array(1) { [0]=> object(stdClass)#13490 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

الثقافة العربية في عصر العولمة

السبت، 01 كانون2/يناير 2011

تواجه الثقافة الوطنية منذ نهاية القرن العشرين ومطلع الألفية الثالثة مخاطر الهجمة التي تشنها المركزية الغربية وقوى العولمة والتي تدفع أصحاب الخطاب الثقافي العربي إلى البحث عن آليات لمواجهة العولمة الثقافية بكل إرهاصاتها وتطوراتها المتنامية والمتسارعة.

يَجدر الإشارة إلى أن المركزية الغربية التي تقودها الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية إثر انهيار القوى الاستعمارية التقليدية في النظام العالمي آنذاك، أخذت تفرض ثقافتها على العالم، وباتت تدريجياً الأمم والشعوب تخشى على ثقافاتها ولغاتها القومية، ومنظوماتها الثقافية من حالة التداعي والغزو داخل حدودها الوطنية.

إن الاعتراف بشكل موضوعي وعقلاني بما حققته المركزية الغربية من انتصارات توجت مع انهيار الاتحاد السوفييتي السابق والكتلة الاشتراكية في أوروبا الشرقية، وساعدت على بلورة النظام الدولي الجديد، وتنامي قوى العولمة بشتى المجالات وعلى مختلف ساحات العالم شرقاً وغرباً، يسمح بمعالجتها وتبيان سبل مواجهتها لا سيما أمام الثقافة الوطنية في ظل منظومة الثقافة العالمية في الألفية الثالثة.

ولقد أسهمت حالة بعد نهاية الحرب الباردة وهيمنة القطب الواحد في العالم في إعطاء زخم كبير للثقافة الكونية واختلاط الثقافات والشعوب وتغلغل الثقافة المعولمة في أحضان الثقافة الوطنية في محاولة لكسر عزلة الثقافات التي ترتكز على الجوانب التاريخية والحضارية.

وفي ضوء فكرة منح الحريات الثقافية اليوم في ظل العولمة وتحكم قواها المهيمنة تبرز صيحات من بعض النخب المثقفة بضرورة التمسك بالانتماء الثقافي الوطني والمرجعية الحضارية للأمة والتعبير عن الذات مع التفاعل الواجب مع الثقافات الأخرى رغم الاحتفاظ بالهوية الثقافية والانتماء إلى الأصالة، تلك هي مكتسبات الثقافة الوطنية التقليدية الأم والتي تنعكس على قيم وتقاليد الشعوب.

 تعريف العولمة وآلياتها

العولمة هي تلك الظاهرة التي اجتاحت العالم وظهرت حولها تعريفات عدة في محاولة لتفكيك أبعادها، حيث توصف بأنها عملية تحول في حياة الأفراد والجماعات ومدى علاقاتهم بأنظمة الحكم وأنماط الحياة، كأن الشعوب والدول تسير في مرحلة تطور جديدة في مسيرة الإنسان والكون.

ويعرف آخرون العولمة بأنها عبارة عن (توسيع لأطروحة القبائل على المستوى الاجتماعي)، واستمرار منطق الصراع بين الثقافات عبر التاريخ وهي مفصل في الصراع التاريخي من أجل التحكم وطلب الهيمنة بين الأمم، حيث أدى هذا التحول في ظهور العولمة إلى مأزق أمام الدولة القطرية في العالم الثالث في النواحي الأمنية والسياسية والاقتصادية، وأضعف الوعي الاجتماعي وسوق العمل والعمالة، وظهور البطالة والفوارق في الدخول وتهميش الطبقة الوسطى وازدياد الأغنياء غناً، والفقراء فقراً، وإخراج الدولة من دائرة الإنتاج على حساب نفوذ ومكانة وإنجاز الدولة الوطنية.

