array(1) { [0]=> object(stdClass)#13777 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 209

4أسباب تجعل دول الخليج لا تقلق من تغير الإدارة الأمريكية والعلاقة تتسم بالترابط وليس بالتبعية

الأربعاء، 30 نيسان/أبريل 2025

يتفق غالبية الباحثين، والمحللين، وأصحاب الأقلام، وصانعي السياسات بالولايات المتحدة، على أن السياسة الخارجية الأمريكية تتشكل وفقًا لما ترتئيه من قيم ومصالح وطنية. فمنذ نشأتها، قدمت الولايات المتحدة نفسها بصفتها نصير الديمقراطية وحقوق الإنسان، ليس فقط على مستوى الداخل، بل والعالم أجمع. وتضمن المصالح الأمريكية العمل على إعلاء السلام، والأمن، واقتصاد السوق، والتجارة الحرة. فلطالما زعم المسؤولون الأمريكيون أن هذه المصالح تخدم الشعب الأمريكي وسائر شعوب العالم. ونظرًا لأنها لا تتبدل أو تتغير مع تعاقب الإدارات الأمريكية المختلفة، ظلت التغييرات في عالم السياسة الخارجية الأمريكية تدريجية. فلا تعدو كونها، في أغلب الأحيان، تعديلات طفيفة يجريها مسؤولو الحزبين استجابة لحالات الحروب والأزمات حول العالم أو بدافع التكيف مع سياسات الخصوم والحلفاء. وفي ضوء ذلك، ظلت أوروبا دوما هي الحليف الأقرب في نظر واشنطن التي لطالما اعتبرت الاتحاد السوفيتي/روسيا والصين خصميهَا اللدودين على الساحة الدولية.

على صعيد الشرق الأوسط، وإفريقيا، وآسيا، وأمريكا اللاتينية، يعد سجل العلاقات الخارجية الأمريكي خليطًا ما بين التعاون أحيانًا مع دول هذه المناطق الأربع والصدام أحيانًا أخرى. ولكن لا تنطبق هذه الحكمة التقليدية على إدارة الرئيس دونالد ترامب، لاسيما خلال ولايته الرئاسية الثانية. ويعتبر ترامب ثاني رئيس في تاريخ الولايات المتحدة فقط الذي يفوز بولاية رئاسية ثانية بعدما كان قد مني بهزيمة عقب ولايته الرئاسية الأولى. وتعود السابقة الأولى المماثلة في التاريخ الأمريكي لعام 1888م، عندما خسر الرئيس جروفر كليفلاند الانتخابات الرئاسية ثم عاد ليحقق الفوز في عام 1892م. وعلى نحو مشابه، نجح دونالد ترامب في حصد أصوات الولايات المتأرجحة، مع احتفاظ حزبه الجمهوري بأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ. وبالتالي، يمكن اعتبار ادعاء ترامب بحصوله على تفويض شعبي قوي مبررًا، مما دفعه إلى التوقيع على سلسلة من القرارات التنفيذية وإجراء تعديلات جوهرية في السياسة الخارجية الأمريكية في غضون أسابيع قليلة من توليه السلطة.

