array(1) { [0]=> object(stdClass)#13777 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 209

ضرورة فتح الملفات الخليجيةـ الأمريكية بوضوح وسماع رأي وفعل حول المخاوف والتصدي لها

الأربعاء، 30 نيسان/أبريل 2025

لا  يمكن الحديث عن مستقبل العلاقات الخليجية الأمريكية ، أو حتى التغيرات التي تحدث في المشهد السياسي العالمي ، و النابعة من ( السياسات الجديدة للإدارة الأمريكية الحالية )  دون الاطلاع على الوثيقة المهمة التي صدرت في عام 2024 م، وفي خضم معركة الانتخابات الرئاسية  الأخيرة  بين الديمقراطيين بقيادة كاملا هارس،  و بين الجمهوريين بقيادة دونالد ترامب ، والتي أضاء عليها قليلًا الإعلام الأمريكي، وقليلًا الإعلام العربي ،وهي ما سميت (مشروع 2025 م)، و في مرحلة من المراحل في أثناء الحملة الانتخابية تبرأ  منها معسكر دونالد ترامب ، إلا أن كثيرًا من المعلقين  يعتقدون أن تلك الوثيقة أساس التفكر للإدارة الحالية في الشؤون الخارجية و الداخلية  .

وحتى نتعرف على خلفية الوثيقة ، فهي من إنتاج أحد مراكز التفكير  غير الربحية الأمريكية المنتشرة في واشنطن،  و تسمى Heritage Foundation  أي ( مؤسسة التراث) وهي مؤسسة محافظة أمريكية ، أسست ( وهذا مهم ) في عام 1973م ، أي إبان معركة المقاطعة النسبية للدول العربية  المنتجة للنفط إلى الأسواق العالمية ، مما جعل صفوف سيارات المستهلكين الامريكان طويلة طلبا للتزود بالوقود ،وقتها شعر المحافظون أو النخب منهم، وعلى رأسهم هنري كيسنجر ، أن الوقت يحتاج إلى إعادة التفكير في قضية هامة للأمن القومي الأمريكي وهي ( أن أمريكا معرضة للمخاطر بسب اعتمادها على مصادر خارجية ، وعليها أن تنمي مصادر ثروتها الداخلية)

منذ ذلك الوقت أصدرت المؤسسة العديد من الدراسات المعمقة في هذا الأمر، ووجدت آذانًا صاغية لتحويل بعض دراساتها إلى أفعال سياسية في ثمانينات القرن الماضي في حقبة رونالد ريجين المحافظة، وخاصة الاجتماعية، بل وجدت أفكارها قبولا في حقبة مارجريت تاتشر تقريبًا في نفس الحقبة في بريطانيا.

إذا أضفنا إلى تلك الوثيقة وما جاء فيها، قضية أخرى هامة وهي ( تصاعد الدين العام الأمريكي، و الذي فاق لأول مرة مجموع ميزانية الدفاع الأمريكية ) نتعرف على دوافع تقليل النفقات العامة في أمريكا، وجلب استثمارات من الخارج ، بل ربما ( إتاوات) تفرض على بعض الدول، كمثل رفع الضرائب على ما تستورد أمريكا  من الخارج ، و الحرب التجارية ضد الصديق والعدو في نفس الوقت، تقليص النفقات التي تمت حتى الآن سارت في جزء منها ضد توصيات الوثيقة ، فقد استهدفت ميزانيات الأبحاث العلمية و الطبية، وهذا يفتح الباب إلى تراجع القوة الأمريكية لا إلى زيادتها .

تاريخيًا الدين العام، هو الذي خسر (بريطانيا العظمى) موقعها الدولي في العالم بعد الحرب العالمية الثانية، وقد تكون أمريكا، كما يرى البعض، أنها في نفس الموقف البريطاني، مهددة بخسارة نفوذها، فهي تحت الإدارة الجديدة، تحارب من أجل البقاء، وخاصة التنافس مع الصين، العدو الاقتصادي الأول للولايات المتحدة. ولكنها من جانب آخر ترغب في خفض الصراعات العالمية المكلفة، كما يحدث على المسرح الأوكراني.