إن ظهور العولمة يعد مسألة مهمة في التكوين التاريخي العالمي تعود في جذورها إلى فترة سابقة مع ظهور الدولة القومية كنقطة فاصلة في حياة المجتمعات المعاصرة في منتصف القرن الثامن عشر، ثم اعتبر شيوع الدولة القومية في القرن العشرين أحد مظاهر تكوين العولمة، بحيث توصف العولمة بالعملية التاريخية غير القابلة للرجوع إلى الخلف، وأنها نهر يتدفق يصعب إيقافه، أو الوقوف بالضد منه، وقد أسهمت فيها شعوب وحضارات من الشرق والغرب مع تدفق الأفكار والحواسيب والإنترنت والبريد الإلكتروني والأقمار الاصطناعية والأسواق الحرة والاتصالات والتقنية الحديثة والثقافات العالمية. فالعولمة إذن إعادة إنتاج لنظام الهيمنة القديم.

ولم تعد نتائج العولمة محصورة بمنطقة أو دولة معينة، بل وصلت أبعادها لتشمل كافة دول العالم، وتحولت من عولمة في نطاق ضيق إلى واسع كوني، فهي عملية مستمرة ومتغيرة وفاعلة تؤدي إلى تطور عمليات التغيير في العقل والسلوك والممارسة اليومية لا تقف عند حدود معينة، حيث يقوم بعمليات العولمة أفراد وجماعات وشركات ومؤسسات أشبه بممارسات وسلوكيات مترابطة ومتشابهة.

إن آلية وتطور العولمة هما اللذان يمنحانها الحركة والانتشار وتخطي حدود الدولة، والتفاعل مع التغيرات التي تذوب فيها الهوية والحدود السيادية الوطنية، ومن أبرز مقومات العولمة التقنية الحديثة والشركات متعددة الجنسيات والعابرة للقارات ودورها في التغيرات العالمية وحركة الرأسمال والاستثمار الأجنبي المباشر.

 إشكالية الإنجاز الثقافي

أوجدت هذه الحالة إشكالية في كيفية إحداث توازن بين عالم تتنوع فيه الثقافات وتكتسحه قوى العولمة ومؤثراتها يومياً مع ضرورة الحفاظ على الثقافة الوطنية في ظل هذه الثقافات الكونية المتعددة وهل تستطيع الثقافة الوطنية أن تحافظ على خصوصيتها وكينونتها؟ وتطرح آراء في إمكانية إحلال النسبية الثقافية من أجل التخفيف من تأثير المركزية الغربية، وأن أتباع ذلك النهج يمكن أن يعزز ثقافة حقوق الإنسان ويحافظ عليها وينميها، ويطرح أصحاب هذا الرأي أن ذلك سوف يعزز التقاليد والتراث والأعراف والقيم والموروث الحضاري أيضاً التي تصب في مسألة الحفاظ على الثقافة الوطنية وخصوصية المثقف والهوية الثقافية الوطنية في ظل المواجهة مع المركزية الغربية.

إن الالتزام بحقوق الإنسان في المنظمة الثقافية، وفي إطار التنوع الثقافي في العالم الثالث، يضمن بالتالي عدم فرض معيار واحد أحادي الجانب، بل يسمح بتعدد المعايير الثقافية، ويمنح الضمانة الكافية للثقافة الوطنية، وتبرز العلاقة بين التنوع الثقافي والحريات الثقافية، فكل تنوع ثقافي يخلق بداهة نهضة ثقافية، فضلاً عن أن الاندماج الثقافي للثقافة الوطنية في المنظومة العالمية يمكن أن يخلق ثقافات تتكامل فيما بينها في مواجهة المركزية الغربية وثقافتها، وأن الالتزام بثنائية التنوع والاندماج الثقافي يحافظ على سلامة الثقافة وحمايتها، ويمنح الحقوق في المشاركة الفاعلة في الحياة والتمتع بالآداب والفنون والتراث وصون الموروث الثقافي وحرية الممارسة الثقافية والتعلم والتعليم والتكنولوجيا وحرية الرأي والدين والمعتقد.

