بتحرير دمشق ودخول قوات الثورة إليها وطرد نظام الأسد الاستبدادي الذي عاث في سورية فسادًا لم يعرفه تاريخ البشرية والذي استمر أكثر من خمسة قرون، بل وقد امتد فساد هذا النظام إلى دول الجوار بدعم من كيانات ودول اتفقت أهدافها مع أهدافه في التأثير على هذه الدول (مثل لبنان) من هنا يمكن القول إنه كان هناك من له مصلحة بعدم زوال هذا النظام من أجل تحقيق أطماعه في استمرار حالة الفساد وبالتالي هذه الأطراف (إيران وميليشياتها -إسرائيل ) لم تتوقف عن تحركها من أجل وقف عجلة الإصلاح والبناء التي بدأت مع اللحظة الأولى لدخول قوات الثورة إلى دمشق حيث بدأت بالمحافظة على جاهزية مؤسسات الدولة واستمرار عملها وإعطاء الأمان لكل مكونات وأفراد الشعب السوري وخاصة من كان يقف في صف النظام (وخاصة من لم تتلطخ يداه في دم السوريين ) ومحاولات إرساء الأمن والأمان بشكل مبدئي ريثما يتم البدء بالتحول إلى حالة الاستقرار الواسعة والشاملة والتي تحتاج لكثير من الإجراءات والتدابير لاستكمال عملية بناء الدولة .
هذا يعني أن عملية الاستكمال تحتاج إلى خطة طريق طويلة تبدأ بالتخلص من آثار فساد وعبث النظام ثم الانتقال إلى حالة بناء الدولة الجديدة التي تساهم في تحقيق الاستقرار للمنطقة وبناء الحضارة والسلام والأمان لها وللجوار، من هنا يمكن القول إن حجم الأعمال الواجب تنفيذها للوصول إلى دولة مستقرة تساهم في استقرار الآخرين في كل النواحي وخاصة فيما يتعلق (بالأمن الوطني لها والأمن القومي العربي) هي إجراءات كثيرة وقرارات هامة وحساسة يجب أن تسير وفق خارطة طريق تعالج الأوضاع حسب الأولوية التالية التي تتمثل في (تحقيق الأمن والاستقرار الداخلي– اتخاذ إجراءات دستورية مؤقته – تشكيل مجلس تشريعي مؤقت - وتشكيل حكومة انتقالية – وإعادة بناء الاقتصاد والبنية التحتية– وعودة اللاجئين والنازحين –) إضافة إلى بعض الأمور الواجب تنفيذها والتي تدفع عجلة التقدم لتثبيت دعائم استقرار الدولة والانطلاق نحو استكمال دعائم وأسس الدولة الجديدة والمضي قدمًا في تحقيق معالم العهد الجديد .
ولمعرفة تفاصيل خريطة الطريق هذه يجب أن نتناول معرفة ما تم تحقيقه منذ دخول الثوار إلى دمشق حيث تم إعطاء القرار لمتابعة العمل في مؤسسات الدولة لمنع توقف الحركة والعمل والاستفادة من خبرة العاملين فيها والطلب إليهم الاستمرار بعملهم كما كان رافق ذلك تشكيل وزارة تصريف أعمال حتى لا تدخل الدولة في فوضى، وتنفيذ اجتماع لقادة الفصائل التي ساهمت في عملية التحرير واختيار أحمد الشرع رئيسًا للجمهورية خلال المرحلة الانتقالية ثم تنفيذ مؤتمر حوار وطني ضم أكثر من 600 شخصية من كل مكونات الشعب السوري وتم تقسيم أعضاء المؤتمر إلى عدة لجان تبحث في كل شؤون البلاد ومنها لجنه إعداد إعلان دستوري ومجلس تشريعي مؤقت يتم العمل على تشكيل حكومة انتقالية تضم كافة مكونات الشعب السوري مع مراعاة الخبرة المهنية، رافق هذه الإجراءات على الصعيد المدني تدابير على صعيد المجال العسكري تمثل بـ ( حل هيئة تحرير الشام ودمجها في مقدمة الجيش الوطني الجاري العمل على تشكيله موازاة مع البدء بتنظيم عمل المؤسسة الأمنية وعلى الطرف الثالث بدأت عمليات سحب السلاح من بعض الفصائل وحل بعضها الآخر مع إبلاغ الجميع من عناصر هذه الفصائل لمن يرغب بالانتساب للجيش الوطني مع الاستمرار في ملاحقة العناصر التي تخل بالأمن وخاصة