 

       الوثيقة الأمريكية 2025 ورؤية للمستقبل

 

تتألف الوثيقة المشار إليها آنفًا من مقدمة، ونص تفصيلي يشمل الأهداف والتحديات والمبادرات التي يجب أن تتخذ من الدولة الأمريكية كما تراها الوثيقة، ثم الخاتمة، ويجدر الاطلاع على ملخصها هنا.

مقدمة

تعد الوثيقة الأمريكية 2025م، بمثابة خارطة طريق استراتيجية تهدف إلى توجيه الولايات المتحدة نحو مستقبل مستدام ومزدهر. معتمد على الداخل، تتناول هذه الوثيقة العديد من جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتقدم رؤى وحلول للتحديات الراهنة والمستقبلية التي تواجه الأمة الأمريكية كما تراها.

الأهداف الرئيسية

تهدف الوثيقة الأمريكية 2025م، إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الرئيسية التي من شأنها تعزيز قوة الولايات المتحدة على مختلف الأصعدة. ومن بين هذه الأهداف:

  • تعزيز الاقتصاد: من خلال دعم الابتكار وتنمية الصناعات الحديثة وزيادة فرص العمل في السوق الأمريكي.
  • تعزيز التعليم: تحسين جودة التعليم وتوفير فرص تعليمية متكافئة للجميع.
  • تحسين الرعاية الصحية: ضمان وصول جميع المواطنين إلى خدمات صحية عالية الجودة.
  • الاستدامة البيئية: تبني سياسات بيئية تهدف إلى حماية الموارد الطبيعية ومواجهة التغير المناخي.
  • تعزيز الأمن: تحسين الإجراءات الأمنية لحماية البلاد من التهديدات الداخلية والخارجية.

التحديات والمبادرات:

تواجه الولايات المتحدة العديد من التحديات التي يجب التصدي لها بفعالية لتحقيق الأهداف المذكورة في الوثيقة الأمريكية 2025م. من بين أبرز هذه التحديات:

  • التغير المناخي: يعد التغير المناخي من أكبر التحديات البيئية، ويتطلب تعاونًا دوليًا وسياسات فعالة للحد من آثاره.
  • الاقتصاد العالمي المتقلب: يتطلب تعزيز الاقتصاد الأمريكي إجراءات مبتكرة لدعم النمو الاقتصادي والاستثمارات في السوق الأمريكي.
  • التفاوت الاجتماعي: تحتاج البلاد إلى سياسات تهدف إلى تقليل الفجوات الاجتماعية وضمان العدالة والمساواة.
  • التحديات الصحية: يجب تحسين نظام الرعاية الصحية ليكون مستدامًا وقادرًا على تلبية احتياجات جميع المواطنين.

مبادرات لتعزيز الاقتصاد:

تقدم الوثيقة الأمريكية 2025 مقترحات لتعزيز الاقتصاد الأمريكي، منها:

  • دعم الشركات الأمريكية الصغيرة والمتوسطة وتوفير التمويل اللازم لها.
  • تعزيز الابتكار والبحث العلمي لخلق صناعات جديدة وزيادة فرص العمل.
  • تحديث البنية التحتية لتحفيز النمو الاقتصادي.

مبادرات لتحسين التعليم:

تشمل المبادرات التعليمية في الوثيقة الأمريكية 2025:

  • الاستثمار في التعليم التكنولوجي وتوفير وسائل التعلم الحديثة للراغبين والقادرين.
  • تقديم برامج تدريبية متخصصة لتأهيل الكوادر البشرية لتحديات الاقتصاد الجديد.
  • تعزيز التعاون بين المؤسسات التعليمية والقطاعات الصناعية.

مبادرات لتحسين الرعاية الصحية:

تشمل المبادرات الصحية في الوثيقة الأمريكية 2025:

  • توسيع نطاق التأمين الصحي ليشمل جميع المواطنين.
  • تحسين جودة الخدمات الصحية وزيادة عدد المرافق الصحية.
  • الاستثمار في البحث الطبي لتطوير علاجات جديدة.

مبادرات للاستدامة البيئية:

تشمل المبادرات البيئية في الوثيقة الأمريكية 2025:

  • تبني سياسات تهدف إلى تقليل الانبعاثات الكربونية.
  • تشجيع استخدام مصادر الطاقة المتجددة.
  • حماية الموارد الطبيعية والمحميات البيئية.

