array(1) { [0]=> object(stdClass)#13490 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

الدور الإقليمي الجديد لتركيا في منطقة الخليج والشرق الأوسط

الأربعاء، 01 نيسان/أبريل 2009

ظلت السياسة الخارجية التركية على نهج (الالتحاق بقطار الغرب) حتى تسلّم (حزب العدالة والتنمية) مقاليد السلطة، وبدأ الحزب الاهتمام بالتواصل المباشر مع الدول الواقعة في المحيط الإقليمي لتركيا. وكان لهذا التغير مؤشراته العديدة، أهمها الوساطة التي تقوم بها أنقرة بين كل من سوريا وإسرائيل، وتنشيط تركيا لعلاقاتها مع العالم العربي، وإعلان أنقرة عزمها على لعب دور الوساطة بين جارتها الكبيرة إيران، والولايات المتحدة بشأن الملف النووي.

هذا التغير الذي طال السياسة الخارجية التركية كان وراءه متغير أساسي تمثل في تراجع الهاجس الخاص بالأمن الحدودي، حيث شهدت علاقات تركيا مع جيرانها خلال السنوات الخمس الأخيرة تحولات جذرية أدت إلى إزالة الكثير من المخاطر الأمنية على حدودها.

ومن ثم، فقد ساهم توقيع دول مجلس التعاون الخليجي وتركيا على مذكرة تفاهم في سبتمبر الماضي، في إعطاء دفعة قوية للمفاوضات الخليجية – التركية للتوصل إلى إقامة منطقة للتجارة الحرة والتي بدأ الجانبان مفاوضاتها في عام 2005، مما يعطيها دفعة إلى الإمام في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاستثمارية. ومن ثم إيجاد قنوات مفتوحة للتعامل مع الأزمات وإيجاد حلول عملية لها. وتعتبر تحولاً يبعث على التفاؤل في العلاقات الخليجية ـ التركية بالنظر للتطورات المتداخلة والمفعمة بالأزمات التي يواجهها الجانبان على السواء في الجوار المباشر، بما فيها الأوضاع في العراق، والصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، ومعضلة الإرهاب، وبرنامج إيران النووي. كما تعتبر نقلة نوعية في العلاقات، وعلى أهمية الدور الإقليمي لتركيا الذي يتميز بالتوازن والاعتدال.

 أولاً: أسباب التحولات الجديدة في السياسة الخارجية التركية

ترتكز المساعي التركية على دور إقليمي مؤثر في مرتكزات عدة، أهمها الانتماء إلى(الناتو)، كعضو نشط في ذلك الحلف، والتحالف الوثيق مع الولايات المتحدة الأمريكية، والفضاء (الحضاري- الإسلامي)في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى. وتأسست هذه المساعي على المكانة الاستراتيجية بالغة الأهمية لتركيا، التي هي في حقيقة الأمر أشبه بجسر يربط بين خمسة عوالم جغرافية- إثنية: العالم الأوروبي، العالم الروسي، العالم التركوفوني، العالم الإسلامي، والعالم العربي. وفي حال تحولها نحو تطوير دورها الإقليمي فقد تستطيع زيادة فرص التفاعل بين العالم الخارجي والشرق الأوسط، وتكون قنطرة للتواصل بين الغرب والشرق.

تمثل منطقة الشرق الأوسط عمقاً حضارياً واقتصادياً واستراتيجياً لتركيا

وفيهذا السياق، فإن هناك العديد من العوامل التي تقف وراء التغيرات التي طالت السياسة الخارجية التركية تجاه منطقة الشرق الأوسط، ويتمثل أهم هذه العوامل في ما يلي:

1- تفاقم الأزمات في منطقة الشرق الأوسط، ورغبة تركيا في لعب دور في حل هذه الأزمات: من الممكن أن تكون لهذه الأزمات انعكاساتها السلبية على تركيا نفسها، ومن أخطر هذه الأزمات النتائج التي ترتبت على الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، حيث أدى ذلك إلى تفكك هذه الدولة المركزية التي كانت تشكل قاعدة أساسية للتوازن والاستقرار في المنطقة، وحدوث حالة من الفوضى ساعدت علىتنامي نشاط (حزب العمال الكردستاني)في شمال العراق، وتصاعد النزعة الانفصالية لأكراد العراق. ومن بين أخطر هذه الأزمات بالنسبة إلى أنقرة تنامي النزعات العرقية والانفصالية، حيث إن تركيا نموذج للدولة متعددة العرقيات، وهذا التنامي قد يصيب الدولة التركية بعوامل التشقق والتصدع.

2- المصالح الاستراتيجية لتركيا في منطقة الشرق الأوسط: تمثل منطقة الشرق الأوسط عمقاً حضارياً واقتصادياً واستراتيجياً لتركيا، ونشير هنا على سبيل المثال إلى أن الدول العربية تعتبر ثالث شريك تجاري لتركيا بعد الاتحاد الأوروبي ومجموعة (الكومنولث)، كما يمثل العرب ثاني أهم مورد سياحي لتركيا بعد السياحة الأوروبية.

3- تعثر الجهود الخاصة بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، هذا الأمر دفع أنقرة للسعي في سبيل إعادة تموضعها السياسي لتكون لاعباً أساسياً في قضايا الشرق الأوسط، ومد جسور إعادة الثقة بين العرب. وفي هذا الصدد يذهب محللون للقول إن اتجاه تركيا لتفعيل دورها على الساحة الشرق أوسطية هدفه دفع أوروبا إلى تفهم الحقيقة الجغرافية الحضارية لموقع تركيا، ودورها في السياسات الأوروبية المستقبلية، لا أن تكون مجرد دولة هامشية تحس بوطأة هويتها الإسلامية وهي دولة عضو في الاتحاد الأوروبي.

4- التوجهات الخاصة بـ (حزب العدالة والتنمية): شهدت السياسة الخارجية التركية، خاصة منذ وصول (حزب العدالة والتنمية) إلى الحكم، تغيرات عدة في التوجهات والتحركات، إذ باتت تعتمد على تعدد العلاقات وعدم حصرها في محور واحد، الأمر الذي حول تركيا إلى مركز في السياسة الدولية، بعدما كانت تعيش على أطراف حلف (الناتو). فوسط العواصف المندلعة قرب حدودها تحتفظ تركيا بهدوئها وحساباتها الواقعية، وتسعى إلى إبعاد النار عن داخلها، وتحاول لعب دور الإطفائي حيث تستطيع، وتقدم نفسها كقوة استقرار في المنطقة، محاولة توظيف قدرتها على التحدث إلى الجميع.

 ثانياً- معالم التوجه التركي الجديد في الشرق الأوسط

هناك العديد من التحركات التي قامت بها تركيا، خلال الفترة الأخيرة، من أجل تنشيط دورها الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط، وهذه التطورات شكلت معالم بارزة لتوجه تركي جديد تجاه المنطقة. ويتمثل أهم هذه التحركات في ما يلي:

استطاعت تركيا أن تقنع كلاً من سوريا وإسرائيل بإجراء مفاوضات غير مباشرة

1- الوساطة بين سوريا وإسرائيل: استطاعت تركيا أن تقنع كلاً من سوريا وإسرائيل بإجراء مفاوضات غير مباشرة، في وقت تشهد فيه العلاقات الثنائية بين الدولتين توتراً كبيراً. وقد رحبت كل من دمشق وتل أبيب بهذه الوساطة، وأبدت تجاوباً ملموساً معها، وبالفعل انخرط الطرفان بجولات عدة من المحادثات منذ إبريل 2008.

