array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 111

زيارات المسؤولين والمخاطر المشتركة حددت التحديات وطرق التعامل معها تفاهم وتنسيق خليجي ـ هندي لمكافحة الإرهاب ينطلق من 4 ركائز

الإثنين، 05 أيلول/سبتمبر 2016

لطالما كان الإرهاب ظاهرة عالمية على مدى قرون عدة، لكن الإرهاب المعاصر المرتبط بحركة الجهاد قد نبتت جذوره في ساحات القتال في أفغانستان، وذلك حين تم التأثير عمدًا على الكفاح الوطني الأفغاني ضد الاحتلال السوفيتي وتشكيله ليتحول إلى " حركة الجهاد العالمي". وقد تم ذلك في سياق " الحرب الباردة"، عندما كان يُنظر إلى "الإسلام"، سواء الدين نفسه أو أتباعه، على أنه " "حليف طبيعي" للغرب ضد " الشيوعية الكافرة". إذ هرع الآلاف من الشباب المسلمين، وقد تملكتهم الحمية لنصرة دينهم، من كافة الدول والمجتمعات الإسلامية على مستوى العالم، إلى الحدود الباكستانية الأفغانية، حيث تم تلقينهم مبادئ الإسلام الراديكالي المتطرف وجذوته. وكذلك تم تزويدهم بالسلاح وتدريبهم على المهارات الحربية والتدميرية، وفي واقع الأمر، لم يشارك منهم حينئذِ في القتال المسلح سوى بضعة آلاف، وقُتل عدة مئات.

تداعيات الجهاد الأفغاني

لا تزال أصداء الجهاد الأفغاني تتردد إلى يومنا هذا، فقد ترك خلفه منظمة متماسكة، يقودها زعيم مؤثر، يتبعه آلاف المحاربين الذين تتملكهم الحمية الدينية، وقد زادتهم تجربة الحرب ثقلًا. فضلاً عن أن ذلك النضال كان يرمز لأول انتصار ضخم يحققه المسلمون على القوى الغربية التي احتلت الأراضي الإسلامية دون رادع طوال القرن التاسع عشر. وكان لتقهقر القوات السوفيتية عن الأراضي الأفغانية، والانحلال السريع للاتحاد السوفيتي بعدها بوقت قصير ، أن ألقى في قلوب الجهاديين بأن الله "سبحانه وتعالى" قد نصر عباده هذه المرة لأنهم أصبحوا الآن يتًبعون سبيله .

ومع الانتشاء بجذوة النصر، تشكلت القاعدة بقيادة أسامة بن لادن و شريكه الأيديولوجي، أيمن الظواهري، وظهرت بوصفها منظمة قتالية قوية عابرة للحدود. وشن أعضاؤها في التسعينيات حملة من العنف الجهادي طالت مختلف أنحاء العالم: مصر والجزائر والشيشان والبوسنة وشرق إفريقيا والصومال واليمن والمملكة العربية السعودية . وبلغت هذه المرحلة من الجهاد العابر للحدود ذروتها في هجمات الحادي عشر من سبتمبر على الولايات المتحدة.

وبينما كان العالم يقع تحت طائلة الاعتداء من قبل هؤلاء المتطرفين، ترك الجهاد الأفغاني تداعياته الخطيرة على الهند ـ حسب رؤية البعض ـ فقد وظفت باكستان الموارد والأسلحة والمرافق لتعبئة الصراع الأفغاني وتهيئته في سبيل جهاد خاص بها، إلا أنه كان في هذه المرة جهادًا ضد الهند. وقد شرح ستيف كول بإسهاب في كتابه الهام حول الجهاد الأفغاني "حروب الأشباح"، كيف تم ذلك بتنظيم من وكالة الاستخبارات الباكستانية وجهاز الاستخبارات ISI)) حسب زعمه. وقد أوضح ـ حسب وجهة نظره ـ أنه بحلول عام 1989م، كانت وكالة الاستخبارات المركزية في كامل استعدادها لشن جهاد سري لدفع الهند للخروج من ولاية جامو وكشمير، التي كانت تسعى باكستان  لضمها منذ الاستقلال، إذ تنازعت عليها الدول المجاورة عبر ثلاثة حروب (الصين والهند وباكستان). ويعتقد كول أنه خلال الصراع الأفغاني، قامت وكالة الاستخبارات الباكستانية بتنظيم معسكرات تدريبية للمقاتلين الكشميريين في ولاية بكتيا الأفغانية، حيث خضع المتطوعون الكشميريون للتدريب جنبًا إلى جنب مع الجهاديين العرب[1]. وأضاف كول:

