array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

مسألة الجزر الإماراتية الثلاث: طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى

الإثنين، 01 أيلول/سبتمبر 2008

تتسبب النزاعات على الأراضي عبر التاريخ بتأجيج التوترات بين الأمم. ومن بين هذه النزاعات النزاع بين دولة الإمارات العربية المتحدة وإيران على جزر ثلاث صغيرة ذات أهمية استراتيجية في الخليج العربي، هي طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى، والتي لا تزال تحتلها إيران منذ جلاء الاحتلال البريطاني عن الخليج عام 1971، وترفض الجلاء عنها أو التفاوض بشأنها، وتدعي أنها تابعة لها.

يعتبر هذا النزاع من أقدم الأزمات في مسار العلاقات الإماراتية – الإيرانية. وبسبب الموقع الاستراتيجي للجزر في مضيق هرمز والتهديدات الواسعة الناجمة عن احتلال إيران لها، فإن أمن واستقرار منطقة الخليج سيظل أمراً هشاً في غياب تسوية فاعلة لهذا النزاع، وسيظل أيضاً الأمل في التوصل إلى بنية أمنية دائمة أمراً بعيد المنال.

وتدعو دولة الإمارات إلى تسوية هذا النزاع بالطرق السلمية من خلال التفاوض أو وساطة إقليمية أو تحكيم دولي، إلا أن إيران لا تزال ترفض أية تسوية، وتستند دولة الإمارات في مطالبتها بالجزر إلى مبادئ القانون الدولي التي يتم بموجبها اكتساب السيادة الإقليمية والمطالبة بها والمتمثلة في، مبدأ التقادم أو الحق القائم على الحيازة المتواصلة والسلمية، ومبدأ الترسيخ التاريخي لحق الملكية، حيث تعود ملكية هذه الجزر الثلاث تاريخياً إلى قبيلة القواسم الذين كانوا ومازالوا يحكمون إمارتي رأس الخيمة والشارقة كما تثبت الوثائق التاريخية لما يقرب من ثلاثمائة عام.

1- الموقع والمساحة:

تقع جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى  وأبو موسى في الخليج العربي بين الساحل المتصالح وجزيرة قشم الإيرانية، حيث تقع جزيرة طنب الكبرى إلى الجنوب الغربي من جزيرة قشم الإيرانية، وعلى بعد (46) ميلاً إلى الشمال شرق أقرب نقطة من الساحل العربي، بينما تقع جزيرة طنب الصغرى على مسافة ثمانية أميال غرب جزيرة طنب الكبرى. ويبلغ قطر جزيرة طنب الكبرى حوالي (2.5) ميل. ويسكن الجزيرة عدد قليل من العرب والإيرانيين ولا تتوفر فيها مياه للشرب إلا بكميات قليلة، وتتوفر في جزيرتي طنب الكبرى والصغرى خامات غنية من الأوكسيد الأحمر. وتعود ملكية الجزيرتين طنب الكبرى والصغرى لرأس الخيمة منذ انفصالها كإمارة مستقلة عن الشارقة في عام 1921، أما جزيرة أبو موسى فإنها أكبر مساحة من جزيرتي طنب، كما أن عدد سكانها أكثر وتقع على بعد (38) ميلاً شمال غربي الشارقة، وتبلغ مساحة الجزيرة ما يقارب ثلاثة أميال مربعة، أحد مصادرها الأوكسيد الأحمر، وهذه الجزيرة مياهها عذبة وفيها أشجار نخيل.

2- لمحة تاريخية للنزاع على الجزر الثلاث:

كانت ملكية الجزر موضع نزاع، ففي تصريحاتها العامة وفي أوراق مذكراتها الرسمية، أكدت بريطانيا أن الجزر عربية. وكما كشفت أوراق الوضع الداخلي، كان الموقف البريطاني كما يلي: كانت الجزر لا تزال تحت السيطرة العربية قبل عام 1820، وهو أول عام تتدخل فيه بريطانيا في المنطقة جدياً، وكان هناك العديد من الإشارات قبل عام 1888 تدل على مساندة بريطانيا للحق العربي في الجزر، على الرغم من ادعاء إيران بأن الشيخ القاسمي شيخ لنجة كان يدير جزيرتي طنب بصفته موظفاً فارسياً في ثمانينات القرن التاسع عشر فقد واجه البريطانيون هذا الادعاء بأنه لا يحمل دليلاً على ذلك، أو أن مواطني الجزيرة كانوا يدفعون ضرائب إلى إيران في ذلك الوقت. كما ادعت إيران أيضاً أن المكتب الحربي أصدر خريطة في عام 1888 تشير إلى أن الجزر تستخدم اللون نفسه الذي يستخدم لتمثيل فارس. واعترف البريطانيون بأن هذا الادعاء الفارسي (خطأ لا أساس له من الصحة). فعندما ظهرت خريطة المكتب الحربي، كانت بريطانيا في ذلك الوقت تساند الادعاءات العربية، كما أن الخرائط الأخرى لم تساند الادعاء الفارسي. وألمحت إيران إلى تبادل للوثائق وافقت فيها على عدم رفع أعلام على الجزر؛ وادعت بريطانيا أن مثل هذا التبادل لم يحدث أبداً. وبالفعل لم تقدم إيران أيّاً من الوثائق التي ادعتهاوالتي يمكن أن تشكل قضية.

3- قضية الجزر ما بعد استقلال دولة الإمارات ديسمبر 1971:

بعد استقلال دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1971، وهي إحدى الدول الأعضاء المؤسسة في مجلس التعاون الخليجي، واجهت منذ مولدها مشكلة رئيسية، ففي 30 نوفمبر عام 1971 في عشية الانسحاب البريطاني من المشيخات احتلت إيران ثلاث جزر هي جزيرة أبوموسى التابعة للشارقة وجزيرتا طنب الكبرى وطنب الصغرى تتبعان لإمارة رأس الخيمة.

ويرى كثير من الباحثين أنه كان هناك تواطؤ من بريطانيا في هذه المسألة بإبرام اتفاق ضمني بين إيران وبريطانيا لمقايضة البحرين بالجزر، حيث كانت بريطانيا تعارض إيران بمطالبتها بالبحرين.

ففي بداية عام 1970 وبينما كانت البحرين تسير نحو الاستقلال ظهر موضوع النزاع حول الجزر أثناء المفاوضات الجارية بين بريطانيا وإيران. وكان واضحاً أن هناك خلافاً في الرأي بين إيران والبلاد العربية وبريطانيا حول هذه القضية. وقد تبنت بريطانيا وجهة النظر الإيرانية عندما أظهر مندوب إيران استعداد بلاده للعدول عن المطالبة بالبحرين في مقابل سيطرة إيران على جزر أبوموسى وطنب الكبرى والصغرى. وأكد الشاه أهمية موقع الجزر الاستراتيجي عند مدخل الخليج. وأبدى قلقه من احتمال سيطرة عناصر انقلابية عليها، وتأثير ذلك في تدفق نقل البترول واستقرار المنطقة. وبما أن إيران أظهرت تسامحاً في قضية البحرين؛ فإن على العرب في المقابل أن يتخلوا عن تشددهم وموقفهم بشأن هذه الجزر. وكان الشاه يطمع في أن تضغط بريطانيا على العرب حتى يقبلوا بهذا الحل الإيراني.

وفي شهر إبريل من عام 1970، أبدى الشاه رغبة منه في إعطاء القضية الإيرانية دفعة قوية، وذلك بتقديم مساعدات اقتصادية لإمارتي الشارقة ورأس الخيمة بشرط الوصول إلى تسوية حول الجزر. وفي الوقت نفسه اتبع موقفاً متشدداً مع بقية الإمارات. وفي مايو عام 1970 هددت إيران باستخدام القوة ضد شركة (Occidental) لبترول الشارقة إذا لم توقف هذه الشركة عملياتها في مياه جزيرة أبوموسى. وفي أكتوبر من العام نفسه أكدت إيران مرة أخرى معارضتها لقيام الاتحاد ما لم تتم تسوية قضية الجزر، وأخيراً في فبراير من عام 1971 أعلن الشاه رداً على رفض العرب إجراء مفاوضات بشأن الجزر أن بلاده سوف تلجأ إلى القوة عند الضرورة للاستيلاء على الجزر. وجاء في الكتاب السنوي الأخضر عن وزارة الخارجية في طهران ما يلي (ما لم تعد الجزر الثلاث إلى إيران فإن الحكومة الإيرانية لن توافق على قيام الاتحاد الفيدرالي للإمارات العربية في الخليج بل إنها ستعمل ضده)، وتبع ذلك حملات صحفية إيرانية لتعبئة الرأي العام الإيراني وإثارة المشاعر حول هذه القضية، وذلك لصرف أنظار الرأي العام في بلاده عن أصول حكمه المستبد.

