئات الشعب السوري، وتعقيد العلاقات فيما بين الفصائل والجماعات المختلفة، ومرور حوالي نصف قرن من الكبت والاستبداد، والتدخلات الأجنبية النشطة.

   سوريا في "الفترة الانتقالية":

  

   إن السلطة الانتقالية المؤقتة، ممثلة بالمجلس السيادي الأعلى، ستفعل، في هذه المرحــلــــــة، أحــــد أمريـــــــــن:

  • إما أن تعيد إنتاج النظام السابق، بشكل أو آخر، أو:
  • تحرص على صياغة دستور جديد، ثم إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية نزيهة ... ينتج عنها حكومة ممثلة للشعب فعلاً، ومستجيبة لرغبات غالبيته.

    إن جنحت للخيار الأول، فسيرشح بعض قادة العسكر – خاصة بعض رموز النظام السابق-أنفسهم، ويتولى أحدهم الرئاسة، بعد أن يخلع البزة العسكرية. ويتم "ترتيب" الانتخابات، بما يضمن فوزه ورفاقه. هنا يكون البلد قد استبدل ديكتاتور بآخر. وسيعمل الرئيس الجديد على أن يكون لديه برلمان طوع بنانه... وتنسى الهبة الشعبية، وينسى الانقلاب. ولان كل دول العالم الديمقراطية الحالية ترفض الحكومات العسكرية الصريحة، تبذل الحكومة الجديدة قصارى جهدها لتظهـر بأنها مدنية، تمثل شعبها، لا القلة العسكرية فيه فقط؟! 

    أما إن حرص الجيش على تسليم السلطة للمدنيين (الشعب) كما يتوجب، وكما تريد غالبية الشعوب المنتفضة، وعمل على ضمان إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية سليمة، ثم عاد إلى ثكناته، مقره ومكانه الطبيعي، فإنه يكون – بذلك – قد أبدى نزاهة ووطنية، ومهنية رفيعة، ونقل بلاده لنظام تقبله غالبية الشعب المعنى، ويضمن للبلاد الأمن والاستقرار الحقيقي، في المدى الطويل، وحتى لا تتكرر (بعد حين) الهبات الشعبية باهظة الثمن، حتى لو كانت سلمية...

 وهناك ما يسمى بـ "الطب السياسي" (أو الإجراءات الإصلاحية السياسية الحكيمة) والتي بواسطتها، تعالج الدول المضطربة سياسيًا، أو الدول المريضة سياسيًا، إن تمكن إخضاعها للعلاج. وتداوي تلك المهددة بانهيار وشيك، أو اضطراب سياسي حاد، أو "حرب أهلية" في الأفق، أو ما شابه ذلك.  ومن صور "الطب السياسي"، المشار اليه: قيام منظمات، أو دول أخرى، أو شخصيات ذات خبرة وتأثير، من داخل وخارج تلك البلاد، باستخدام كل ما يمكنها استخدامه من جهود واتصالات، لوقف ذلك العناء، وإعادة الحياة الطبيعية للبلاد المعنية، إلى ما كانت عليه، أو أحسن... عبر: الوساطة (النزيهة) بين الفرقاء المعنيين. وإن كان "علم السياسة" يقدم "تطبيباً" لـ "الجراح والأمراض السياسية" المختلفة، فإن من أبرز صور هذا التطبيب هي ذلك المسعى، أو ما يسمى بـ "التدخل الحميد"، إن حسنت نواياه بالفعل، والذي كثيرًا ما ينتج عنه شفاء أمراض سياسية عضال مختلفة، وإعادة الاستقرار إلى بلاد افتقدته.