لقد بدأ المقاتلون الكشمير في الظهور في الأراضي التابعة للهند، حاملين بنادق كلاشينكوف صينية الصنع، وغيرها من الأسلحة التي تم تهريبها عبر خطوط الأنابيب الأفغانية (المخصصة لتمرير الأسلحة).. لقد عبر الجهاد الأفغاني أحد الحدود الأخرى.[2]

وهناك اعتقاد لدى البعض  أيضًا في الهند، أن الدور الباكستاني  أستمر في دعم  تنظيم "الجهاد" في كشمير طوال فترة الثمانينيات. وبينما استعرت الحرب الأهلية الأفغانية بوجود العديد من القادة المجاهدين ممن يسعون إلى تنصيب أنفسهم زعماء على ذلك البلد الذي مزقته الحروب، قامت وكالة الاستخبارات الباكستانية بدعم مكثف لعميلها البشتوني (بشتون وهي مجموعة  عرقية تقطن جنوب شرق أفغانستان وشمال غرب باكستان)، قلب الدين نسبة إلى  حكمتيار، الذي استغل الأراضي الواقعة تحت سيطرته في إقامة معسكرات تدريب للإسلاميين منذعام1994م، وكتب كول:

لقد قامت الشبكات السياسية –الدينية حول حكمتيار بتدريب وشحن المتطوعين الأجانب إلى كشمير. وذكرت رئيسة الوزراء السابقة، بنظيربوتو ، أن ضباط المخابرات الباكستانية قد أخبروها مرارًا أنه ليس في مقدورهم خوض حرب كشمير السرية بالكشميريين وحدهم، فلم يكن هناك من المقاتلين المحليين المدربين ما يكفي لاستنزاف القوات الهندية. لقد كانوا في حاجة إلى المتطوعين الأفغان و العرب، كما كانوا في حاجة إلى الملجأ الآمن لمعسكرات تدريب المقاتلين في الأراضي الأفغانية.[3]

وتردد أن وكالة الاستخبارات الباكستانية  أطلقت في تلك الفترة سلسلة من المنظمات الجهادية في باكستان، مثل "جماعة عسكر طيبة"، و"جيش محمد"، و"حزب المجاهدين". وتهدف تلك المنظمات إلى تلقين الجهاديين التعاليم العقائدية والتدريبات اللازمة للنضال في كشمير، حسب التقارير التي صدرت في الهند، وازدادت أعداد الجهاديين من المواطنين الباكستانيين مع تراجع أعداد المتطوعين من كشمير . وترأس تلك المنظمات زعماء يعتنقون مذاهب متصلبة، وقاموا بحشد الآلاف من الشباب الباكستاني للجهاد من خلال المدارس التي تقع تحت هيمنتهم.[4]

وفي نهاية التسعينيات ـ حسب جيسون بورك ـ ظهرت الصلة بوضوح بين الجيش الباكستاني والمنظمات الجهادية المنبثقة عنه في سياق النزاع الذي دار في كارجيل في عام 1999م،  حيث قال جيسون بورك:

في منتصف التسعينيات سيطرت الجماعات الجهادية الباكستانية على حركات العصيان في الولايات محل النزاع ( مثل ولاية جامو وكشمير)، وتدريجيًا تراجع دور الكشميريين أنفسهم. وفي عام 1999م، كان المقاتلون من الجماعات الباكستانية، بما فيهم "جماعة عسكر طيبة"، هم من مثلوا الجانب الأكبر من القوة القتالية التي احتلت المرتفعات الرئيسية على طول خط المراقبة (الحدود العسكرية بين الهند وباكستان).[5]

وهناك مزاعم تناقلتها بعض أجهزة الاستخبارات الهندية أن وكالة الاستخبارات الباكستانية اضطلعت  بعملية أخرى كان لها أكبر الأثر على الصعيدين الإقليمي والدولي: ففي عام 1996م، قامت بتقديم أسامة بن لادن، الذي كان هاربا آنذاك من بلاده المملكة العربية السعودية، إلى زعيم حركة طالبان، المُلا عمر. ومنح المُلا عمر ابن لادن ملاذًا آمنًا. وكان أن تشرب ابن لادن من زعيم جهادي مخضرم تكريس الجهاد ضد جميع أعداء الإسلام، سواء القريب منهم أو البعيد.

