array(1) { [0]=> object(stdClass)#13490 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 98

الدور التركي في الأزمة السورية

السبت، 01 آب/أغسطس 2015

بعد أربع سنوات وأربعة أشهر من اندلاع الثورة السورية يقف العالم شبه متفرج على ما يجري في سوريا، أكثر منه فاعلاً من أجل إنجاح الثورة وتحقيق أهدافها، أو من أجل القضاء على الثورة وتثبيت حكم أسرة الأسد إلى سنوات أو عقود قادمة، بينما الذي ينبغي عمله هو إنهاء المأساة الإنسانية فيها، فهناك أكثر من أربعة ملايين لاجئ خارج حدود سوريا وبالأخص في تركيا، وهناك أكثر من ستة ملايين لاجئ داخل سوريا، حيث لا يستطيعون البقاء في بيوتهم خوفاً من التصفية الطائفية أو القومية، أو لمجرد وقوفهم على الحياد وعدم اصطفافهم مع أحد الأطراف، فضلاً عن مئات الألوف من السوريين في المعتقلات الأمنية والسياسية، وأما حصاد الأربع سنوات وأربعة أشهر من القتلى والجرحى والمعوقين والمفقودين فحدث ولا حرج، فهي نتائج حرب عالمية تقدر بالملايين، تعجز مؤسسات المجتمع الدولي ذات الشأن أن تحصيها، أو أن تقترب من الأرقام الحقيقية، لعدم قدرتها على الوصول إلى المتضررين أو أقاربهم داخل سوريا.
ولا شك أن دول الجوار السوري هي أكثر الدول المتأثرة بهذه الأزمة الإنسانية والسياسية، مثل تركيا ولبنان والأردن، فالغالبية العظمى من اللاجئين السوريين هي في هذه الدول الثلاث، ففي تركيا حوالي مليوني لاجئ سوري، بينما يوجد في الأردن ولبنان قرابة مليونين أو أكثر قليلاً مع تغير في الأرقام بين فترة وأخرى، وكان ظن هذه الدول أن اللجوء إليها من الفارين من بطش النظام السوري في العام الأول قد لا يزيد عن عدد من الأشهر أو لعام واحد، لأن معطيات الأحداث وانتصارات الثورة في العام الأول كانت واضحة ومؤشراً على أن حال الرئيس السوري بشار الأسد لن يكون أحسن حالاً من الرؤساء العرب الآخرين الذين أسقطتهم ثورات الربيع العربي التي انطلقت كلها في عام 2011 قبل الثورة السورية بأشهر معدودة.
هذا التفاؤل كان محقاً في أجواء عارمة من الحماس في الثورة على الأنظمة المستبدة والفاسدة، والتي صبر عليها الشعب كثيراً، فقد صبر الشعب السوري أكثر من أربعين عاماً على تسلط أسرة الأسد وظلمها، والتي استخدمت كل الخدع السياسية لإسكات الشعب السوري عن ظلمها باسم البعث والاشتراكية والمقاومة والتحضير لمعركة استعادة الجولان، ولذلك انتهز الشعب السوري ثورات الربيع العربي لتجديد ثوراته السابقة في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، ولكنه وبعد أن وجد فرصته التاريخية قريبة في إسقاط أسرة الأسد من الحكم مع نهاية عام 2012، إذ بمعادلة الثورة السورية وانتصاراتها تنقلب رأساً على عقب، وتأخذ مجريات الثورة العسكرية تدخل منحاً مختلفاً عن منحى الثورة الشعبية الهادفة لإقامة دولة مدنية حديثة تؤمن بوحدة الشعب السوري ومساواته في الحقوق والواجبات، من كافة فئاته المذهبية والاثنية والقومية وغيرها.
إن التغيير الأساسي الذي حصل مع بداية عام 2013 هو أن أمريكا التي أعلنت مراراً أن بشار الأسد قد فقد مكانته كرئيس لسوريا بعد المجازر التي قام بها، وهي أي أمريكا التي أشعرت المعارضة وقوى الثورة السورية بدعمها وطالبت الدول العربية ونسقت معها ومع تركيا لتقديم الدعم السياسي والمالي والإنساني والعسكري لحماية نفسها من بطش شبيحة الأسد وميليشياته الطائفية، إذ بها أي أمريكا تعمل ضد مسار نجاح الثورة السورية، وتغض النظر أو تأذن لإيران بإرسال كتائب حرسها الثوري الإيراني وميليشيات "حزب الله" اللبناني والمتطوعين العراقيين إلى القتال في سوريا إلى جانب كتائب الأسد وتحارب بكل قوة وقسوة ضد الشعب السوري وثورته، فأخذت هذه المليشيات الطائفية تعمل على استعادة المدن والقرى التي خسرها جيش الأسد، بل وتنتهك حرمات الشعب السوري أكثر مما كانت تفعله شبيحة الأسد من قبل، هذا التدخل الإيراني السافر والعدواني غير المعادلة العسكرية، ولكنه لم يستطع أن ينجح في القضاء على الثورة السورية، لأن الدعم الإيراني وقع في فخ الاستنزاف الذي أرادته أمريكا لمحور إيران في سوريا بحسب تصريحات السناتور الأمريكي الجمهوري جون ماكين في ذلك الوقت، وحرب الاستنزاف لمحور إيران لم تتوقف بعد ولكنها في نهايتها بعد إدراك روسيا وإيران بأن التخلي عن الأسد أقل الأضرار على سياستهما الضالة في سوريا، فلا يمكن هزيمة شعب يملك الإرادة والحق والشجاعة في التغيير مهما تم تشويه ثورته باسم الطائفية أو الإرهاب أو الأصولية أو الجماعات التكفيرية أو غيرها من التهم التي أبدع الإعلام الإيراني في اختلاقها كذباً وزوراً وبهتانا.