خاتمة

تعد الوثيقة الأمريكية 2025م، بمثابة خطوة مهمة نحو بناء مستقبل أفضل للولايات المتحدة. من خلال تحقيق الأهداف والمبادرات المذكورة، يمكن للبلاد أن تتجاوز التحديات الراهنة وتحقق التنمية المستدامة والازدهار في مختلف المجالات. يتطلب تنفيذ هذه الوثيقة تعاونًا وثيقًا بين الحكومة والمواطنين والمؤسسات المختلفة لضمان النجاح وتحقيق رؤية مستقبلية واعدة.

تلك هي الخطوط العريضة للوثيقة، فهي قاعدة للتفكير في إدارة ترامب الجديدة، مع إضافة الكثير من التفاصيل لتحقيقها، صلبها (الاعتماد على الداخل) وتوفير المال اللازم من أجل رفع مستوى الإنتاج في الداخل الأمريكي وعدم الاعتماد على الخارج، وتقليص ما يصرف من مال أمريكي على المشروعات الخارجية، والتي ليس لها علاقة بالأمن الأمريكي، كما تراه الإدارة.

                                 الخلاف الأوروبي الأمريكي وتأثيره

أمام تلك السياسات الجديدة، فإن من أوائل نتائج التوجه إلى تنفيذها هي الخلاف الكبير مع الحلفاء (الجيران) مثل المكسيك وكندا، على موضوع رفع الضرائب الجمركية على بعض المصنوعات القادمة من تلك الدول، والنتيجة الثانية مع الحليف الأوروبي، في كل من قطاع الضرائب الجمركية، والخلاف حول طرق حل قضية الحرب الأوكرانية، السؤال الذي يتوجب أن يطرح للنقاش هو ما تأثير ذلك الخلاف الأوروبي – الأمريكي المتنامي على دول الشرق الأوسط، وخاصة المنطقة العربية؟ وهو الأمر الذي يهمنا قبل غيره من المتغيرات.

تُعتبر العلاقات بين أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، حتى وقت قريب، من أهم عناصر الاستقرار في العلاقات الدولية، والتي تؤثر على السياسة العالمية. فقد اعتمدت أوروبا على الأقل في ثلاثة أرباع قرن على المظلة الأمريكية، ولم يكن أحد يتوقع، أن يكون هناك خلاف، يهدد أمن أوروبا بتخلي الحليف الأكبر عنها، ومع ذلك، لم تخلو هذه العلاقات من الخلافات والتوترات الجانبية في السابق، والتي تنعكس بدورها على مناطق أخرى من العالم، بما في ذلك الشرق الأوسط.

وتُعد منطقة الشرق الأوسط من أكثر المناطق تأثراً بالتغيرات في السياسة العالمية نظراً لموقعها الجغرافي الاستراتيجي، وثرواتها الطبيعية الهائلة.

لطالما اختلفت الولايات المتحدة وأوروبا في توجهات السياسة الخارجية، خاصة فيما يتعلق بالتعامل مع الأزمات الدولية والصراعات الإقليمية.  ربما كان أشهرها في العقود الأخيرة، الخلاف حول إسقاط النظام العراقي، فقد وقفت بعض دول أوروبا الكبيرة، مثل فرنسا ضد تلك السياسة، إلى درجة أن دونالد رمسفيلد وزير الدفاع الأمريكي وقتها وصف دول أوروبا الرافضة للسير مع الولايات المحتدة أنها (أوروبا العجوز)، كانت الولايات المتحدة في الغالب تميل إلى اتخاذ مواقف أكثر تشدداً وتدخلاً عسكرياً في الأزمات العالمية، وتفضل أوروبا الحلول الدبلوماسية والتعاون الدولي، عدى بريطانيا والتي كانت تساير السياسة الأمريكية في الغالب.