انتشار الجهاد

تخلت القاعدة عن مركزيتها بعد الغارات الأمريكية على معاقل طالبان في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، فبينما ظل قائدها الأعلى، والذي كان يعيش ملتجئًا داخل حصون باكستان،هو مصدر المشورة الفقهية والعملية، إلا أن تنفيذ العمليات الإرهابية كان يتم فعليًا من قبل الوحدات المحلية، والتي أصبحت مع مرور الوقت تنتسب رسميًا إلى تنظيم القاعدة. وأشار ماليسروثفين في أحد أعماله في عام 2001م، إلى أن القاعدة كانت قد أصبحت آنذاك " مؤسسة عالمية تمتد أذرعها نحو الغرب، من الفلبين وحتى الولايات المتحدة. ويجمع بين عناصرها رابط  فضفاض من الناحية التنظيمية"[6]

وحتى بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، شهد العقد الأول من هذا القرن سلسلة من الهجمات المروعة التي قامت بها الجماعات الجهادية وتردد صداها في جميع أنحاء العالم : بالي والدار البيضاء ومدريد ولندن وبومباي، وبالطبع في كافة أرجاء العراق، وكذلك في اليمن وبعض دول مجلس التعاون الخليجي. ولم تتراجع الجماعات الجهادية  أمام الروح العدائية التي تفشت في العالم ضد الحركة الجهادية بعد الحادي عشر من سبتمبر، وقامت بشن عدد من الهجمات الضخمة على الهند، مثل الاعتداء على البرلمان الهندي في ديسمبر 2001م.

ووجد تنظيم القاعدة في المناطق التي انهار فيها نظام الدولة، مواقع جديدة لنشر سطوته. وهي المناطق التي انهارت إما بسبب الصراع المدني أو نتيجة للاعتداء الخارجي. وقد ظهر ذلك النمط لأول مرة في أفغانستان، حيث سارعت حركة طالبان بتوسيع سلطاتها. وتكرر في العراق حيث دمر الاعتداء الأمريكي كافة مؤسسات الدولة، وتم إعادة تشكيل النظام السياسي بشكل متعمد على أساس مذهبي،  الأمر الذي أدى إلى تضخيم الصراع السني الشيعي المستشري. وقد أدار تنظيم القاعدة  ذلك الصراع على الجانب السني بقيادة المحارب الأفغاني المخضرم والعنيف، أبو مصعب الزرقاوي.

وقد نفذت القاعدة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر سلسلة من الهجمات القوية في المملكة العربية السعودية: الاعتداء على ثلاثة مجمعات سكنية في مايو 2003م، واعتداء الخبر في مايو 2004م، والاعتداء على القنصلية الأمريكية في جدة في ديسمبر 2004م.  وبلغت تلك الهجمات ذروتها بالاعتداء على مساعد وزير الداخلية  في ذلك الوقت، الأمير محمد بن نايف، في أغسطس 2009م.

أما خارج شبه الجزيرة العربية، فنجد تنظيم القاعدة قد امتد ليصل إلى الصومال، حيث توجد "حركة الشباب " التابعة له. وهي المنظمة الجهادية الرئيسية المسؤولة عن نشر الخراب والدمار في شرق إفريقيا. وقبل ذلك، وفي نهاية التسعينيات، كان المحاربون الأفغان قد وصلوا إلى الجزائر، وذلك  بعد أن نزعت الحرب الأهلية الدامية هناك المصداقية عن الجماعات الإسلامية المحلية. وكان يطلق على منظمتهم في بادئ الأمر "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" (GSPC هو مختصر اسمها بالفرنسية). وقد انضمت رسميًا إلى تنظيم القاعدة في سبتمبر 2006م، ليصبح اسمها" تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ( AQIM)". وقد نفذت مجموعة من الهجمات الدموية في الجزائر. كما وسعت من نطاق عملياتها ليصل إلى النيجر ومالي.

وتجدر الإشارة إلى أنه خلال السنوات الماضية، وبينما كانت كل من الهند ودول الخليج تقعان ضحية للعنف الجهادي، إلا أنه لم يكن هناك بشكل عام سوى قليل من الفهم بين المراقبين السياسيين في دول الخليج حول  مصادر آفة الجهاد  كانت تضرب في كشمير آنذاك وتمتد مخالبها كذلك إلى أجزاء أخرى من الهند. وقد كانت الآراء في دول الخليج تميل إلى أن هذا العنف قد تولد كليًا نتيجة لفشل الهند في معالجة قضية كشمير وتلبية تطلعات الشعب الكشميري. ولم يُلقَ بالا إلى تأكيد الهند بأن ما تواجهه لم يكن انعكاسًا للقضية الكشميرية، والتي كانت على أية حال محل نقاش بين حكومة البلدين، بل إنه تجسيدًا للجهاد المدعوم من الدولة، والذي تم تأسيسه على التعصب الديني دون احترام للحدود القومية.