أسس السياسة الخارجية الأمريكية

تتجه إدارة ترامب حاليًا نحو إحداث تحولات جوهرية في ركائز السياسة الخارجية الأمريكية وملامح الحكم الداخلي. تسلك هذه التغيرات اتجاهًا بعيدًا كل البعد عن المسار الليبرالي المعهود، وسط توقعات بتفضيل إدارة ترامب تحسين علاقاتها مع الصين وروسيا والاتفاق معهما حول بعض أشكال مجالات النفوذ. حيث تحتفظ الولايات المتحدة بهيمنتهَا على نصف الكرة الغربي، وترسخ موسكو نفوذها داخل أوروبا، ويواصل الدب الصيني صعوده في شرق آسيا. على الأرجح، يعد هذا التصور مُستمدًا بشكل أساسي من إعجاب الرئيس المُعلن بـ “القادة الأقوياء"، بمن فيهم الزعيم الصيني شي جين بينغ والروسي فلاديمير بوتين. ولكن هناك أيضًا تكهنات من قبل العديد من الجهات، بما في ذلك الصين وروسيا، بأن الهدف الأشمل لإدارة ترامب يرمي إلى تحسين العلاقات مع روسيا من أجل مجابهة المد الصيني. وتشير تصريحات وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو الأخيرة إلى إمكانية أن تشهد العلاقات الأمريكية -الروسية تحسنا، جزئيا، من خلال تسليط الضوء على السلبيات المترتبة على الاعتماد المفرط على الصين. مع ذلك، شكك العديد من المحللين في إمكانية تحقق هذا الهدف نظرًا إلى أن العلاقات الروسية -الصينية تعتبر حاليًا أفضل مما كانت عليه أواخر ستينيات القرن الماضي، بعد الحيلة التي لجأ إليها الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت ريتشارد نيكسون ومستشاره لشؤون الأمن القومي هنري كيسنجر لإحداث شرخ في العلاقة بين موسكو وبكين. إلا أن البلدين أحبطتَا فكرة الانقسام المحتمل بينهما مع التأكيد على أن شراكتهما الاستراتيجية غير قابلة للكسر. بالتالي، فإن هذا التحول المناهض لليبرالية والجنوح صوب القوى الاستبدادية يقدم للولايات المتحدة وعدًا زائفًا بحلول سريعة. فكان أولى بواشنطن أن تدعم الإصلاحات (بالشراكة مع حلفائها) في مجالات التجارة، والاستثمار، والتكنولوجيا، والصحة، والمناخ، وحقوق الإنسان بدلًا من السعي لزعزعة استقرار النظام الدولي.

الصين

لا يزال العالم يترقب بحذر مسار العلاقات الأمريكية ـ الصينية في ظل الإدارة الثانية للرئيس ترامب، حيث شهدت الأسابيع القليلة الماضية تصعيدًا ملحوظًا تمثل في فرض الولايات المتحدة لرسوم جمركية على الصين، والتي ردت بدورها بإجراءات مضادة شملت فرض تعريفات جمركية، قيودًا على الصادرات، حظرًا تجاريًا، إجراء تحقيقات، وإدراج بعض المنتجات على القائمة السوداء. وفي ظل هذا المشهد المتوتر، ينقسم المحللون إلى فريقين: يرى البعض أن إمكانية التوصل إلى اتفاق تجاري بين البلدين لا تزال قائمة، وأن ذلك من شأنه أن يعيد الاستقرار إلى العلاقات بينهما. بينما يرجح آخرون سيناريو التصعيد، مستندين إلى التوترات المتزايدة والإجراءات المتبادلة.

ومع ذلك، يرى بعض المحللين أن إبرام اتفاق بين البلدين ليس مستبعدًا، مستشهدين بتصريحات الرئيس ترامب المتناقضة، فبينما وصف الصين في بعض الأحيان بالتهديد، أشاد في أحيان أخرى بقيادة الرئيس الصيني شي جين بينغ. كما أن اتفاقًا مع بكين قد يمنح ترامب فرصة لتقديم نفسه كمصلح للعلاقات الاقتصادية، ومخفض للعجز التجاري، وداعم للتصنيع المحلي وخلق فرص العمل، بالإضافة إلى تجنيبه شبح التضخم وتدهور أداء الأسواق المالية الأمريكية.

وبالمثل، فإن توقيع اتفاق مع واشنطن قد يعزز مكانة الرئيس الصيني، من خلال إعادة الاستقرار للتوقعات الصينية والعالمية بشأن العلاقات التجارية مع الاقتصادات المتقدمة، بالإضافة إلى توفير بيئة دولية مستقرة تسمح له بالتركيز على التحديات الداخلية.