المصالح الاقتصادية تعلب دوراً كبيراً في تحديد مواقف الدول. فالتنافس على الموارد الطبيعية، وأيضًا التنافس على السبق الاقتصادي، وخاصة التفوق التقني تعلب دورًا رئيسيًا في الاصطفاف الدولي، في الشرق الأوسط، شكل النفط والغاز عاملًا جاذبًا للقوى الدولية تاريخيًا، وقد أدى إلى تفاوت في السياسات والمواقف بين الدول الأوروبية والولايات المتحدة في معظم سنوات القرن العشرين.

كانت الاختلافات الثقافية والأيديولوجية بين أوروبا والولايات المتحدة تفرض نفسها في السياسات الخارجية. ففي حين كانت تميل الولايات المتحدة إلى نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان كجزء من سياستها الخارجية، تفضل أوروبا تقليديًا التركيز على التعاون الاقتصادي والتنمية المستدامة.

المشهد انقلب في المرحلة الأخيرة إلى عكسه تمامًا، فلم تعد الولايات المتحدة معنية بتصدير الأيدلوجيا، أو الاهتمام بالشؤون الداخلية لحلفائها، هي اليوم في ظل الإدارة الجديدة، تقدم مصالحها الاقتصادية، على أي عنصر آخر، قد لا يكون ذلك مستدامًا في المدى البعيد، ولكنه ما يفرض اليوم على أرض الواقع.

كثير من التحليلات معروضة لتفسير التوجه الأمريكي، منها أن المنافس الرئيسي الذي تتوجس منه أمريكا هو المنافس الصيني، فالتوجه إلى شيء من الوفاق مع روسيا ، قد يحقق الكثير من الأهداف، منها إبعاد الروس عن الصينيين، ومنها الاستفادة من الموارد الكبيرة في أراضي الاتحاد الروسي، ومنها إشباع حاجة السوق العالمي (والأمريكي بالذات) من الوفرة التي تتيحها الموارد الطبيعية  في كل  من روسيا و أوكرانيا ، حتى لو كان ذلك يخالف وجهة النظر الأوروبية التي ترى أن تمدد روسيا غربًا سوف يصطدم بالمصالح الأوروبية، إلا أن الملاحظ أن هناك تغير جذري في توجهات الولايات المتحدة في السياسة الخارجية في هذا الملف وسعيها بشكل واضح للوصول إلى اتفاق ما مع روسيا .

أدت الخلافات بين أوروبا والولايات المتحدة إلى تدخلات عسكرية متباينة في الشرق الأوسط. فبينما دعمت الولايات المتحدة التدخل العسكري في العراق عام 2003م، عارضته العديد من الدول الأوروبية. هذا التباين أدى إلى حالة من الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة، كما أن التوافق الروسي الأمريكي قد يؤدي في المستقبل إلى الخلل في سوق الطاقة، خاصة الغاز والنفط، وهما مصدر الاقتصاد في عدد من الدول، منها دول الخليج.

الدبلوماسية والتعاون الدولي

تؤثر الخلافات الأوروبية ـ الأمريكية أيضاً على جهود الدبلوماسية والتعاون الدولي في الشرق الأوسط. فعلى سبيل المثال، تختلف المواقف الأوروبية والأمريكية بشأن الاتفاق النووي الإيراني، مما يعقد إمكانية الوصول إلى حلول دبلوماسية مستدامة.

التنمية الاقتصادية والمساعدات الإنسانية

تنعكس الاختلافات بين السياسات الأوروبية والأمريكية في مجال التنمية الاقتصادية والمساعدات الإنسانية على دول الشرق الأوسط. ففي حين تركز أوروبا على تقديم المساعدات الإنسانية والتنموية، تميل الولايات المتحدة إلى ربط المساعدات بشروط سياسية وأمنية معينة.

يمكن القول إن الخلاف الأوروبي ـ الأمريكي له تأثير كبير على دول الشرق الأوسط، سواء من خلال التدخلات العسكرية أو الجهود الدبلوماسية أو التنمية الاقتصادية. إن فهم هذه التأثيرات يساعد في تحليل الديناميات الإقليمية والدولية وكيفية تأثر دول الشرق الأوسط بالتغيرات في السياسة العالمية. لذلك، من المهم أن تعمل دول الشرق الأوسط على تطوير سياسات مستقلة ومتوازنة للتعامل مع هذه التحديات والاستفادة من الفرص المتاحة.