إلا أن هناك وجهة نظر أخرى ترى أن الثقافة الوطنية بما تحمل من إرث حضاري وعمق تاريخي وعادات وتقاليد وإبداع متراكم قادرة على المواجهة بالاعتماد على جذورها الحية ولا حاجة لمسميات أو أفكار أخرى تستعيض عنها في مواجهة المركزية الغربية. ويبدو أن الأجدى بين الرأيين المتخالفين تجاه هوية ووظيفة الثقافة الوطنية في مواجهة المركزية الغربية أن الحاجة ملحة إلى إيجاد تفاعل بين الحريات الثقافية والأصالة والتراث الثقافي، أي بين الثقافة الوطنية والثقافة العالمية التي تمهد السبيل لإيجاد حالة من الانفتاح وعدم الانغلاق الفكري من دون التأثر بالثقافة الوطنية بحيث يفقدها هويتها وقدرتها على التفاعل المشترك والاستفادة من تجارب وإبداعات الثقافات الأخرى والتي يمكن أن تعزز ديمومة وحيوية الثقافة الوطنية وتجعلها غير منعزلة أو متقوقعة على ذاتها بل متفاعلة مع كل جديد في الثقافة العالمية.

لكن مسألة اختيار النموذج الثقافي أمام الثقافة الوطنية ليست بالأمر السهل اليوم في ظل قوى العولمة وهيمنة المركزية الغربية، فالنموذج الثقافي الوطني الذي يعارض التبعية الغربية وما يترتب عليها من انسلاخ عن الهوية القومية لا يمكن أن يقبل بنموذج ثقافي قائم على أساس تلك المبادئ التي تفرضها المركزية الغربية في التبعية والهيمنة وعدم الاستقلالية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً.

 الخطاب الثقافي في الألفية الثالثة

إن النموذج المطلوب في العالم الثالث الداعي للتحرر والاستقلال ورفض الهيمنة والثقافة الوطنية هو النموذج الوطني الذي يرفض ثقافة العولمة وبناء نظام للعالم الثالث ثقافي يحقق مستويات ثقافية حيوية وتطور تكنولوجي وعلمي. ويتم ذلك بآليات عمل ثقافي في إعادة تقويم وتهذيب لكيفية التعامل مع المركزية الغربية، وإعطاء دول العالم الثالث الفرص لاختيار البرامج التنموية التي تحقق لها التحديث والتنمية الاقتصادية، ودعم ومساندة الدول الفقيرة من أجل منحها القدرة على المواجهة العالمية والنهوض الاقتصادي والثقافي والعلمي.

وثمة إشكالية أخرى في حالة مواجهة بين الثقافة الوطنية والعولمة لا تزال تمثل إشكالية كبيرة اليوم، وتتمثل في التفسير الأمريكي لفرض الديمقراطية كحل لأزمات الدول في العالم الثالث باسم الإصلاح والتعددية والحرية، مع تجاهل كامل لمسألة الخصوصيات لكل ثقافة وطنية في العالم والتباين بين الشرق والغرب، وتجاهل المقومات الحضارية والإثنية والتاريخية لكل أمة أو شعب واختلاف العادات وأنماط الحياة بين الشمال والجنوب في عالمين مختلفين وهي عقبة كبرى أمام اندماج أو تفاعل الثقافة الوطنية مع الثقافات العالمية بحكم هيمنة وفرض بالقوة للمركزية الغربية للنمط الديمقراطي الغربي. وهذا ما بدا واضحاً في محاولة تنفيذ الأجندة الغربية للديمقراطية في بعض دول الشرق الأوسط وما أصابها من تمزق وصراعات وعنف وفساد وتفكك اجتماعي وتخلف اقتصادي لم تفلح الديمقراطية والثقافية الغربية في أن تعالجه.

وكان الخطأ الذي وقعت فيه الثقافة الوطنية اعتقادها بأن تطبيق النموذج الديمقراطي الغربي ضمن منظومة الثقافة العالمية سيحقق لها التطور العلمي والتكنولوجي والإصلاح والازدهار الاقتصادي والتنوع والإبداع الثقافي ومواكبة حركة العالم الجديد، وهذا الربط وسوء الفهم ما زال يكلف غالياً منظومة الثقافة الوطنية، وأن إدخال (الموبايل) الحديث وثورة الإنترنت والتكنولوجيا الرقمية وتعدد القنوات الفضائية الغربية والشرقية وحريات السفر والدين والقراءة والكتابة إلى حد ما وتنوع السلع والمواد الاقتصادية في السوق هي من (تباريك) الديمقراطية، مع تجاهل كامل للكوارث التي لحقت بالمجتمع والدولة والثقافة والحضارة والتاريخ لهذه الأمة جراء الغزو غير المنضبط للمركزية الغربية على كل الصعد والمجالات.

