تعيش إيران الآن في صيرورات وجودية تاريخية غير مسبوقة، تشكل كحاضنات لأحداث كبرى قادمة من الوزن التاريخي بعد أن تراجع تأثيرها الإقليمي بصورة مفاجئة ، وفي فترة زمنية قصيرة جدًا، عندما خسرت نظام بشار الأسد في سوريا، وحزب الله في لبنان، وحماس والجهاد في غزة ، والأبواب الآن مفتوحة لميليشياتها الإقليمية والعالمية بما فيها الحوثيين حيث يأتي الدور عليهم من خلال شن القوات الأمريكية سلسلة ضربات متواصلة، وقد وضع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب طهران بين خيارين إما التفاوض أو القوة العسكرية بشأن برنامجها النووي ، ولا يمكن الاستهانة بهذه الضغوطات ولا بنتائجها غير المتوقعة في ظل مواصلة إدارة ترامب فرض عقوبات اقتصادية جديدة على طهران، وحرب تجارية يفجرها ترامب على حلفاء بلاده وأعدائها في آن واحد ستضر بمواردهم المالية مما قد تحدث فوضى اجتماعية عارمة .
وعلى قائمة هذه الدول إيران بسبب أوضاعها الاقتصادية الصعبة ومكونها الاجتماعي والأيديولوجي المتابين والمعقد ، بحيث سيكون من السهولة تفكيك داخلها وقلب نظامها بسهولة ودون إطلاق رصاصة إذا ما أصرت قيادة طهران العليا على خيار القوة العسكرية كرد على تهديدات ترامب المشددة أو لم تتوصل إلى اتفاق نووي مع واشنطن، كما سيطال التأثير على استمرارية إنفاق طهران على ميليشياتها الخارجية، ولم يعد التساؤل: هل من مصلحة إيران الاستراتيجية التفاوض أم المواجهة بعد حسم المفاوضات غير المباشرة التي بدأت يوم السبت 12 الماضي في مسقط ؟ كما لم يعد يطرح هل ستنجح هذه المفاوضات أم لا؟ وإنما الذي ينبغي أن يطرح هو إلى أي مدى يمكن أن تخرج طهران بنتائج مشرفة في المفاوضات مع واشنطن بشأن برنامجها النووي؟
فطهران تحت ضغوطات قوية، أبرزها الآن، أنها تحت ضغوطات موعد اقتراب انتهاء الاتفاق النووي بين الغرب وطهران، المبرم في 18 أكتوبر 2025م،وقد انسحبت منه واشنطن في مايو 2018م، وستواجه إيران في حالة الفشل ثلاثة إكراهات كلها قاسية وهى، لجوء الاتحاد الأوروبي – المتمسك بالاتفاق - إلى تفعيل ما يسمى بآلية " الزناد " أي العودة التلقائية للعقوبات الدولية التي كانت مفروضة قبل عام 2015م، وهذا ما صرح به الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في 6 يناير 2025م، وفرض عقوبات أمريكية مشددة واستعمال القوة، أو الاكتفاء بالعقوبات المشددة في ظل الحرب التجارية والرهانات على تفكيك مجتمعها من الداخل .
وهنا من الأهمية الكبرى استقراء الخيارات الإيرانية، ومستقبل العلاقات الإيرانية الأمريكية الغربية، وانعكاساتها على دول مجلس التعاون الخليجي، ومصير أذرعتها العسكرية في العالم، وسنبحث هذا الملف من خلال المحاور التالية:
- استشراف النتائج غير المتوقعة لمباحثات مسقط غير المباشرة.
- الإكراهات الإيرانية " الوجودية " لنجاح المفاوضات مع واشنطن.
- استشراف النتائج غير المتوقعة لمباحثات مسقط غير المباشرة.
لإصرار إيران على إرسال ردها على رسالة الرئيس ترامب التي يخيرها فيها بين التفاوض أو القوة العسكرية عن طريق سلطنة عمان دون غيرها رغم أن الرسالة جاءت عن طريق الإمارات العربية المتحدة له عدة رسائل أبرزها جعل مسقط مركزية دائمة للحوار غير المباشر مع واشنطن، خاصة الآن مع استئنافها مجددًا، فمسقط جهة مؤتمنة وذات ثقة وخبرات وحيادية، ولها تجارب كثيرة في ذلك تعزز الرهان الإيراني عليها الدائم، كالحوارات السابقة التي استضافتها مسقط بسرية تامة والتي أفضت إلى توقيع الاتفاقية النووية عام 2015م، وقد فرضت طهران إراداتها على واشنطن بإجراء مفاوضات غير مباشرة خلافًا للمباشرة التي يراها ترامب، وهذا من بين الاستدلالات التي نعتمدها في تغليب خيار الحل السلمي ،وقلب النتائج غير المتوقعة من المفاوضات.