أوروبا

ترامب ليس من هواة الاتحاد الأوروبي الذي زعم في كثير من الأحيان أن الهدف من إنشائه هو "إفساد " الولايات المتحدة. كما تعهد الرئيس الأمريكي بفرض رسوم جمركية كبيرة على صادرات الاتحاد من السيارات، والحديد، والألمنيوم، والنبيذ، وغيرها من العديد من المنتجات. وخلال الأسابيع القليلة الأولى من اعتلاء إدارته السلطة، أعرب المسؤولون الأوروبيون عن أملهم في التحلي بالقدرة على إقناع ترامب وتجنب اندلاع حرب تجارية لا تحمد عقباها. وسعي المسؤولون لاسترضاء الإدارة الأمريكية الجديدة عن طريق مكاسب سهلة-مثل زيادة المشتريات الأوروبية من الغاز الطبيعي الأمريكي-مع الضغط صوب إبرام اتفاق بين الجانبين.

مع تصاعد حدة الحرب التجارية المتبادلة بين واشنطن وبروكسل، يواجه الاتحاد الأوروبي تحديات جمة في ظل الغموض الذي يكتنف النوايا الحقيقية للرئيس ترامب. وبينما يرى مسؤولون في الإدارة الأمريكية أن فرض الرسوم الجمركية يهدف إلى تحقيق تكافؤ الفرص، يرى آخرون أنها أداة لجمع الأموال لسد تكاليف التخفيضات الضريبية. كما يُنظر إليها كوسيلة لمعاقبة الاتحاد الأوروبي على تنظيمه عمل شركات التكنولوجيا، خاصة بعد أن اتهم ترامب أوروبا بانتهاج سياسات تجارية غير عادلة، واصفًا الاتحاد الأوروبي بأنه "كيان عدواني ومستغل".

في المقابل، يرى الأوروبيون أن سياسات الرئيس ترامب تنطوي على نزعة إمبريالية تتجاوز مجرد التركيز على المعاملات التجارية. وعليه، يؤكد الاتحاد الأوروبي استعداده للرد بالمثل إذا ما استدعت الضرورة ذلك، ملوحًا باتخاذ تدابير إضافية في حال مضت الإدارة الأمريكية قدمًا في فرض الرسوم الجمركية التي هددت بها. وفي الوقت نفسه، يسعى التكتل الأوروبي إلى أن تكون تلك التدابير متناسبة مع الإجراءات الأمريكية، وذلك بهدف تجنب مزيد من التصعيد، على الرغم من استعداده لاحتمالية اندلاع حرب تجارية شاملة لا يرغب فيها. وعلى الرغم من أن أوروبا تصدر إلى الولايات المتحدة سلعًا مادية أكثر مما تستورد منها، إلا أنها تعاني عجزًا في ميزانها التجاري مع واشنطن فيما يتعلق بالخدمات التقنية وغيرها، ويعزى ذلك بشكل كبير إلى كون الدول الأوروبية سوقًا واسعًا لمنصات التواصل الاجتماعي وغيرها من الشركات القائمة على الإنترنت.