سوريا ما بعد بشار الأسد:
أثناء كل هذه المعاناة كان المجتمع الدولي وبالأخص أمريكا تخادع الشعب السوري وتخادع تركيا والدول العربية الداعمة للشعب السوري، ومن الأدلة على الخداع الأمريكي أن أمريكا منذ أن تدخلت في الأزمة السورية لم تقبل بقيادة المجلس الوطني السوري الذي أنشأته قوى الشعب السوري في الداخل والخارج ليكون ممثلاً سياسياً للثورة السورية ومخاطبة العالم بمطالبها وحقوقها السياسية، وكان برئاسة الدكتور برهان غليون، ولكن أمريكا وبحجة أن المجلس ضعيف الصلة بالكتائب الثورية داخل سوريا سعت لتحجيم المجلس الوطني وتأسيس الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة السورية، وأخذت هيلاري كلنتون وزيرة الخارجية الأمريكية في ذلك الوقت تعد له المؤتمرات الدولية والاعتراف من قبل الدول العربية والدول التي أطلق عليها أصدقاء سوريا، على أمل أن تعطي للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية المكانة الرسمية للدولة السورية في جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي وهيأة الأمم المتحدة، وإنهاء عصر بشار الأسد وما يمثله من ميليشيات عسكرية داخل سوريا فقط، ولكن وبعد أن تمكنت أمريكا من الهيمنة على قرارات الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة السورية، وأخذت أمريكا أطراف الأزمة السورية إلى مؤتمرات جنيف الأول والثاني غيرها، كانت أمريكا تماطل في الحسم ولا تترك الدول العربية ولا تركيا تقدم الدعم الكافي لإنهاء الأزمة، وبالأخص بعد مجيء وزير الخارجية الأمريكية الجديد جون كيري في بداية 2013، فقد كانت تصريحات أوباما كثيرة في رفض الحل العسكري، حتى بعدما استخدم بشار الأسد الأسلحة الكيماوية المحرمة دولياً في شهر آب، أغسطس 2013.
هذا الاستخدام للأسلحة الكيماوية جاء بعد تهديد أمريكي متكرر باعتباره خطاً أحمر ، ولكن وبعد أن استخدم الأسد الأسلحة الكيماوية بحثت أمريكا عن مصالحها وأمن إسرائيل، وقايضت الأسد بوساطة روسية وموافقة إيرانية ببقاء الأسد في الحكم مقابل تدمير ترسانته الكيماوية ومنظومة أسلحته الصاروخية، فكان ذلك دليلاً ثانياً على أن أمريكا تقدم مصالحها الاستراتيجية على مصالح الشعب السوري مهما تكلف من خسائر بشرية، أو دمار داخل سوريا، أو تهجير خارجها، ومع ذلك تبقى أمريكا تتحدث عن استحالة مستقبل سياسي لبشار الأسد في ظل حل دولي، وحكومة انتقالية تتولى إدارة الحكم في سوريا، وهدفها الأول هو محاربة تنظيم الدولة الإسلامية داعش الذي جعلته أمريكا أولوية وشماعة لفرض استراتيجيتها العسكرية والسياسية في المنطقة، فحديث أمريكا عن مرحلة ما بعد الأسد هو حديث ضبابي، فهي تمنع إسقاطه عسكريا من قبل كتائب المعارضة السورية، وتطالب الدول العربية وتركيا بعدم تمكين كتائب الثورة بالدخول إلى أماكن معينة وتمنع عنها أسلحة نوعية، تكون مقاومة للدروع وصواريخ مضادة للطائرات، التي تسقط براميلها المتفجرة وغازاتها السامة على الشعب السوري دون حسيب ولا رقيب.