فلول النظام البائد ومتابعة الطلب لجميع من يحمل السلاح للمبادرة الى تسليمه الى الدولة لمنه فوضى السلاح وعلى صعيد بقية المجالات متابعة قبول تطوع عدد من الشباب في وزارة الداخلية وتشكيل لجان لمتابعة ظروف ملكية العقارات وخاصة تلك التي تم الاستيلاء عليها من قبل جماعات غير سورية ومتابعة مراكز النفوس لمتابعة من حصل على جنسيات وجوازات سورية من ميليشيات خارجية وفي مجال إعادة سورية إلى عروبتها تمثلت بالزيارات التي نفذها الرئيس إلى المملكة العربية السعودية والأردن وإضافة إلى زيارة تركيا ونشاط الخارجية في زيارات إلى مؤتمر باريس وجدة والرياض وعمان وغيرها ولا ننسى حملات مكافحة عمليات إنتاج وتهريب المخدرات وتدمير مصانعها والقبض على العاملين بها وطرد عناصر حزب الله من قرى ريف جنوب القصير التي كانت أماكن زراعة وتصنيع المخدرات ومراقبة الحدود مع لبنان والأردن .
كل هذه الإجراءات وزيادة التي لا أتمكن من احصائها نفذتها القيادة السورية الجديدة بزمن قياسي غير متوقع والتي تعتبر اللبنة الأولى للانتقال من حالة الاستقرار المؤقت إلى حالة الاستقرار الكاملة الكفيلة باستكمال دعائم وأسس الدولة الجديدة والمضي قدمًا بالعمل لتحقيق معالم العهد الجديد والتي يمكن ترتيبها حسب رؤيتي وفقًا لاحتياجات الدولة والشعب السوري على الشكل التالي:
-الأمن والاستقرار: والذي يعتبر أهم الأولويات فالبلاد عاشت عقود من الفساد والعبث وخاصة خلال الأعوام الأربعة عشر الأخيرة حيث دخل اليها آلاف من العناصر الغريبة (أجهزة مخابرات - مرتزقة - إرهابيون – جيوش دول) وكل من هذه المسميات أو الدخلاء يحتاج لطريقة معالجة تختلف عن الأخرى ولا أحد يستطيع تحديد حجم الضرر الناتج من كل منها ولا كيفية إزالة هذا الضرر لذا فإن المعالجة التي تمت في المرحلة الأولى هي مبدئية يتم من خلالها إزالة بعضًا منها ودراسة الإجراءات الواجب اتخاذها لإزالة ما بقي منها، فرغم أنه تم في المرحلة الأولى التصدي لمن ظهر من فلول النظام لكن هناك عناصر ميليشيات الدفاع الوطني وهناك عملاء يتم تجنيدهم من الخارج وهناك عناصر غريبة تم تجنيسهم ودخلوا في وسط التنوع الديموغرافي وهناك منطقة محتلة من قبل ميليشيات كردية من خارج سورية ترتبط بأجندات معادية وتعمل تحت إمرتها وتسيطر على غالبية ثروات البلاد التي يمكن أن تساهم في دفع حالة الاقتصاد المتردي للأمام لذا فإن أولوية الأمن والاستقرار هي مفتاح لبقية الأولويات فيها يتم وقف كل أنواع الأعمال العسكرية وحل كل الميليشيات وسحب السلاح ووضعه تحت إمرة الدولة وإعادة دمج أفراد هذه الميليشيات غير المتورطين بالدماء في جيش البلاد الوطني الجديد الذي بدأ تشكيله بعد تشكيل وزارة الدفاع في الحكومة الانتقالية، بالتوازي مع إعداد قوات شرطية وأمنية تتمتع بخبرات شرطية حديثة تابعة لوزارة الداخلية في الحكومة الانتقالية من هذا يمكن القول أن تشكيل الوزارة الانتقالية يعتبر أولوية رديفة لأولويات الأمن وجزء من الاستقرار ومما يزيد من حالة الاستقرار والأمن أن تضم الوزارة الانتقالية كل مكونات الشعب السوري مع مراعاة المهنية العالية للوزراء لتقوم بتنفيذ المهام المطلوبة منها لإعادة بناء الاقتصاد والبنية التحتية وإعادة الإعمار وجذب الاستثمارات وإطلاق المشاريع ودعم قطاعات الصناعة والزراعة وبالتالي توفير جزء من أمن المواطنين المتعلق بالحالة المعيشية .