بالنسبة للأوروبيين، فإن إصرار ترامب على إعادة تشكيل النظام العالمي القائم يجعل العالم مكانًا أكثر وحشة. حيث ينذر الصراع المُتكشف بين الجانبين بتقويض أهم روابط أوروبا التجارية بشكل دائم، والتي لطالما اعتبرتها علاقة متبادلة المنفعة. فضلًا عن أضراره بتحالُفها الوثيق مع الولايات المتحدة؛ بعد أن بلغ التكامل بين الاقتصادين الأمريكي والأوروبي مستوى غير مسبوق عالميًا. ولكن كان لترامب حسابات أخرى حينما قرر بشكل مفاجئ الارتداد على 80 عامًا من السياسات الودية مع الحليف الأوروبي، وسحب الدعم الأمريكي لأوكرانيا والاصطفاف إلى جانب موسكو، تاركًا زعماء أوروبا في حالة من الذعر والشعور بالضياع. وفي هذا السياق، غدًا اجتماع الزعماء الأوروبيين الذي دعا إليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في العاصمة الفرنسية باريس، نقطة ارتكاز لنضال القارة العجوز من أجل استعادة توازنها. وأصبح الحديث عن إرسال قوات أوروبية إلى أوكرانيا للمساهمة في حفظ السلام، خطة قيد الدراسة حاليًا كآلية مناسبة لإنهاء القتال الدائر، بعد أن كانت فكرة مستبعدة من قبل الحلفاء المتشككين باعتبارها ضربًا من المستحيل. وبالمثل، لم تحظ رؤية "الاستقلال الاستراتيجي" لأوروبا بعيدًا عن النفوذ الأمريكي بقبول في السابق، إذ كانت تُعد ضربًا من الخيال. غير أن الغزو الروسي لأوكرانيا جاء ليؤكد فكرة "الركيزة الأوروبية" لحلف شمال الأطلسي "الناتو". كما تزايدت أعداد الزعماء الأوروبيين الذين يؤيدون تولي الكيان الأوروبي مسؤولية الدفاع عن مصالحه بشكل أفضل، وتقليل الاعتماد على الضمانات الأمنية الأمريكية. في أثناء ذلك، أبدت كل من بريطانيا، وفرنسا، والدنمارك بالفعل موافقتها على إرسال قوات لضمان تطبيق أي اتفاق سلام يتم بين روسيا وأوكرانيا. فيما يبحث القادة الأوروبيون إمكانية تقاسم مهمة حماية الترسانة النووية لبريطانيا وفرنسا بدلًا من الاعتماد على الحماية النووية الأمريكية. تُسلط هذه التطورات الضوء على انعدام الثقة الجديد والمتزايد بشأن التزام واشنطن تجاه حلفائها الأوروبيين، إلى جانب القلق البالغ من احتمال توسع العدوان الروسي.

حلف الناتو

يعكف الرئيس ترامب على دراسة إجراء تغيير جذري في مشاركة الولايات المتحدة داخل حلف شمال الأطلسي" ناتو". وقد تباحث مع معاونيه في إمكانية ربط الالتزام الأمريكي داخل الحلف بمدى استيفاء الدول الأعضاء للحد الأدنى المطلوب للإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي. وفي إطار هذا التوجه السياسي المحتمل، قد لا تكون الولايات المتحدة ملزمة بالدفاع عن أي دولة عضو في الناتو تتعرض لهجوم، ما لم تلتزم بمعيار الإنفاق الدفاعي المحدد. وإذا ما أقر ترامب هذا التعديل، فإنه سيمثل تحولاً جذرياً في المبدأ الأساسي الذي يقوم عليه الحلف، والمنصوص عليه في المادة الخامسة، التي تعتبر أي هجوم على أحد أعضاء الناتو بمثابة هجوم على جميع الأعضاء.

بالمثل، يدرس الرئيس ترامب حاليًا إجراء تغييرات في السياسة قد تؤدي إلى منح الولايات المتحدة الأولوية في إجراء مناورات عسكرية مع دول حلف الناتو التي تفي بالحد الأدنى من الإنفاق الدفاعي المحدد كنسبة من ناتجها المحلي الإجمالي. وقد أشارت إدارة ترامب بالفعل إلى إمكانية تقليص الوجود العسكري الأمريكي في أوروبا، وتدرس حاليًا خيارات لإعادة تمركز القوات الأمريكية في المنطقة، بحيث تتمركز داخل أو بالقرب من دول الناتو التي تلتزم بالإنفاق الدفاعي المطلوب. ويأتي ذلك في ظل انتقادات ترامب المتكررة لدول الحلف لعدم تحقيقها الهدف الحالي المتمثل في إنفاق 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، حيث يرى أن التفاوت في الإنفاق يفرض عبئًا إضافيًا على الولايات المتحدة. وكان حلف الناتو قد اتفق منذ أكثر من عقد على تحديد هدف الإنفاق الدفاعي بنسبة 2% من الناتج المحلي الإجمالي، لكن ترامب يضغط من أجل زيادة هذه النسبة، حيث صرح في مارس 2025م، بضرورة رفع الإنفاق الدفاعي إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي، على الرغم من أن الولايات المتحدة نفسها لم تصل إلى هذا المستوى.