 

                                 العاقلات الأمريكية مع العالم ما شكل المتغيرات؟

 

منذ بداية شهر (نوفمبر 2024م) والتحليلات تتدفق في منصات الإعلام حول مستقبل العلاقة بين أمريكا والعالم، البعض يرى أن الولايات المحتدة في مرحلتها القادمة ذاهبة إلى العزلة الدولية، مما يمكن قراءته من تصريحات العهد الجديد، وآخرون يرون أنها سوف تكون أكثر تواصلًا مع الآخرين، لأن العالم الجديد اقتصادًا وسياسة لا يتيح إلى أية دولة الانعزال عن العالم، خاصة دولة كبرى كالولايات المتحدة، لها شبكة علاقات ومصالح واسعة.

رجل البيت الأبيض الجديد ليس هو القديم الذي كان في أعوام 2016 -2020م، لقد أصبح أكثر خبرة في الشؤون الدولية، وتحدث تكرارًا في حملته الانتخابية عن أهمية السلام في العالم، وهو المدخل، كما يعتقد لتخليد، فترة حكمه، وربما لشخصه، فهي الفترة الأخيرة من صراعه المرهق في السياسة، ولكنه أيضًا أصر على أن يكون السلام من خلال القوة، لذلك فإن استخدام القوة الأمريكية في بعض ملفات الصراع حول العالم ليس مستبعدًا.

الافتراض إن الإدارة الجديدة، وإن كان لبعض أفرادها آراء متطرفة في بعض الملفات في السابق، فإنها سوف تكون منسجمة مع أفكار الرئيس الجديد، والذي يرى أن الاقتصاد له أهمية قصوى في إحلال السلام في العالم، وأن الحروب لا تقود إلا إلى التدمير، إلا أن الحروب المحدود قد تكون ذات فائدة، أن قصرت الديبلوماسية.

يمكن إذًا أن نتوقع انفراجًا في العلاقات الدولية، أكثر مما ذهب إليه المتشائمون في الأسابيع الأخيرة، ولكن بعد فترة أزمات تتكيف معها الدول خارج الولايات المتحدة مع السياسات الجديدة.

التنافس بين الولايات المتحدة والصين ملف كثيرًا ما يعاد إليه، و تذهب التوقعات إلى أن التنافس قد يقود إلى صراع، الإنسان له ذاكرة قصير ، فلو عدنا فقط إلى ثلاثة عقود من اليوم  لقراءة ما كتب حول التنافس الدولي، لوجدنا عددًا من  الكتب و المقالات و الدراسات حول (التنافس الأمريكي – الياباني ) وقتها، أما اليوم فإن اليابان بالكاد تذكر في هذا الملف ، أخذت مكانها الصين، و ربما الأخيرة تختفي من المنافسة بعد فترة،  لتبرز دولة أخرى  ، على الرغم من الحديث الموسع أن الصين هي القوة  القادمة ،لا زال أمامها الكثير من الوقت، والكثير من الصعاب الداخلية، خاصة في ملفي البطالة و الفقر.

إذًا سوف تبقى الولايات المتحدة هي الدولة الأقوى في العالم عسكريًا واقتصاديًا وعلميًا لعقود قادمة، والملف الأخير يحظى بالاهتمام وبالعمل، الاهتمام الأقصى لتطوير التقنية، ونجد له الكثير من المؤشرات في سلم أولويات الإدارة القادمة، كمثال إشراك العديد من العقول العلمية في الإدارة، هو تأكيد لتوجهها، وعلى رأس تلك العقول إشراك إيلون ماسك، صاحب المبادرات العلمية والتقنية اللافتة في الإدارة.

مخزون القوة الأمريكية هو في قوتها الناعمة، وهي الابتكار والتجديد العلمي، لذلك هي جاذبة للعقول من أنحاء العالم، وأحد من مؤشرات تأكيد سياسة الجذب ما صرح به السيد دونالد ترامب، أن كل أجنبي يحصل على شهادة علمية في أمريكا يستطيع أن يبقى فيها، رغم تشدده ضد المهاجرين، واضح أن التشدد يعني المهاجرين غير المؤهلين، أما أصحاب التأهيل العلمي فهم احتياط ضروري للاقتصاد الأمريكي، ويغرون على البقاء في سوق العمل الأمريكي، لأنهم قوة اقتصادية مضافة.