ولقد تغير ذلك التصور بشكل كبير في جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي عندما وقع هجوم مومباي في نوفمبر 2008م، إذ رأت حكومات الخليج وشعوبها على شاشات التليفزيون الاعتداء المحكم التنظيم على بومباي، والهجمات الشرسة على الرموز البارزة في المدينة وسكانها بشكل عام، وقد لمسوا التخطيط الدقيق لذلك التنظيم المروع. وأصبح هناك الآن قبولًا واسعًا لتأكيدات الهند بأن جماعات في باكستان هي في واقع الأمر حاضنة التنظيمات الجهادية وملاذها، بما يشكل تهديدًا لجميع البلدان في مختلف أنحاء جنوب وغرب آسيا. وقد كان ذلك حجر الأساس لإرساء سبل التعاون بين الهند ودول مجلس التعاون الخليجي في سبيل مكافحة الإرهاب.

وهكذا ، خلال زيارة  رئيس الوزراء الهندي مانموها نسينغ إلى الرياض في فبراير 2010م،اتفق البلدان، في تحول كبير عن مواقفهما السابقة ، على التعاون في إرساء تدابير مشتركة لمكافحة الإرهاب. وقد شرعا بعد ذلك مباشرة في التعاون الاستخباراتي، حيث تشارك الطرفان بمعلومات حيوية أفضت إلى اعتقال بعض العناصر الهامة ذات الصلة بالأنشطة الإرهابية في الهند. وفي عام 2012م، قامت المملكة العربية السعودية بترحيل سيد زين الدين الأنصاري، والمعروف بأبو حمزة، إلى الهند، والذي كان مطلوبًا لقيامه بعدة أعمال إرهابية في الهند، بما فيها هجمات مومباي في عام 2008م. وبعد ذلك بفترة قصيرة رحَل السعوديون فصيح أحمد، أحد العناصر الهامة من المجاهدين الهنود، والذي كان مطلوبًا لضلوعه في هجمات عام 2010م، الإرهابية على مدينتي بنغالور ودلهي.

التحدي الماثل في داعش

كان لانحلال نظام الدولة في العراق وترسيخ السياسات الطائفية بها، أن أفضى إلى ولادة حركة متمردة تشن هجماتها على الأهداف الأمريكية والشيعية بنفس القدر من العداء والكراهية. وبرغم أن تنظيم القاعدة في العراق كان إسميًا تابعًا لقيادة القاعدة في باكستان، إلا أن زعيمه، الزرقاوي، قد رفض الأخذ بمشورة مرشديه بالاعتدال في الهجمات. وبعد وفاته في عام 2006م،  وبسبب العنف الأهوج الذي أنتهجه، ظهر ائتلاف من السنة المعتدلين، ممثلين في رؤساء القبائل، والخبراء المهنيين، والمسؤولين السابقين في نظام صدام حسين، ممن يسعون إلى الوقوف  في وجه الجهاديين، في حركة أطلق عليها اسم "الصحوة". وقد نجحت "الصحوة" بالفعل في دحر الجهاديين.

وبرغم ذلك، فقد عملت السياسات الطائفية المتصلبة لرئيس الوزراء، نوري المالكي، على ألا يتم احتواء أعضاء "الصحوة" داخل الحكومة العراقية أو القوى الأمنية، مما أدى بهم، بحلول نهاية ذلك العقد من الزمن، إلى التوجه نحو الجهاديين، حاملين اسمًا جديدًا هذه المرة لتمييزهم عن القاعدة "الدولة الإسلامية في العراق" (IS). وفي عام 2011م، تم إعادة هيكلة هذه الجماعة بقيادة القائد ذو الشخصية المؤثرة، أبو بكر البغدادي. و دخلت "الدولة الإسلامية في العراق" ساحة الصراع السوري في عام 2013، وأطلقت على نفسها اسمًا جديدًا وهو "الدولة الإسلامية في العراق وسوريا" (ISIS   أو داعش: الاسم المختصر بالعربية).