فموافقة ترامب على المفاوضات غير المباشرة براغماتية واضحة بخلاف راديكاليته التي يتسم بها، وهذا ما يجعلنا نغوص في براغماتية طهران وواشنطن التاريخية والحديثة والرهانات عليها بإحداث نتائج غير متوقعة، كتخلي طهران عن نهجها التوجه شرقًا إلى إعادة بوصلتها غربًا عبر إقامة علاقات استراتيجية طويلة الأجل مع أمريكا والدول الغربية، فتاريخ الواقعية للبلدين وتطبيقاتها في الأزمات الكبرى تمنحنا هذه الرؤية الاستفرادية السابقة لأوانها الآن، وهذا يستبعد خيار القوة، والتسليم بالحل السلمي، وتتفوق هنا طهران في تطبيق البراغماتية بصورة مثالية عندما تضع في زاوية ضيقة يظن الكل أنها أمام خيار استخدام القوة الخشنة .
والظرفية الراهنة تضع في زاوية ضيقة تنعدم أمام طهران الخيارات الأخرى غير البراغماتية، وستلجأ إليها تحت الإكراهات، وستعلبها بصورة مثالية من مسارات جاذبة لتاجر الصفقات الرابحة الرئيس ترامب، فكما تتسرب أنباء عن صفقة تجارية كبيرة بين طهران وواشنطن تكون كفيلة بتحول مسار النهج الإيراني الشرق إلى الغرب بعلاقات استراتيجية طويلة الأجل، ويعزز هذا المسار ما صرح به الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان قبل يومين من بدء المفاوضات غير المباشرة أن بلاده ستقبل ضخ استثمارات أمريكية مباشرة في طهران في حالة التوصل إلى اتفاق في الوقت الذي فرضت فيه الخزانة الأمريكية عقوبات جديدة لست كيانات إيرانية.
تاريخيًا، لقد تمكنت طهران عبر براغماتيتها وقوع زلازل عسكرية كبرى، وهناك قائمة كبيرة من الاستدلالات على البراغماتية الإيرانية وتطبيقاتها الحديثة، مثلًا فقد تجنبت طهران تصعيد ضرب قنصليتها في دمشق في الأول من أبريل 2024م، من قبل إسرائيل، وقتل فيها قائد فيلق القدس في حرسها الثوري في كل من سوريا ولبنان محمد رضا زاهدي مع عدد من المستشارين الإيرانيين وأفرادًا من الحرس الثوري وحزب الله، في وقت كان العالم يتوقع الرد، غير أنها لم تفعل ذلك، فظلت تتوعد وتهدد، وكذلك التصعيد في توترها مع إسرائيل إبان الحرب على غزة، فصواريخها التي كانت تنهال على مواقع إسرائيلية يمكن توصيفها بالمسرحية أكثر من كونها مؤثرة.
وحتى لما اغتيل رئيس حزب الله حسن النصر تمسكت طهران ببراغما تيتها، وهي -أي البراغماتية -هي وراء تخلي طهران عن حليفها نظام بشار الأسد، وجعلته يسقط من قبل هيئة تحرير الشام، والاتفاق النووي بين طهران و5+1 عام 2015م، إبان رئاسة ترامب الأولى أكبر الاستدلالات على أن إيران تعمل وفق رؤية عميقة ثابتة تنطلق من ذاتية نفعية مجردة، وتظهر دائمًا عندما تشعر بمنحنى الخطر الوجودي، ويكون حلفاؤها بمثابة قرابين تقدمهم عندما يستدعي المحافظة على مصالحها وأمنها القومي.
ولواشنطن براغماتيتها كذلك، فما يمكن الحصول عليه عن طريق التفاوض تحت الضغط تلجأ إليه دون القوة، فيكفي الاستدلال بالاتفاق النووي في عهد ترامب الأول 2015م، فقد جاء هذا بعد تهديدات أمريكية وإيرانية متبادلة، ومثال آخر ، وهو عرض الرئيس ترامب على حركة طالبان الانسحاب من أفغانستان مقابل السماح للشركات الأمريكية بتمديد خط الغاز التركماني عبر مناطق نفوذها وصولًا لباكستان بما يمنع إيران من تنفيذ مشاريعها لنقل الغاز شرقًا، وكلما تعمقنا في البحث عن الاستدلالات نجد الكثير ما يدعم رؤيتنا التي نبني عليها رهاناتنا على التفاوض، وقد وجدنا مبدأ المصالحة يعد أقدم نهج أمريكي يعكس لنا البراغماتية الأمريكية عندما يكون هناك توازن يعتد به الأمريكان في خيار القوة العسكرية، فمثلًا ، أحداث إيران – كونترا 1985- 1987م، أو في قضية مكارين حين باع الرئيس الأمريكي رونالد ريجان أسلحة أمريكية لإيران سرًا مقابل إطلاق سراح رهائن أمريكية في لبنان .