  في الحالة السورية، يجب-في رأيي-تمديد مدة الفترة الانتقالية، لمدة سنتين، ومحاولة حل مشاكل الفترة الانتقالية ذاتيًا. فإن تعذر ذلك، أو تعثر، يمكن الاستعانة بجامعة الدول العربية، أو بدولة، أو دول شقيقة، ترضاها للعمل كوسيط محايد. ثم يعقد مؤتمر للمصالحة الوطنية الشاملة. وبعد ذلك يتم عمل الخطوات المتتالية التالية:

  • يتم تشكيل لجنة برلمانية لصياغة دستور (نظام) جديد للبلاد.
  • ويطرح الدستور المقترح للاستفتاء الشعبي.
  • وتنزع أسلحة الميليشيات المسلحة، وتعطى للجيش السوري النظامي.
  • يتم تحويل الصالح من التنظيمات المقاومة إلى أحزاب سياسية، تؤمن بالتداول السلمي للسلطة.
  • إجراء انتخابات رئاسية، وتشريعية نزيهة، وتحت رقابة نزيهة.
  • انصراف الثوار، غير المنتخبين، مشكورين، إلى بيوتهم.
  • ويمكن للوسيط أن يشكل "قوة حفظ سلام" لإنفاذ هذه الإجراءات.

                                   * * **

وما ذكرناه يتم في حالة الاضطراب الحاد، أو الحرب الأهلية، بين فرقاء محليين. أما عندما تعاني دولة ما من مشاكل وأمراض أخرى مختلفة، فإن الإجراء "العلاجي" لابد أن يختلف... تبعاً لاختلاف طبيعة وخصائص وأعراض كل مرض.  والحمد لله، إن الشعب السوري، وقادته الجدد، على درجة عالية من النزاهة، والوطنية، والرغبة في نقل بلادهم إلى بر الأمان. الأمر الذي يبعث على التفاؤل بأن سوريا ستجتاز المرحة الانتقالية، بإتقان، وسلام.

                                    

      لقد تمخضت الأحداث الأخيرة بسوريا عن عدة نتائج، منها انحسار النفوذ الإقليمي الإيراني (سوريا، لبنان، حزب الله، اليمن...الخ). وهذا يعني غالبًا عودة سوريا إلى الحضن العربي، بصفة عامة، والحضن الخليجي، بصفة خاصة. وظهرت تحديات جديدة أمام دول الخليج بخاصة، وأهمها ضرورة العمل على استمرار هذا الزخم، وكسب سوريا ألى جانبها، وعدم تركها تتوه في أكبر مفترق طرق يواجهها، في العصر الحديث.

                                        

دستور سوريا القادم:

 كما هو واجب بالغ الأهمية والضرورة، وكما تقتضي المرحلة الانتقالية في سوريا، وغيرها، وقع الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، يوم 13 مارس 2025م، مسودة الإعلان عن الدستور السوري المتوقع، أو القادم.  وعقد مؤتمر صحفي للرئيس الشرع، في القصر الرئاسي، تحدث فيه عن أهمية هذا الحدث، وأبرز بنود الدستور. وذلك بعد أن شرح عضو لجنة صياغة الدستور (السيد عبد الحميد العواك) أبرز بنود الدستور السوري القادم، في مسودته الأولية.

  وقال الرئيس الشرع، بعد تلاوة مسودة الدستور: "هذا تاريخ جديد لسوريا... نستبدل فيه الظلم بالعدل ... ونستبدل أيضًا العذاب بالرحمة ... آمل أن يكون فاتحة خير لسوريا، على طريق البناء والتطور". وقال عضو لجنة صياغة الدستور: " إنه سيصار في المرحلة المقبلة إلى تشكيل هيئة عليا للانتخابات، ستتولى الإشراف على انتخابات الرئيس وأعضاء مجلس الشعب".