كما يتضح أن جناح السلام في خطط الإدارة الجديدة، يرافقه جناح الاقتصاد، كلاهما يحققان الأمن للمجتمعات، والاقتصاد هنا هو الاقتصاد الحر القائم على المبادرة، مع أقل ما يمكن من المعوقات الإدارية.

الحديث عن رفع الرسوم الجمركية على الواردات من العالم إلى السوق الأمريكية، إن تخطت القدر المعقول، سوف تضر بالاقتصاد الأمريكي الداخلي، كما يرى الكثير من أهل الاقتصاد، ويمكن أن يستعاض عنها بتشجع الإنتاج المحلي، ورفع القيود البيئية في البحث عن الطاقة الأحفورية، واستخدام التقنية لخفض كلفة الإنتاج في قطاعات إنتاجية كثيرة، أما وضع قيود كبيرة فهو مستبعد أن يبقى لفترة طويلة، لأنه ببساطة مؤذي للاقتصاد.

نحن في الغالب على أبواب عالم جديد متغير رافعته هي الاقتصاد، وليس المدافع !!

 

                                           أمريكا ودول الخليج

 

أكثر ما تناولته الأقلام العربية في الأسابيع الأخيرة محاولة استكشاف ما هي العلاقة المستقبلية بين دول الخليج والولايات المتحدة؟ على ضوء إعلان القمة العربية / الخليجية في خلال أقل من ثلاث أسابيع من اليوم. والجميع محق في محاولة الاستكشاف، لأننا على مفترق طرق بين المنهج القديم والذي استمر لعقود وما يتوجب أن يكون في المستقبل. لا جدال إن ما أطلق تلك الدينامية الجديدة هي حرب روسيا على أوكرانيا وهي حرب سوف تؤثر في شكل العلاقات الدولية ومنها علاقات الدول الكبرى بمنطقتنا العربية بشكل عام والخليجية على وجه التحديد.

على الرغم أن الولايات المتحدة تكثر فيها مؤسسات الدراسات و البحث وخاصة علاقتها بالعالم بما فيها عدد وازن من مراكز البحث حول دول الخليج، وكثير من الدراسات تتعرف بدقة على المشكلات العالقة بين الولايات المتحدة ودول المنطقة، إلا أن معظم السياسات لا تأخذ بها في الإدارات المختلفة وعلى الأقل في الأربع إدارات الأخيرة ( منذ بوش الثاني الى جو بايدن) التفسير أن الإدارات الأمريكية تخضع أكثر و أكثر لضغوط الرأي العام ( السياسي) و هو رأي عام إما غير ملم أو يحمل تشوهات في ذاكرته الجمعية تجاه دول الخليج و أيضًا بقية الدول العربية، و تبرر تلك السياسات بشعارات ذات أبعاد إنسانية تسميها ( القيم الكبرى) وبعضها ينتهك في داخلها .

الحرب الروسية / الأوكرانية قلبت الأمور رأسًا على عقب ، فبعد مرحلة من الاسترضاء لروسيا عندما بدأت تتمدد بدءًا من عام 2008م، ( في جورجيا) ثم بعد ذلك في شبه جزيرة القرم 2014 م، ومن ثم سوريا 2015م، وأخيرًا أوكرانيا، كل تلك الفترة كان الغرب يقدم التنازلات حتى عندما امتدت شهية الدب الروسي إلى أبعد من الجوار كسوريا مثلًا ، بل طوال فترة العقد الأخير من القرن الماضي و العقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين ، اعتمد الغرب على المواد الأولية التي يحتاجها من روسيا، وتراكمت ثروة ضخمة للروس من تلك العلاقات الاقتصادية، كان الرأي وقتها أن ربط العلاقات الاقتصادية يسهل دخول روسيا إلى النظام الرأس مالي العالمي ، وإن شاب بعض تصرفاتها بعض المنقصات خاصة تجاه حقوق الإنسان و سياسة اليد الثقيلة ضد المعارضين في الداخل و حتى في الخارج .