الموقف التركي من مختلف زواياه حيال الأزمة السورية:
بالرغم من وضوح الموقف التركي قبل انطلاق الثورة السورية بحكم أن انطلاق الثورة السورية جاء في سياق ثورات الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا، فقد قدمت الحكومة التركية في ذلك الوقت برئاسة أردوغان الفرصة الذهبية لبشار الأسد في مصالحة الشعب السوري وامتصاص غضب الشعب بإحداث إصلاحات دستورية وإنهاء تفرد الحزب الحاكم بالسلطة وإقامة حكومة تعددية وديمقراطية مع بقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة، الذي كان يرتبط بعلاقات وطيدة مع رئيس الوزراء ومع وزير الخارجية أحمد داود أغلو في ذلك الوقت، ولكن اصطدام بشار الأسد مع الشعب السوري وقمع مطالبه واحتجاجاته بالقوة العسكرية قد جعل الحكومة التركية توقف دعمها لبشار الأسد، ومع خضوع بشار الأسد للنصائح الروسية والإيرانية بتوريط الجيش السوري في قمع ثورة الشعب وجدت الحكومة التركية نفسها مضطرة للوقوف إلى جانب الشعب السوري، وإنهاء علاقتها مع النظام السوري، والمطالبة بإسقاطه طالما أسرف بقتل الشعب السوري بهذه القسوة والإجرام والمجازر.
عملت تركيا على دعم مطالب الشعب السوري سواء كان في سوريا أو في تركيا أو خارجهما، وسواء كانت مطالب إنسانية وهي مقدمة على غيرها، أو كانت مطالب سياسية بعقد مؤتمراتها في تركيا، أو مساعدات لوجستية، بحيث سمحت للفارين من الجيش السوري إلى تركيا بتشكيل مجالس عسكرية تقدم مساعدات للشعب السوري في الداخل تمكنه من الصمود ومقاومة بطش النظام وبطش القوات الطائفية القادمة من إيران والعراق ولبنان، كما أنها وبالتعاون مع أمريكا والدول الغربية والعربية لم تضع قيودا صارمة على دخول المتطوعين من مسلمي العالم الذين هبوا لنجدة إخوانهم من الشعب السوري المسلم الذين يتعرضون إلى حروب إبادة بشرية مارستها ميليشيات الطائفيين الإيرانيين وأتباعهم.
ولذلك لم تكن الحكومة التركية وهي رافضة لكل القمع الذي باشره الأسد بنفسه لم تكن تملك الحق بالتدخل العسكري في السنة الأولى ولا الثانية، لأنها كانت ثورة شعب قادر على الانتصار بقدراته الذاتية، وهو ما كان قاب قوسين أو أدنى في نهاية عام 2012، وبعد دخول الحرس الثوري الإيراني والمليشيات الطائفية من "حزب الله" اللبناني وغيره في الصراع في سوريا بتوافق روسي أمريكي لم يكن أمام تركيا أن تتدخل عسكرياً أيضا، لأن التدخل كان سيكون حرباً دولية مع إيران، والتي هددت فعلاً بضرب القواعد العسكرية الأمريكية في تركيا إذا تدخلت قوات الناتو في الأزمة السورية على لسان المرشد خامنئي نفسه، فقد اعتبرت إيران معركة سوريا معركتها ومصيرها من مصير المحور الذي تنتمي إليه، ولكن ذلك لم يمنع تركيا أن ترفض التدخل الإيراني، وأن تعلن على لسان كبار رؤسائها ووزرائها عن رفضها للسياسة الإيرانية الطائفية، وكذلك أدركت تركيا أن السياسة الأمريكية تبحث عن مصالحها مع روسيا وإيران قبل بحثها عن مصالحها مع الشعب السوري أو مع الدول العربية التي تدعم الشعب السوري وتسانده في صموده ضد الاحتلال الإيراني بحسب وصف وزير الخارجية السعودي السابق الأمير سعود الفيصل رحمه الله، ولذلك بذلت الحكومة التركية كل جهودها السياسية في دعم الشعب السوري على الأرض التركية، ودعمته في مؤتمرات أصدقاء سوريا واستضافت عددا منها، كما دعمته في مؤتمرات جنيف الأول والثاني والثالث الذي يتم الإعداد له من خلال المبعوث الدولي دي مستورا في جنيف، فضلاً عن تحملها أعباء استضافة مليوني لاجئ سوري بما يزيد عن ستة مليارات دولار تحملتها الخزينة التركية دون مساعدات خارجية.
وقد حذرت الحكومة التركية إن عدم وضع حد لمجازر الأسد سوف يجر المنطقة إلى مشاكل أكبر وبالأخص في المسار الطائفي الخاطئ والخطير، وهو ما ظهر فعلاً بظهور تنظيم الدولة الإسلامية داعش، فالسياسة التركية ترى أن أخطاء أمريكا والمجتمع الدولي وإيران أدت إلى ظهور تنظيمات متطرفة وإرهابية تدفع الخطر الطائفي بخطر طائفي مثله، أي أن عدم الحسم الأمريكي في حل مشاكل العراق أولاً بعد احتلالها لها منذ عام 2003، وعدم سماحها بحل الأزمة السورية بالحسم العسكري من قبل الشعب السوري وإنهاء عصر أسرة الأسد ثانياً، أدى إلى ظهور تنظيمات متطرفة ومتشددة في العراق وسوريا، وبعضها إرهابية بالمقاييس الدولية والتركية والعربية، ولذلك لما جاءت أمريكا تجمع تحالفها الدولي لمحاربة تنظيم الدولة داعش دخلت تركيا هذا التحالف لأنها جزء من المنطقة ومن دول العالم الديمقراطي الحر الذي يرفض التطرف ويرفض منطق الحروب الطائفية، ولكن تركيا رفضت أن تشارك في العمليات العسكرية لقوات التحالف حتى تشارك في وضع خطة العمليات العسكرية التي تعالج أسباب الأزمة السورية والعراقية معاً، وبالأخص على المستوى السوري، وذلك بوضع حد لحكم الأسد الذي لا يمارس من الحكم إلا القتل والتدمير والبراميل المتفجرة واقتراض المليارات من إيران وروسيا لمواصلة حربه الطائفية الخاسرة، لذلك فإن تركيا تطالب المجتمع الدولي بوضع الخطط التي تعالج أسباب الأزمات العربية وفي مقدمتها الأزمة السورية.