ويلاحظ مما تقدم أن تطبيقات مبدأ المصالحة / البرغماتية / تحدث بصورة مثالية في عهود الجمهوريين من خلال ريجان وترامب ، وهنا التقاء تاريخي للنفعية الإيرانية والأمريكية تحت شعور طهران بانهزامية معنوية تخشى على وجودها السياسي والجغرافي معًا، وهذا ما يجعلنا نتوقع خيار التفاوض ونجاحه، وترسيخ علاقات استراتيجية بينهما حتى لو ضحت بطموحها النووي العسكري وكل أذرعتها المنتشرة في الخارج، والشيء نفسه للأمريكان في عهد ترامب ، فأي صفقة مربحة تقدمها طهران ستسيل لعابه، لذلك نتوقع اتفاقًا نوويًا جديدًا بشروط مرضية لكلا الجانبين ، وبعلاقات تعاون اقتصادية وتجارية تقلب الطاولة فوق المصالح الخليجية.
- المسوغات الإيرانية " الوجودية " لنجاح المفاوضات مع واشنطن
هناك مجموعة إكراهات داخلية إيرانية تجعل إسقاط النظام الإيراني من الداخل سهلًا وممكنًا ودون إطلاق رصاصة أمريكية أو إسرائيلية واحدة، كالاختلالات البنيوية الاجتماعية والأيديولوجية، والصراع على خلافة علي خامنئي مرشد الثورة الإيرانية والعقوبات الاقتصادية والمالية على طهران، وطهران تعلم بها ، لذلك، فلن تمكنهم من إسقاط نظامها السياسي عن طريق تفكيك بناها الداخلية، وطهران تعلم كذلك أن الأمريكان لن يختاروا طريق الحرب المكلف عليهم ماليًا، وكذلك لخسائرها العسكرية والبشرية المتوقعة ، إذ يتمركز نحو 30 ألفًا بعدما كانوا 50 ألفًا من جنودها بشكل دائم في قواعد عسكرية في المنطقة ، كما تتواجد الأساطيل الحربية بشكل دائم في المياه المحيطة بالمنطقة، إضافة إلى التعزيزات المؤقتة في زمن التوتر والأزمات.
لذلك ، سيختار ترامب وادارته اللعب بأوراق إيران الداخلية وزيادة العقوبات عليها عوضًا عن خيار القوة الخشنة، ومن البديهيات أن طهران تعلم كذلك أن أعدائها يملكون الآن السيناريوهات الجاهزة لإحداث فوضى عارمة في كل أنحائها، والتوترات الداخلية في إيران سمة اعتيادية سواء بمسوغات داخلية خالصة أم داخلية خارجية، ولسنا هنا في حاجة للاستدلالات، لأنها معلومة بالضرورة، لذلك ستستوعب طهران طموحات رجل الصفقات الرئيس ترامب، وستستخدم السحر المالي والاقتصادي نفسه الذي يسحر به منافسيها في الخليج ، وستجيده ، وستحدث من خلاله الفارق ليس باتجاه حل القضية النووية بل وتأسيس علاقات استراتيجية طويلة الأجل، فهل سيكون على حساب حلفاء واشنطن العرب في الخليج ؟ خاصة إذا لم ينصاعوا لكل الأجندات الأمريكية والإسرائيلية الاقتصادية والأيديولوجية والسياسية والديموغرافية.
وفي المقابلة التي أجراها الإعلامي تاكر كارلسون القريب من الرئيس ترامب مع ستيف ويتكوف مبعوث ترامب للشرق الأوسط تضع النقاط في الحروف السياسية لمستقبل علاقات واشنطن في الخليج بعربه وفرسه، وكذلك في منطقة الشرق الأوسط، فقد تحدث عن سقوط حكومات وإحداث فوضى عارمة قد تمتد لأوروبا بسبب الأحداث في غزة وقضايا داخلية على رأسها البطالة والفقر .. وهذا التصريح نصنفه من التهديدات الابتزازية لدول المنطقة، وهنا تأكيد متجدد لما نقوله في الكثير من مقالاتنا المنشورة، وهو أن واشنطن ليس لها حلفاء دائمين وإنما مصالح متجددة، وتجدد الحلفاء بقبول مصالحها المتجددة، وسلاحها في ذلك التهديد والضغط المرتفع على أوضاع الحلفاء الداخلية.