    ومما رشح عن محتويات الدستور القادم تولي رئيس الجمهورية السلطة التنفيذية فقط، ومنح الرئيس صلاحية استثنائية واحدة هي إعلان حالة الطوارئ. كما تضمن استقلال السلطة القضائية، ومنع إنشاء المحاكم الاستثنائية، التي عانى منها الشعب السوري الأمرين في عهد النظام الأسدي الإجرامي البائد.  وتم إعطاء الشعب مجموعة كبيرة من الحريات، بما فيها حرية الرأي والتعبير، والإعلام والنشر والصحافة، وحق المرأة في المشاركة السياسية، وكفل للمرأة الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.  وتضمن الدستور "ضرورة تشكيل لجنة لصياغة دستور دائم". كما تضمن على أن تكون الشريعــــة الإســـلامية، والفقـــه الإسلامي هي " المصدر الأساسي للتشريع". وليس، كما كان ينص الدستور السابق.

     ونص الدستور على أن للرئيس صلاحية تعيين ثلث أعضاء مجلس الشعب (البرلمان)، ولكن مجلس الشعب له كامل العملية التشريعية، أي عدم الخضوع لموقف أي جهة أخرى، بما فيها رئيس الجمهورية. وحدد هذا الإعلان الدستوري (مسودة الدستور الأولية) "الفترة الانتقالية" بخمس سنوات، يتم في نهايتها، صدور الدستور النهائي الدائم، وقيام النظام السياسي الجديد.

                                 

   وهكذا، نرى بأن الدستور القادم سيقيم نظامًا تمثيليًا – رئاسي. وهو نظام ديمقراطي يفصل بشدة بين السلطات الثلاث.  وأعطى الرئيس صلاحية التنفيذ فقط، بعد أن عانى الشعب السوري سابقًا الأمرين من تغول رئيس الجمهورية على كل السلطات الثلاث. كما أن صلاحية الرئيس لتعيين ثلث أعضاء مجلس الشعب لن تعطيه أي قدر من السلطة التشريعية، طالما أن للبرلمان السلطة التشريعية كاملة. 

     والمتوقع تشكيل لجنة لصياغة الدستور السوري الجديد، والدائم. وهذه اللجنة ستبلور الدستور المقترح، وتعيد صياغته، بما يضمن تحقيقه للمبادئ التي تبنتها الثورة الشعبية ضد النظام الأسدي المستبد. وتكفى فترة الانتقال، التي حددت بخمس سنوات، لصياغة الدستور النهائي الدائم لسوريا، وعرضه للاستفتاء الشعبي، والبدء في إرساء النظام السياسي الجديد، بإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية السليمة، التي يؤمل أن تمثل الشعب السوري فعلًا، وأن تعمل على تحقيق أهدافه، وتطلعاته.

                                  

     والمهم أن يستتب الأمن والسلام فيما بين السوريين، وفصائلهم المختلفة، حتى يمكنوا قادة سوريا الجدد من إقامة نظام سياسي دائم، يحقق لكل السوريين الأمن والسلام والرفاه، على أسس حديثة وعادلة ...وأخذًا للواقع والوضع السوري الحساس، حسنا قررت لجنة الصياغة الأولية للدستور تمديد مدة الفترة الانتقالية، لخمس سنوات، ومحاولة حل مشاكل هذه الفترة ذاتيا. فإن تعذر ذلك، أو تعثر، يمكن الاستعانة بجامعة الدول العربية، أو بدولة، أو دول شقيقة صديقة، ترضاها، للعمل كوسيط محايد. وكما أشرنا أعلاه، يعقد مؤتمر للمصالحة الوطنية الشاملة. وبعد ذلك يتم:

  • تشكل لجنة برلمانية لصياغة دستور دائم (نظام) جديد للبلاد، انطلاقاً من مبادئ الدستور الأولى. وذلك يسهل مهمة اللجنة البرلمانية.
  • يطرح الدستور النهائي المقترح للاستفتاء الشعبي.
  • تنزع أسلحة الميليشيات المسلحة، وتعطى للجيش السوري النظامي.
  • تحويل الصالح من التنظيمات المقاومة إلى أحزاب سياسية، تؤمن بالتداول السلمي للسلطة.
  • إجراء انتخابات رئاسية، وتشريعية نزيهة، وتحت رقابة نزيهة.
  • انصراف الثوار، غير المنتخبين، إلى مقراتهم.