وفي منتصف عام 2014م، انطلقت داعش بقوة من معقلها في محافظة الأنبار، واستولت على مدينة الموصل، وأعلنت قيام "الدولة الإسلامية" بوصفها "دولة الخلافة". وفي غضون أسابيع قليلة نجحت في الاستيلاء على الأراضي الكائنة عبر الحدود العراقية السورية. وبهذا يكون قد اكتمل "للدولة الإسلامية" خصائص شبه الدولة بما لديها من جيش وقيادة سياسية وموارد مالية، وكذلك نظام بيروقراطي وقضائي وقوة أمنية. وقد استقطبت داعش الآلاف من الجهاديين الشباب الذين قدموا من غرب آسيا ومن أوروبا ووسط وجنوب شرق آسيا، وقد غرتهم الانتصارات العسكرية لذلك الكيان الجهادي الجديد، حيث استغلت قيادته ، بكل مكر ودهاء، وسائل التواصل الاجتماعي لاستدراج هؤلاء الشباب للانضمام إلى ساحات القتال في سوريا.

وفي أيامها الأولى، أعلنت داعش عن وجودها عبر تنفيذه العديد من عمليات قطع الرؤوس للرهائن العربية والغربية، والتي تم تصويرها وعرضها عبر وسائل الإعلام العالمية. وقد أكدت داعش منذ البداية عدم قبولها لتزعم القاعدة حتى الآن للجهاد العابر للحدود. وإنها سوف تقوم بمجابهة تنظيم القاعدة على صعيد التعاليم المذهبية وتجنيد المقاتلين والمساحة الجغرافية. ووصلت داعش إلى ذروة مجدها في ختام عام 2015م، إذ أصبحت تمتلك أراض بنفس حجم المملكة المتحدة، وتعداد سكاني بلغ 6 مليون نسمة من الشباب الأقوياء، وموارد مالية تقدر بعدة ملايين دولارات شهريًا، تأتي بشكل رئيسي من النفط المستخرج من الأراضي التي تم الاستيلاء عليها، والذي يتم بيعه من خلال وكلاء في سوريا وتركيا.

وهناك مجموعة من الجماعات الجهادية، التي كانت حتى وقت قريب تنتسب إلى القاعدة، إلا أنه ظهر عليها علامات الانشقاق عنها، إذ أقسم أعضاؤها من الشباب الأصغر سنا بالولاء للبغدادي. وتضم تلك الجماعات: جماعة "تحريك- طالبان الباكستانية "وجماعة "طالبان الأفغانية"، و"حركة الشباب "في الصومال ، وجماعة  " بوكو حرام "في نيجيريا. ونجحت داعش كذلك في نقل وجودها وانتشاره إلى مناطق بعيدة مثل المملكة العربية السعودية والكويت واليمن وليبيا.

وفى منافسة مع تنظيم القاعدة، نفذت داعش سلسلة من الهجمات الإرهابية المروعة في مختلف أنحاء العالم، إما عن طريق كوادرها الخاصة مباشرة، أو عن طريق الجماعات المحلية التابعة لها في غرب آسيا وشمال إفريقيا وأوروبا. والأخطر من ذلك هو تأثير حملتها الدعائية على وسائل التواصل الاجتماعية، والذي أدى إلى التشجيع على الهجمات الإرهابية الفردية، إذ انتشرت على مستوى العالم الهجمات الإرهابية التي يقوم بها أشخاص منفردين، قد أغراهم الهجوم على المدنيين من تلقاء أنفسهم ، دون أن يكون لديهم صلة مباشرة مع داعش.

التهديد الماثل على الهند ودول مجلس التعاون الخليجي

يقع المسلمون الهنود تحت أنظار كلا من القاعدة وداعش. ففي يونيو 2014م، قام أيمن الظواهري وهو في مخبئه على الحدود الباكستانية الأفغانية، بتذكير المسلمين الهنود بأن " حتى أولئك الذين رفضوا الجهاد المسلح ينضمون الآن إلى سبيله بعد أن خاب أملهم في السبل الديمقراطية". وقد وبًخ شريكه ، عاصم عمر، المسلمين الهنود سائلا إياهم" كيف تظلون على سباتكم بينما يشهد بقية المسلمين في أنحاء العالم تلك الصحوة؟" وقد أعلن الظواهري في سبتمبر 2014م، إقامة فرع لتنظيم القاعدة في جنوب آسيا، والذي من شأنه رفع "راية الجهاد"، وإعادة الهند تحت حكم المسلمين وفرض الشريعة في كافة أنحائها.

 وظهر تنظيم جديد يدعي"أنصار التوحيد في بلاد الهند"، يتألف من مجموعة من أعضاء طالبان من الهنود والباكستان والأفغان . وقد أصدر سلسلة من الفيديوهات التي تستهدف الهند،  يطالب أحدها الزعماء الجهاديين على مستوى العالم بتوحيد قواهم من أجل الهجوم على الهند "لحماية المسلمين الهنود". ويدعو فيديو آخر المسلمين الهنود إلى المشاركة في الجهاد العالمي، بينما يشير الفيديو الثالث إلى أعمال الشغب الطائفية في الهند ويطالبهم بالأخذ بثأرهم. وقد أعدت داعش أيضًا عددًا من الرسائل الموجهة خصيصًا إلى المسلمين الهنود، يصحبها تسجيل مرئي لعمليات انضمام المجاهدين باللغات الأردية والهندية والتاميلية.