كل ما تم ذكره يصب في أولوية التحصين الداخلي والتي تحوي أمن المواطن وحالته المعاشية والبدء بتنفد الإجراءات الإسعافية للمحافظة على جسم الدولة المريض منذ عشرات السنين ريثما يتم الوصول إلى المشفى (المكان) لا زال الزمن هنا هو العامل المطلوب للوصول إلى بر الأمان أو إعادة الانطلاق بالحياة لذا ما نفذته القيادة الجديدة هو التحصين الداخلي لكنه مع ذلك لا يكفي يجب دراسة حالة المريض كاملة حتى نختصر زمن المعاينة (هنا يجب الاعتراف إننا بحاجة إلى استراتيجية شاملة لضمان الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي) بدأت بترسيخ الاستقرار السياسي وبناء مؤسسات الحكم الجديدة ثم إعادة الإعمار والبنية التحتية لتأمين عودة آمنة وممكنة للنازحين ثم اللاجئين - والنهوض بالاقتصاد وتحقيق التنمية المستدامة – وإعادة هيكلة القوات المسلحة – ثم المصالحة الوطنية وتحقيق العدالة الانتقالية – ثم تعزيز السلم الأهلي وتجاوز آثار الحرب والانقسامات وتعويض المتضررين من الحرب وإعادة بناء الجيل الجديد بعدها يتم دفع العمل لتعزيز الدور الإقليمي والدولي لسورية الجديدة .
وعلى ضوء ما تم إنجازه من قبل القيادة الجديدة وخلال هذا الزمن يمكن القول إن ما تم إنجازه مقبول ويبشر بالخير والقادم أفضل خاصة إن أهم ما يميز الطمأنينة في هذه المرحلة هو التفاف جماهير السوريين حول القيادة الجديدة ورفض كل أنواع التقسيم أو اللامركزية وهذا يدل على وعي السوريين ورفضهم عودة البلاد إلى حالة الحرب والتشرذم ورفض الحروب والتصميم على إعادة سورية لدورها العربي والإقليمي والدولي (وقد ظهر هذا جليًا في المحاولة الفاشلة التي نفذتها فلول النظام في المنطقة الساحلية وبدعم خارجي من دولة إقليمية) حيث خرج السوريون في كل المناطق وبصوت واحد وعال لن نسمح بخطف ثورتنا وانتصارنا ولن نسمح بتقسيم بلدنا أو شعبنا وهذا يسمح بالقول أنه لا خوف على المرحلة القادمة خاصة أن هناك دور فعال للأشقاء العرب وخاصة دول مجلس التعاون التي لم تألو جهدًا في تقديم الدعم المادي والدبلوماسي والسياسي والأمني من اللحظة الأولى لانتصار الثورة وطالبت من المجتمع الدولي بالوقوف إلى جانب الشعب السوري وتقديم كل أنواع المساعدة ورفع العقوبات ومازال الأشقاء قي دول مجلس التعاون يبذلون كل ما بوسعهم لمساعدة الشعب السوري في كل المحافل وفي كل المجالات وهذا خفف ويخفف عن القيادة الجديدة عناء البحث عن إجراءات معالجة التحديات كما يخفف عن الشعب السوري زيادة فترة العناء التي يعاني منها السوريون في النزوح واللجوء وحتى داخل سورية .