وقد تزامن مع مساعي الوساطة، قيام تركيا بمحاولة تطوير علاقاتها الثنائية مع سوريا التي تمثل قوة مهمة في المنطقة، وهيفي الوقت ذاته جار لتركيا، حيث اتفق الطرفان على بناء خط أنابيب للغاز الطبيعي بطول 62 كيلومتراً يمتد من (حلب)في سوريا، إلى (كيليس)في تركيا. وستشتري تركيا 1.5 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً عبر خط الأنابيب، وفي يونيو 2008، أعلن وزير النفط السوري، سفيان علاو الجمعة، أن تركيا وسوريا تعتزمان إنشاء شركة مشتركة للطاقة، مع إمكان بناء محطات نووية مشتركة لتوليد الطاقة الكهربائية. وبدأت تركيا في الشهر نفسه عملية إزالة الألغام بالمنطقة الحدودية مع سوريا قرب بلدة (نصيبين) المقابلة لمدينة (القامشلي) السورية لفتح بوابة حدودية جديدة بين البلدين. وفي مطلع أغسطس 2008، وقع الطرفان مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون في مجال تبادل المعلومات المالية بجرائم غسل الأموال، وتمويل الإرهاب، والنشاطات الإجرامية المتصلة. وكمؤشر إلى هذا التنامي المكثف في علاقات البلدين، فقد شهدت الفترة الماضية عدداً من الزيارات المتبادلة على أعلى المستويات، كان منها زيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى دمشق في نهاية إبريل 2008، وزيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى أنقرة في أغسطس من العام نفسه.

2- الاتجاه إلى تطوير العلاقات مع إيران: تمثل إيران إحدى القوى الإقليمية الأساسية في منطقة الشرق الأوسط، وتدرك أنقرة هذه الحقيقة المهمة، ومن هنا سعت أنقرة إلى إحداث نقلة في العلاقات المشتركة بينهما، حيث استقبلت تركيا في منتصف أغسطس 2008الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، وخلال هذه الزيارة تم التوقيع على جملة اتفاقيات أكدت أن هذه الزيارة لم تكن شكلية، وإنما كانت بغرض إيجاد شراكة تعاونية بين الطرفين، حيث وقع الطرفان اتفاقيات عدة للتعاون الأمني، وفي مجالات البيئة والنقل والسياحة، والتعاون بين المكتبة الوطنية والأرشيف في البلدين. ومن هنا، فإنه يمكن النظر إلى هذه الزيارة على أنها بداية لتحولات مهمة في العلاقات بين الطرفين في ضوء رغبة إيرانية قوية في تطوير العلاقات مع تركيا. وفي هذا الصدد، يؤكد محللون أن المسعى الإيراني لتطوير العلاقات مع تركيا يقف خلفه عامل رئيسي، يتمثل في إدراك طهران أن تركيا أصبحت طرفاً أو هي في طريقها لتصبح طرفاً في المعادلة الإقليمية، والخيار الاستراتيجي الإيراني بهذا الخصوص هو جعل هذا الدور التركي الإقليمي شريكاً وليس منافساً، لأنه من الصعب أن يبقى محايداً في ظل الملفات المتشابكة والساخنة التي أخذت تفرض نفسها سريعاً على تركيا، منذ أن قررت أن تلقي بنفسها في ساحة الشرق الأوسط. كما تهدف إيران من تطوير علاقاتها مع تركيا إلى الإبقاء على قناة اتصال حيوية مع الأمريكيين عبر تركيا، واتخاذ الأخيرة جسر عبور نحو الغرب الأوروبي، وثانياً، تبدو تركيا حلاً ملائماً لعقدة اتصال أمريكية- أوروبية، وربما إسرائيلية لإيران، ما من شأنه كسر طوق العزلة الذي تفرضه الإدارة الأمريكية على إيران.

