تتفق الولايات المتحدة وإسرائيل وأوروبا على ضرورة منع إيران من امتلاك سلاح نووي، لكن تختلف أساليبهم واستراتيجياتهم لتحقيق هذا الهدف. تتلاقى مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل وأوروبا في الهدف المشترك المتمثل في منع إيران من امتلاك سلاح نووي، حيث يتفق الجميع على أن حيازة طهران لسلاح نووي ستؤدي إلى تهديد كبير للأمن الإقليمي والدولي. هذا التوافق يتجسد من خلال آليات عملية مثل فرض العقوبات الاقتصادية المشتركة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بهدف الضغط على إيران للعودة إلى طاولة المفاوضات. بالإضافة إلى ذلك، هناك تنسيق استخباراتي واسع النطاق بين هذه الأطراف لمراقبة الأنشطة النووية الإيرانية وضمان عدم قيامها بأي تجاوزات قد تهدد الاستقرار العالمي.
-حدود التباين
على الرغم من الاتفاق على الهدف الرئيسي، تختلف الاستراتيجيات والأولويات بين الأطراف المعنية حول كيفية التعامل مع إيران. تفضل الولايات المتحدة وأوروبا بشكل عام الحلول الدبلوماسية والمفاوضات، كما يتضح من الجهود الأمريكية لإحياء الاتفاق النووي بعد الانسحاب منه خلال إدارة ترامب. في المقابل، تعارض إسرائيل بشدة هذا الاتفاق، معتبرةً أنه غير كافٍ لمنع إيران من تطوير قدراتها النووية، وتدعو إلى استخدام القوة العسكرية إذا دعت الحاجة.
تظهر الخلافات أيضًا في السياسات تجاه الأنشطة الإقليمية الإيرانية. بينما تركز أوروبا بشكل أساسي على الملف النووي وتتجنب توسيع المفاوضات لتشمل برنامج إيران الصاروخي أو أنشطتها الإقليمية، تبدو الولايات المتحدة أكثر اهتمامًا بهذه القضايا، وإن بدرجة أقل من إسرائيل التي تعتبر التدخل الإيراني في سوريا ولبنان والعراق تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي.
علاوة على ذلك، يوجد انقسام داخلي داخل الولايات المتحدة وأوروبا بين دعاة الحلول الدبلوماسية وأصحاب النهج العسكري. وعلى الرغم من هذه الخلافات، تظل الاستراتيجية المشتركة قائمة على منع إيران من امتلاك السلاح النووي، لكن الجدل حول الوسائل المثلى لتحقيق هذا الهدف يتزايد باستمرار.
* التوافق على الهدف لا يعني بالضرورة اتفاقًا استراتيجيًا، حيث تبرز الفروقات في الأساليب والأولويات كتحدي رئيسي.
2- توجهات سياسة البيت الأبيض الترامبية لقلب النظام العالمي التقليدي
تشهد السياسة الأمريكية في الولاية الثانية لدونالد ترامب تغيرات جذرية تعكس رؤيته "أمريكا أولاً"، بهدف إعادة تشكيل العلاقات الدولية والتحالفات لتتماشى مع المصالح الوطنية بشكل مباشر. هذا النهج يركز على تقليص الالتزامات التقليدية، وإعادة تقييم الشراكات القديمة، وتعزيز المكاسب الأحادية للولايات المتحدة.
تتمحور التوجهات الرئيسية حول أربعة محاور أساسية:
أولاً، إعادة تعريف التحالفات التقليدية، حيث تشهد العلاقات مع أوروبا توتراً بسبب تقليل أهمية حلف الناتو ومطالبة الدول الأوروبية بزيادة إنفاقها الدفاعي، بينما تتحول العلاقات مع دول مثل كندا وأستراليا نحو التعاون الثنائي.
ثانياً، اعتماد سياسات أحادية، كما يظهر في الانسحاب من اتفاقيات مثل باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية، مع التركيز على صفقات ثنائية تضمن مكاسب اقتصادية وأمنية، كتعزيز التعاون مع دول الخليج العربي.
ثالثاً، مواجهة القوى العظمى، حيث تتبنى الإدارة موقفاً صلباً ضد الصين عبر عقوبات اقتصادية وتحالفات في آسيا والمحيط الهادئ، بينما تسعى لتحسين العلاقات مع روسيا عبر تقليص دعم أوكرانيا وإعادة صياغة الشراكة الثنائية.