تعاون تركيا مع دول الجوار لإنهاء الأزمة السورية:
تدرك تركيا أن تعاونها مع الدول العربية هو الأساس في حل الأزمة السورية، ولذلك سعت ومنذ بداية الأزمة السورية إلى دعوة الدول العربية إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد النظام السوري، حتى لو أدى ذلك إلى تبني عمل عسكري مشترك يمكنه تأمين بعض الدعم الدولي له، ولكن الدول العربية وقفت في وجه الجهود التركية بحجة مخاوف من توسع النفوذ التركي المزعوم، والأرجح أن الدول العربية كانت تخشى من عواقب التدخل في سوريا في تورطها في الصراع مع إيران إقليمياً، وهو ما انتهت إليه الدول العربية مرغمة بعد التهور الإيراني في دعم الانقلاب الحوثي في اليمن في سبتمبر 2014 ومحاولتها السيطرة على الدولة اليمنية، مما اضطر الدول العربية التدخل العسكري في "عاصفة الحزم" لوقف العدوان الإيراني تحت الغطاء الحوثي الطائفي، هذا التدخل العربي في اليمن تفهمته السياسة التركية ودعمته، لأنه في النهاية يؤدي إلى وقف الأطماع الخارجية الإقليمية في الدول العربية، وإذا تم وقف الأطماع الإقليمية المدفوعة بأحقاد تاريخية أو أطماع إمبراطورية فارسية واهية، فإنه سوف يمكن بعدها وقف العدوان الخارجي الذي يستعمل ورقة داعش في عقد تحالفات مع بعض أطراف المنطقة في خلق كيانات جديدة تخدم المشروع الغربي في إبقاء المنطقة تحت الهيمنة والسيطرة الغربية في كل الشرق الأوسط، ولذلك فإن السياسة التركية حاسمة وواضحة مع إيران برفض السياسة الإيرانية الطائفية التوسعية، ورفض المشاركة في الحروب التي تشنها أمريكا على داعش في البلاد العربية إلا إذا وافقت أمريكا على تنفيذ الشروط التركية التي تنهي الأزمات من جذورها.
إن الشروط التركية كلها لصالح الشعب السوري ومن أجل حل الصراع في سوريا، فأزمة اللاجئين قد طالت كثيراً ، وهذا عذاب متواصل للشعب السوري مهما قدمت له الدول الغنية من مساعدات في مخيمات اللجوء، فالأصل هو معالجة الأسباب وهو وضع حد للصراع في سوريا بالعمل الدولي الجاد لإنهاء حكم الأسد، وحتى ذلك الحين لا بد من توفير منطقة آمنة شمال سوريا أولاً وجنوبها إن أمكن ثانياً، بهدف تمكين الشعب السوري في الداخل والخارج العودة إلى بلادهم آمنين مطمئنين، بحيث لا تصلهم طائرات الأسد ولا براميله المتفجرة، وبحيث تصبح هذه المنطقة الآمنة محرمة على المليشيات الطائفية أن تصل إليها، ولا يبقى أمامها إلا الرحيل إلى حيث أتت، سواء كانت من المليشيات الطائفية التي جندها الحرس الثوري الإيراني، أو جندها تنظيم الدولة داعش، فالمنطقة الآمنة هي منطقة آمنة من بطش الأسد، ومن بطش داعش، فإذا كانت أمريكا جادة في منع تمدد تنظيم الدولة داعش فعليها أن تدعم السياسة التركية في شمال سوريا، التي تهدف السياسة التركية منها إلى نجاح الثورة السورية في السيطرة على شمال سوريا بدعم عربي وتركي ودولي.