هناك مخاوف لدى كل من تركيا وإيران من إقامة دولة كردية مستقلة في شمال العراق

وفيكل الأحوال، هناك جملة من العوامل التي تدفع في سبيل تعميق هذه العلاقات وإيجاد شراكة قوية بين الطرفين، ومنها:

أ- المصالح الاقتصادية المشتركة بين البلدين: ترتبط كل من تركيا وإيران بمصالح ثنائية قوية، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين ثمانية مليارات دولار، ووقع الطرفان اتفاقية بقيمة 22 مليار دولار تمد إيران بموجبها تركيا بالغاز. وفي السياق نفسه، تعتبر إيران أهم سوق للصناعات التركية، كما أنها ثاني مزود للغاز بالنسبة إلى تركيا. إضافة إلى ذلك، فإن هناك اتفاقية مبادئ جاهزة، تتعلق بتطوير حقل (فارس الجنوبي) للغاز في إيران، وتصدير الغاز عبر تركيا إلى أوروبا.

ب- الوضع العراقي وتطوراته في المستقبل: تحظى التطورات الجارية على الساحة العراقية باهتمام خاص من قبل كل من طهران وأنقرة، وكذلك دمشق، بالنظر إلى ما تفرزه هذه التطورات من تأثيرات في دول الجوار وبشكل محدد، فإن لدى تركيا حساسية شديدة إزاء أزمة (كركوك)، بينما لإيران حساسية مماثلة تجاه الاتفاقية الأمنية الأمريكية- العراقية، ولذلك يرى البلدان أنه من الأهمية بمكان التنسيق بشأن مستقبل العراق.

ج- الملف النووي الإيراني: برزت وساطة تركية تحاول الاستفادة من العلاقات التركية الإيجابية مع كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لترجيح الخيار الدبلوماسي في التعامل مع هذا الملف. وفي الواقع، فإن دخول أنقرة على خط الوساطة في أزمة الملف النووي الإيراني يكسب الدور الإقليمي التركي أهمية كبيرة، حيث وصل الحوار بين الغرب وإيران بخصوص هذه الأزمة إلى طريق مسدود، وهنا يأتي الدور التركي فتركيا يمكنها أن تستغل علاقاتها التجارية الجيدة مع جارتها إيران لتدفعها باتجاه الانفتاح على حلول للأزمة. ولا شك في أن تركيا نفسها لا ترغب في حيازة جيرانها السلاح النووي، لكنها في الوقت نفسه تؤيد حق إيران في تطوير برنامج سلمي للطاقة النووية. من هنا فإن الوساطة التركية في هذه الأزمة هدفها في الوقت نفسه تأمين وضع تركيا كقوة إقليمية رئيسية.

د- مواجهة النشاط الانفصالي لـ (حزب العمال الكردستاني) سواء في المناطق الجبلية في شمال العراق أو داخل البلدين: هناك مخاوف لدى كل من تركيا وإيران من إقامة دولة كردية مستقلة في شمال العراق، وهذا الأمر يشكل هاجساً لدى الطرفين وكذلك إقليمياً. وثمة توافق تام بين الطرفين، وكذلك مع سوريا لوأد أية محاولات انفصالية لكردستان العراق، لأن ذلك لو حدث سيشكل خطوة كبيرة في سبيل تحقيق الحلم الكردي بتأسيس دولة (كردستان الكبرى)، التي ستقتطع أجزاء من تركيا وإيران وسوريا.

هـ- التطورات الخاصة بعملية التسوية السياسية للصراع العربي–الإسرائيليوالوضع في لبنان: تكتسب هذه التطورات أهمية خاصة مع الوساطة التي تقوم بها أنقرة بين دمشق وتل أبيب، حيث إن إيران هي طرف أساسي في هذه العملية من خلال علاقاتها الوثيقة مع قوى (الممانعة والرفض)في كل من فلسطين ولبنان.