رابعاً، إعادة ترتيب الأولويات الإقليمية، مع التركيز في الشرق الأوسط على المصالح الاقتصادية والأمنية، وفي نصف الكرة الغربي على سياسات تشبه "مبدأ مونرو" لمواجهة النفوذ الصيني والروسي.
ومبدأ مونرو وهو سياسة خارجية أعلنها الرئيس الأمريكي وجيمس مونرو وعام 1823م، تنص على أن أي تدخل أوروبي في شؤون الأمريكيتين (الشمالية والجنوبية) سيعتبر تهديدًا لأمن الولايات المتحدة، وستقاومه. كما تعهدت الولايات المتحدة بعدم التدخل في الشؤون الأوروبية.
والهدف كان منع استعمار القوى الأوروبية (مثل إسبانيا وفرنسا) للأمريكيتين، وفرض الهيمنة الأمريكية على المنطقة. لاحقًا، استُخدم المبدأ لتبرير التوسع الأمريكي ووصايته على أمريكا اللاتينية، مما عزز نفوذ الولايات المتحدة كقوة كبرى في نصف الكرة الغربي.
إذًا تسعى إدارة ترامب لقلب النظام العالمي التقليدي الذي ساد منذ الحرب العالمية الثانية، عبر تقليص التزامات واشنطن الدولية، وتعزيز التوجه الأحادي، وإعادة صياغة التحالفات لخدمة المصالح الأمريكية المباشرة. هذا التحول يثير مخاوف الحلفاء ويرسم ملامح نظام عالمي جديد بقيادة أمريكية مختلفة.
3-التغيرات المحتملة على ضوء دعم أمريكا لإسرائيل وتقوية نفوذها مقابل إضعاف الدور الإيراني
دعم الولايات المتحدة لإسرائيل يُعدّ أحد أبرز الثوابت في السياسة الأمريكية، وقد اتخذ هذا الدعم طابعًا أكثر وضوحًا وحسمًا في عهد دونالد ترامب خلال ولايته الأولى، ومن المتوقع أن يستمر هذا النهج في ولايته الحالية. هذا الدعم يشمل تزويد إسرائيل بالأسلحة المتطورة، مثل القنابل العملاقة القادرة على اختراق التحصينات، والدعم السياسي في المحافل الدولية، مما يعزز من قدرة إسرائيل على مواجهة خصومها، وفي مقدمتهم إيران وحلفاؤها. في المقابل، تسعى السياسة الأمريكية إلى إضعاف النفوذ الإيراني في المنطقة من خلال استراتيجية "الضغط الأقصى" وهي سياسة خارجية تعتمد على فرض عقوبات اقتصادية وسياسية وعسكرية شديدة لزيادة الضغوط على خصم أو دولة معادية، بهدف إجبارها على تغيير سلوكها أو قبول شروط محددة.
ظهر المصطلح بشكل بارز خلال إدارة ترامب تجاه إيران، حيث شملت العقوبات قطاعات النفط والبنوك، مما أثر على الاقتصاد الإيراني.
الفكرة هي تحقيق استسلام أو تفاوض من موقع ضعف. لكنها قد تؤدي إلى تصعيد أو مقاومة عنيفة إذا فشلت. تُستخدم هذه الاستراتيجية عادةً كبديل للحرب المباشرة، مع مخاطر تفاقم الأزمات الإنسانية أو عدم تحقيق الأهداف المرجوة. والأهم انها تتضمن عقوبات اقتصادية صارمة ودعمًا للتحالفات الإقليمية المعادية لإيران، مثل التقارب بين إسرائيل ودول الخليج. هذا النهج قد يؤدي إلى تغييرات جذرية في موازين القوى بالمنطقة، حيث يمكن أن يتراجع دور إيران كقوة إقليمية مؤثرة، خاصة مع استهداف حلفائها في لبنان (حزب الله) وسوريا (الحوثة) وغزة (حماس).
من جهة أخرى، قد يؤدي تعزيز نفوذ إسرائيل إلى استقطاب أكبر في المنطقة، حيث قد تجد دول أخرى نفسها مضطرة للانحياز إما للمحور الأمريكي-الإسرائيلي أو للبحث عن حلفاء بديلين مثل روسيا والصين، اللذين يدعمان إيران بشكل غير مباشر. هذا الاستقطاب قد يعزز من التوترات الإقليمية، لكنه في الوقت ذاته قد يمنح إسرائيل مساحة أكبر لتنفيذ عمليات عسكرية ضد أهداف إيرانية، كما حدث في الضربات الجوية على مواقع إنتاج الصواريخ الإيرانية في أكتوبر 2024م، على المدى الطويل، قد يؤدي ذلك إلى تقليص قدرة إيران على دعم وكلائها، مما يضعف شبكتها الإقليمية ويعزز من هيمنة إسرائيل كقوة عسكرية وسياسية رئيسية في الشرق الأوسط.