وعمومًا فإن الاستجابة لمثل هذه الدعوات لا زالت حتى الآن متواضعة: فيقال أن ثمة حفنة من الشباب المسلمين قد انضموا إلى الجهاد في سوريا، وتم توزيع بعض القمصان المرسوم عليها علم داعش في جنوب الهند. وقبل بضعة أشهر ، حمل قلة من المتظاهرين في كشمير علم داعش. والأهم من ذلك، إلقاء القبض على أحد الناشطين المنفردين في بنغالور لإدارته حملة دعائية لصالح داعش، وموقعًا الكترونيًا لاستقطاب الشباب للانضمام إليها، حيث قام بنشر 129 ألف تغريدة على موقع تويتر. وكان يتابعه على الموقع 17500 من الجهاديين الناطقين باللغة الإنجليزية. ويقاتل بعضهم في العراق وسوريا.

وتتم الهجمات الجهادية في الهند بشكل عام عن طريق جهات يقع مقرها الرئيسي في الأراضي الباكستانية، وغير معروف سواء كانت تابعة  للدولة هناك أم لا، دون الحاجة إلى وجود دور مباشر للقاعدة أو داعش في تلك الهجمات.

وعلى الجانب الآخر، عانت العديد من دول مجلس التعاون الخليجي من هجمات إرهابية مروعة، كانت تأتي في البداية من القاعدة والآن من أتباع داعش. وبينما يأتي مرتكبي تلك الهجمات من كيانات منفصلة من الناحية التنفيذية، لكنهم يجمعهم المذهب الواحد، والعداء المتأصل لأصحاب الديانات و المذاهب الأخرى، أو حتى لأولئك السنيون الذين يخالفونهم تعاليمهم ومعتقداتهم المتصلبة، فضلا عن كونهم جميعًا مؤمنون تمام الإيمان بالعنف الجهادي.

وقد شرعوا في تطوير روابط مذهبية وتنفيذية فيما بينهم. ولن يكون بعيدا ذلك اليوم الذي تلتقي فيه تلك الجماعات الجهادية المتباينة تحت مظلة مذهبية واحدة بقيادة "الخليفة". فبينما يحتفظون بدرجة عالية من الاستقلال الذاتي على الصعيد التنفيذي، إلا أنهم يعملون على زيادة التنسيق فيما بينهم فيما يخص الاستراتيجيات والخطط وتبادل الأسلحة والتدريب.

وهكذا فمما لا شك فيه أن العنف الجهادي، سواء كان عابرًا للحدود أو محليًا أو فرديًا، سيظل يمثل تهديدًا عظيمًا لنظام الدولة في جميع أنحاء جنوب وغرب آسيا خلال العقد المقبل أو ما نحو ذلك.

التعاون بين الهند ودول مجلس التعاون الخليجي

وعلى خلفية ما سبق، جاء التعاون بين الهند ودول مجلس التعاون الخليجي في سبيل مكافحة الإرهاب، ليحتل أهمية جوهرية في العلاقات بين الطرفين. وهو يعد في واقع الأمر عنصرًا رئيسيًا في " الشراكة الاستراتيجية" التي تسعى الهند إلى تشكيلها مع كل دولة من دول مجلس التعاون. الأمر الذي تم تجسيده بوضوح في التعهدات الرسمية التي أعلن عنها الطرفان في البيانات المشتركة التي تم إقرارها أثناء الزيارات الرسمية الأخيرة لرئيس الوزراء، ناريندرامودي، لثلاث دول من دول مجلس التعاون الخليجي  خلال العام الماضي: الإمارات العربية المتحدة في أغسطس 2015م، والمملكة العربية السعودية في أبريل 2016م، وقطر في يونيو 2016م. وفي كل وثيقة مشتركة قامت الدول المعنية بعرض رؤيتهم والاستراتيجيات والإجراءات المؤسسية الداعمة لها، في سبيل مواجهة التحديات التي يعتزمون التصدي لها.