وكانت بريطانيا تحاول أن تستخدم نفوذها للضغط على الشيوخ العرب في ذلك الوقت لقبول الحل الإيراني في هذا الصدد بحجة أن إيران تسامحت في قضية البحرين.

ومن ناحية أخرى نظرت البلاد العربية والإمارات إلى قضية استقلال البحرين على أنه حق تقرير مصير، وليس صفقة تجارية، وأنه لا رابط بين قضية البحرين وقضية جزر طنب الكبري والصغرى وأبو موسى في سير المباحثات مع إيران. لذا رأت الدول العربية والإمارات أن تلجأ إلى التحكيم الدولي، وأصرت الإمارات على نيل حقوقها كاملة في الجزر. وقد ظهر هذا الاتجاه واضحاً في صحافتها خاصة صحيفة (الشروق) وفي مقالات جريدة (الخليج) اليومية، وهما صحيفتان كانتا تصدران في الشارقة. وفي 30 نوفمبر عام 1971 ـ وهو آخر أيام الحماية البريطانية على الخليج ـ نزلت القوات الإيرانية إلى جزيرة أبو موسى واحتلت نصفها، وفي الوقت نفسه هوجمت جزيرتا طنب الصغرى وطنب الكبرى وتم الاستيلاء عليهما بالقوة. وفي أعقاب ذلك شجبت معظم الدول العربية التحرك الإيراني، حيث قطع العراق مباشرة علاقاته الدبلوماسية مع إيران، كما قطع علاقاته الدبلوماسية مع بريطانيا متهماً إياها بالاتفاق مع إيران لاحتلال الجزر لأن البريطانيين بشكل قانوني مسؤولون عن حماية المشيخات في ذلك الوقت. واتسم رد الفعل لدى أهالي الإمارات بالغضب وخاصة أهالي رأس الخيمة والشارقة، وهوجمت الممتلكات الإيرانية في المدن الكبرى بالإمارات؛ إذ راح الشباب يرمون الحجارة على أهداف إيرانية من بنوك ومؤسسات أخرى. وفي أول بيان صدر عن المجلس الأعلى لدولة الإمارات العربية المتحدة بعد يومين من قيام الدولة عبّر الحكام عن غضبهم وأسفهم الشديد تجاه أسلوب العنف والقوة الذي استخدمته إيران لاحتلال الجزر، وأرسل حاكم رأس الخيمة احتجاجاً عن طريق العراق إلى مجلس الأمن.

وفي 9 ديسمبر أعلن مندوب دولة الإمارات في مجلس الأمن احتجاج بلاده إزاء الاحتلال الإيراني للجزر. وبعد انتهاء مناقشة مجلس الأمن لهذه القضية، أقر المجلس في النهاية تأجيل البت في القضية مؤقتاً، والسماح لطرف ثالث بالتدخل للتوسط في الأمر بغية الوصول عن طريق الدبلوماسية الهادئة إلى تسوية ترضي الأطراف المتنازعة.

ومع أن إيران أعلنت في 9 ديسمبر اعترافها رسمياً بدولة الإمارات العربية المتحدة، إلا أن احتلالها للجزر في الأيام الأولى من قيام الاتحاد خلق أمام هذه الدولة الناشئة موقفاً خطيراً، وظلت دولة الإمارات على موقفها الصريح، وإصرارها على حقوقها الكاملة في هذه الجزر، وأيدتها في ذلك كافة البلدان العربية، وتقدمت الدول العربية في 18 يوليو عام 1972 بمبادرة إلى رئيس مجلس الأمن تؤكد فيها عروبة الجزر، وأنها تمثل جزءاً من دولة الإمارات العربية المتحدة وبالتالي هي جزء من الوطن العربي.