بعد فبراير من هذا العام واجتياح روسيا لأوكرانيا تبدل الموقف تمامًا، وبدأت سياسات جديدة من القوى الكبرى تجاه علاقتها بالآخرين، وبعد (جفاء) وانصراف عن الشرق الأوسط، تبين أن سياسات غربية ضد روسيا وحتى الصين تمر جبرًا بمنطقة الشرق الأوسط وخاصة دول الخليج.

الولايات المتحدة ودول الغرب الصناعي (بما فيها استراليا واليابان) قد قررت أن المعركة في أوكرانيا معركة (كسر عظم) أولًا لردع روسيا عن التمدد إلى الخارج، وثانيًا الإشارة إلى الصين أن أية سياسات عدائية ضد دول جارة (بما فيها تايوان) سوف تواجه بردع قوي قد يصل إلى العسكري، قوي ذلك الاتجاه بعد أن قدم الأوكرانيون الكثير من البسالة والتي لم تكن في حساب لا الروس ولا الغرب. الروس اعتقدوا أنها مجرد (عملية عسكرية) سوف تسقط النظام الأوكراني في أسابيع وتقيم نظامًا تابعًا لها، كما أن الغرب أخرج كل دبلوماسية بمجرد اندلاع الحرب ظنًا أن المعركة قصيرة.

وفرت مقاومة الأوكرانيين الفرصة للغرب بالثأر إن صح التعبير على عدم فهم موسكو لسكوتهم، فقرروا إعانة الأوكران بعد كل يوم وأسبوع ثبات أمام الآلة العسكرية الروسية.

إلا أن الأمر لم ينته هناك فقد أصاب العالم جوعان الأول للطاقة والثاني للغذاء، وتفاقمت المشكلات الحياتية في الدول الغربية، حل أو تحفيف تلك المشكلات في أسعار طاقة (معقولة) ولا يستطيع أن يقدم ذلك الحل إلا دول عربية منتجة للطاقة وعلى رأسها دول الخليج الغنية بهذه المادة.

من هنا جاءت الانعطافات الغربية وخاصة الأمريكية تجاه المنطقة بعد شيء من التجاهل لمشكلاته ليس قليل.

                                                الخلاصة

من هنا فإن الأمر يحتاج إلى الكثير من الصراحة مع الغرب وأمريكا، حيث وقفت دول الخليج في مراحل صعبة مع الغرب، لكن عندما تنتهي تلك المراحل تقدم فلسفات مختلفة لتبرير الانصراف عن المشهد، بل وفي بعض الأوقات التحريض ضد الصديق القديم !!

الاصطفاف العالمي المقبل يحتاج أولًا إلى الوضوح، والتأني والدقة في التعابير المكتوبة، وأيضًا عزمًا صادقًا على التعاون للحفاظ على علاقات متوازنة، منها جاءت المشاورات المكثفة في شرم الشيخ وعمان وحتى أنقره من أجل تحضير المواقف وبلورتها تمهيدًا للقاء القمة المقبل في جدة (المملكة العربية السعودية). المنطقة لم تعد كما كانت في سبعينات القرن الماضي ولا حتى تسعينات القرن الماضي، لقد جرت مياه كثيرة تحت سطح الأحداث، القيادات تغيرت والشعوب أصبح لها طموحات مختلفة وهي الاستقرار و النمو ، دون منقصات ، ومعروف من أين تأتي مجمل المنقصات للإقليم اليوم، وكما كان استرضاء الغرب لروسيا،  ما شجعها على استمرار سياسة التوسع في الجوار وما خلف الجوار ، فإن السكوت عن توسع إيران يشجعها على التمادي و قضم الأراضي العربية تحت شعارات مختلفة لا تتميز كثيرًا عن شعارات بوتن، الأخير تحت ذريعة العرق، و الثانية تحت ذريعة المذهب أو ( حرب الشيطان الأكبر)!!

إن لم توضع تلك الملفات أمام الضيف الأمريكي بكل ذلك الوضوح وسماع رأي يعززه فعل حول المخاوف المشتركة وكيفية التصدي لها، فإن أي تعاون سيكون مغلف بعبارات دبلوماسية في الغالب فارغة من المعاني.

مقالات لنفس الكاتب