 3- تنشيط الدور التركي على الساحة العراقية: عملت تركيا على تنشيط دورها وتفعيلهفي العراق، ومن أهم مؤشرات هذا التحرك، الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى العراق في يوليو 2008، في زيارة هي الأولى من نوعها لمسؤول تركي رفيع المستوى منذ احتلال العراق عام 2003، بناءً على دعوة من نظيره العراقي نوري المالكي، حيث وقع الطرفان اتفاقاً لتشكيل مجلس (للتعاون الاستراتيجي) رغم أنه لم يتضح ما إذا كان قد تم الاتفاق على أي إجراءات مشتركة للتصدي لـ (حزب العمال الكردستاني). وقد صرح وزير التجارة التركي قائلاً إن الهدف هو الوصول بحجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 20 مليار دولار، في غضون عامين، مقارنة بأكثر من 305 مليارات دولار في عام 2007، وتجاوزت قيمة العقود التي فازت بها شركات بناء تركية بالعراق في عام 2007 أربعة مليارات دولار.

4- محاولة لعب دور فاعل في لبنان: لقد شكلت أزمة الاستحقاق الرئاسي اللبناني أزمة معقدة، وكانت محور العديد من التفاعلات، وفي ظل سعي تركيا للعب دور جديد في الشرق الأوسط بدا لبنان أحد المداخل المهمة لذلك. ومع تفاقم هذه الأزمة، فقد زار لبنان وزير الخارجية التركي، علي باباجان أكثر من ست مرات، فيما زاره رئيس الوزراء أردوغان أربع مرات.

 الدور التركي في منطقة الخليج

تبدو تركيا من جانبها مهتمة بالعلاقة مع دول الخليج العربية من منطلقات سياسية وأمنية واقتصادية؛ حيث تحتاج إلى الاستثمارات الخليجية في اقتصادها الوطني، وتنظر إلى المنطقة على أنها سوق مهمة للمنتجات التركية، فضلاً عن أنها تستورد 90 في المائة من احتياجاتها النفطية، وتقدم نفسها على أنها مصدر ممكن للمياه إلى منطقة الخليج من خلال مشروع (أنابيب السلام)، الذي طرح بعد عام 1991، ويقضي بتزويد بلدان الجزيرة العربية والخليج بالمياه التركية عبر أنبوب طوله 6500 كم. وقد أسهمت مبادرة اسطنبول للتعاون بين حلف الناتو والشرق الأوسط الكبير، التي انطلقت في عام 2004، وأعطت الأولوية للانضمام إليها لدول مجلس التعاون الخليجي، في تعزيز دور تركيا الأمني في المنطقة باعتبارها عضواً في الحلف.

ويجيء اهتمام تركيا بمنطقة الخليج وحرصها على تطوير العلاقة معها ضمن اهتمامها بتعميق روابطها الشرق أوسطية والإسلامية كجزء من استراتيجية التحرك الخارجي لحزب العدالة والتنمية، الذي يرى أن العمق الإسلامي لتركيا مهم ولا يتعارض مع سعيها إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي أو حتى علاقتها مع إسرائيل. وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلى طلب تركيا الانضمام إلى الجامعة العربية بصفة مراقب، وحضور رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان لفعاليات القمة العربية التي عقدت في مارس 2005.

ومن ثم، اكتسبت، مذكرة التفاهم بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وتركيا، والتي تم توقيعها في جدة في الثاني من سبتمبر الماضي، أهمية كبيرة نظراً لأسباب عدة:

أولاً: تمثل نقلة نوعية في العلاقات الخليجية-التركية، لاسيما أن هذه المذكرة تؤسس لحوار منتظم بين الجانبين، وهذا ما أشار إليه وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر على هامش التوقيع على مذكرة التفاهم بقوله (بموجب آلية الحوار الاستراتيجي بين دول المنطقة وتركيا فإننا نرتئي أن يتم عقد اجتماع وزراء خارجية تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي مرة واحدة في السنة، على أن تنعقد هذه الاجتماعات بشكل دوري في تركيا والدولة التي ترأس القمة الخليجية).