4- قضية الجزر بعد رحيل شاه إيران 1979:

بعد رحيل الشاه محمد رضا بهلوي، ونجاح الثورة الإسلامية في إيران في فبراير 1979 كان من المعتقد أن تتغير خطوط السياسة الخارجية الإيرانية. وقد توقع البعض عهداً جديداً من العلاقات بين إيران وجاراتها من الدول العربية في الخليج.

أما في ما يتعلق بمسألة الجزر التي احتلتها إيران قبيل قيام دولة الإمارات في عام 1971، فقد كان هناك اعتقاد كبير في الأوساط الإماراتية بأن الظروف قد تهيأت لإعادة النظر في هذه المسألة، وخاصة بعد توارد أخبار على لسان مسؤولين إيرانيين بأن الاتجاه السائد حالياً لدى الحكومة الإيرانية هو إسقاط نظرية التوسع التي كان ينتهجها حكم الشاه، وأن الحكومة الإيرانية سوف تجري في أقرب فرصة مراجعة شاملة لكل الإجراءات والاتفاقيات التي تمت في العهد السابق، ومن بينها احتلال إيران لجزر طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى.

ثم جاءت الزيارة المفاجئة التي قام بها آية الله خلخالي رئيس المحاكم الثورية في طهران إلى دولة الإمارات في 28- 29 مايو 1979 ومقابلته للمسؤولين في الدولة. وقد أكد آية الله خلخالي في تصريحاته أن الخليج ليس عربياً ولا فارسياً بل هو الخليج الإسلامي وذلك عندما عاد خلخالي إلى طهران صدرت عن إدارة مهدي بزرجان تصريحات رسمية أن آية الله خلخالي رجل غير مسؤول في الدولة وبياناته أثناء جولته في دول الخليج لا تمثل وجهة نظر الحكومة الإيرانية. وأعقب هذا التصريح بيان آخر من وزير الشؤون الخارجية الإيراني عبد الكريم سنجابي الذي قال إن مسألة انسحاب الإيرانيين من الجزر الثلاث المتنازع عليها التي تسيطر على مدخل الخليج ليست موضوع مناقشة، وأن الجزر جزء من التراب الإيراني. وكذلك أكد الدكتور أبو الحسن بني صدر في حديث (لمجلة النهار العربي والدولي) في 23 مارس 1980 أن إيران لن تعيد جزر طنب الصغرى والكبرى وأبو موسى ما دامت الولايات المتحدة تعزز وجودها في منطقة الخليج. بل أكثر من ذلك فقد كانت بعض التصريحات تتعالى وتتشدد في اتجاهاتها القومية، وتؤكد تبعية هذه الجزر لإيران، فقد طالب البعض بإعادة استفتاء أهل البحرين، حيث إن موافقة المجلس النيابي الإيراني السابق على استقلال البحرين أمر لا تقره الثورة الإسلامية.

وأشير ثانية إلى مسألة الجزر في هيئة الأمم المتحدة في خريف عام 1980 لكن دولة الإمارات لم تتابع المسألة بشكل كافٍ وبحرارة لأنها لم ترد أن تتورط في الحرب بين إيران والعراق.

5- قضية الجزر بعد حرب الخليج الثانية 1991:

بعد حرب الخليج الثانية 1991، حاولت دولة الإمارات تحسين علاقاتها مع إيران، لكن الأخيرة قامت بالاستيلاء على جزيرة أبو موسى بالكامل عام 1992 بعد أن كانت تتشارك والشارقة في إدارتها منذ عام 1971. ففي إبريل 1992، رفضت إيران دخول مجموعة من المقيمين غير الإماراتيين، وتحديداً العمال الهنود والباكستانيين والفلبينيين والمدرسين المصريين، كما أنها استولت على محطة لتحلية المياه ومدرسة تابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة. وقال وزير الخارجية الإيراني الأسبق علي أكبر ولايتي، في أثناء زيارة قام بها إلى دولة الكويت في 19 إبريل 1992 إن إيران ما زالت تعترف بصلاحية مذكرة التفاهم لعام 1971 بشأن جزيرة أبوموسى. غير أنه ادعى، ودون وجه حق، أن تلك المذكرة لم تسمح بوجود الأجانب على الجزيرة. كما بدأت إيران تدعي بأنها لم تتلق حصة عادلة من عوائد إنتاج النفط البحري الخاص بالجزيرة. وعندما ندد وزير خارجية دولة الإمارات بالإجراءات الإيرانية معتبراً إياها انتهاكاً لمذكرة التفاهم، عدلت إيران عن موقفها وسمحت لهذه المجموعة من غير مواطني دولة الإمارات بالدخول. وخلال أشهر تصاعد الموقف أكثر. ففي 24 أغسطس 1992 رفضت إيران دخول (104) من المقيمين في جزيرة أبوموسى، بما في ذلك الحاكم المعين من قبل الشارقة في الجزيرة ومواطنون من دولة الإمارات، وفلسطينيون وسوريون ومصريون وأردنيون. وكان العديد من هؤلاء مدرسين عائدين من إجازة الصيف. ولم تسمح السلطات الإيرانية للركاب بالنزول في الجزيرة مهددة بإغراق السفينة التي تقلهم إذا لم تعد إلى الشارقة مباشرة. وكان ذلك أخطر انتهاك لمذكرة التفاهم حتى ذلك الوقت، وهو الأمر الذي نددت به دولة الإمارات بشدة في سبتمبر 1992. وفي حين تراجعت إيران عن موقفها إلى حد ما وسمحت لعشرين من مواطني دولة الإمارات من الشارقة والحاكم المعين من قبل الإمارة نفسها بالنزول في الجزيرة في 3 سبتمبر 1992 فإن الآخرين لم يسمح لهم بالعودة إلى الجزيرة.

وفي الوقت الذي تبنت في دولة الإمارات سياسة حازمة لتأكيد حقوقها مع متابعة مساعيها للتوصل إلى تسوية سلمية للنزاع مع إيران، تلقت الدولة دعماً إقليمياً بعد ذلك، ففي سبتمبر 1992، أصدر وزراء خارجية دول إعلان دمشق (دول مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى مصر وسوريا)، ووزراء خارجية جامعة الدول العربية، بيانات منددة بالاحتلال الإيراني للجزر الثلاث، معبرين عن دعمهم لحق دولة الإمارات في الجزر. وقد تكرر الأمر نفسه في الأعوام التالية.

وفي 27 - 28 / سبتمبر 1992، عقدت دولة الإمارات وإيران جولة أولى من المفاوضات الثنائية بشأن الجزر في أبوظبي. وفضلت دولة الإمارات جدول أعمال يتضمن مناقشة شاملة لقضية الجزر الثلاث، فقد سعت دولة الإمارات إلى إنهاء الاحتلال العسكري الإيراني لجزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى، وإعادة تأكيد التزام إيران بمذكرة التفاهم الموقعة بشأن جزيرة أبوموسى، وعدم تدخل إيران في ممارسة دولة الإمارات لسيادتها وسلطتها في منطقتها من جزيرة أبوموسى، وإلغاء كافة الترتيبات والتعهدات التي تؤثر سلبياً في مواطني ومقيمي دولة الإمارات والمؤسسات الحكومية للدولة في جزيرة أبوموسى، والبحث عن إطار مقبول لتسوية حاسمة لقضية السيادة على جزيرة أبوموسى. غير أن إيران لم ترد مناقشة أية قضية سوى وضع مذكرة التفاهم في ما يخص جزيرة أبو موسى. كما رفضت النظر في وضع جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى أو إحالة قضية الجزر إلى محكمة العدل الدولية. لذا انهارت المحادثات من دون التوصل إلى اتفاق بشأن جدول الأعمال.

وفي 30 سبتمبر 1992، أي بعد يومين، وفي خطاب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، اعتبر راشد عبدالله النعيمي (الذي كان حينئذ وزير الدولة للشؤون الخارجية بدولة الإمارات) أن الإجراءات والترتيبات التي اتخذتها إيران في الجزيرة غير قانونية، وتعد هذه الإجراءات خرقاً لمذكرة التفاهم الموقعة في عام 1971. كما اعتبر أن مذكرة التفاهم نفسها وقعت بالإكراه مما يجعلها وفقاً للقانون الدولي ملغاة.