4-مستقبل البرنامج النووي الإيراني في ظل سياسات ترامب والتوافق بين أمريكا وحلفائها
مستقبل البرنامج النووي الإيراني يبدو محفوفًا بالغموض في ظل سياسات ترامب، التي تتسم بالتشدد تجاه إيران. خلال ولايته الأولى، انسحب ترامب من الاتفاق النووي لعام 2015م، (خطة العمل الشاملة المشتركة) وأعاد فرض عقوبات قاسية، وهو ما تصاعد حال عودته في يناير الماضي. ترامب يرى أن منع إيران من امتلاك سلاح نووي هو أولوية استراتيجية، وقد أشار في تصريحات سابقة إلى دعمه لضربات إسرائيلية تستهدف المنشآت النووية الإيرانية. هذا النهج قد يدفع إيران إلى مواجهة خيارات صعبة: إما الخضوع لشروط أمريكية وإسرائيلية جديدة تُقوّض برنامجها النووي بشكل دائم، أو الاستمرار في التخصيب تحت ضغط العقوبات والتهديدات العسكرية.
أما بالنسبة للتوافق بين أمريكا وحلفائها، فهناك تباين واضح. الدول الأوروبية، مثل فرنسا وألمانيا، تُفضل الحفاظ على قنوات دبلوماسية مع إيران وترى أن الاتفاق النووي، رغم عيوبه، يُعدّ أداة فعالة لكبح الطموحات النووية الإيرانية. في المقابل، تدعم الولايات المتحدة وإسرائيل نهجًا أكثر عدوانية قد يشمل خيارات عسكرية. هذا الخلاف قد يحد من قدرة الغرب على صياغة استراتيجية موحدة، مما يترك المجال مفتوحًا لتصرفات أحادية من جانب أمريكا أو إسرائيل. على الرغم من ذلك، قد يتجه الوفاق بين أمريكا وحلفائها الخليجيين، مثل السعودية، نحو دعم سياسة الضغط الأقصى، لكن دون التزام بالمواجهة العسكرية المباشرة، حيث أعلنت الدول الخليجية سعيها إلى تحقيق أهدافها التنموية بعيدًا عن الحروب.
5-هل تسرع إيران من عسكرة برنامجها النووي مع انهيار نفوذها الإقليمي؟
مع تراجع نفوذ إيران الإقليمي نتيجة الضربات الإسرائيلية على حلفائها في لبنان وسوريا وغزة، والضغوط الأمريكية المتزايدة، قد تجد طهران نفسها أمام مفترق طرق بشأن برنامجها النووي. هناك احتمال أن تتجه إيران نحو تسريع عسكرة البرنامج كوسيلة لردع خصومها واستعادة مكانتها كقوة لا يمكن تجاهلها. تصريحات مسؤولين إيرانيين، مثل علي لاريجاني في أبريل 2025م، تشير إلى أن إيران قد تلجأ إلى إنتاج سلاح نووي إذا تعرضت لهجوم مباشر، رغم تأكيدها الرسمي على أن برنامجها سلمي. هذا التحول قد يكون مدفوعًا بإدراك القيادة الإيرانية أن فقدان وكلائها الإقليميين يُضعف قدرتها على المواجهة غير المباشرة، مما يجعل السلاح النووي ورقة ضغط استراتيجية.
لكن هذا السيناريو محفوف بالمخاطر، حيث إن أي خطوة علنية نحو عسكرة البرنامج قد تُشعل فتيل مواجهة عسكرية مباشرة مع إسرائيل أو الولايات المتحدة، خاصة إذا رصدت وكالة الطاقة الذرية تقدمًا كبيرًا في تخصيب اليورانيوم إلى مستويات عسكرية. في الوقت نفسه، قد تختار إيران نهجًا أكثر حذرًا يعتمد على "الصبر الاستراتيجي"، كما فعلت في السابق، بانتظار تغيرات في المشهد السياسي الدولي أو تخفيف الضغوط الاقتصادية، مما يُقلل من احتمالية التصعيد النووي في المدى القريب.