ثانياً: إن التوقيع على هذه المذكرة من شأنه أن يمثل دفعة قوية للحوار الاقتصادي بين الجانبين، والذي بدأ منذ التوقيع في مايو 2005، على اتفاقية إطارية لإقامة منطقة تجارة حرة بين الطرفين، وهو الحوار الذي لا يزال مستمراً ولم يصل إلى نهايته بعد. ولا شك في أن التوصل إلى إقامة منطقة تجارة حرة مشتركة سوف يدفع بالعلاقات الاقتصادية بين الجانبين إلى الأمام بشكل كبير.

ثالثاً: التوقيع على المذكرة جاء في الوقت الذي تتحرك فيه تركيا بقوة تجاه منطقة الشرق الأوسط، ويتعاظم دورها الإقليمي بشكل ملحوظ، ولعل انخراطها بالوساطة بين إسرائيل وسوريا في مفاوضات السلام غير المباشرة، وحضور رئيس وزرائها للقمة العربية التي عقدت في العاصمة السورية دمشق، ودورها في ملف البرنامج النووي الإيراني، وزيارة الرئيس الإيراني نجاد إليها في أغسطس 2008، كلها مؤشرات إلى تعاظم هذا الدور. ويبدو أن تركيا ترى أن الظروف مهيأة من أجل لعب هذا الدور على خلفية القلق الخليجي والعربي من برنامج إيران النووي، وغياب القوة الإقليمية العربية القادرة على ملء الفراغ السياسي في المنطقة.

رابعاً: يتمثل في حقيقة أنه في ظل القلق تجاه برنامج إيران النووي وتدخلاتها في الملفات العربية من العراق إلى فلسطين إلى لبنان، فإن الدول الخليجية تبدو مرحبة بدور تركي يستطيع أن يوازن الدور الإقليمي المتنامي لإيران في الشرق الأوسط، ولعل هذا ما يتضح من زيارات العديد من المسؤولين الخليجيين إلى تركيا خلال السنوات الأخيرة، حيث يتم النظر إلى تركيا، الدولة سنّية المذهب، على المستويين الخليجي والعربي، على أنها يمكن أن تكون موازناً لإيران الشيعية.

لقد حاولت تركيا التحرك تجاه الخليج منذ عام 1991، بحثاً عن دور وموقع في المنطقة، خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وما تلاه من انتهاء دورها في الاستراتيجية الغربية كحائط صد في وجه الزحف الشيوعي على الشرق الأوسط، إلا أنه تم النظر إليها وإلى دورها نظرة شك وريبة، خاصة في ضوء تحالفها الاستراتيجي مع إسرائيل، وقلق القوى العربية الكبرى من أن يكون الدور التركي في المنطقة على حسابها، فضلاً عن أن تركيا حاولت مقايضة المياه بالنفط عبر مشروع (أنابيب السلام). وحينما رأت الولايات المتحدة بعد عام 2003، أن النموذج السياسي التركي يمكن أن يكون نموذجاً مثالياً للتغيير الديمقراطي في المنطقة العربية، أسهمت بشكل غير مباشر في إيجاد نوع من التوجس العربي تجاهها. غير أن التحرك التركي الحالي تجاه دول الخليج يتم في ظروف أفضل، فقد فشل المشروع الأمريكي لدمقرطة المنطقة، وبالتالي لم يعد النموذج السياسي التركي مطروحاً على دول المنطقة، كما أن دول الخليج تطلب الدور التركي في المنطقة وتلح عليه في إطار سعيها إلى حليف إقليمي قوي في مواجهة إيران، خاصة في ظل المشكلات التي يواجهها العراق، وانكفاء مصر على نفسها، وانشغال باكستان (السنّية) بمشكلاتها الداخلية الخانقة، بالإضافة إلى ذلك تنخرط أنقرة بوساطة بين سوريا وإسرائيل، وهذا يخفف من القلق الخليجي تجاه علاقاتها مع تل أبيب والذي كان سبباً في تعثر التقارب بين الطرفين في الماضي.

 

مجلة آراء حول الخليج