وضع الأكراد في سوريا:
تواجه الدولة التركية في هذه المرحلة آثار الأخطاء الأمريكية في سوريا، وآثار الأطماع لدى حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وقواته العسكرية ، قوات حماية الشعب التي تحاول استغلال الحرب على داعش أن تقبض ثمنها من أمريكا بإقامة كيان كردي تصفه بكردستان الغربية بحسب مصطلح صالح مسلم زعيم هذا الحزب الكردي، وهذه الأطماع لا توافق عليها الدولة التركية وقد أبلغت أمريكا بهذا الموقف الصريح، لأنه استغلال لظروف الصراع الذي يخوضه الشعب السوري ضد المليشيات الطائفية العلوية المحلية أو القادمة من إيران والعراق ولبنان، فأمريكا تبحث عن قوات برية تقاتل بالنيابة عنها تنظيم الدولة داعش، وقد رفضت الجيوش العربية والتركية والإيرانية الرسمية القيام بهذه المهمة المشبوهة، وحاولت أمريكا صناعة صحوات عراقية مرة أخرى ولكنها فشلت في ذلك حتى الآن، وكذلك لم تستطع تسخير كتائب الثورة السورية في هذه المهمة التي تغير مسار الثورة السورية، فلم يبق أمام أمريكا إلا استخدام قوات وحدات حماية الشعب التابع لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي التابع لحزب العمال الكردستاني، لاستخدامه جيش مرتزقة لمحاربة داعش، والتفاهمات التركية الأمريكية الأخيرة تتقارب لمعالجة هذه الأزمة المستجدة في شمال سوريا، ومن مخاطرها أن تكون خطوة في طريق تقسيم سوريا، وهذا يتطلب تعاونا متميزا بين الدول العربية وتركيا لوضع حد لكل مشاريع تقسيم سوريا، لأنها لن تكون إذا نجحت إلا خطوة على طريق تقسيم العديد من الدول العربية، فحل الأزمة السورية ينبغي أن يأخذ بالحسبان اليوم مستقبل الدول العربية وعلاقاتها المتينة والمتميزة مع الدولة التركية.
إن تركيا وبعد نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة بتاريخ 7/6/2015 وما أفرزته من نتائج غير حقيقية، لا بد من قبولها مرحليا بحكم أنها نتائج انتخابات ديمقراطية ونزيهة، ولكنها في النهاية لن تؤثر على تغيير الموقف التركي من الأزمة السورية، لأن الموقف التركي هو موقف الدولة التركية وليس موقف الحكومة ولا الحزب الحاكم، وهذا ينسحب على قرار التدخل في سوريا عسكريا، فلو تم فلن يكون إلا من أجل الحل الجذري للأزمة السورية، ومنع تقسيم سوريا، ومنع إقامة كيان كردي أمريكي أو إسرائيلي، أي حماية الأمن القومي التركي والعربي معاً، وحلول مشاكل المنطقة تبدأ بوضع نهاية صحيحة للأزمة السورية، فسقوط المشروع الإيراني في سوريا سوف يغلق الأطماع الإيرانية في بلاد الشام ومن بعدها في جنوب الجزيرة العربية، بل وفي كل الجزيرة العربية، والدور التركي في حل الأزمتين السورية واليمنية لن يكون قادراً على الحسم دون التعاون والتحالف مع الموقف العربي الجاد في مواجهة الأطماع الخارجية الإقليمية والدولية أيضا.

 

مجلة آراء حول الخليج