ويؤمن الطرفان بأن مكافحة الإرهاب هي أمر جوهري من أجل تحقيق السلام والاستقرار والأمن في الفضاء الجغرافي الواسع الذي تتشارك فيه شعوبهما. وهكذا جاء البيان المشترك بين الهند والإمارات ليتحدث عن عمل البلدين معًا " لتعزيز السلام والمصالحة والاستقرار والشمولية والتعاون على نطاق أوسع في منطقة جنوب آسيا ومنطقة الخليج وغرب آسيا". وبالمثل، أقر البيان المشترك بين الهند والمملكة العربية السعودية " الترابط الوثيق بين استقرار وأمن منطقة الخليج وشبه القارة الهندية، والحاجة إلى توفير بيئة آمنة يسودها السلام لتعزيز التنمية في بلدان المنطقة".

وانطلاقًا من ذلك، فإن جميع البلدان المعنية ترى أن التعاون ضد الإرهاب يتمثل في مواصلة سعيهم نحو تحقيق شراكة استراتيجية، وعليه فالاتفاق مع المملكة العربية السعودية يقر بأن التعاون على الصعيد الأمني مع الهند سيعمل على "تدعيم المشاركة الاستراتيجية الثنائية". وبالمثل يضع البيان المشترك مع دولة الإمارات التعاون ضد الإرهاب في بؤرة "الشراكة الاستراتيجية الشاملة" التي يسعى إليها البلدان.

وتتفق الهند مع دول مجلس التعاون الخليجي على بعض المبادئ التي من شأنها تشكيل مساعيهم المشتركة ضد الإرهاب. وهكذا ففي البيان المشترك بين الهند والمملكة العربية السعودية "رفض الطرفان تمام الرفض أية محاولة لربط هذه الظاهرة العالمية ( الإرهاب) بأي جنس أو دين أو ثقافة"، وتبعًا لذلك عدم الربط بين العنف الجهادي وبين تعاليم الإسلام وعقيدته.

وأشار البيان المشترك للهند ودولة قطر إلى البعد العالمي لذلك الخطر وأعربا عن عزم البلدين على " التعاون سويًا لاقتلاع جذور ذلك الخطر العالمي الذي يهدد جميع الدول والمجتمعات"، وأشار البيان أيضًا إلى أن الإرهاب " يقوض بشكل مباشر السلام الدولي والبيئة الأمنية، ويهدد المساعي المبذولة لمواصلة النمو والتنمية".

ومرة أخرى ، وفي إشارة واضحة إلى بعض الدول التي تدعم وترعى الجماعات الإرهابية، قامت الهند و المملكة العربية السعودية "بدعوة جميع الدول إلى رفض استخدام الإرهاب ضد أي دولة أخرى، وإلى تفكيك البنى التحتية للإرهاب ... وقطع أي نوع من الدعم والتمويل للإرهابيين الذين يقومون بتخطيط وارتكاب العمليات الإرهابية من داخل أراضيهم ."وبالمثل جاء في الاتفاق مع دولة الإمارات أن البلدين " تدينان تلك المساعي- بما في ذلك تلك التي تتم برعاية الدول - والتي تستغل الدين في تبرير ودعم ورعاية الإرهاب ضد الدول الأخرى، ".

استراتيجيات ومؤسسات مكافحة الإرهاب

نظرًا للتوافق بين الهند ودول مجلس التعاون الخليجي حول رؤية وأسس التعاون بينهما في سبيل مكافحة الإرهاب، فليس من المستغرب أن تتشابه الاستراتيجيات التي تم الاتفاق عليها بينهما، بما يعكس التحديات المماثلة التي يواجهها كلا الجانبين. ويشمل ذلك:

  1. التعاون في عمليات مكافحة الإرهاب، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، وبناء القدرات، وتعزيز التعاون فيما يتعلق بالوكالات التي تتعامل مع عمليات غسيل الأموال والاتجار بالمخدرات، والجرائم العابرة للحدود، حيث أنها تعد موارد رئيسية لتمويل المنظمات الإرهابية. (تجدر الإشارة إلى أن الاتفاق مع قطر يدعو إلى إتباع "نهج شامل" يتضمن كل تلك النقاط ، إلا أنه يذهب إلى أبعد من ذلك من خلال العمل على تعطيل الحركات الإرهابية ، ولاسيما المقاتلين الإرهابيين الأجانب وتفكيك البنية التحتية للإرهاب، والتصدي إلى عمليات تجنيد المقاتلين)
  2. التعاون في مجال الأمن الإلكتروني، وبخاصة وسائل التواصل الاجتماعي، التي تم استغلالها  بنجاح كبير في تعزيز التطرف وزعزعة التوافق المجتمعي.
  3. تنسيق الجهود المبذولة لمكافحة التطرف الذي تتبناه بعض الدول أو الجماعات من خلال زيادة التفاعل بين العلماء في سبيل "تعزيز قيم السلام والتسامح والشمولية والرعاية الاجتماعية المتأصلة في جميع الأديان".
  4. تعزيز التعاون في المجال الملاحي لدعم الأمن في الخليج والمحيط الهندي.