ورداً على البيان الصادر عن القمة السنوية لدول مجلس التعاون الخليجي، المندد بالإجراءات الإيرانية والدعم لحق الإمارات في قضية الجزر، نقلت وسائل الإعلام الإيرانية عن الرئيس رفسنجاني رده على موقف المجلس بالقول إن على دول الخليج العربية أن تعبر (بحر دماء) إذا ما أرادت أن تصل حقاً إلى الجزر. وفي الشهر نفسه نشرت إيران قوات إضافية من الحرس الثوري الإيراني في الجزر، وأعلنت أنها مستعدة للدفاع عن الجزر في وجه أي هجوم.

وفي شهر مايو 1997 ساند مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية جهود دولة الإمارات التي تدعو إيران إلى حل النزاع بينهما عن طريق المفاوضات الثنائية أو عن طريق محكمة العدل الدولية. والتزمت دولة الإمارات بمبدأ الحل السلمي، وحاولت الدبلوماسية الإماراتية تأكيد أنه لا حل لأزمة الجزر سوى الحل السلمي، لذلك لم تلجأ الإمارات إلى مناصبة إيران العداء أو افتعال المعارك في أي مرحلة من مراحل هذا الخلاف الحدودي. وفي العيد الوطني الثاني والعشرين لدولة الإمارات، طرح المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مبادرة دعا فيها إلى إجراء حوار مباشر مع إيران وقال (إننا ننادي بضرورة اللجوء إلى الحوار والالتزام بالطرق السلمية من أجل انتهاء هذا الاحتلال، وعودة الجزر الثلاث لسيادة دولة الإمارات العربية المتحدة تمشياً مع القوانين والأعراف الدولية، ومبادئ حسن الجوار، والاحترام المتبادل بين الدول). وإزاء استمرار إيران في تجاهلها لنداءات ودعوات دولة  الإمارات السلمية لحل القضية قرر وزراء خارجية دول مجلس التعاون في 3 يوليو عام 1999 تشكيل لجنة ثلاثية تضم كلاً من المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان ودولة قطر لوضع آلية لبدء مفاوضات جادة بين دولة الإمارات وإيران بما يكفل التوصل إلى تسوية سلمية لقضية الجزر المحتلة. كما قررت قمة الرياض التي عقدت في نوفمبر 1999، وكذلك القمة التشاورية التي عقدت في مسقط في 29 إبريل 2000، تكليف اللجنة الثلاثية بالاستمرار في عملها على أن تقدم تقريراً شاملاً عن نتائج اتصالاتها إلى قمة المنامة التي عقدت في 30 – 31 ديسمبر 2000، وفي تقريرها الذي قدمته إلى القمة، أعلنت اللجنة عن فشلها في التوصل إلى تفاهم مع الجانب الإيراني. ومع ذلك ظلت دولة الإمارات متمسكة بالحل السلمي للقضية ومواصلة الحوار. كما أكدت القمة الخليجية الثانية والعشرون التي عقدت في مسقط 30- 31 ديسمبر 2001 حق الإمارات في الجزر. وكذلك أن تسفر الآمال والزيارات التي قام بها عدد من المسؤولين بين البلدين ومنها زيارة سمو الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان إلى طهران في 23 يوليو 2001 وزيارة المبعوث الإيراني محمد علي ابطحي إلى أبوظبي في 6 أغسطس 2001، عن حل سلمي لهذا النزاع. ودعت الإمارات في كلمة مندوبها في الجمعية العامة للأمم المتحدة في 5 أكتوبر 2001 إيران إلى إيجاد حل سلمي لقضية الجزر الإماراتية المحتلة، إما بواسطة المفاوضات المباشرة أو إحالة هذا النزاع إلى محكمة العدل الدولية استناداً إلى مبادئ ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي. وظلت دولة الإمارات على موقفها من حل قضية الجزر بالطرق السلمية وذلك من خلال تصريحات المسؤولين، ومن خلال موقفها في الأمم المتحدة والجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي.