6-هل تؤدي سياسات ترامب إلى زيادة التصعيد واللجوء إلى أسلحة محرمة؟
سياسات ترامب التي تعتمد على الضغط الأقصى والدعم غير المحدود لإسرائيل قد تُسهم في تصعيد الصراع في الشرق الأوسط، وربما تفتح الباب أمام سيناريوهات خطيرة تشمل استخدام أسلحة محرمة دوليًا. إذا شعرت إيران بأنها محاصرة تمامًا، فقد تلجأ إلى تطوير أسلحة نووية كخيار أخير، مما يدفع إسرائيل، التي تمتلك ترسانة نووية غير معلنة، إلى الرد بنفس الطريقة. هذا التصعيد قد يتجاوز الحدود التقليدية للصراع، خاصة إذا نفذت إسرائيل ضربات استباقية مدعومة أمريكيًا تستهدف المنشآت النووية الإيرانية، كما اقترح ترامب سابقًا.
علاوة على ذلك، قد يؤدي استمرار العقوبات إلى دفع إيران لتكثيف برامجها الصاروخية أو البحث عن أسلحة كيميائية وبيولوجية كبديل أقل تكلفة عن السلاح النووي، مما يزيد من مخاطر التصعيد غير المتحكم فيه. في المقابل، قد يسعى ترامب إلى تجنب حرب شاملة بسبب التكاليف الباهظة، مفضلاً استراتيجية "الردع بالقوة" التي تعتمد على التهديدات والضربات المحدودة. ومع ذلك، فإن أي خطأ في الحسابات من أي طرف قد يُشعل نزاعًا إقليميًا واسعًا، مما يجعل المنطقة على حافة مخاطر غير مسبوقة.
7-تبديل التحالفات وإعادة تشكيل التوازنات الدولية
إن تغيير التحالفات وإعادة صياغة الشراكات بين الدول يؤديان إلى تحولات عميقة في المشهد الدولي، حيث تُعاد صياغة المصالح والتوازنات بعيداً عن الإطار الذي ساد بعد الحرب العالمية الثانية. في تلك الفترة، كانت العلاقات الدولية محكومة بثنائية القطب بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، لكن مع تراجع الهيمنة الأمريكية المنفردة وظهور قوى صاعدة مثل الصين وروسيا، بدأت الدول في إعادة تقييم مواقفها بناءً على مصالحها الخاصة، متجاوزةً القيود التي فرضتها الأنظمة القديمة. هذا التحول يخلق توازنات جديدة تمنح الدول المتوسطة والصغيرة فرصة لتعزيز استقلاليتها وتأثيرها، خاصة مع تزايد التعددية القطبية التي قلصت من قدرة واشنطن على فرض سيطرتها المطلقة. كما أن التطورات التكنولوجية المتسارعة وتنامي دور الجهات غير الحكومية، مثل الشركات متعددة الجنسيات والمنظمات الدولية، أضافت تعقيداً إلى العلاقات الدولية، مما دفع الدول إلى اعتماد سياسات خارجية أكثر مرونة ترتكز على المصالح الآنية والتحالفات المؤقتة. في منطقة الخليج العربي، تشهد دول مثل السعودية والإمارات وقطر تحولاً ملحوظاً نحو تنويع الشراكات الاستراتيجية، حيث تسعى لتقليص الاعتماد التقليدي على الولايات المتحدة من خلال تعزيز العلاقات مع قوى مثل الصين وروسيا، وحتى تركيا والهند، بهدف بناء أسس أمنية واقتصادية أكثر استقلالية. هذا التوجه يعكس رغبة هذه الدول في التكيف مع عالم متغير، حيث لم تعد التحالفات الثابتة كافية لضمان الاستقرار أو النمو.
8-السياسة الأمريكية وتحديات التعامل العربي الخليجي
في ظل إدارة دونالد ترامب السابقة، اتخذت الولايات المتحدة نهجاً يعتمد على تعزيز النزعة القومية وتفضيل المصالح الاقتصادية بأسلوب صريح، مصحوباً بتهديدات متكررة باستخدام القوة، سواء العسكرية أو الاقتصادية، لتحقيق أهدافها. وتأثير هذا النهج ما زال قائماً في السياسة الأمريكية، حيث أصبح شعار "أمريكا أولاً" مرتكزاً أساسياً للتوجهات الجمهورية، بل وحتى الديمقراطية بأشكال مختلفة. لكن يبدو أن الولايات المتحدة تميل حالياً إلى تقليص التوسع العسكري المباشر، مفضلةً الاعتماد على أدوات القوة الناعمة مثل العقوبات الاقتصادية والضغوط الدبلوماسية لفرض نفوذها، بدلاً من احتلال أراضٍ جديدة كما كان في عصور سابقة.