يمكن القول ونحن في اللحظات الأخيرة من الفترة الأولى (مرحلة تصريف الأعمال ) إن ما قامت به القيادة إلى الآن بتعاون مع الشعب يعطي مؤشرًا جيدًا خاصة في إجراء تجاوز تحديات التقسيم وعدم تسليم السلاح من قبل بعض الفصائل وعدم تحرير شرق سورية من أحزاب أكراد قنديل الإرهابية إضافة إلى التدخلات الخارجية من قبل العدو الصهيوني ومحاولة إسرائيل زرع الفتنة وعرقلة الاستقرار الأمني ومحاولات السيطرة على ريف القنيطرة وتخريب الأراضي الزراعية وحتى العملية الإرهابية الأخيرة في الساحل السوري والتي نفذها فلول النظام المخلوع بالتعاون مع الخارج هذا يعطي مؤشر إيجابي من أجل العمل بأقل كمية من الأخطاء في المرحلة القادمة التي تتمثل في تحقيق المشاركة الاجتماعية الكاملة من قبل كل المكونات في قيادة مؤسسات الدولة والانطلاق في مرحلة الإعمار الاجتماعي وإعادة تأهيل المجتمع التركيز على إعادة البنية التحتية في كل مجالات الحياة وهذا يعني بناء الثقة بين القيادة والشعب وتمتين التلاحم بين أفراد المجتمع بغض النظر عن أي انتماء عرقي أو طائفي أو ديني ثم الانتباه للخارج وتمتين العلاقة مع الأشقاء العرب وخاصة دول مجلس التعاون وهنا يجب الانتباه إلى أهمية دول مجلس التعاون في مساعدة الحكومة الجديدة على النهوض بسورية نحو مستقبل زاهر , والمشاركة الفعالة في تحقيق الأمن القومي العربي , والمشاركة في القرارات التي تتعلق بكل القضايا العربية وعدم تشكيل أي خطر على دول الجوار من خلال منع تهريب المخدرات , ومحاربة الإرهابيين، وهذا يعطي المزيد من الثقة بين سورية والجوار ، والانتقال لبناء الثقة مع الدول الغربية لتحقيق أكبر تعاون يسمح للقيادة بإعادة سورية لوضعها الحقيقي كعضو فعال في الأمم المتحدة يعمل للسلام والأمن والأمان ومن خلال هذا التعاون في الأمن والأمان فهو أول طريق للوقوف ضد الاحتلال الإسرائيلي لمرتفعات الجولان من خلال المطالبة من مجلس الأمن والمجتمع الدولي لوقف تقدم إسرائيل في الأراضي السورية ووقف تدخلها في الداخل السوري وتوقفها عن زرع الفتنه والضغط على سكان الجنوب، وهذا لن يتحقق إلا من خلال التعاون مع الأشقاء والأصدقاء فهو يشكل أحد الأخطار الخارجية التي تهدد أمن واستقرار سوريا ، إضافة إلى التحركات الإيرانية من خلال عملائها في العراق وشرق سورية وفلول النظام وهنا يمكن القول إن العملية الإرهابية التي نفذتها إيران ومن يعمل معها في دائرة التآمر على النظام السوري الجديد في المنطقة الساحلية أثبتت تلاحم وتماسك الشعب والقيادة وهذا أيضًا يمثل رسالة إلى كل اتجاهات الخطر الخارجية الأخرى وخاصة إسرائيل التي ادركت، أو أنها ستدرك عاجلًا أو آجلا أن ما تقوم به من محاولات تفتيت النسيج الاجتماعي السوري وتقسيم البلاد من خلال تواصلها مع أفراد يمكن أن يأتمروا بما تريد ستدرك أن ما تقوم به سيرتد عليها من خلال الوعي الشعبي العام وإدراك الجميع لحالة الاستقرار والأمن التي بدأ يعيشها المواطنون في غالبية البلاد بعد فقدانهم لحالة الأمن والاستقرار ، عقود من الزمن ومع عودة النازحين واللاجئين ستتوسع حالة الاستقرار والشعور بالأمن والأمان والتي ستساهم في تنشيط حركة المصالحات من جهة والإنتاج من جهة أخرى وهذ الحقيقة أكدتها خصائص الشعب السوري العامل والذي برهن على ذلك في كل المناطق من العالم التي هاجر إليها .
وفي الختام فإن نجاح هذه المرحلة يعتمد على التوافق السياسي الذي بدأت تباشيره تظهر في عدة صور حقيقية في كل المحافظات، كما يعتمد على وعي الشعب السوري وهذه حقيقة متأصلة في تاريخه ، كما يعتمد على إرادة السوريين التي يمكن أن تحول حالة المعاناة إلى قوة، وهذه أكثر صورة ظهرت مع التحرك الإرهابي الأخير في الساحل، كما تعتمد على دعم الأشقاء العرب وهذه ضرورة حتمية بسبب روابط الدم والتاريخ، ولنا مثال كبير في الدعم المستمر واللامحدود من قبل الأشقاء في دول مجلس التعاون وأيضًا دعم المجتمع الدولي لتجاوز الماضي بسرعة وبناء مستقبل مشرق وزاهر نحو الاستقرار والتنمية والبناء .