6- التطورات الجديدة لقضية الجزر: 

لقد برزت قضية الجزر الإماراتية مجدداً على السطح بقوة على ضوء حدثين مهمين: الأول يتمثل في اجتماع الاتحاد البرلماني العربي في إربيل بالعراق في شهر مارس 2008م، حيث تحفظ نواب شيعة من الوفد البرلماني العراقي في الاجتماع على بند في البيان الختامي طالب إيران بالجلاء عن الجزر. وعلى الرغم من أن الوفد البرلماني الإماراتي نجح في تمرير هذا البند بدعم من الوفود البرلمانية الأخرى، فإن موقف الوفد العراقي كان لافتاً وخطيراً في الوقت نفسه لأنه لأول مرة يرفض طرف عربي تأييد موقف دولة الإمارات بشأن الجزر، ولعل هذا هو الذي دعا وزارة الخارجية العراقية إلى إصدار بيان مؤخراً أكدت فيه مساندتها للإمارات في حقها في جزرها المحتلة، (وذلك ما أعلنه سمو الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء) ومن ثم استدعاء الخارجية الإيرانية للسفير العراقي في طهران للاحتجاج على هذا الموقف. أضف إلى ذلك إبلاغ إيران للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، في رسالة وزعت كوثيقة رسمية أنها ترفض رفضاً قاطعاً ادعاءات دولة الإمارات (التي لا أساس لها من الصحة)، بخصوص الجزر الإيرانية أبوموسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى، وتكرر أن هذه الجزر هي أجزاء أبدية لا تتجزأ من الأراضي الإيرانية. وجاءت الرسالة الإيرانية رداً على رسالتين من المراقب الدائم لجامعة الدول العربية لدى الأمم المتحدة السفير يحيى المحمصاني، وملحقيهما اللذين تضمنا القرار الذي اتخذه مجلس جامعة الدول العربية في شأن احتلال إيران للجزر العربية الثلاث، في اجتماعه الوزاري الأخير الذي دعا فيه إيران إلى القبول بحل النزاع من خلال المفاوضات المباشرة الجادة أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية، وأكد التزام كل الدول العربية بتأكيد ضرورة إنهاء احتلال إيران للجزر الثلاث، انطلاقاً من كونها أراضي عربية محتلة تابعة لدولة الإمارات العربية وتقع في الخليج العربي.

الحدث الثاني هو إعلان مصر خلال زيارة وفد برلماني إماراتي إليها برئاسة رئيس المجلس الوطني الاتحادي عبدالعزيز الغرير أنها تربط أي حوار مع إيران بحل قضية الجزر المحتلة، وتأكيد الرئيس المصري حسني مبارك على دعم القاهرة لدولة الإمارات في مطالبتها بجزرها المحتلة. 

الخلاصة: النزاعات الإقليمية غالباً ما تؤججها عوامل ثلاثة: 1- المطالبة بحق تاريخي بالملكية تنتج عنها (المطالبة بطريقة سلمية أو عسكرية) 2- الموقع الاستراتيجي للمنطقة المتنازع عليها 3- وجود ثروات طبيعية في المنطقة المتنازع عليها.

وتنظر دولة الإمارات إلى قضية الجزر من منظار المطالبة بحق تاريخي باتباع وسائل سلمية، بينما الرؤية الإيرانية تتمثل بالأهمية الاستراتيجية للجزر كذلك للثروات الطبيعية؛ النفط في جزيرة أبو موسى، كما تتوفر في جزيرتي طنب الكبرى والصغرى خامات غنية من الأوكسيد الأحمر. وتستخدم إيران في هذه المسألة (استعراض القوة)، ورفض الحلول الدبلوماسية. كما تلعب موازين القوى في مواقف الطرفين: (الإماراتي والإيراني) دوراً في السلوك السياسي تجاه هذه المسألة.

وبسبب الموقع الاستراتيجي للجزر في مضيق هرمز والتهديدات الواسعة الناجمة عن احتلال إيران لها، واستعراض قوتها العسكرية فيها فإنها تهدد أمن واستقرار منطقة الخليج العربي. ولذلك يجب العمل على كافة المستويات الخليجية والعربية والدولية لإيجاد تسوية لهذه المسألة. فالمنطقة برمتها تعيش على صفيح ساخن.  

مجلة آراء حول الخليج