                                   

وقد تم وضع مسودة الدستور الأولية، وتلك مهمة كبرى أنجزت. وبقي عمل بقية الإجراءات المذكورة أعلاه. ولعل أهمها تحويل الصالح من التنظيمات، التي كانت تقاوم النظام الأسدي السابق، وهي تنظيمات متنافرة، قد يصعب توحيدها. وربما يستحسن تشكيل مجلس سيادي مؤقت، من قادة هذه التنظيمات، يحل في نهاية الفترة الانتقالية.  لذلك، تعتبر الفترة الانتقالية بالغة الخطورة، والحساسية. ولكن إرادة الشعب السوري الصلبة، قادرة – بإذن الله-على تجاوز كل المخاطر، وصنع سوريا موحدة ومستقرة وآمنة، ومزدهرة.

                                     

 دور السعودية في الأزمة السورية:

 

   وكان من الطبيعي أن يكون للمملكة العربية السعودية، باعتبارها دولة عربية وإسلامية كبرى، دور في أزمة سوريا، منذ أن بدأت هذه الأزمة، سنة 2011م. وقد وقفت السعودية مع الشعب السوري طوال أزمته، وطالبت من نظام بشار الأسد مراعاة حقوق الإنسان، وضرورة تمتع الإنسان السوري بهذه الحقوق، واستنكرت العنف الذي كان يستخدمه نظام الأسد ضد الشعب السوري. كما طالبت القوى الأجنبية بعدم التدخل في الشأن العام السوري الداخلي، وترك السوريين يحلون مشاكلهم بأنفسهم. وقدمت مساعدات إغاثة إنسانية للمشردين، والجرحى والمصابين من أبناء الشعب السوري. وذلك للإسهام في تخفيف صعوبة الأوضاع التي يمر بها الشعب السوري. حيث واصلت ارسال مساعداتها الإغاثية إلى دمشق، ضمن نشاطها الإنساني المعهود.

    وكانت السعودية أول دولة عربية تدين طريقة حكومة بشار الأسد في التعامل مع المظاهرات الشعبية المناهضة للأسد. وقطعت السعودية العلاقات الدبلوماسية مع سوريا، وأغلقت سفارتها في دمشق، عام 2012م. ولم تعد هذه العلاقات إلا بتاريخ 29/5/ 2023م. وتابعت المملكة التطورات المتلاحقة، وأعربت عن حرصها على سلامة وراحة الشعب السوري. وأكدت السعودية "وقوفها إلى جانب الشعب السوري الشقيق، وحمايته من الانزلاق في الفوضى والانقسام"، كما جاء في أحد بياناتها الرسمية.

  دعمت السعودية الجيش السوري الحر وفصائله، وأرسلت شحنات أسلحة له، لمواجهة شحنات الأسلحة من إيران، التي ترسل لفصائل أخرى موالية لإيران وللنظام الأسدي. وقد استضافت حوالي مليون لاجئ سوري، وعاملتهم كمقيمين، وليس كلاجئين.

    وبعد توليه السلطة، وهروب بشار الأسد، قام رئيس سوريا الانتقالي السيد أحمد الشرع بأول زيارة رسمية له للخارج إلى الرياض. كما كانت أول زيارة رسمية للخارج، بعد توليه منصبه، لوزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، إلى الرياض. وسبق أن قام وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بزيارة لسوريا بتاريخ 18/4/2023م. وأكد الشرع "أن السعودية تسعى لاستقرار سوريا، وأن للسعودية فرصًا استثمارية كبرى في سوريا. وأفتخر بكل ما فعلته لأجل سوريا، ولها دور كبير في مستقبل البلاد".

مقالات لنفس الكاتب