وهنا علينا أن نبحث باختصار عن نقاط قوة طهران التي يمكن أن تسحر بها ترامب، وكذلك قوة ضعفها التي قد تسقط نظامها، وكذلك التحولات الإيرانية التي قد تنطلق منها لصناعة قوتها الجديدة بعيدًا عن طموحاتها النووية إذا ما قلبت طهران الطاولة فوق خليج العرب، وهذا سيناريو غير مستبعد للبراغماتية الإيرانية، فعندها من الإمكانيات المتعددة ما يؤهلها لذلك، وتاليًا سنطلق التفكير على مصراعيه للأفاق المفتوحة لمستقبل العلاقات الإيرانية الأمريكية في حقبة إقليمية ودولية تعيد صياغة مضامينها براديكالية غير متوقعة ، لذلك علينا نفتح الآفاق من هذا المنظور .
أولًا: الرهانات الأمريكية على طهران في مواجهتها الصين
يكمن مستقبل المصلحة الاستراتيجية الأمريكية في إنهاء الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين إيران والصين لعزل بكين لأسوأ السيناريوهات المقبلة بعد أن صنفت الآن العدو الأول لأمريكا، فبكين أكبر شريك تجاري لإيران ومشتري رئيسي للنفط ، وتتمتع طهران بموقع جيواستراتيجي للتجارة الصينية الحالية، أو في إطار مبادرة الطريق والحزام، لذلك لن نستغرب أن يكون من بين ما يهم ترامب وإدارته حمل إيران على تغير سياسة الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد (2005 – 2023م ) والتي أطلق عليه " التوجه شرقًا " حيث تولي الأولوية لترسيخ الشراكات الطويلة الأجل مع القوى الرئيسية غير الغربية على الصعيدين الثنائي والمتعدد الأطراف ، وقد توصلت طهران وبكين إلى اتفاقية استراتيجية شاملة مدتها 25 عامًا .
وكذلك أهمية موقعها الجيوستراتيجي لواشنطن في إطار مواجهة الصين، فالوجود العسكري الأمريكي في المحيط الهادي وامتداده نحو خليج البنغال ومضيق ملقه ومداخل المحيط الهندي باتجاه مضيق هرمز وبحر العرب وخليج عمان تتأثر إيجابًا أو سلبًا بمدى ما تقدمه لها أو تضغط به عليها الوحدات الإيرانية البحرية الممسكة بشكل كبير بمداخل المحيط الهندي نحو الخليج مرورًا بمضيق هرمز، وذلك من خلال عرقلة أو تسهيل التواصل بين الوحدات الأمريكية المنتشرة في محيط الصين من جهة وبين الوحدات الأمريكية المنتشرة بقوة في الخليج من جهة أخرى ، وكذلك دور الميليشيات الإيرانية في عرقلة التجارة العالمية ، وكذلك دور الميليشيات التابعة لطهران في عرقلة حركة التجارة العالمية والمرور الآمن لحركة السفن والأساطيل العالمية ، وهى موزعة في دول مطلة على ممرات ومضايق تعج بالحركة التجارية والعبور العسكري ، كالحوثيين في اليمين .
ثانيًا: مقومات إيران الاقتصادية
تمتلك طهران 10 % من احتياطيات النفط العالمية المؤكدة، و15 % من احتياطاتها من الغاز، حيث تعد قوة عظمى في مجال الطاقة، وتحتل المرتبة 64 بين 133 اقتصادًا مدرجًا في مؤشر الابتكار العالمي لعام 2024م، يصنف مؤشر الابتكار العالمي (GII) اقتصادات العالم وفقًا لقدرتها الابتكارية، كما تعتبر سوقًا استهلاكية ضخمة، إذ يقدر عدد سكانها 82 مليون نسمة لعام 2023م.