 الخيار المطروح - البحث عن مسار

إن كونية الثقافة مفهوم يطرح الآن أمام الثقافة الوطنية في الألفية الثالثة، وأنه بات من غير المعقول الاعتقاد بأن حماية الثقافة الوطنية تكمن في عزلها عن البيئة الخارجية أو الثقافة العالمية وحمايتها من المؤثرات الدولية في ظل الثورة العلمية والتكنولوجية التي يشهدها العالم، ولكن لا بأس من الحفاظ على الثقافة الوطنية على أساس الاعتزاز بالذات والهوية والابتعاد عن الاغتراب الداخلي والخارجي عن طريق إيجاد قنوات متجددة تنتج ثقافة الإبداع والانفتاح والتجديد لا ثقافة التخلف والجمود والانعزال، ثقافة الأمة والخصوصية الوطنية والموروث الحضاري، فهي ثقافة المقاومة أمام ثقافة المركزية الغربية – الاستهلاكية.

يجب علينا أن ندرك أن التغيير الثقافي لا يتم إلا بالاعتماد على الطاقات الذاتية الداخلية البشرية والمادية وتحصين المجتمع وبناء الذات العربية والابتعاد عن حالة التخلف والانعزال في المنظومة الثقافية والتخلي عن إشكالية باتت تتفاعل في الواقع الثقافي العربي الآن بين دعاة الأصالة والتراث من جهة ودعاة التجديد والمعاصرة من جهة أخرى والصراعات بينهما في الكليات والجزئيات من مجالات العمل الفكري والثقافي العربي. والمطلوب مسايرة الإبداع الثقافي العالمي وليس إدخال الثقافات الاستهلاكية الغربية وقشور الحضارة وبناء الدعامة الثقافية إلى جانب التكنولوجيا باعتبارها ثلاث دعامات أساسية لبناء الدولة في الألفية الثالثة.

وأخيراً لا بد من قراءة الواقع والمستقبل بعقل منفتح والخروج من التبعية الثقافية للعولمة وفتح أبواب الحوار والتفاعل الثقافي، وأخذ النخب المثقفة لدورها في عملية البناء الثقافي المتجدد وتشخيص العلل وإيجاد الحلول والاستعداد للمواجهة التاريخية مع الآخر بسلاح الثقافة الوطنية التي ترتبط بجذور الأمة وهويتها القومية والحضارية والتفاعل مع الإبداع والابتكار والتجدد بالثقافة العالمية من دون هيمنة أو سيطرة أو تحكم، أو تصدير ثقافات استهلاكية لا تبني ثقافة وطنية ثابتة ورصينة تخدم الحاضر وأجيال المستقبل. والأهم ترك العرب كجزء من منظومة العالم الثالث لساحات الصراع والتجاذب الفكري والخطابي بين التيارات الفكرية والثقافية بالتزمت في الرأي، ونبذ الرأي الآخر والانغلاق الفكري، وقمع الحريات التي للأسف تتحول تدريجياً اليوم في بعض الساحات العربية من قمع الرأي والفكر بين التيارات من لغة التشهير والتجريح إلى التكفير والتحريم، وإلغاء تام للرأي الآخر لاختلاف الفكر أو المعتقد أو الهوية أو الشكل أو اللون في بعض الساحات. وكل الخشية من قبل النخب المثقفة أن نشهد بعد سنوات قليلة أن تعميم هذه الظاهرة الإلغائية في أكثر من مكان هو في تراجع كبير وكارثي أمام هجمة أو مواجهة مع العولمة التي تتشدق وتفاخر بأزمة وتخلف الخطاب الثقافي العربي رغم أننا نعيش في الألفية الثالثة بكل ما تفرزه من تطورات وتغيرات علمية وثقافية مشهودة. 

مجلة آراء حول الخليج