يأتي التحول المحتمل في مشاركة الولايات المتحدة بحلف الناتو في الوقت الذي يضغط فيه ترامب على الحلفاء الأوروبيين لتكريس مزيد من الجهد لمساعدة أوكرانيا في حربها أمام روسيا والاضطلاع بدور رئيسي في الحفاظ على السلام داخل البلاد في حال تم التوصل لاتفاق لإنهاء الحرب. وكان الرئيس الأمريكي قد هدد في ولايته الرئاسية الأولى بالانسحاب من حلف الناتو مُشككا في مزايا المادة الخامسة بالنسبة للولايات المتحدة. وهي المادة التي تمت صياغتها بهدف حماية الدول الأوروبية من الاتحاد السوفيتي إبان حقبة الحرب الباردة، وفٌعِلَت مرة واحدة فقط في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر التي تعرضت لها الولايات المتحدة. ورغم سعي أوكرانيا للانضمام للتحالف الغربي، صرحت إدارة ترامب بأن ذلك لن يكون جزءًا من أي اتفاق سلام يتم التفاوض عليه.

القوة الناعمة

العلاقات الدولية مرآة لسياسَات القوة. والقوة هنا تتجاوز القدرة على استخدام القنابل، والرصاص، أو التعنت الاقتصادي. بل إنها القدرة على التأثير في الآخرين للحصول على النتائج المرجوة، ويمكن بلوغ ذلك من خلال قوة الجذب، التي لا تقل أهمية عن القوة الصلبة أو المدفوعات المادية. تعتمد القوة الناعمة لأي دولة على تراثها الثقافي، وقيمها، وسياساتها عندما تحظى بقبول وشرعية في أعين الآخرين. وفي أعقاب النصر المحقق في الحرب العالمية الثانية، برزت الولايات المتحدة إلى حد كبير كالدولة الأكثر نفوذًا، وسعت لتكريس مبادئها مثل سلطة القانون، والديمقراطية، والشفافية، والسوق الحرة، فيما بات يعرف ب “النظام العالمي الليبرالي" الذي ترعاه منظمة الأمم المتحدة. جزء كبير من القوة الناعمة التي تنعم بها الولايات المتحدة يعود إلى المجتمع المدني لا الحكومة. فعلى عكس أصول القوة الصلبة (مثل القوات المسلحة للدولة)، تعد العديد من موارد القوة الناعمة منفصلة عن الحكومات ولديها القدرة على اجتذاب الآخرين رغم معطيات السياسة. ويشمل ذلك السينما الأمريكية (أفلام هوليوود)، والصحافة الحرة، والعمل الخيري للمؤسسات الأمريكية، واقتصاد السوق، والجامعات والمراكز البحثية الأمريكية. حيث تحظى هذه الأصول والموارد الخاصة بالقوة الناعمة الأمريكية بتقدير وإعجاب شديدين من قبل مختلف شعوب العالم بغض النظر عن توجهات السياسة الخارجية للإدارات الأمريكية المتعاقبة.

الانعكاسات على دول مجلس التعاون الخليجي

على مدى عقود، جادل غالبية باحثي السياسة الخارجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط أن هذه السياسة تقوم على مبدأ "النفط مقابل الأمن". ما يعني أن الضمانات الأمنية الأمريكية لدول مجلس التعاون الخليجي مرهونة بمواصلة الأخيرة ضخ إمدادات نفطية بأسعار معقولة. ويعد هذا فكرًا مغلوطًا يجحف الطبيعة المعقدة للعلاقات بين الجانبين. فإن الدول تكتسب شرعيتها بقدر الدعم الشعبي الذي تحظى به في الداخل، لا بالاعتماد على قوة خارجية. ودول مجلس التعاون الخليجي ليست استثناء للقاعدة، فقد نعمت بالاستقرار والشرعية بفضل قدرتها على تلبية التطلعات والطموحات الاجتماعية والاقتصادية لشعوبها. لذلك، فإن تغير الإدارة في واشنطن لا يجب أن يكون مدعاة للقلق أو الارتباك داخل بلدان المجلس الخليجي لأربعة أسباب على الأقل:

  • مما لا ريب فيه أن الولايات المتحدة الأمريكية تشغل مكانة بارزة كقوة عالمية مؤثرة. وتتميز العلاقات الخليجية الأمريكية بتعدد أبعادها وتنوعها، حيث تشمل مجالات اقتصادية ومالية وتعليمية، وثقافية، وسياسية وأمنية. وتقوم هذه الروابط على أساس من الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة. ونظرًا لحاجة كل طرف إلى الآخر، فإن هذه العلاقة تتسم بالترابط الوثيق وليس بالتبعية. وقد شهدت دول مجلس التعاون الخليجي حالات اتفاق واختلاف مع مختلف الإدارات الأمريكية، ومن المتوقع أن يستمر هذا النمط في ظل الإدارة الثانية للرئيس دونالد ترامب.
  • إدراكًا للدور الرئيسي الذي تلعبه القوى العالمية الأخرى (مثل الصين، وروسيا، وأوروبا، الهند، واليابان)، أسست البلدان الخليجية روابط قوية مع كافة هذه القوى العالمية وسائر دول العالم وحافظت عليها. حيث يعد النظام العالمي نظامًا متعدد الجوانب وليس أحادي الجانب. قد يكون صحيحًا أن الولايات المتحدة هي القوة العالمية المهيمنة، لكن لا ينتقص ذلك من أهمية اللاعبين الآخرين. في الوقت ذاته، تحترم الولايات المتحدة حق دول مجلس التعاون الخليجي باعتبارها دول ذات سيادة للسعي وراء مصالحها الوطنية وتأسيس روابط وثيقة مع القوى العالمية الأخرى.
  • قد يتبوأ الاستقرار الإقليمي مكانة تفوق في أهميتها العلاقات مع القوى العالمية، وذلك في ظل ما تواجهه منطقة الشرق الأوسط الأوسع من تحديات جسام، تشمل الحرب الدائرة في قطاع غزة ولبنان، والجمود الذي يخيم على العلاقات بين واشنطن وطهران، فضلاً عن الصراعات العرقية والطائفية، والركود الاقتصادي، وغيرها من التحديات الماثلة. وفي سبيل تجاوز هذه التحديات، تشارك دول مجلس التعاون بشكل نشط في الجهود الدبلوماسية لمعالجة هذه التحديات، وتعزيز الرخاء الاقتصادي، والاستقرار السياسي بالتعاون مع دول الجوار. وأثبتت هذه المشاركات الدبلوماسية مع كافة القوى الإقليمية العظمى دورها الحاسم في تهدئة الصراعات والبحث عن حلول دائمة.
  • شهدت الأعوام القليلة الماضية تدشين دول مجلس التعاون جهودًا اجتماعية واقتصادية طموحة من أجل تعظيم القدرة التنافسية لمجتمعاتها في القرن ال 21. حيث أصبحت الاقتصادات الخليجية أقل اعتمادًا على العائدات النفطية بشكل متزايد وأكثر تنوعًا في مصادرها مما كانت عليه قبل عقود ماضية. فيما أصبح هناك دور أكبر للاستثمارات الخارجية والقطاع الخاص في دعم الاقتصادات الخليجية. ويواصل قطاع البحث العلمي والجامعات بمختلف البلدان الخليجية إحراز تقدم مذهل. كذلك تكتسب النساء الخليجيات مزيدًا من أوجه المساواة وتتقارب الفجوة بين الجنسين. بجانب تزعم المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات مبادرات لدعم الذكاء الاصطناعي والتقنيات الأخرى.

باختصار، ستستمر دول مجلس التعاون الخليجي في علاقاتها الوثيقة مع الحليف الأمريكي في عهد الإدارة الثانية لدونالد ترامب، مثلما ستواصل تعاونها مع بكين، وموسكو، وبروكسل، والقوى العالمية الأخرى. كما ستستمر في مساعيها الدؤوبة لتقوية الروابط مع دول الجوار، والعمل على تحقيق رفاهية شعوبها وتحسين مستوى معيشتهم.

مقالات لنفس الكاتب