ثالثًا: البنية الاجتماعية الإيرانية .. كبرى مداخل انهيار النظام
يعيش على الأراضي الإيرانية عدد كبير من الأقليات والعرقيات بما يمثل النسبة الغالبة من إجمالي تعدادها السكاني الكبير سالف الذكر ، وتمثل الأقليات والعرقيات فيها أكثر من نصف سكانها ، وبحسب إنفو جراف أعدته شبكة سكاي نيوز الإخبارية ، فإن التوزيع الديموغرافي للأقليات كالتالي: فرس 40مليون نسمة ، أذريون 24 مليون نسمة ، أكراد 8 مليون نسمة ، عرب 3 مليون نسمة اللور 3 مليون نسمة ، البلوش 3 مليون نسمة ، بينما العرقيات والاثنيات تشكل حوالي 1% من السكان ، وهم قاشقائي ، تركماني ، جيلاكي ، مازندراني ، طاليشي ، وعرقيات أخرى .
وسواء تدخل العامل الخارجي أو ظل الداخل في مسيرة تردي أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية، فإن حدوث فوضى عارمة داخلية من كبرى السيناريوهات المحتملة، فكيف لو استغلت من الخارج، فالتضخم وصل 30 % وفقًا لأرقام البنك المركزي الإيراني و35 % وفقًا لخبراء إيرانيين، و42 % وفقًا لتصريحات الرئيس الإيراني، يرافق ذلك ارتفاع نسبة البطالة إلى 43 % لإحصائيات تعكس وجهة النظر الرسمية.
ولم يعد المجتمع الإيراني يصنف من المجتمعات الفتية، وإنما ينزلق نحو الشيخوخة وفقًا للمركز الإيراني للإحصاء الذي يقدر عدد السكان بنحو 82 مليون نسمة50 % دون الثلاثين سنة ، و25 % ما بين 15 و29 سنة في ظل انخفاض نسبة الخصوبة بصورة حادة ، فيما ذكرت وكالة أنباء مهر بان 10% من السكان الحاليين فوق الستين سنة، وفي غضون أعوام ، ستصل النسبة إلى 30% ، وخلافًا للسياسة الحكومية في العقود الماضية بدعم الحد من النسل ورفع شعار " أولاد أقل حياة أفضل " بدلت الحكومة بشعار " بوردة واحدة لا يكون الربيع " .وحث خامنئي على زيادة النسل قائلًا إن برنامج تثبيت السكان لابد أن يدخل حيز التنفيذ لكن بعد وصول عدد السكان إلى 150 مليون نسمة .
وفق تقرير مركز البحوث التابع للبرلمان الإيراني فإن ثلث الإيرانيين غير قادرين على تلبية احتياجاتهم الأساسية ، وأن معدل الفقر عام 2023م، ارتفع 1.30 % ، وكان المعدل في عام 2022م، في حدود 20 % ويرجع ذلك إلى زيادة التضخم وتراجع النمو الاقتصادي والحصار الاقتصادي الدولي الأمريكي ، وتتأثر النفقات المعيشية الأساسية بشدة نتيجة التضخم بما في ذلك الإسكان والنقل والغذاء والتعليم والرعاية الصحية ، فيما قال خبير إيراني أن نسبة البطالة تصل إلى 54 % فيما يقول مركز الإحصاء الإيراني في تقريره النهائي عن سوق العمل الإيراني للعام 2024م، إن من بين 64.5 مليون إيراني في سن العمل يشارك أكثر من 26 مليون نسمة في سوق العمل عام 2023 م، ويقدر معدل البطالة في صفوف الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة بنحو 21 % .
ومما تقدم ، فلن تخاطر طهران بفشل التفاوض، لذلك فحتمية النجاح لا محل خلاف ، وعند حدوثه لا نتوقعه أن يكون اعتياديًا، وإنما – كما أشرنا إليه سابقًا ، سيكون ً وطويل الأجل، حيث ستحول الاهتمام الإيراني من الأولوية النووية ومن الاعتماد على أذرعها المنتشرة إقليميًا وعالميًا إلى الأولوية التقنية، وبالذات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني والفضاء والاقتصاد الرقمي ، وستخترق فيه الاحتكار العالمية لوجود بنية تحتية وكوادر وأطر مؤهلة ، وستضفي عليها مرحلة الاستقرار ورفع العقوبات، وإيقاف الإنفاق الضخم على أذرعها في الخارج، فحسب الاحصائيات المنشورة تنفق إيران 16 مليار دولار سنويًا على ميليشياتها في العراق واليمن وسوريا غير الأخرى في المناطق المختلفة ، مما ستتضخم سيولتها المالية ، وقد توظفها لأحداث ثورة تكنولوجية المتأخرة فيه رغم امتلاكها قدرات علمية متقدمة، وعلى المنظومة الخليجية دراسة تأثيرات ذلك عليها مستقبلًا ، لأنها تؤسس تحديات حديثة لها في مستقبل تتغير فيه موازين القوى ومصادر التهديد .