ولضمان استمرارية برنامج التعاون الطموح هذا بصورة فعالة، تنص كافة الاتفاقيات مع دول مجلس التعاون الخليجي على إقامة منتديات رسمية لدعم الحوار المتبادل. وقد تم تفعيل ذلك بصورة رسمية مع دولة الإمارات، إذ من المقرر عقد اجتماعات بين مستشاري الأمن الوطني كل ستة أشهر. ومن المزمع كذلك عقد لقاءات منتظمة بين مجلسي الأمن القومي للبلدين، وذلك بدعم من  " حوار الأمن الاستراتيجي" بين الجانبين.

وتتواجد بالفعل مثل تلك المنصات التي تتيح تبادل الآراء بشكل منتظم مع دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى: فبعد زيارة رئيس الوزراء الهندي مانمو هانسينغ إلى قطر في عام 2008م، تم الاتفاق على إنشاء لجنة وزارية مشتركة وكذلك الاستشارات المتعلقة بوزارتي الخارجية في البلدين. بينما تواجدت المجموعة الاستشارية الاستراتيجية الهندية العمانية منذ عام 2003م.كما وقعت المملكة العربية السعودية والهند معاهدة لتسليم المجرمين ومذكرات تفاهم بشأن المشاورات المتعلقة بوزارة الخارجية،والتعاون في مجال الدفاع، وعلى تبادل الاستخبارات المالية، ولاسيما ما يتعلق بغسل الأموال وتمويل الإرهاب.

وكان للقاءات رفيعة المستوى بين قادة دول مجلس التعاون الخليجي وبين الهند على مدار الأعوام القليلة الماضية، أن أضاف إلى العلاقات الثنائية بينهما بعدًا استراتيجيًا قويًا، وجعل منهم شركاء في النضال ضد آفة الإرهاب التي، على حد تعبير رئيس الوزراء، مودي:

تأتي لنا كل يوم بأخبارِ مفزعة وصورٍ مروعة عن:

المدارس التي تحولت الى مقابرٍ للبراءة

وحشود المصلين التي تحولت الى مواكب جنائزية

ونداء الصلاة الضائع وسط أصوات الانفجارات

والمدن المزدهرة وقد انقلبت خراباً وتراثها الغالي وقد أصبح رماداً

وآباء يحملون نعوش أبنائهم، ومجتمعات بأسرها وقد تفصمت عراها

والملايين الذين شُردوا، واللاجئين الموزعين بين النيران والبحار العاصفة. [7]

 

وهكذا تواجه الهند ودول مجلس التعاون الخليجي في سبيل نضالهما ضد الإرهاب تحديًا شاقًا وعاجلاً في آن واحد، يفرض عليهما العمل بصورة موحدة وقوية. وبحمد الله لقد أصبح لدى الجانبين الآن رؤية محددة، وقاما بتشكيل استراتيجية تتسم باتساع النطاق والشمولية في آن واحد، وتدعمها مؤسسات تعمل على تواصل الحوار وصقل الأساليب كلما دعت الحاجة إلى ذلك. إن شعورهما المشترك بعظم المهمة الملقاة على عاتقهما ، لكفيل بأن يمنحهما نفس قوة العزم والحماس التي تحرك خصومهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*السفير الهندي السابق لدى كل من المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة

 

 

 

 

[1] Steve Coll, Ghost Wars: The Secret History of the CIA, Afghanistan, and Bin Laden, from the Soviet Invasion toSeptember 10, 2001, The Penguin Press, New York, 2004, p. 221

 

[2]ibid

 

[3]Ibid, p. 292

 

[4]Jason Burke has noted that by the time of the events of 9/11, there had been an “increase in the level of radicalisation of much of the Pakistani population … and a consequent surge in popular support, recruits and funds” for jihadi organisations. [Jason Burke, The 9/11 Wars, Allen Lane, an imprint of Penguin Books, London, 2011, p. 346]

 

[5]Burke, p. 345

 

[6]Malise Ruthven, Encounters with Islam: On Religion, Politics and Modernity, I.B. Tauris, London, 2012, p. 47

 

[7]Prime Minister Modi’s speech at the World Islamic Sufi Conference, New Delhi, 17 March, 2016, at: www.indianembassy.org.sa/Content.aspx?ID=936&PID=691

 

مجلة آراء حول الخليج