وبالنسبة للدول العربية والخليجية، فإن مواجهة هذه التحولات تتطلب استراتيجية دقيقة تجمع بين الحفاظ على التحالف التاريخي مع الولايات المتحدة كضمان أمني، وفي الوقت ذاته توسيع دائرة الشراكات مع قوى أخرى لتحقيق توازن استراتيجي. تعتمد الدول الخليجية بشكل متزايد على سياسة الحياد الإيجابي، مستفيدة من دبلوماسيتها الاقتصادية وقوتها التكنولوجية لتعزيز مصالحها. على سبيل المثال، تسعى دول الخليج إلى تطوير قدراتها الدفاعية الذاتية، مثل برامج التسليح المحلية والاستثمارات في التكنولوجيا العسكرية، مع تعميق العلاقات مع الصين التي تقدم بدائل اقتصادية وتنموية خالية من الشروط السياسية التقليدية التي تفرضها واشنطن. كما تسعى هذه الدول إلى تعزيز التكامل الإقليمي بينها لتقوية موقفها التفاوضي أمام الضغوط الأمريكية، خاصة في قضايا حساسة مثل أسعار النفط أو العلاقات مع إيران. في النهاية، يبقى التحدي الأكبر أمام الدول العربية والخليجية هو تحقيق التوازن بين الاستقلالية الاستراتيجية والحفاظ على تحالفات تضمن استقرارها في عالم يتسم بالتغير المتسارع.
خاتمة
يتضح من خلال استعراض النقاط السابقة أن منطقة الشرق الأوسط تمر بمرحلة غير مسبوقة من إعادة تشكيل موازين القوى وتبديل التحالفات، مدفوعة بتغيرات استراتيجية عميقة في السياسات الأمريكية والإسرائيلية، وتفاعل إيران مع هذه التغيرات سواء من خلال برنامجها النووي أو دعمها لوكلائها الإقليميين. إن حالة التوتر المستمر وعدم الاستقرار الناجم عن تضارب المصالح بين القوى الكبرى والإقليمية، يقود المنطقة نحو سيناريوهات مفتوحة تتراوح بين التصعيد العسكري والتسويات السياسية المؤقتة.
يبدو أن الولايات المتحدة في عهد ترامب، ستتبنى نهجًا أكثر صلابة في التعامل مع إيران، مما يضع طهران في موقف معقد يتطلب إعادة تقييم استراتيجياتها الدفاعية والإقليمية. في المقابل، تستفيد إسرائيل من هذا الدعم الأمريكي لتعزيز موقعها الإقليمي، بينما تواصل دول الخليج العربي سعيها لتحقيق توازن استراتيجي يكفل مصالحها بعيدًا عن سياسات الهيمنة الأحادية.
على الجانب الآخر، فإن التغيرات الحاصلة في النظام الدولي، خاصة مع صعود قوى جديدة مثل الصين وروسيا، تمنح اللاعبين الإقليميين فرصًا جديدة لإعادة صياغة تحالفاتهم بما يتناسب مع مصالحهم الوطنية. لكن هذا التوجه نحو التعددية القطبية لا يخلو من المخاطر، إذ قد يؤدي إلى تعزيز الاستقطاب الإقليمي وتفاقم الصراعات بدلاً من تخفيفها.
ختامًا، يبدو أن المنطقة تقف على مفترق طرق حرج، حيث تتداخل السياسات الإقليمية والدولية بشكل معقد وغير مسبوق. إن استقرار المنطقة يتطلب جهودًا حثيثة لإيجاد نقاط توازن جديدة تأخذ بعين الاعتبار الديناميكيات المتغيرة وتحديات الأمن القومي للدول المختلفة. وفي ظل غياب استراتيجيات متكاملة للتعامل مع هذه التحولات، يبقى المستقبل مفتوحًا على احتمالات متعددة، تتراوح بين الاستقرار النسبي الناتج عن توازنات جديدة، أو الانزلاق نحو مواجهات مباشرة قد تعيد تشكيل المنطقة بشكل جذري.